“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
طرح مؤتمر “لبنان قلب الشرق الاوسط-أوروبا جديدة” الذي انعقد اليوم الخميس في فندق البستان-بيت مري نسخة محدّثة عن مفهوم العروبة التي اقترنت طيلة مئة عام بإيديولوجيات مختلفة وافتقرت الى قاسم مشترك يجمع مكونات منطقة الشرق الاوسط تحت مفهوم عروبة موحدة، وحملت النسخة الجديدة تسمية “العوربة” وبمفهوم مبسط “عولمة العروبة”. عرض المؤتمر الذي دعا اليه المدير التنفيذي لمجلس امناء “رؤية العوربة” الصحافي والسياسي نوفل ضو الرؤية الاستراتيجية المحدثة لمستقبل لبنان والشرق الأوسط تحت مسمى “العوربة” أو عولمة العروبة والتي تتضمن تصورا جيوسياسيا للعلاقات بين الدول العربية ولدور هذه الرؤية في الحلول المطلوبة للبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وتونس وغيرها من الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني.
وتتضمن “رؤية العوربة” تصورا لدور الدول العربية في بناء العولمة من خلال شراكة فاعلة ومتكافئة مع العالم تفتح الآفاق أمام الشعوب والمجتمعات لبناء السلام والاستقرار والازدهار والتنمية المستدامة، وتعيد صياغة مفهوم جديد وحديث لـ”العروبة” يتناسب مع عصر “التكنولوجيا” بعدما تداعت المفاهيم التي سادت في عصر “الأيديولوجيا”.
وبعد مداخلات المؤتمرين وهم نخبة من الاكاديميين والمفكرين لجوانب مختلفة تعرّف هذا المصطلح بأبعاده المحدثة سياسيا وثقافيا دار نقاش بين الحضور حول مصطلح “العوربة”، فقال مثلا الدكتور ناصر زيدان انه يرفض ان تكون “العوربة” بديلا من العروبة، وانه لا يحبّذ كعربي أي تطوير وتجديد راديكالي لفكرة العروبة، واشار الى ان كثرا يرفضون فكرة عصرنة وتطوير العروبة. فشرح نوفل ضو بان المقصود “هو خلق بديل عن العروبة الايديولوجية، “العوربة” هي عروبة عصر التكنولوجيا بعدما سقطت عروبة عصر الايديولوجيا”، اضاف ضو:” بكل أسف على مدى مئة عام لم نجد من يمكنه ان يعطي تعريفا واحدا للعروبة، بل كل جهة اعطت تعريفا على قياسها، لذا فإننا نستفيد من تجربة المئة عام التي مرت، ولكي لا نبقى مسجونين ضمن مفاهيم متناقضة بين الدين واللغة لتطوير هذا المفهوم”.
واشار أمين ألبرت الريحاني “الى أن العولمة لم تتوقف عند انطلاقها عند الخصوصيات الاوروبية والآسيوية والعربية وسواها، فالعوربة هو مصطلح بديل له اصوله وقواعده وهذا لا يلغي أن نبقى عربا. نحن لا نقول بأن الهوية العربية ستمحى كليا، بل ستتفاعل. العوربة بطريقة مبسطة هي الانتقال من الايديولوجيا الى التكنولوجيا، ومن التقليد العربي الى الحداثة العربية إنها محاولة انتاج إبن رشد وإبن خلدون معاصرين وإلا عبثا نتحدث عن التكنولوجيا”بحسب الريحاني.
وبحسب عدة مداخلات فإن المقصود أن” التشبث بالايديولوجيا القديمة المعروفة سلفا بات امرا عبثيا، ومنطق تطور الفكر السياسي والاداء العربي المعاصر الذي تمثله العصرنة والتقدم الاقتصادي والانمائي في دول عدة هو طريق ايديولوجيا حديثة منتجة تلتقي مع التكنولوجيا الحديثة باتجاه العروبة المعولمة التي اختصرها المنظمون بكلمة “العوربة”.
اعطى الريحاني مثلا:” إن الولايات المتحدة الاميركية التي كانت غارقة في ايديولوجياتها القديمة لم تبدأ بالاستقرار إلا بعد اعتمادها التكنولوجيا الحديثة التي اثبتت انها العامود الفقري لا ايدولوجيا لا تثمر. قد تكون بعض الايديولوجيات محقة لكنها اذا لم تقترن بالعصرنة تبقى محدودة.
وأشار نوفل ضو بأننا “من خلال هذا المشروع نحاول مواكبة مسار بدأ فعليا، وذلك بجهد اكاديمي لترجمة بداية مسار على أمل الاسهام برفده بمعطيات علمية اضافية. إن موضوع عولمة العروبة بدأ في دبي في تسعينيات القرن الفائت، وكذلك عبر المسار الذي تتبعه دول مجلس التعاون الخليجي منذ أمد بعيد”. أضاف ضو:” في السعودية فقط يوجد 250 الف من المبتعثين الذين يتابعون دراساتهم العليا في دول العالم قاطبة، وهؤلاء يعودون الى بلدانهم، ما نحاوله انجازه هو تظهير صورة بعيدة من انظارنا في دول عدة سواء في لبنان وسوريا واليمن وليبيا وتونس والسودان والجزائر وكل هذه الدول التي اعتبرها شخصيا شبيهة بدول اوروبا الشرقية، حيث عاشت هذه الدول مسلوخة في الزمن لا تعرف ما يدور حولها. لا يزال بعض الناس في هذه البلدان تعيش حالة انكار لا تريد الاعتراف بأمر ما كبير يحدث على مستوى العالم، هنالك اناس تغرق في انجازاتها التاريخية الماضية، لذا نريد تظهير هذه الفكرة التي يجب ان تنتشر في لبنان والدول العربية سواء تلك التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي او التي لا تنعم بهذا الاستقرار. فالدول التي لديها هذا الاستقرار يجب أن تتولد لديها الرغبة بالمساعدة، بمقابل رغبة من الدول غير المستقرة كلبنان بالمشاركة او التطلع باتجاه هذه المشاريع. نحن لا نشتغل النظرية فحسب، بل نتطلع بالواقع الموجود ونحاول ترجمته اكاديميا، ونرفده بالتعابير والاجتهادات والنظريات السياسية الممكنة التي يمكن ان تواكب ما يحصل فعليا في العالم العربي”.
تم الإعلان خلال المؤتمر الذي حضرته فاعليات اكاديمية وسفراء لبنانيون متقاعدون -سيكون لهم دورهم في صياغة وترويج هذا المفهوم – واعلاميون عن ولادة برنامج أكاديمي جامعي جديد تحت مسمى: “العوربة – COSMOARABISM/E” في اختصاص العلاقات الدولية والدبلوماسية، لمستويات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. يهدف البرنامج الى نشر ثقافة “العوربة” ورفدها بالأبحاث والدراسات العلمية. وقد بدأ تدريس البرنامج على مستوى الدكتوراه في مدرسة باريس الدولية للتعليم العالي اعتبارا من مطلع العام الجامعي الحالي، على أن يتوسع التدريس الى المستويين الآخرين اعتبارا من مطلع العام الجامعي 2022 – 2023، وسيواكب هذا البرنامج الاكاديمي تدريب مستمر وندوات ومحاضرات تنشر هذا المفهوم المحدث للعروبة التقليدية.
وقائع المؤتمر
مداخلة المدير التنفيذي لمجلس أمناء “رؤية العوربة” نوفل ضو:
في قاعة إميل البستاني الذي أطلق في منتصف القرن الماضي فكرة الكومنولث العربي،
وفي بيت مري جارة الفريكة مسقط رأس أمين الريحاني الذي أطلق في مطلع القرن الماضي مشروع الولايات العربية المتحدة،
وعلى كتف بيروت التي ستعود كما كانت منارة للشرق
نجتمع اليوم في مؤتمر فكري – علمي – أكاديمي أطلقنا عليه تسمية: “لبنان قلب مشروع الشرق الأوسط – أوروبا جديدة”، لنوصل الى اللبنانيين والعرب والعالم رسالة واضحة وحاسمة: الفكر في لبنان على عكس السياسة بمفهومها الضيق لا يزال بخير، فهمّ رجال الفكر واهتمامهم، هو غير همّ رجال السياسة واهتمامهم الى أن تعود السياسة فكرا قتستقيم الأمور وتصطلح السياسة!
ليس سهلا في زمن يتصارع السياسيون للوصول الى السلطة المتهاوية أن يجتمع العشرات من قادة الرأي والمثقفين والاكاديميين للبحث في كيفية أيصال لبنان والمنطقة الى رحاب العولمة.
غيرنا يغرق في التاريخ للبحث عن أسباب لاستمرار الصراعات والحروب والمواجهات والخصومات… ونحن ننهل من محطات تاريخنا المضيئة ومن ريادة رجالاته الكبار، لا لنبكي على الأطلال ونرثي دورا استقلنا منه بأنفسنا، بل لنستخلص العبر ونمضي في بناء مستقبل سبقنا اليه الكثيرون.
إن الخروج من واقعنا المأزوم يتطلب جرأة في التفكير والمقاربات وطرح الحلول… ويتطلب واقعية في محاكاة المشكلة في زمن تحولت الواقعية بالنسبة الى البعض انهزاما أمام الصعوبات واستسلاما أمام الأمر الواقع.
من هذا المنطلق عملنا على مدى سنوات على بلورة “رؤية العوربة”، وها نحن اليوم ننطلق معكم، حاضرين معنا في هذه القاعة، ومشاركين عن بعد، من الدول العربية والمغتربات، يدا بيد في رسم خريطة طريق تسمح لنا كلبنانيين بالانضمام الى ورشة بناء العروبة الحديثة المعولمة أي “العوربة” والى مسار بناء شراكة عربية صحيحة ومتكافئة تسمح لنا بولوج العولمة من الباب العريض الذي يحفظ دورنا وحقوقنا.
تعريف المصطلح
إن مصطلح “العوربة” هو تعبير جديد مبتكر ومركب من كلمتي “العولمة” و”العروبة”، ويقصد به “عولمة العروبة” أو “العروبة المعولمة”، أي النموذج العربي من العولمة، أو الشراكة والمساهمة العربية في بناء العولمة لمواكبة “عصر التكنولوجيا”، بعدما تداعى “عصر الايديولوجيا” وما تلا هذا التداعي من متغيرات وتحوّلات سياسية وعسكرية واقتصادية وفكرية وثقافية في كل أرجاء العالم بما فيها الدول العربية.
إن ما تلا سقوط الاتحاد السوفياتي من صراعات بين قوى اقليمية ودولية، على خلفيات استراتيجية وجيو سياسية واقتصادية ودينية، للحلول مكانه وملء الفراغ الذي تسبب به هذا السقوط، ترك بعض الدول العربية التي كانت تدور في فلك “المعسكر الشرقي”، أو التي كانت تتأثر به سياسيا وعقائديا، أو تتحالف معه، في حالة من انعدام الوزن السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، وأدى ولا يزال الى حالة عدم الاستقرار في هذه الدول، وهو ما يجعل من “العوربة” ضرورة جيو سياسية في هذه المرحلة لاعادة انتاج نظام عربي شامل وجديد وفاعل يساعد الدول المأزومة على الخروج من أزماتها.
