“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
تتغيّر صورة الشرق الاوسط على وقع تراجع اهميته بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية، التي قررت حماية مصالحها الاستراتيجية كأمن اسرائيل وتدفق النفط عن بعد دون الانغماس في وحول هذا الشرق وتركها لتخبّط دوله فيها.
ومنذ تسلّم الرئيس الاميركي جو بايدن للحكم تبين لدول الشرق الاوسط أن الادراة الاميركية ترغب فعليا بأن تكون ايران شريكا رئيسيا في ادارة المنطقة مثلها مثل السعودية وتركيا واسرائيل.
أثبت الاداء الأميركي لغاية اليوم انعدام اهتمامه لدولتين استراتيجتين في الشرق الاوسط هما المملكة العربية السعودية أولا والامارات العربية المتحدة ثانيا والتي بالرغم من صغر حجمها اثبتت انها قادرة على انجازات دبلوماسية تقلب موازين القوى ومنها قبولها بالسلام مع اسرائيل ومشاركتها في حرب اليمن بأجندة مستقلة تماما عن الاجندة السعودية. أبعدت الولايات المتحدة الاميركية السعودية عنها ودعمت أعداءها وفي مقدمتهم اليمنيين الحوثيين الذين تمّ حذفهم من قوائم الارهاب، واستمرت بدعم ايران وغض النظر عن تحرشها بالأمن السعودي عبر حلفائها الحوثيين كما تغاضت عن ضرب حلفائها الحوثيين لأهداف استراتيجية في أبو ظبي! وبينما تمارس الولايات المتحدة الاميركية سياسة العصا والجزرة مع ايران تقصف لها مراكز في سوريا وضمن اراضيها ايضا، ترد ايران في العراق في جوار القواعد الاميركية في لعبة كرّ وفرّ لا تستهوي الدول الخليجية وقد استكثرت الولايات المتحدة الاميركية تزويد الامارات العربية المتحدة بطائرات أف 35 الكاسرة للتوازن بناء على التمني الاسرائيلي.
ضمن هذا السياق، ووسط الحرب الروسية على اوكرانيا التي يسميها الروس “العملية الخاصة”، قررت الامارات العربية المتحدة استقبال الرئس السوري بشار الأسد، وهو ليس إلا صديقا للامارات التي أعادت سفارتها الى دمشق رسميا في العام 2017، وكانت قد قررت استئناف مبادراتها في الاعمار قبل أن تفرمل سرعتها الولايات المتحدة الاميركية بتهديدها بعقوبات قانون قيصر. لكن، ما بعد ضرب أبو ظبي شيء وما قبله شيء آخر، وما بعد ضرب الاراضي السعودية بشكل شبه يومي بمسيّرات الحوثيين شيء وما قبله شيء آخر، وما بعد حرب اوكرانيا شي وقبلها شيء آخر.
إنها إحدى الرسائل الخليجية التي تضعها الامارات العربية المتحدة في الصندوق الاميركي، وقد سارع وزير الخارجية أنطوني بلينكن الى التعبير عن امتعاضه. إن استقبال الرئيس السوري من قبل ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ليس تفصيلا في العلاقات الاقليمية ويحمل تبعات دولية، وخصوصا مع همسات عن عروض اماراتية لسوريا في مقابل قبولها السلام مع اسرائيل، وهو أمر لم يبتّ بعد وليس في قدرة سوريا لوحدها بتّه، وقد تكون زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان السريعة الى دمشق إحدى المؤشرات الهامة التي يجب متابعتها.
في الرسائل الخليجية الى الولايات المتحدة الاميركية يبدو بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المقدمة من رافضي الابتزاز الاميركي لبلده، ولعلّ رفضه اتصالات الرئيس الاميركي جو بايدن بعد الازمة الاوكرانية خطوة غير مسبوقة سعوديا أنهت عهودا من الاستتباع السعودي غير المشروط لواشنطن.