أما باللغتين الفرنسية والإنكليزية فاعتمدنا مصطلح COSMOARABISM / E وهو مصطلح مبتكر ومركب على أساس:
– الكلمة اللاتينية COSMO التي تعني “العالمية”
– والترجمة الفرنسية والانكليزية لكلمة العروبة ARABISM / E.
لقد تعمدنا الابتعاد عن استخدام الكلمتين الرائجتين للتعبير عن “العولمة”: MONDIALISATION بالفرنسية و GLOBALIZATION بالانكليزية، في المصطلح الذي نعبر فيه عن رؤيتنا للبعد العالمي للعروبة الحديثة او العروبة الجديدة. فرؤية “العوربة” ليست استنساخاً كاملاً ل”العولمة” ولكنها رؤية خاصة تهدف الى المساهمة في معالجة الإشكاليات والتحفظات التي يثيرها المسار الحالي ل “العولمة”، لا سيما لناحية المخاوف من التهديد الذي يمكن أن يشكله هذا المسار للخصوصيات والعادات والتقاليد والمعتقدات والثقافات والحضارات خصوصا في الدول والمجتمعات العربية.
ف”العوربة” هي رؤية لترجمة حوار الثقافات والحضارات والأديان والمعتقدات وتفاعلها عبر القارات، ولتطوير الدول والمجتمعات وتحديثها من خلال الاستفادة من خبرات بعضها، في مجالات استثمار الثروات والعلوم والتكنولوجيا والصناعة والزراعة والثقافة والفكر والأدب والفنون، وركن من أركان الجمع بين خبرات الآخرين وتجاربهم، وبين الحفاظ على الخصوصيات.
“العوربة” هي خيار حرّ بديل عن الاصطفافات الدولية والصراع بين القوى العظمى، القديمة منها أو الناشئة، للسيطرة على العالم وثرواته الطبيعية ومقدرات شعوبه الاقتصادية. وهي بديل عن الالتحاق أو التأثر بالأحاديات والثنائيات والتكتلات والأحلاف الاستقطابية. إنها مساهمة عربية في بناء توازن عالمي بعيدا عن مشاريع الغلبة، وعامل وصل وتكامل انساني يحافظ على التعددية ويصون مركبات الهويات ويحميها من نظريات الصهر والتذويب. إنها رؤية شراكة كاملة ومتكافئة لا تميز بين لون وعرق ومعتقد، تهدف الى بناء حضارة السلام العالمي والكرامة الإنسانية.
المفهوم الجيوسياسي ل”العوربة”:
تعني “العوربة” بالمفهوم الجيو سياسي، النظام الجماعي العربي الجديد والحديث والمتكامل الذي يتشكل من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لمواكبة القرن الواحد والعشرين، والذي بدأت أسسه السياسية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية تتبلور مع بروز الرؤى الإصلاحية والتنموية المستقبلية والمستدامة التي أطلقتها دول مجلس التعاون الخليجي على شكل مشاريع واستثمارات داخلية، ومفاهيم جديدة لطبيعة العلاقات الدولية بعيدا عن الأحلاف الجامدة، ومقاربة حديثة ومنفتحة للعلاقات الإنسانية والحوار بين اتباع الأديان، والتفاعل بين الثقافات والحضارات.
“العوربة” والإنسان:
تنطلق رؤية “العوربة” من التراكمات التاريخية ودروسها وعبرها، الإيجابية منها والسلبية، لتوفر:
– للجماعات والمجتمعات الأجواء الملائمة لحرية التفكير والرأي والمعتقد للتفاعل والتعاون حاضرا ومستقبلا،
– وللإنسان الفرد ما يحتاجه من مقومات للنمو الفكري والجسدي في افضل الظروف الصحية والتربوية والخدماتية، ولحياة كريمة في المراحل العمرية كافة من الطفولة الى الشيخوخة مرورا بالمراهقة والشباب.
“العوربة” والهوية:
”العوربة” هي رؤية تكاملية تعاونية جامعة ومتحركة، بعيدة عن نظريات التذويب والانصهار، عابرة للحدود مع الحفاظ عليها كرمز سيادي للدول، وعابرة للغات المحلية مع صون ديمومتها، وعابرة للأعراق والقوميات والاثنيات مع احترام تنوعها، وعابرة للثقافات والحضارات مع التمسك بميزاتها، وعابرة للمعتقدات الدينية مع الاستثمار في غناها وقيمها الأخلاقية.
إنها بيئة اقليمية جغرافية واجتماعية وادارية وقانونية وسياسية واقتصادية وصحية وخدماتية:
– تساوي بين أبنائها في الحقوق والواجبات،
– وتضمن لمواطنيها خصوصياتهم التي تكوّن هويتهم الإنسانية المركبة،
– وتؤمّن لهم متطلبات العيش المشترك والتعاون والتفاعل والتكامل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وقواعد التنافس الشريف،
– وتنتج”سلّم قيم” انسانية يحترم الحياة الكريمة للبشر ويؤمن لهم العدالة الاجتماعية والرفاه والسعادة والازدهار والتنمية المستدامة
– وتقوم على استثمار الثروات الوطنية والطبيعية في بناء إنسان ريادي ومثقف ومنفتح على الآخر المختلف في سبيل بناء حضارة السلام والتسامح والتنمية والأخوة الإنسانية بعيداً عن مشاريع الحروب والتوسع والتسلط والفرض والقهر.
الأطر التنفيذية ل “العوربة”:
تترجم “العوربةً” من خلال مجموعة من الآليات والخطوات والتدابير والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والمالية والثقافية والقانونية والبيئية … لمواكبة “العولمة”، لا سيما في مرحلتها الجديدة: “العولمة الرقمية”، بما يمكّن الدول والشعوب والافراد المعنيين من المساهمة في بناء شراكة كاملة وفاعلة مع العالم وفقاً لقواعد تضمن تكافؤ الفرص والتنافس الايجابي، ومن خلال إداء قيادي وشعبي ديناميكي ومتحرك ودائم التطوّر يشمل كل مجالات الحوكمة السياسية والإدارية والقانونية، وكل مجالات الحياة الاجتماعية، ويقوم على فكر إنساني تنموي وتطلعات سياسية ورؤى اقتصادية ونمط حياة وطريقة عيش واسلوب حديث ومتطور لادارة المجتمعات على قاعدة حرية الإنسان والعدالة الاجتماعية والخير العام ومكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة، ويسمح ل”الدول العربية” وشعوبها بأن تتعاون وتتكامل وتصبح جزءاً فاعلا ومقررا من النظام العالمي ومتفاعلا معه، مع الحفاظ على خصوصياتها وثقافتها وحضارتها وتاريخها وقيمها الدينية وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية.
أمين ألبرت الريحاني
تتردّد اليوم مصطلحاتُ الحداثةِ اللبنانية والحداثة العربيّة، والعروبةِ الحديثة، والعروبةِ المعاصِرة، والعروبةِ الـمُعَولمة، وعروبة لبنان، ولبنان الحديث في تجديد انتمائِهِ العربي… وجميعُها يندرج ضمن مشروع عربي جديد، مُستمَد من التطورات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي يشهدُها القرنُ الواحدُ والعشرين.
في عودة عاجلة إلى الوراء نجد أن لبنان، منذ مئة عام تمامًا، أي منذ العام 1922، تمثّل بأحد أدباء المهجر الأميركي الذي قام برحلة إلى شبه الجزيرة العربية وزار ملوكَها وحُكّامَها وعمّت أصداؤها كلَّ أنحاء العالم العربي، خاصة حين وَضَعَ صاحب تلك الرحلة مؤلّفاتٍ بالعربية عن محادثاته ومشاهداته وتجواله العربي، ومن أبرز تلك المؤلّفات: ملوك العرب وقلب العراق، وفيصل الأوًل، والمغرب الأقصى وقلب لبنان… كما وضع سلسلة من الأعمال بالإنكليزيّة حول مشروعه العربي، وأبرز تلك الكُتُب:
Ibn Saud, His People and His Land
Arabian Peak and Desert
Around the Coasts of Arabia
وكان ذلك قبل أن تستقلَّ البلادُ العربيّة وتنشأ دولُ المنطقة وتتأسس جامعة الدول العربيّة. تلك الحركة السياسيّة الحديثة النابعة من لبنان، تبعتها في العام 1955 حركة فكريّة وشعرية أخرى انطلقت من لبنان وعمّت أيضًا العالم العربي، حتى قال عنها الكاتب البريطاني روبن كرِزْوِلRobyn Creswell أن بيروت هي مدينةُ البدايات وهي حاملة الحداثة الشعريّة العربيّة، والحداثة الثقافيّة العربيّة، إلى كلّ قُطْرٍ من أقطار العالم العربي.
أما تلك المصطلحات فالمقصود منها ومِن عودتِها اليوم إلى الواجهة السياسيّة والساحة الثقافية والفكريّة في لبنان والعالم العربي أنّها أخذَتْ تنمو وتنبعث من جديد لتُكمِلَ الرسالة وتواكبَ العصر. يمكن اختصار المسألة بقصة الحداثة اللبنانيّة وأثرها على العرب والعروبة، على مدى مئةَ عامٍ بالتمام والكمال، الأمر الذي أدى إلى انفتاح العروبة على الحداثة، بشكل موضوعي معاصر، ومن خلال جُملة مزايا تتمحور جميعًا حول الخصالِ العشرِ الآتية:
1- عروبةٌ حرّة متحرّرة: أي عروبة ديموقراطية بالمعنى الحديث، عروبة تفصِلُ نهائيًا بين التطبيق الديمقراطي وكلِّ النعوتِ والصفات التي تكبّل تلك الديمقراطية. فالديمقراطيّةُ التوافقية مثلاً ليست بديمقراطيّة، وديمقراطيّةُ المحاصصة ليست بديمقراطية، وديمقراطيةُ مهابةِ السلطة والخضوعِ للأجنبي ليست بديمقراطية. الحريةُ تكون منفصلة عن كلِّ قيد أو شرط، باستثناء شرط احترام حريّة الآخر، أو لا تكون. فالانتماء إلى الحرّيّة هو خطوة مسبقة للانتماء إلى الأرض. هكذا ترتبطُ الحريّةَ بالمواطَنة كما ترتبطُ بمعنى الانتماء. فاللبنانيّون، رَغم كلّ العثرات والصعوبات التي واجهوا ويواجهون، اعتادوا نمَطًا من الحريّة الاجتماعية والسياسيّة يصعبُ عليهم التنازلُ عنها، مهما كانت الأثمان باهظةً. والعربُ، رَغْمَ شظفِ العَيش الذي ألِفوه في الصحاري العربيّة، سعَوا إلى حريّة الفرد وحريّة الجماعة قديمًا وحديثًا في شؤونهم السياسيّة والاجتماعيّة على السواء.
2- عروبةٌ أخلاقيّة: كان لبنان سبّاقًا إليها في النصف الأوّل من القرن الماضي، ثم بات العربُ متقدمون فيها خاصّة في الرؤية الحديثة للدولة المعاصرة في العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين. فسُلَّم القيَم في العروبةِ الأخلاقيّة أدى في بعض الأحيان إلى السير بشروط هذه القِيَم من أجلِ إصلاحِ المجتمع، وتعزيزِها لتتحوّل إلى سلوكيّات طبيعيّة، تغلُبُ على المشهدِ اليومي في حياتنا الاقتصاديّة والثقافية المتطورة. من هنا، أهميّةُ التأكيد على أنّ لا إصلاحَ للوطن من دون إصلاحِ الجماعة، ولا إصلاحَ للجماعة من دون إصلاحِ الفرد، ولا إصلاحَ للفرد من دون إصلاحِ الروح.
3- عروبةٌ عَلمانيّة: وهي العروبةُ القادرةُ على فصل الدين عن الدولة، وعلى سَنّ الشرائعَ والقوانينَ التي تعزّز الانتماءَ الوطني ولا تلتفتُ إلى أي انتماءٍ دينيٍّ أو حزبيٍّ أو قَبَلي. العروبةُ، بهذا المعنى، هي هويّةُ المواطنينَ كُلِّ المواطنين، هويةُ الجماعةِ كلِّ الجماعة، هي هويّةُ الوطن. وفي هذا السياق لا يزال لبنان يتعثّر في سَعْيِه لتطبيق العَلمنة، وكذلك العرب، غير أن هدف الإثنين يكمن في قناعة كلٍّ منهما على فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية إذا ما شئنا مواكبةَ العصر والتماهي مع أوروبا الجديدة ومع العولمةِ الحديثة في معظم أنحاء الكرة الأرضيّة.
4- عروبةٌ عادِلة: أي عروبةٌ لا حاجزَ بينها وبين الانتماءاتِ الأخرى. علاقتُها علاقةٌ مباشَرةٌ مع المواطن، أيّا كانت إنتماءاتُه الدينيّةُ أو الحزبيّةُ أو العرقيّة. عدالةُ هذه العروبة تساوي بين المواطنين لأنّها تتجاوزُ العصبيّاتِ على اختلاف أنواعِها. هي عروبةُ المساواة، فلا أكثريّةَ أو أقليَّة إلّا في اتخاذ القرار. فالسُلطةُ على مسافةٍ واحدة، عَمَليًّا وتطبيقيًّا، من جميع المواطنين.
5- عروبةٌ متعلِّمةٌ مُثَقّفة: أي عروبةٌ لا تختبىءُ خلفَ أيّةِ شهادة، بل تجمعُ أطرافَ المعرفة، وتمارسُ فنونَ المعرفة على اختلاف مشاربِها بحيثُ تعزّز أفرادَ الأمّةِ ومؤسّساتِها على النقد البنّاء والتحليلِ الرؤيويِّ الخلّاق في سبيلِ مواكبةِ العصر، مواكبةً متطورةً ومزدهرة؛ عروبةٌ تتميّزُ بعِلْمِ العقل وعِلْمِ الخيال. عروبةٌ تقتبسُ من علومِ العصر، وتشاركُ الباحثينَ فيها، وتعملُ على تعزيزِها ونشرِها في الشرق والغرب… عروبةٌ تتسلّح بالمعرفة التي تقتضي معرفةَ الذاتِ أوّلًا، ثمّ معرفةَ الغَير، ومعرفةَ الواقعِ الإنسانيِّ. عروبةٌ تتمكّنُ من شقِّ طريقٍ مستقبليّةٍ نحوَ إسهامٍ حضاريٍّ عربيٍّ وإنسانيٍّ عام. وهذا يعني أنّ المعرفةَ العربيّة، المبنيّةَ على العِلْم والثقافة، يجب أنْ تَتِمَّ على مختلِفِ الصُعدانِ الحياتيّة، وأنْ تشمُلَ مختلِفِ الطبقاتِ الاجتماعيّةِ وشتَّى الفئاتِ الشعبيّة.
6- عروبةٌ فاعِلَةٌ متفاعلة: هي عروبةٌ ديناميّةٌ حركيّةٌ مع الغربِ ومع الشرق. وهي كإنسانِها المتفوّق، قادرة على الجمع بين القُدْراتِ الروحيّةِ الهائلةِ للشرق، والطاقاتِ الإبداعيةِ الثريّةِ لأوروبا، والقوى العلميّةِ الهادرةِ لأميركا. هي عروبةٌ ديناميّة، مبنيةٌ على نظُمٍ حركيّةٍ مستمرّة ينتظمُ فيها نبْضُ التكيُّفِ والتأقلُم. فعلاقة هذه الأمّة بسائر الأمم، شرقيّةً كانت أم غربيّة، تصبحُ علاقةَ ندٍّ للند، علاقةً متساويةً إيجابيّةً غيرَ متعثّرةٍ بعُقَدٍ فوقيّةٍ أو تحتيّة.
7- عروبةٌ متجدِّدةٌ في الشكل والجوهر، في الظاهر والباطن، في تطلُّعاتِها وفي السُبُلِ الكفيلةِ بتحقيق التطلُّعات. عروبةٌ متجدّدة روحًا وعملًا، يقفزُ أبناؤها من نفسيّة العصر العبّاسيّ إلى نَمَطيّة القرن الواحد والعشرين، ومن أدوات عَمَليّةٍ غابرة إلى أدواتٍ فعليّةٍ معاصرة، من العمل بروح الفرد إلى العمل بروح الجماعة وروحِ المؤسسات.
8- عروبةٌ مُسالِمَةٌ، وبالتالي مُساهِمَةٌ في توطيد الإخاء الإنساني الداخلي، والإخاء البشريّ الدولي، وفي العمل على التقدّم السلميّ لشعوب العالمِ الناهض من ويلات الحروب الكونيّة والحروب الإقليميّة والمحليّة. ففلسفةُ الحياة، بهذا المعنى، هي تلك التي تشترط الإنتاج، ليس على الصعيد الاقتصادي وحسب، بل على كافة الصُعُد الفكريّة والعلميّة والأدبيّة والفنيّة. فالانتاج هو الفعل الاجتماعي الدائم الذي يدعم السِلْمَ ويعزّزُهُ على الدوام.
9- عروبةٌ متضامنةٌ متعاطفة، مبنية على نظُم حركيّة مستمرّة تشكّلُ الرئةَ التي تتنفّسُ بها الروح التضامنيّةُ الحقيقيّة. فالجمود والسكون والاتِّباع والاتّكال وما إليها مِن سلوكيّاتٍ سلبيّة مِن شأنها أن تُميتَ الوطنَ والمواطنين، وبالتالي أن تُميتَ الحسَّ الوطنيَّ فيها. وما علاقةُ شعبِنا بسائرِ الشعوب سوى علاقةٍ تكاتفيّةٍ متوازيّة بإيجابيّاتها، مبنية على مبادىء الشراكة والتعاون في مواجهة المستقبل ومواكبة العصر.
10- عروبةٌ إنسانيّةٌ مُعَولمة، تنبُضُ بإنسانيّةِ الإنسان الذي يعرِفُ كيف يجعلُ من الكرةِ الأرضيَّةِ برُمَّتِها وطنًا له، بعيدًا عن كلِّ العصبيّاتِ الدينيّةِ والمذهبيّة والقبليّة والحزبيّة والعرقية والثقافية والمناطقيّة. وإنْ كان لا بُدَّ للإنسان أن يتعصّب، فلماذا لا يتعصّبُ لقيّم الحقِّ والخيرِ والجمال؟ لماذا لا يتعصّب للمستقبل، وللآتي المشرقِ المتألِّق؟ لماذا لا يتعصّبُ للتقدُّم والازدهار وخيرِ البشريّةِ جمعاء؟
هذا ما قاله لبنانَ ومشى. وما قاله يوجز بحركتين من حركات الحداثة حَمَلَهُما على كَتِفَيه وطافَ بهما بلادَ العرب، دانيها وقاصيها، ونتجَتْ عنهما سلسلةٌ من المؤلّفات عن الحداثة السياسيّة والأخرى الثقافيّة والفكريّة شملَتْ دنيا العربَ والإنسانَ العربي.
وها قد مضى قرنٌ كامل على المشروعِ العربي للبنان، حتى بدأَتْ تلوح معالـمُه في الأفق، لا لتنتهي اليوم أو غدًا، بل لتستمرَّ في سيرها غدًا وبعد غدٍ، في خدمة لبنان وخدمةِ العربِ والعروبة، العروبةِ المعَوربة، أو العروبةِ الـمُعَولمة، عروبةٍ مشرقةٍ حديثةٍ معاصرةٍ ومتفاعلة مع الذات العربيّة في هذا المشرق كما مع أوروبا الجديدة وشعوب.
الدكتور جوزف كشيشيان
قبل وقت طويل من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 والذي من شأنه إرساء نظام عالمي جديد، حدثت تحولات سياسية جذرية إثر سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1990 لكن المنتصرين في الحرب الباردة فشلوا في إعادة ترتيب توزع النفوذ العالمي الذي ارسته معاهدة وستفاليا.
وقعت معاهدة وستفاليا في العام 1648 وأنهت ثلاثين عاما من الحرب بين كيانات سياسية تورطت في نزاعات حول دستور الامبراطورية الرومانية المقدسة والدين ونظام الدولة في أوروبا. في تلك المرحلة، مهّد النظام الإقطاعي الطريق أمام بروز مفهوم الدولة القومية، وأمام نشوء آلياتٍ جديدة تولّت إدارة الشؤون الداخلية للدولة وإن لم يكن سجل هذا النظام بين العامين 1648 و 1914 مضيئاً.
بعد نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين أسفرتا عن مئات الملايين من القتلى والجرحى تولت منظمتان أساسيتان إعادة ترتيب النظام العالمي وهما عصبة الأمم والأمم المتحدة، فحافظتا على المفاهيم (الأسس) التي طُرحت (اعتمدت) في وستفاليا. لكن المنتصرين أعادوا مرة أخرى رسم العجديد من خرائط الدول وقسموا العالم والسلطة عليه فيما بينهم وبما يتناسب مع مصالحهم.
يعبر البعض عن قناعتهم بأن الصين وفرنسا والاتحاد السوفياتي (روسيا اليوم) والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية حمت مصالحها من خلال احتفاظها بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وهو ما لا يمكن اعتباره تجربة ناجحة (أو مثيرة للإعجاب) لسببين:
– الأول لأنه أوجد نظاماً مؤلّفاً من مستويين، مجموعة الخمسة الدائمين من جهة وبقية البشرية من جهة أخرى.