ويبدو بأن الأمير محمد بن سلمان ذاهب بعيدا في مواجهة واشنطن. فبحسب افتتاحية نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” في 18 آذار الحالي وحملت عنوان: “كيف خسر بايدن العربية السعودية؟”
تكشف افتتاحية الصحيفة الاميركية بأن:” المملكة العربية السعودية تقترب من قبول اليوان كدفعة لشحنات النفط إلى الصين. هذه تكلفة إضافية لها ومن المحتمل أن تكون مهمة للتعامل الفاشل لإدارة بايدن مع حليف مهم استراتيجيا”.
تضيف:” لا تزال تفاصيل الترتيبات الجديدة المحتملة لتجارة النفط السعودية الصينية غامضة. وقد تحدث الجانبان منذ سنوات عن تسعير بعض مبيعات النفط باليوان وقد لا يحدث ذلك. يتم تسعير حوالي 80 في المئة من مبيعات النفط العالمية بالدولار الأميركي واليوان غير قابل للتحويل بحرية حيث يجب أن تكون عملة احتياطية وعملة المملكة العربية السعودية الريال ، مرتبطة بالدولار”.
تضيف الصحيفة:” وترسل أخبار استئناف المناقشات إشارة تنذر بالخطر. التزمت السعودية عام 1974 بإجراء تجارة نفطها بالدولار فقط مقابل ضمانات أمنية من واشنطن. لقد قوضت إدارة بايدن تلك العلاقة في كل منعطف وبكل المقاييس ما جعل السعوديين يشعرون بالسأم”.
وتخلص افتتاحية الصحيفة الى القول:” يسلط الخلل السعودي الضوء على فشل العلاقة التجارية للسيد بايدن في الأممية الليبرالية الصالحة. غالبًا ما أعطى الرئيس ترامب اهتمامًا قليلا للقيم الأميركية لكن بايدن “تمايل” كثيرًا في الاتجاه المعاكس. يبدو أنه ومستشاروه في السياسة الخارجية يفكرون في أن التعمق في حقوق الإنسان والمناخ سينصران مصالح الولايات المتحدة. لقد مزج الرؤساء الناجحون مثل رونالد ريغان المثالية بالواقعية بشأن اللاعبين السيئين في العالم والحاجة إلى الأصدقاء”.
وتخلص الصحيفة:” في هذا العصر الجديد من المنافسة بين القوى العظمى لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل نفور الحلفاء الذين يمكن أن يساعدوا في ردع المعتدين الاستبداديين المصممين على الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وقيمها. تدفع الولايات المتحدة الثمن في أزمة أوكرانيا لخسارتها السعوديين”.
ضمن هذا السياق المضطرب، يبدو بأن المملكة العربية السعودية تعمل عبر ولي عهدها على نسف سياسة البترو دولار التي ارساها وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر مع الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، لكن المراقبين المتخصصين في الشؤون الدولية لا يضعون هذه الخطوة ولا تلك التي قامت بها الامارات باستقبالها الأسد سوى في خانة الرغبة بتوجيه رسائل الى الولايات المتحدة الاميركية وليس في خانة الانعطافة الخليجية الجذرية نظرا لاستحالة هذا الامر.
وتنقل اوساط على دراية بالمناخ السعودي قلقا متزايدا في الرياض من نجاح الاتفاق النووي الثاني في فيينا وما سيعطيه لايران من اموال طائلة تصل الى 120 مليار دولار محتجزة في واشنطن و7 مليارات ونصف المليار في كوريا الجنوبية، وهذا القلق سرّع من وتيرة المحادثات السعودية الصينية. وجاءت الرسالة الاماراتية عبر استقبال الرئيس الاسد لتقرب سوريا أكثر من العودة الى جامعة الدول العربية. لكن المفارقة التي تتحدث عنها اوساط سياسية ضليعة في السياسة الاقليمية أنه وسط الثلاثي السعودي الاماراتي والمصري تبين أخيرا بأن مصر بالرغم من موقفها الداعم للأسد في الحرب التي اندلعت في العام 2011 وإن بصورة غير علانية في موقف تمايزت فيه عن بقية الدول العربية خوفا من نفوذ الاخوان المسلمين، هي التي طلبت أخيرا تأخير عودة سوريا عاما الى جامعة الدول العربية. وتشرح الاوساط المذكورة هذا الأمر بأن مصر اصطفت كليا الى الجانب الأميركي.