– أما السبب الثاني فهو أنّ انهيار الاتحاد السوفياتي سلّط الضوء على النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنتج عن عدم تخلي أصحاب القرار ومن هم في موقع المسؤوليات المختلفة عن ميولهم لاستخدام العنف.
نقف اليوم على أعتاب عصر جديد يحتاج الى وقت لترسيخ معالمه وبلورتها، ممّا يعني بأن عائلة المجتمع الدولي ستكون أمام تحديات اعادة تنظيم نفسها من خلال رسم التحالفات لحماية المصالح، وتظهير الصداقات والخصومات، وأخيراً وليس آخراً القدرة على الحياة والاستمرار في أجواء دولية جديدة ستكون – على أقل تقدير – مقلقة.
وفيما يتخوف البعض من أن نكون مقبلين على حرب باردة جديدة، يخشى البعض الآخر من حرب ساخنة، ومن مخاطر نووية وإن كانت محدودة. وهناك من لا يزال على ثقة وقناعة بأن من هم في موقع القرار والقيادة سيتخذون القرارات الصائبة. ومع أنّه لا يزال من المبكر معرفة الاتجاه الذي ستسلكه البشرية، فإن الأكيد هو أنّ العالم الذي عرفناه في النصف الثاني من القرن الأخير لم يعد على ما كان عليه، وبأن عالماً آخر سيحلّ مكانه خلال العقود القليلة المقبلة التي ستشهد مرة أخرى إعادة تموضع جديدة.
من هنا، فإن السؤال الطبيعي يتمحور حول طبيعة تموضع العالم العربي في هذه الاصطفافات المفترضة، وعن كيفية تمكن 600 مليون نسمة يعرّفون عن أنفسهم كعرب، من حماية وجودهم وحضورهم والحفاظ على دورهم السياسي؟
باختصار، فإن المسألة الجوهرية المطروحة هي: هل سينجح العرب في إسماع صوتهم، وإيصال رأيهم وترجمته على أرض الواقع، وفي تقرير مصيرهم؟ أم أنهم سيسلمون مرة أخرى بالمعادلات العالمية الناشئة التي ستهمّشهم مرة جديدة كما حصل بعد العام 1945؟
***
إن القراءة المرحلية للتوترات التي نعيشها تدفع بنا الى الاستنتاج بأن العالم كان خاضعاً خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين لإرادة (لسيطرة) دول فاسدة ومرتشية تقوم على أنظمة ديمقراطية أو شمولية على حدّ سواء، حيث تحكم القادة الرئيسيون فيها بالتفكير والقرارات الاستراتيجية. وهو ما يستدعي إعادة النظر بهذا الواقع بعدما تبين أن أصحاب القرار اعتمدوا الكثير من الخيارات السياسية والتوجهات تحت وطأة الضغوطات. وبالتالي، فقد خرج القادة الأقوياء – سواء كانوا منتخبين بشكل صحيح بحسب الطرق الغربية المتنوعة أو أولئك الذين حكموا خلافا للنمط الديمقراطي الغربي – عن قواعد الأنظمة السياسية حتى في ظل العولمة.
من هنا، فإن النقطة الأولى التي يجب أن يأخذها المفكرون في الاعتبار هي أنّ العولمة انتصرت في معركة وجودها وبقائها وحصلت على ضماناتٍ للدفع بالمكاسب التي تأمّنت خلال العقود السبعة الماضية. ومع أن الأشكال التي ستتخذها العولمة في المستقبل لا تزال غير واضحة المعالم، إلا أنه من المرجّح أن تتبدل الظروف الاجتماعية والاقتصادية العالمية الناشئة، وصولا الى اعادة رسم الصيغة التي أعقبت معاهدة وستافاليا بما يناسب رؤيتها (أو رؤاها) الشاملة.
بعباراتٍ أخرى، ستشكّل العولمة قوّة يُحسب لها حساب. فالدول القومية و/ أو الكيانات الباقية أو البديلة ستتصالح مع العولمة، وسيكون من الصعب التنبؤ بما إذا كانت التحالفات قادرة على استبدال العولمة إذ أنّ التجارة العالمية والحداثة ستستمران في الازدهار وستترافقان مع أفكارٍ غير عقائدية وأهداف أكثر مسؤولية. كما ستشهد الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وكلّ نشاط بشري آخر ازدهاراً وسيطال ذلك العالم العربي الذي لا يمكنه البقاء معزولاً في حال أراد العرب مواكبة التطور والازدهار.
أما التحدّي الثاني فيكمن في كيفية الاستعداد للمواجهات الاستراتيجية التي ستشغل البشر من اليوم وحتى حلول العام 2050، مع أنه لا يزال من المبكر أن نعرف بشكل أكيد ما إذا كانت الساحة الدولية برمّتها مستعدّة لتحمّل الاضطرابات العنيفة بين الولايات المتحدة الأميركية (وحلفائها) من جهة وبين الولايات المتحدة الروسية (وحلفائها) من جهة أخرى. كما من شأن كياناتٍ أخرى أن تلعب أدواراً مهمة بما فيها الولايات المتحدة الصينية (وحلفاؤها) والولايات المتحدة الافريقية وغيرها.
من هنا سؤالنا: هل تكون الولايات المتحدة العربية خياراً مطروحاً وفي ظل أية قيادة قد تبرز؟
من الطبيعي أن يلجأ بعض السياسيين في أكثر من مكان عن أفضل الطرق للدفاع عن مصالحهم الخاصة، فيبرمون تسويات ويقدمون تنازلات لمثيري الشغب، مما سيعقّد الأمور أمام رجال الدولة – الذين أصبحوا نادري الوجود – والذين يعملون على تحقيق أهدافهم في ضمان التطور والازدهار لدولهم وشعوبهم. بعباراتٍ أخرى، فإن السؤال الذي يُطرح هو: كيف ستكون العلاقة بين أولئك المنشغلين بالهيمنة وبين الذين يخططون لمواكبة التحولات الدراماتيكية التي تتطلب نمطا جديدا من العلاقات بين الدول.
ويتمثل التحدي الثالث في كيفية الحفاظ على الثقافات وحمايتها في ظل المتغيرات الحاصلة. فعلى مدى العقود الثلاثة المقبلة، لن تواجه التحالفات تحديات الحفاظ على المصالح الجيو-سياسية والأمنية الأساسية والحيوية وحمايتها، فقط وإنما ستترتب عليها أيضا مسؤولية حماية الأبعاد الثقافية والإثنية والدينية لمجتمعاتها.
بالنسبة الى الأقوياء، أي الذين انتصروا في السابق أو قد ينتصرون في المستقبل، فهم قلّما يأخذون في الاعتبار المصالح الوطنية للآخرين، وقلما يولونها الاحترام الذي تستحقه. فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية والولايات المتحدة الروسية والولايات المتحدة الصينية أو غيرها من الأقطاب تحاول التأثير ثقافيا وإثنيا ودينيا على المجتمعات الأخرى وهو أمر مؤسف وبالتأكيد أحد أبرز أسباب النزاعات المستمرة.
لذلك، من المفترض في حال نشأت الولايات المتحدة العربية وتولت القيادة الفعلية لما يناهز 600 مليون عربي، أو أقله قسم كبير منهم، في العام 2050، أن تنتزع من المجتمعات الدولية الاعتراف والاقرار بالخصوصيات التي تميز كياناتها.
وترتبط المسألة الرابعة في كيفية تعامل كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والروسية والصينية وغيرها من الأقطاب مع الولايات المتحدة العربية نظراً إلى أن الجميع ينظر إلى العالم العربي عموماً وشبه الجزيرة العربية خصوصاً كمنطقة بالغة الأهمية. فكيف ستتوصّل الأنظمة الملكية المحافظة في الخليج العربي والتي ستتولى على الأرجح قيادة الولايات العربية المتحدة لإرساء تفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية أو الولايات المتحدة الروسية، علماً بأن الأولى تحتفظ بقواعد عسكرية مهمة في المنطقة فيما تستمتع الأخيرة بوجودٍ فعلي في سوريا وليبيا بشكلٍ خاص. في العام 2050، سيكون على المملكة العربية السعودية بقيادة الملك محمد بن سلمان أن تتولى إدارة تحالفاتها الناشئة ضمن الولايات العربية المتحدة والحفاظ على روابط صحيحة مع الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء فضلاً عن الحفاظ على مصالحها العالمية الشاملة دفعةً واحدة. بعباراتٍ أخرى، ستبرز اضطرابات استراتيجية جديدة تشكل تحدياً للرياض خصوصاً وللعالم العربي عموماً مما سيستوجب إعادة تقويم شاملة بما في ذلك تعزيز العلاقات المحلية والإقليمية لضمان الشرعية وتعزيز الاستقرار المستدام للولايات المتحدة العربية.
في النهاية، لا بد من طرح علامات استفهام حول صلاحية الأيديولويجا بحد ذاتها كقاعدة للحكم. فقد لاقت كافة الأيديولوجيات بدءاً من الليبرالية إلى الشيوعية مروراً بالمحافظة والديمقراطية والاشتراكية والشمولية والاستعمار والإصلاح الزراعي والثيوقراطية تحدياً من العولمة التي، ولا بدّ من الإقرار بهذا الأمر، عرّتها بكل تفاصيلها. وسيكون من المنطقي التساؤل إذا كانت الأيديولوجيات ستستبدل بمبادىء عملية جديدة لحكم المجتمعات المركبة التي تسير على طريق التقدم التكنولوجي بشكل متزايد. قد يستنتج المتشائمون بأن تجارب الماضي ستتكرر وأن البشرية لا بد أن تستمر في الانتقال من فشل إلى آخر. أمّا المتفائلون على المقلب الآخر، فسيستنبطون تحالفاتٍ أكثر متانة يُراد منها تحديداً الدفاع عن سياداتهم وحرياتهم.
اسمحوا لي بأن أختم بهتين الدعوتين البسيطتين. هل بوسعنا نحن العرب أن نكتب تاريخنا الخاص ونحدد مصيرنا؟ يجب أن تكون الإجابة على هذا السؤال: بالطبع يمكننا بل وعلينا القيام بذلك وآمل بأن نتمكن من الشروع بهذا التحوّل نحو مفهوم العوربة (COSMO-ARABISM ) الذي أطلقه نوفل ضو والذي يعتمد نجاحه بشكل كبير على الذين يرغبون بتحويل أحلامهم إلى حقيقة ملموسة.
رئيس تحرير صحيفة “اللواء” صلاح سلام
العوربة – طريق لبنان والشرق الأوسط الى الاستقرار
إسمحوا لي في البداية أن أُثمّن الفكرة الخلاقة التي زاوجت بين العروبة والعولمة طارحة إستراتيجية “العوربة”، التي من الممكن أن تكون طريق الخلاص من الإهتزازات الراهنة في المنطقة العربية، وتستطيع أن تُشكل مساراً ثابتاً للإستقرار والتنمية المستدامة في هذا الإقليم المضطرب منذ عقود من الزمن.
غير أن الطريق للوصول إلى تلك الأهداف، أو الأحلام، الإستراتيجية الكبرى، ليس سهلاً، ولا هو مفروشاً بالورود والرياحين، كما تعلمون، بل دونه صعوبات وتعقيدات، بل وحقول ألغام خطيرة، يتطلب تجاوزها بسلام، والوصول إلى شاطئ الأمان الكثير من الصبر والمثابرة، وأكثر قليلا من الحكمة والحنكة، لإستيعاب الإختلافات والتباينات، والتوصل إلى القواسم المشتركة الضرورية الصالحة لأقامة بناء العوربة عليها.
لا بد من الإعتراف بأن خطى العرب نحو العولمة بأبعادها الحضارية والتكنولوجية والإنسانية، ما زالت متثاقلة، وتحتاج إلى كثير من قوى الدفع الشبابية لتقريب المفاهيم وإختصار المسافات.
وبالمقابل فإن إهتمام أهل العولمة بالعالم العربي مازال أسير النظرة الإستهلاكية القديمة لهذه المنطقة، التي يتم التعامل معها من دول ومؤسسات عالمية، كأنها أسواقاً لتصريف الإنتاج المتخلف عن آخر تقنيات العصر، مع حرص ظاهر على تجنب الخوض بأي نوع من الشراكة لنقل بعض الخبرات التكنولوجية إلى هذه الدول، والإكتفاء بأحسن الأحوال بإتباع أسلوب تصدير الوحدات من بلد المنشأ، والإكتفاء بتجميعها في البلد المستهلك.
وليس خافياً أن العديد من الأنظمة والقوانين في الدول العربية تحتاج معظمها إلى تغيير، وما تبقى منها لا بد من العمل على تطويره حتى يساير التطورات الحاصلة في زمن العولمة في الدول المتقدمة.
ولعلنا لا نُغالي إذا قلنا أن منطقة الشرق الأوسط بحاجة للإستفادة من الدروس الأوروبية بعد الحربين العالمتين الأولى والثانية في القرن الفائت، والأخذ بالعبر التي دفعت الشعوب الأوروبية ثمنها غالياً حتى ” إكتشفت” عقم الحروب الإمبراطورية، وويلات الحروب الثنائية التي كانت تدوم عشرات السنوات، وبعضها إستمر مائتين عام بين فرنسا وألمانيا، حيث تغلبت اليوم مفاهيم الأمن والسلام والإستقرار، إلى جانب العمل معاً والتعاون من أجل تحقيق الأمان والإزدهار، وصولاً إلى ولادة الإتحاد الأوروبي.
أن قيام أوروبا جديدة في الشرق الأوسط يتطلب إصلاحات جذرية في العقول والنفوس قبل النصوص، أولها التخلي الكامل من كل الأطراف عن خيار الحروب وإستخدام القوة والعنف لتحقيق الأهداف السياسية، وتغليب خيارات الحوار والإعتدال والرغبة في تسوية النزاعات بالمفاوضات، وبناء جسور الثقة والتعاون بين دول المنطقة، لزرع أسس متينة لسلام عادل ودائم، خاصة في النزاع العربي الإسرائىلي يحفظ حقوق الفلسطيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، وتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة، من جهة، ولإيجاد صيغة حسن جوار، من جهة ثانية، مع كل من إيران وتركيا تطوي صفحة التدخلات الحالية، وما تسببه من توتر وإضطرابات في أكثر من بلد في الإقليم.
من الصعب الدخول في شراكة عربية مع العولمة قبل الولوج إلى عالم الديموقراطية الواسع، والتخلي عن كل ما يُقيّد إرادة المواطن العربي في تحديد خياراته السياسية والثقافية والإجتماعية، تحت سقف الإنضباط العام، وفي إطار القوانين التي تحترم التنوع والتعددية في المجتمع الواحد، وبعيداً عن المغالاة في التفلت من المبادئ الإنسانية.
للوصول إلى رحاب الديموقراطية لا بد من عبور جسور الحريات العامة، وإحترام الخصوصية الفردية لكل مواطن في حرية التعبير والمعتقد والتملك والتعليم، ورقع القيود التي تُكبّل الحرية الفردية، مع الحفاظ على الأسس الأخلاقية والإيمانية التي قامت عليها مجتمعاتنا العربية، وحافظت من خلالها على التماسك العائلي، والتكافل الإجتماعي، والتضامن الأسري ، الذي يتجلى بأبهى صوره في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها لبنان، والذي يُخفف بعض معاناة الإنهيارات التي أوصلتنا إلى جهنم.
الحوكمة والشفافية، سبيل آخر نحو الشراكة مع العولمة، والوصول إلى العوربة.
الشراكة الندّية تستوجب تجانس المبادئ وتوحيد الأهداف، وإعتماد أساليب متماثلة في العمل وإدارة الشؤون العامة، حتى يكون التخاطب بمفردات مشتركة، وليبقى تفاعل العلاقات والتعاون في أوجه، بما يحقق الفوائد المرجوة منه.
في مطلع الخمسينات من القرن الماضي قرر العرب إقامة السوق العربية المشتركة، وفي أواسط العقد نفسه قرر الأوروبيون إقامة السوق الأوروبية المشتركة. المشروع الأوروبي تحول تدريجياً إلى إتحاد سياسي وإقتصادي يضم ٢٧ دولة أوروبية، في حين بقي المشروع العربي حبراً على ورق حتى يومنا هذا.
فكم عقد من الزمن نحتاج إلى تنفيذ هذا القرار الإستراتيجي في إعتماد العوربة
وتحقيق الإستقرار المفقود في هذا الإقليم المضطرب؟
الدكتورة نايلة ابي نادر
العوربة والفكر النقدي: خروجٌ نحو الأبعد.
إن الواقع العربي في الحقبة المعاصرة يفرض علينا وقفة تأمّل وتحليل، مما يستوجب إعادة النظر والمراجعة النقدية لمسار طال زمنه، ووفُرت أحداثه المؤلمة، وانتهاكاته الفاضحة. وكأن العقل في إجازة طويلة الأمد، والتحرّر عملية خطيرة تؤدّي بأصحابها الى الهلاك. المقاييس مقلوبة، والانفاس محصاة، والرقابة صارمة. والأخطر من كل ذلك أن وضع الخطوط الحمراء أصبح أمراً تلقائياً لا واعياً تمارسه الذات على نفسها، والإنسان على أقواله وأفعاله. هناك عملية تدجينٍ نجحت في إخفاء صوت النقد قبل أن يتلفّظ بأي كلمة، وفي كبت الصرخة المنتفضة قبل أن تمرّ بالحنجرة. وكأن الرضوخ هو الأمر الطبيعي، والانصياع هو الضامن للسلامة، والطاعة العمياء هي السبيل المؤدّي الى حماية النفس من النزاعات المذلّة والخانقة في آن.
إن الكلام على العوربة والفكر النقدي في هذا الوضع بالتحديد، يضعنا أمام ضرورة السؤال حول كيفية انبناء الموقف النقدي، وفي الحق في التفكير الحر؟ هل لدينا الحق في رفض ما هو سائد وعدم الاكتفاء بالمألوف على الصعيد المعرفي؟ هل بالإمكان ترك مسافة نقدية تفصل كلا منا عما هو قائم غصباً عنه، عما هو متعارف عليه ومقبول من قبل الأكثرية؟ هل لدينا همّ ارتكاب جرم التفكّر والتعقّل بهدف بناء رؤية نقدية للأمور؟ أين نحن اليوم من طرح الأسئلة الموجعة والمقلقة التي لا تهدأ؟
من الملفت أن تراجع الفكر النقدي في الساحة العربية الإسلامية منذ زمن المناظرات الفعلية في بلاط الخليفة العباسي، قد أدّى الى تراجع خطير على صعيد الإبداع الفكري إن فلسفياً أو أدبياً أو سياسياً أو فنياً. بات مجال المعرفة خاضعاً للرقابة الصارمة التي تحدّ من ديناميكية الفكر وتضيّق أفق الانتاج المثمر والذهاب الى أبعد مما هو مُتاح.
يشكّل فعل النقد الركن الأساس والجوهر المحرّك للفكر الفلسفي بعامة، وللعقل القلق الذي ينهمّ بالبحث عن المعنى بخاصة. انه الدافع الأساس الذي يحثّ المفكر على بلورة ما هو جديد، واستكشاف ما هو محجوب. انه كالافق يدعو القوة العاقلة الى الانطلاق قُدماً نحو ما هو أبعد، من دون التوصّل الى القبض على الحقيقة كاملة وبشكل نهائي، مع الوعي المسبق بعدم التمكّن من التوصّل الى القبض على الحقيقة كاملة وسجنها بين دفّتي كتاب، بشكل نهائي وثابت. اقترن فعل التفلسف منذ القدم بأخذ مسافة نقدية من موضوع المعرفة، واعتماد المناقشة والطرح المغاير، وعدم الاكتفاء بالتكرار لما قد قيل في خصوص مسألة ما.
للنقد مناهج عمَل العقلُ على تأسيسها واحداً تلو الاخر منذ أن بدأ بطرح الاسئلة المؤشكلة التي تحمل في طياتها قلق المعنى، وهمّ التوصل الى أقرب موقع من الحقيقة الحقة، وعدم الاكتفاء بالإجابات التي قُدّمت سابقاً. ومع دخول الفكر مرحلة الحداثة والعبور الى ما بعدها، تبلورت في الغرب مدارس منهجية عديدة تعتمد النقد أساساً لها، فنتج عن ذلك أن طُرحت مصطلحات غير مألوفة في حيّز التداول الفكري واللغوي، شغلت المفكرين ودفعتهم الى مزيد من الانخراط في المشاريع النقدية المتعدّدة الاأعاد، وأصبح النقد عنواناً عريضاً يكلّل الابداعات الفكرية الحديثة والمعاصرة.
للنقد شروط وقواعد يعمل من خلالها، قد تكثر أو تنقص وفقاً لما يفرضه المفكر على نفسه أو ما يفرضه المناخ المعرفي والاجتماعي عليه. للنقد مسارات وأهداف أبرزها:
1- الشك في المسلّمات وإعادة النظر في كيفية انبنائها.
2- وضع الإنسان في مواجهة مع أخطائه وجهالاته.
3- الغوص في العمق وعدم الاكتفاء بمقاربة الظاهر فقط.
4- كشف النقاب عما أُريد حجبه، وتسليط الضوء على الزوايا المظلمة.
5- إعادة النظر في المنهج، في المسار، وفي النتائج.
6- الحفر في طبقات المعنى والإسقاطات المتراكمة عبر التاريخ التي من شأنها طمس الحقيقة.
7- موضعة الأمور في سياقها التاريخي والبحث في المرجعيات المعرفية المعتمدة.