حرب اقتصادية مستعرة
وبالرغم من الحرب العسكرية الدائرة بين روسيا واوكرانيا، إلا أن الحرب الاقتصادية الدائرة حاليا هي الأشد خطورة. وتشير الاوساط المذكورة الى أنه من المستبعد أن تصطف الصين كليا الى جانب روسيا، فحجم الاقتصاد الروسي لا يتعدى الـ1،7 تريليون دولار اميركي، أي أن حجم اقتصاد نيويورك اكبر منه، بينما ينتعش اقتصاد الصين من التصدير الى اوروبا والولايات المتحدة الاميركية وهما اكبر كتلتين اقتصاديتين في العالم. إلا أن الصين تمسك العصا من الوسط فلا تعادي روسيا لكنها تعي في الوقت عينه بأن الامتداد الزمني للحرب في اوكرانيا سيعرض الاقتصاد الاوروبي للركود وهذا لن يصبّ في صالحها.
بالخلاصة أدت الحرب الروسية الاوكرانية الى اعادة تموضع للقوى الدولية والاقليمية، ولعل السعودية والامارات أولى الدول المتحركة التي توجه رسائل الى الأميركيين مع سؤال رئيسي: إذا احجمتم عن التدخل في منطقة الشرق الاوسط فلمن تتركون الساحة ومن هو البديل؟ إذا كانت ايران فنحن كدول خليجية نفضل الصينيين والروس! بحسب ما يروي أحد الخبراء في الشأن الخليجي لموقع “مصدر دبلوماسي”.
لبنان وسوريا و”حزب الله” ومؤتمر “سيل سان كلو اثنان”.
لعلّ سوريا التي تستقبل قاعدتين روسيتين في طرطوس وحميميم هي أولى الدول المتأثرة بحرب روسيا واوكرانيا، ففي حال طال أمد الحرب واضطرت روسيا الى سحب قواعدها في الشمال الغربي حيث يوجد بحسب الارقام المتداولة من قبل المتخصصين قرابة الـ50 الف مقاتل من داعش والنصرة، وإذا قرر هؤلاء الهجوم مجددا على المناطق السورية فهل سيسارع “حزب الله” مجددا للدفاع عن النظام السوري؟ إنه سؤال جوهري لا جواب عليه لليوم لأنه لا يزال افتراضيا. إلا أن الواقع الذي تجلى في الاشهر الاخيرة يتعلق بلبنان، صحيح أن البلد المنهار اقتصاديا منذ العام 2019 تراجع في سلم الاولويات الفرنسية والاوروبية، إلا أنه لا يمكن اغفال ما تنقله اوساط دبلوماسية اوروبية لموقعنا إذ اشارت الى ان فرنسا كانت في صدد الاعداد لمؤتمر سيل سان كلو اثنان مع عناوين مثيرة للجدل ومنها ما يطرح حاليا ابان زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الى الفاتيكان من ضرورة الحوار مع “حزب الله” المكوّن اللبناني الرئيسي. لكن العناوين التي كانت ستطرح في المؤتمر المجمّد حاليا بسبب انشغالات فرنسا واوروبا بأوكرانيا تتعلق بإعادة النظر بوضعية الطائفة الشيعية في لبنان ومنحها ادوارا تتلاءم مع حجمها ما ينعكس تعديلات في الدستور اللبناني، ومن الطروحات المتداولة منح هذه الطائفة قيادة الجيش لأنها تسهل انخراط محازبيها في المؤسسة العسكرية الشرعية ولكن ايضا حاكمية مصرف لبنان، هذه المعلومة الأخيرة التي استقيناها من الأوساط المذكورة لم يتم التأكد منها من مصدر ثان، إلا أن مصدرنا يقول أن مؤتمر سيل سان كلو اثنان قيد الاعداد ولو أنه تمّ تجميده حاليا بسبب الحرب الاوكرانية.