8- التعاطي مع الأفكار باعتبارها آراء فيها احتمال الصواب كما الخطأ.
9- البحث في جذور الأفكار، في أصولها، في القواعد والنُظم التي بُنيت عليها.
10- تمهيد الطريق من أجل إحداث قطيعة معرفية مع النهج المعرفي التقليدي وتشييد بناء جديد.
11- الانفتاح على الآخر المختلف وقبول التعدّدية والنسبية.
12- الانخراط في مشروع الحداثة الفكرية.
بين الفلسفة والنقد امتدّت منذ القدم جسورٌ متشعّبةٌ تذهب في أكثر من اتجاه، بعيداً عن التأطير، والتنميط، واجترار ما سبق إنتاجه. بين الفلسفة والنقد فوران وطفراتٌ متدفقةٌ مع كل قلق أو خشية أو إشكال. فالتفلسف في الأصل فعلُ خروجٍ من التقوقع، فعلُ انفتاحٍ على المختلف، فعلُ حوارٍ مع آخر قد يكون في الجهة المقابلة أو المعادية.
يقول جاك دريدا: “إن من يريد أن يتفلسف حقاً، وجب عليه أن يسير نحو الأمام وبشكل مباشر؛ فأقصر طريق الى الفلسفة هو السير صعوداً نحو الأمام؛(…). إن الفلسفة هي كل ما في العالم يتقاسمه الجميع، ولا أحد يملك الحق في أن يمنع أحداً من بلوغه؛ ولذلك، فمتى توفرت لدينا الإرادة والرغبة فيها، صار سهلاً علينا الحصول عليها…”.[1]
من هنا الربط بين فعل التفلسف والسير قدماً أبعد مما يوفره الواقع المأزوم. إنه فعل تخطٍ متجدّد، لا يستريح في الانكماش، ولا يستقيم في القوقعة، ولا يرضى بالتشرنق داخل المسلّمات التي تحدّ العقل، وتكبت الطموح، وتسجن حرية التفكّر. التفلسف مبنيٌ على النقد، وعلى نقد النقد. يتعلّق الأمر بإعادة النظر بما هو مسلّم به، وعدم القبول بالتنازل عن الحق في اختراق دائرة ما هو مباحٌ أو “مسموح التفكير فيه”. فالتطور محكوم بالخطوة النقدية التي تقطع مع ما سبق التصديق به لفترات. إنه عملية رجوعٍ الى الوراء، وحفرٍ في الجذور، في عمق البُنى التي أسّست نظرية ما، والكشف عن مكمن الخلل.
يذكر برغسون أنه: “ما من حالة عقلية، مهما كانت بسيطة، الا وتتغيّركل دقيقة”، لذا من الضروري أن يقوم الفكر العربي المعاصر برصد مساره ولحظ تغيّراته عبر الزمن. تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية تحقيب تاريخ الأفكار الفلسفية منذ زمن اليونان وحتى الفترة الراهنة التي باتت تُعرف بحقبة ما بعد الحداثة، ترتكز على مقياسٍ نقدي، وعلى الاتيان بشيءٍ جديد، نتج إثر ثورة فكرية أدّت الى انقلابٍ للمفاهيم السائدة، أو نقضٍ للنظريات الراسخة. هذا ما بلوره ميشيل فوكو عندما درس تاريخ الفلسفة، وجعل من “القطيعة المعرفية” مقياساً لبداية حقبة جديدة، يُنتَج فيها “نظام فكري” (إبستمه) جديد، يؤسّس لآلية اشتغال العقل على نحوٍ مغاير لما سبق.
يرى هوسرل في سياق كلامه على الطابع المميّز للفلسفة الحديثة “أن “الثورات” الحاسمة بالنسبة الى تقدّم الفلسفة، إنما هي تلك التي يتمّ فيها هدم ادعاء الفلسفات السابقة أنها علم، من خلال نقد طريق سيرها العلمي المزعوم. وعندئذ تنهض الرغبة الواعية تماماً، لتنشئ من جديد، وعلى نحو جذري، الفلسفة بمعنى العلم الدقيق، موجِّهة ومحدِّدة ترتيب المهام التي يتحتّم علينا القيام بها، وأولى هذه المهام هي أن يركز الفكر جَماع طاقته في أن يوضح، عن طريق إجراء فحص منهجي، شروط العلم الدقيق توضيحاً كاملاً، وهي الشروط التي كانت الفلسفات السابقة تغفلّها أو تسيء فهمها بصورة ساذجة؛ وذلك لكي يحاول الفكر في ما بعد تأسيس بناء جديد لنظرية فلسفية…”.[2]
واضح مما تقدّم مدى أهمية النقد الجذري، والدعوة الى التشبّه بالمسار المعرفي الذي اتّبعته العلوم، وذلك من أجل بلوغ حالة التجديد المنشود في مجال إنتاج الأفكار الفلسفية. فالعلوم برهنت من خلال مسارها أنها أنتجت مناهج وآليات بحث وتدقيق، إذ قامت بمراجعةٍ للمقدمات والفرضيات، وهي لا تقف عند حد.
يرى فوكو في مقال له بعنوان “مساءلة الحاضر” أن “هناك دائماً محاولة للنظر الى الحداثة كوعيٍ بالحركة المتقطّعة للزمن، أي كقطيعة مع التقاليد وإحساسٍ بالجدّة والنشوة بما يمرّ الآن، ويبدو أن هذا فعلاً هو ما يعنيه بودلير حين يعرّف الحداثة بـ “المتنقّل أو الهارب أو الطارئ”؛ غير أن هذا لا يعني بالنسبة له أنه يكفي أن تتعرّف على هذه الحركة الدؤوبة وتقبلها لكي تكون إنسانَ الحداثة؛ بل بالعكس أن تتخذ موقفاً منها. وهذا الموقف الإرادي والصعب يتمثّل في إحكام القبض على شيء خالد لا يوجد لا خارج اللحظة الحاضرة ولا وراءها، ولكن فيها؛(…)”. [3]
الدخول في الحداثة إذا مرهونٌ بمساءلة الحاضر، وبالدخول في حالة نقدية. إن الامر يتعلّق باتخاذ موقف من اللحظة الراهنة، إنه العيش في الحاضر بكل أبعاده والإحاطة بجوانبه العديدة من زاوية إعادة النظر والمراجعة النقدية. هذا ما لم يتحقّق بعد بقوة في معظم المجتمعات الناطقة بلغة الضاد، حيث العودة الى الماضي باعتباره أصلاً، هي النهج، والتشبّثَ بالتراث بوصفه مقدساً، هو الطريق. فما هو المطلوب على الصعيد العربي؟
من هنا أنتقلُ الى القسم المنهجي التطبيقي، لكي نرصد معاً أبرز ما يمكن القيام به من أجل إحداث قطيعة معرفية مع نهج التكرار والاجترار والقياس على نموذج سبق، وذلك بهدف الدخول في عمق الحداثة الفكرية، وتأمين الطريق السالك نحو الإبداع. سأستعين بمحمد أركون صاحب مشروع نقدي منذ سبعينيات القرن الماضي، يفتح القنوات بين علوم الإنسان وعلوم اللسان والمجتمع في سبيل تقديم قراءة نقدية للظاهرة الدينية، وما ولّدته في الحضارة العربية الإسلامية. فالحقيقة بالنسبة إليه لا يمكن سبرها إذا تقوقعنا في زاوية واحدة، وتسلّحنا بعلم واحد، واكتفينا بمنهجية معينة من دون سواها.
ان النقد عند أركون ليس مجرّد موقف أو فكرة يتغنّى بها، ولا سلاحاً حاداً يَشهره عشوائياً في وجه الماضي، انما هو منهج منفتح، ومسار متعدّد، يفضي بالضرورة الى التغيير. انه مشروع فكري وانساني ، يعمل على إلقاء المزيد من الضوء على حقائق تهمّ الوجود البشري، ويجتهد في تحرير الروح من السجون الفكرية التي فُرضت عليها. النقد يبدأ بالحفر والزحزحة لكي ينتهي بالتجاوز والتحديث والدخول في مشروع الحضارة الإنسانية والإسهام فيه. انه باختصار إعادة قراءة الماضي من زاوية مختلفة تستثمر كل مكتسبات علوم الانسان والمجتمع واللغة، يتعلق الأمر باتخاذ موقف مغاير من التراث.
يمكن أن نوجز الخطوات النقدية التي يمكن الاعتماد عليها لإدخال الفكر العربي بالعولمة في النقاط الآتية:
1- تفكيك “التركيبات المعرفية” للعقل الديني التي تتضمن الانظمة اللاهوتية، والتفاسير والتواريخ، من أجل تحويلها الى ورشة عمل لا تهدأ.
2- اعتبار العقلانية بمثابة تركيبة مؤقتة يتمّ تخطّيها في ما بعد لكي يحلّ مكانها عقلانية أخرى أكثر توافقاً مع المعطيات الجديدة.
3- عدم الاعتراف بإمكانية تأسيس نهائي ومطلق للعقل البشري، ولا الإقرار بوجود أصول ثابتة ونهائية له. نشير هنا الى أن هذا الامر يُعتبر من أبرز مكتسبات الابستمولوجيا الحديثة.
4- عدم الاعتقاد بأن المعنى بحدّ ذاته موجود على نحو مُسبق أو جاهز، إذ إن هناك عوامل عديدة لعبت دوراً في تشكيله وانبثاقه، وهو ينحلّ ويتبدّل بعد فترة قد تطول أو تقصر لكي يحتلّ مكانه معنى آخر، يبقى عرضة للتغيير.
5- إن إحدى مهمّات العقل النقدي تكمن في الحفر عميقاً من أجل “البحث عن الشروط (أو الظروف) التي يتمّ فيها إنتاج المعنى وما يشكّل المعنى بالنسبة للوجود البشري”.[4]
6- القيام بتفكيك جذري للماضي، ماضي اي أمة او طائفة في سبيل فهمه وتقويمه لكي يتمّ التخلّي عما لم يعد مفيداً، والاحتفاظ بما هو إيجابي ويُسهم في البناء الجديد. وهنا إشارة الى التعالق بين السياسة والدين.
7- العمل على الخروج مما هو متحجّر ومغلق ومسجون داخل الأطر الثابتة للعقائد على اختلافها. لذا ضرورة السعي الى موقف متوازن يُبرز أثر الوقوع في أسر الأنظمة المغلقة ٳن في الناحية العربية أو في الناحية الغربية.
8- إن دخول الفكر العربي في الحداثة يقتضي عدم الاكتفاء بالتعاطي مع ما هو مسموح التفكير فيه من دون سواه، والانغلاق في دائرة السياج العقيدي الضيق. يتطلّب الأمر تحريضاً بشكل مستمر على خرق دائرة “المستحيل التفكير فيه” لفتحها والحفر في طيّاتها، على الرغم من كل الضغوط والموانع المتنامية، وذلك من أجل الكشف عن أنماط المعرفة التي سبق أن أنتجها الفكر المؤدلج وأيّدها.
9- تفكيك جميع نظم الفكر والقيم التي بناها الدين، او التي أسسها العقل الحديث المسمّى عقل الانوار، والعمل على القاء الضوء على المقدمات والمسبّقات والتغطيات التي تحجب الواقع وتقدّم الحقيقة باعتبارها منزلة ومثبتة ومتحقَّقٌ منها على أكمل وجه من قِبل المدافعين عن “العقل الخالص” وعن “العقل العملي”. من هنا أهمية التوجّه بموضوعية نحو مسلّمات العقل الغربي، عقل الانوار، من أجل الإشارة الى ضرورة تفكيك الحقيقة المثبتة، ليس فقط في الاطار الديني انما ايضاً في الاطار الفلسفي.[5]
10- عدم الادّعاء بامتلاك المعنى الحقيقي. فالاقتناع بوجود معنى كلّي، منجز ونهائي وأخير، بات أمراً في غاية الصعوبة.لا بل، كل من يدّعي وحده امتلاك المعنى بكليته، يجب أن يُدحَض ادعاؤه ويُنتقد بصفته نوعاً من الايديولوجيا. والايديولوجيا يُقصد بها هنا: “تلك الإرادة التعسفية لفئة ما أو حتى لقائد ما في نشر معناه أو “قِيمه” لكي تشمل الجميع أو تسيطر على الجميع. بل ان تعبير “البحث عن المعنى” أصبح هو نفسه مشبوهاً: بمعنى أصبح يُعتبر كإيديولوجيا مقنّعة تهدف الى إعادة الأنظمة اللاهوتية والميتافيزيقية القديمة الى سابق عهدها، اي الى ممارسة وظيفتها في تبرير ارادات القوة والتوسع والهيمنة”.[6]
11- يستحيل دخولُ الفكر العربي الحداثة من دون الانخراط في المشروع النقدي المتفلّت من الخطوط الحمراء التي تحدّ العقل وتُخضعه لمقولاتٍ وأنظمة تجعله يقع في التبعية والتكرار والاجترار. الدخول في الحداثة يعني اذاً النقد أي الزحزحة والتفكيك فـ التجاوز. تأتي الزحزحة كخطوة أولى تطاول الاجهزة المفهومية، والمقولات القطعية التي لا تقبل النقاش، والتحديدات الراسخة والمنقولة عن الماضي، لكي يُصار في ما بعد الى تفكيكها فتجاوزها. الماضي هنا لا يعني فقط التراث العربي الاسلامي من دون سواه، انما يشمل أيضاً التراث الاوروبي الغربي. هناك في الجهتين، كثير من التصورات والرواسب المتبقية من الماضي، وهي تُسهم في تشكيل أحكام مسبقة تحول دون تأسيس نظرة تاريخية حقيقية، وتحقيق لقاء موضوعي علمي بين الطرفين.
12- اعتبار معرفة الواقع “مجازفة مستمرّة” كونها فعلَ خروج متكرّر بعيد عن حدود السياج المغلق الذي يفرضه كل تراث ثقافي، بعد أن يختبر تجربة مكثفة معينة، كتجربة الوحي مثلا، إنها رحلة مفتوحة من دون نقطة ختامية.
خلاصة القول، إن التوقف عند مشروع العوربة والفكر النقدي يعني أنه على الرغم من كل ما يحيط بنا، هناك من لا يملّ من الكتابة والتنظير والطَّرق على نافذة الوعي، والنفخ في بوق الضمير، والعزف على أوتار الحكمة، لعلنا نستيقظ او نوقظ، أو عسانا نستنهض وننهض من معاناة، مرارتها فاقت كل توقّع، وتخطّت كل تنظير. من السهل طبعاً أن نترك الحبر يسيلُ، ونكثر الكلام ليملأ الرفوف والمستودعات، لكن الأصعب يكمن في السير نحو التغيير وتحقيق ما نصبو اليه. فالتطبيق يأتي دائماً ملبّداً بالإعاقة ومضرّجاً بوجع الانتظار المؤبّد. وكأنه حُكم علينا ان نبقى قابعين في قاعة “الترانزيت”، لا نقيم في مكان ولا نصل الى هدف. ننتظر الفرج آتياً من افق موهوم، والنورَ مطلاً من نافذة لم تفتح درفتاها بعد.
لتمتين العوربة، علينا أن نبقي باب النقد مشرّعاً، وهو حق وواجب يمارسه كل مفكر، وباحث، ومثقف. لا بل إنه واجبٌ لا يجوز التغاضي عنه، ولا التساهل أو التراجع في شأنه. النقد والانفتاح والتجاوز والانطلاق نحو الأبعد والأعمق والأوسع عناوينُ عريضة، وصيحاتٌ مدوية، تتفجّر لتحثّ كل واحد منا على حمل راية التجديد، والخوض في ركاب الحداثة ، والانهمام بما يرتقي بالانسان نحو مزيد من التطور والرقي، بدل التسمّر في الماضي وإلغاء حركة التاريخ، والتقوقع داخل المسلّمات، والتخلّي عما يميّز الانسان ككائن عاقل مدرك لشروطه الانسانية، كما عن حقّه في الثورة والرفض والانقلاب والتغيير والانطلاق في رحلة حدودها متفلّتة من كل حدّ.
هادي الأسعد
يسعدني ويشرفني أن أحضر بينكم اليوم في هذا الملتقى الجامع والأول
حول عنوان العوربة كى رؤية سترتجيةٍ لمستقبل لبنان والشرق الأوسط وعن إمكانيات تفاعلها وتكاملها
مع العولمة. ساتطرق إلى رؤيتي لهذا الموضوع من زاوية الحوكمة وما أدرك ما الحوكمة
كلمةٌ على كل لسان وشفاه خاصةً منذ إندلاع إنتفاضة تشرين 2019
إلا انني لست واثقا أن كل من يتكلم عن الحوكمة مدركٌا لفهم مضمونها
كما أن هناك العديد ممن يخافونها ويهبون تطبيقها مما لها من نتائج غير ملائمة لهم ولمصالحهم
اسمحوا لي اذا أن أبدأ بتعريف الحوكمة. هي مجموعةٌ من المبادئ البسيطة والتي تشكل ثقافةً صحيحةً وصحية
يجب بدايةً الإقتناع بها وبضرورة تطبيقها . وتبدأ الممارسة الصحيحة للحوكمة من الفرد إلى العائلة وإلى العائلة الأوسع
وإلى أطر العمل المهني والحزبي وغيره كما العمل في القطاع العام وصولاً إلى إمتداد المؤسسات والوطن ومسؤليه
هذه المبادئ هي، هي الأخلاقية، الشفافية، المسؤولية والمحاسبة . ولا يمكن فصل أحد هذه المبادئ عن الأخرى لترابطها وتماسكها بالمعنى التالي:
إن الانسان الخلق يقبل بأن يكون شفافاً بالتالي أن يتحمل مسؤولية ما يقدم عليه وبما أنه يتحمل المسؤولية فهو بالتالي يقبل بأن يتحاسب وهنا لا بدا من التركيز على هذا المبدأ الأخير وهو المحاسبة
مبدأ مهمٌ جداً في الحياة الخاصة والعامة لأنه بدون المحاسبة لا إستقامة للمجتمعات وللأوطان . ولدينا الأمثلة الكثيرة على ما نعاني منه اقله في لبنان وبعض البلدان العربية الأخرى على مستويات مختلفة وفي مجالات مختلفة
وكأمثلةٍ ملموسة عن عدم إتباع أبسط أصول الحوكمة مثلاً في لبنان عنا قضيّة مبنى فسوح بال 2011 2012 كلكن بتتذكروها
قشط المبنى بما فيه على سكانه وعلى أهله بالحي ولم ندرك حتى الأن على من تقع المسؤلية هل هي على البلدية هل هي على متعهد هل هي على صاحب الملك هل هي على مسؤولين عن الصيانة
وعنا مثل أخر بالموضوع الخاص بين هلالين
عمستوى القطاع العام عمستوى الدوله, كمان بهيديك الفترة 2011 2012 كان عايام وزير العمل شربل نحاس بوقتا جرت مفاوضات بين طرفي العقد الإجتماعي إللي هنّي الإتحاد العمالي العام والعلاقة الإقتصادية وتم التوافق بينهم على موضوع الرواتب والأجور
,ويأتي الوزير نحاس بصفته القوى ال عامة الضامنة ويقول لهم لأ مش هيك بصير يعني اللي هني متفقين عليه قل للم لأ بينما في كل بلدان العلم المتطورة السلطة العامة لا تتدخل إلا لحل موضوع إذا في خلاف
هون نحنا عنا لأ متوافقين وتدخل ليقولّن لأ مش هيك بصير . على كلن . قد اثبتت التجارب فالعالم في الاعوام المنصرمة كيف أن تطبيق مبادئ الحوكمة يؤدي إن في المؤسسات الخاصة أو في المؤسسات العامة إلى انتاج أفضل وأداء أفضل بكثير
وذلك حتى على مستوى السياسات العامة في البلدان المختلفة. هنا مرة أخرى لا بد منى الإشارة إلى أنه مثلاً في لبنان لا دساتير تطبق ولا أنظمة ولا قوانين ولا قواعد ولا أعراف. وهذا على كل المستويات يعني الأزمة التي نعيشها منذ سنتين ونيّف إن في القطاع المصرفي أو في القطاع المالي أو في القطاع الإجتماعي أو في القطاع الصحي أو في قطاع التعليمي أو في السياسة . كلها تثبت أن هناك نقص في الحوكمة أو لا حوكمة مطلقاً
بعد هذا التشخيص للحوكمة ومبادئها ، لنرى كيف يمكن للعوربة أن تنجح في ملاقاة العولمة، لنقول أكتر من ذلك ، هل هناك إمكانية أن تستفيد العوربة في انطلاقتها وفي مقاربتها من إخفاقات العولمة وخاصة في نواحي الحوكمة . كلنا نعلم أن العولمة بدأت منذ قرون بصيغها الأولية ثم تراجعت وانكفأت لصالح المشاريع القومية والوطنية خلال الحربين العلميتين الأولى والثانية, ثم استعادت بعدها انطلاقتها مع بداية تكوين المجموعة الأوروبية وذلك على المستوين السياسي والإقتصادي . إذ أن العوامة دخلت الأوطان والبلدان كلها في العقود الأخيرة بلا حسيب ولا رقيب ولا إذن ولا دستور وبالتالي بلا قورنة بالضرورة وتمثلت العولمة بتطوير التبادلات والتعاملات والتفاعلات البشرية على مستوى الكوكب بطريقة متدرجة سمحت لها تباعاً بإدخال مفاهيم الحوكمة الانفة الذكر على التعاملات الإقتصادية والمصرفية مثلاً المعاملة الاونلاين والقانونية والتجارية. الشراء اونلاين وغيره . أما على المستوى المجتمعي مع كثرة وسائل التواصل الإجتماعي فلقد كسرت كل الحواجز وأصبح الفضاء واسع بلا حدود . كل ذلك تطلب وضع قوانين وأنظمة ساهمت في حوكمة أفضل لهذه التعاملات ، والعالم العربي دخل هو أيضاً على العولمة بطرق مختلفة من بلد إلى أخر
إذا اردنا للعوربة أن تنجح كمفهوم ، وكتجربة متكاملة على كل الصعد ، علينا باعتقادي السير على طريق التجربة الأوربية . التي هي الوحيدة كتجربة مناطقية قارية . وقد نجحت بتشكيل قوةٍ متماسكة ومتجانسة إلى حدٍ كبير لها تأثيرها في العلم وضمن أطر العولمة . هذه التجربة مرت بصعوبات ، ولكن الحوكمة ساهمت باستقامتها ونجاحها في مجالات عدة. هناك السوق الأوربية المشتركة مع ما لها من ضوابط وقوانين ، هناك المفوضية الأوربية ولجانها المختلفة ، البرلمان الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي ، الهيئة الرقابية المختلفة. إن القوانين الأوربية تعلو على القوانين الوطنية وذلك في مختلف القطاعات
إن القوانين الأوروبية تعلو على القوانين الوطنية كما ان مختلف القطاعات منظمة ضمن أصول وقواعد مشتركة إن كان في مجال الصحة أو الأدوية أو علامات تجارية أو غيرها الكثيرة
هناك تحديات أمام العوربة:
التحدي الأول ان تنجمح في جمع البلدان العربية حول هذا المبدأ وما يتطلبه من تطبيقات حوكمية هل يمكن أن تنجح حيث لا يوجد ديمقراطيات ولا حريات بل على العكس أدوات قمعٍ تصل إلى حد قطع الانترنت مثلاً
هناك تحديات أما العوربة التحدي الأول في جمع البلدان العربية حول هذا المبدأ وما يتطلبه من تطبيقات حوكمية هل يمكن أن تنجح حيث لا يوجد ديمقراطية ولا حرية بل على العكس أدوات قمعٍ تصل إلى حد قطع الانترنت مثلاً
إلا اننا نستطيع أن نرى في المثل الاماراتي مثلاً ناجحاً كلياً وفي المثل السعودي اللذي بدأ بالإنفتاح الغير المسبوق على مستويات ثقافية وإجتماعية ودينية وسياسية كل هذا قد يعزز الأمل في أن تخطو العوربة خطواتٍ سريعة في ملاقاتها لعولمة العالم العربي وفي ملاقاة العولمة الأكبر
أخيراً أريد أن اختم بملاحظة إيجابية قرأت البارحة ماع إنتهاء كتابتي كلماتي مقالاً في صحيفة النهار يعلن أنا الموسيقى العربية باتت تغزو أوروبا ومجتمعاتها وقد تصبح الترند العالمي الجديد فكلنا أمل عزيزي نوفل بأن هذه المبادرة قد تلقى النجاح الكافي اقله من باب الموسيقى وهل أفضل من الموسيقى كوسيلة لجمع الناس والعلم وشكراً
مداخلة الدكتورة جمانة الشهال تدمري:
ايها الحضور الكريم، اصحاب الخبرة والإختصاص، حضرة منظم المؤتمر السيد نوفل ضو المحترم:
أَتَشَرَّفُ بِحُضوري بَيْنَكُم في هذا المؤتمر، لِإلقاء الضوء على مَسأَلةِ العَوْرَبَة.
بَعْدَ الاستِماعِ إلى اصحاب الاختصاص الّذينَ تَناوَلوا المَوضوعَ من جَوانِبِه العَديدة، اِسمَحوا لي كَباحِثةٍ وناشِطة، وَكَمُديرةٍ لمَدرسةِ باريسَ الدوليّة للتّعليمِ العالي، وكَرئيسةٍ ومُؤَسِّسةٍ لِجَمعيّة تُراثِ طَرابلس لبنان، أَنْ أُناقِشَ مَسْأَلةَ العَوْرَبَةِ من جانِبَيْها التُّراثِيِّ والثَّقافِيِّ بَعيدًا مِنَ السِّياسَةِ والصِّراعات.
في التُّراثِ والثّقافةِ لا صِراعات، بل تَفاعُلاتٌ واندِماجاتٌ تُؤَدّي دائِمًا إلى الأفضلِ إِنْ أُحْسِنَتْ إِحاطَتُها وإِدارَتُه.
الهُوِيّةُ العَربيَّة:
لَمْ يَكُنِ التُّراثُ العَرَبِيُّ مَحصورًا في بُقعَةٍ جُغرافِيّةٍ، كما لَمْ تُشَكِّلِ القبائِلُ العربيّةُ فقط الثقافَةَ العَرَبِيّة. الهُويّةُ العَرَبِيّةُ هِيَ مَزيجٌ مِنْ ثَقافاتٍ عِدّةٍ وتُراثٌ جامِعٌ لِكُلِّ الحَضاراتِ والشُّعوبِ الّتي مَرَّتْ في مِنطَقةِ الشَّرقِ الأوسط. بَعْضُ الشُّعوبِ وَالحَضاراتِ استَقَرَّ وَأَصبَحَ جُزْءًا مِنْ مُكَوِّناتِ الهُويّةِ العَربيّة، وبَعْضُها الآخَرُ دُحِرَ، وفي كُلِّ مَرحَلةٍ كانَ يَدخُلُ عُنصُرٌ جديدٌ ما سبَّبَ ذلِكَ الغِنى الفريدَ من نَوْعِه.
إذًا، الهُوِيَّةُ العَربِيّةُ مُتَأَصِّلةٌ مِنْ حَضاراتٍ عِدّة، نَذْكُرُ مِنْها عَلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْر:
الحضارَة الفرعونيّة المِصريّة
الحَضارَةُ الفِرْعَوْنِيّةُ اشتُهِرَتْ كَوْنُها حَضارَةً فِكرِيَّةً وَعِلمِيَّةً مِنَ الطِّرازِ الأَوّل، مِنْ ضِمْنِ إِنجازاتِها الهامّةِ تَطوُّرُ مَجالاتِ الطِّبِّ وإِجراءُ العَمَليّاتِ الجِراحِيّةِ الدَّقيقة، والنّظَرِيّاتُ الهَندسيّةُ في البِناءِ الّتي تَتَجَسَّدُ في الأَهراماتِ والمعابِدِ الضَّخْمَةِ فضلًا عن عِلْمِ النُّجومِ والفَلَك.
حضارةُ بِلاد ما بَيْنَ النّهْرَيْن
تُعَدُّ مِنطَقَةُ وادي الرّافدين مَهْدَ الحَضارَةِ البَشَرِيّة، وذلكَ بِسَبَبِ أسبَقِيَّتِها في المُنجَزاتِ الحَضارِيّةِ الرَّئيسةِ كالكِتابةِ وَتأسيسِ المُدُنِ والإِقطاعِيّاتِ الزّراعِيّةِ الضّخْمَة، والعَرَباتِ الّتي تَجُرُّها الحَيَواناتُ، وتَطويرِ شتَّى أنواعِ الفُنونِ وَالآدابِ والمَلاحِمِ وَالأساطيرِ، وقدْ أَنْتَجَتْ عَقيدَة الخِصْبِ أَحَدَ أَهّمِّ العَقائِدِ الدّينيّةِ وأكثرَها تَعقيدًا والّتي أثّرَتْ في أَكثريّةِ العَقائِدِ الدّينيّةِ في العالمِ من اليونان والرّومان إلى مَناطقِ السِّند والهِند.
حضارة بلاد الشّام
تَضُمُّ مِنطقةُ بِلادِ الشّام: الأُردُن، فِلسطين، سوريا، ولُبنان. المِنطَقَةُ الّتي كانَتْ مَوْطِنَ الكثيرِ من الحَضاراتِ عَبْرَ التّاريخ: الآرامِيّة، والفينيقيّة، والكَنعانيّة، والأَشوريّة، والأكاديّة، مُشَكِّلةً بِذلك حَضارةَ بِلادِ الشّام.
اِعتَنى الكَنعانيّونَ بِزراعةِ الكُرومِ والتّينِ والزَّيْتون، وَابْتَكَروا أَدواتٍ لدرسِ الحُبوبِ تُدارُ بِاليَد.
تَفَوَّقَ الفينيقيّونَ في صِناعةِ الزُّجاجِ والنّسيجِ المَصنوعِ من الصّوفِ والقُطنِ وصِباغةِ الأقمشةِ بالأُرْجُوان.
ارتَقى فَنُّ المِلاحَةِ البَحرِيّةِ مَعَ الفينيقيّين، فكانَ بِإمكانِهِم الإبحارُ لَيلاً مُسترشِدينَ بالنَّجْمِ القُطبِيِّ أو النّجْمِ الفينيقيِّ كما كانَ يُسمّيهِ اليونانيّون. طافوا حَوْلَ القارّةِ الأفريقيّةِ واكتَشَفوا رأسَ الرَّجاءِ الصّالح قَبْل فاسكودي غاما بألفي عام. وكما يَقولُ دوران في قِصّةِ الحَضارة: “رَبَطوا الشَّرْقَ بالغَربِ من سَواحِلِ سوريا إلى سَواحِلِ المُتَوَسّطِ بِشَبَكةٍ من الرَّوابِط التّجارِيَّةِ والثّقافيّةِ وشَرَعوا يَنْتَشِلونَ أوروبا من بَراثِنِ الهَمَجِيَّة”.
حضارة شبه الجزيرة العربيّة
ازدَهرَتِ الكَثيرُ مِنَ الحَضاراتِ في جَنوبِ الجَزيرةِ قَبْلَ ظُهورِ الإسلام، وكانَتْ مُتَجَذِّرَةً بِالزّراعةِ المُمَيّزةِ في المِنطقةِ كالمُرِّ وبهارات المَناطق الاستوائيّةِ كاللُّبان، فَنَشَأَتْ طُرُقُ تِجارةٍ، كَطريقِ البَخور وطَريق اللُّبان، جَعَلَتْ جَنوبَ الجَزيرةِ مُزدَهِرًا اقتصاديًّا. ونَشَأَتْ مملكةُ سبأ، وهي واحِدةٌ مِنْ أَهَمِّ هذهِ الحَضارات، وارتَبَطَ اسمُها باليمن بِشَكْلٍ وَثيق.
حضارة اليمن
تُعتَبَرُ اليَمن مِنْ أَقدمِ مَراكزِ الحَضارةِ في العالَمِ القَديم. لا يُعْرَفُ بِالتحديدِ متى بدأَ تاريخُ اليمن القديم، لكنَّ بَعْضَ نُقوشِ حَضارةِ بِلاد ما بين النهرين تُصوِّرُ أنّها بَدَأَتْ مُنذُ زَمَنٍ بعيد. ما وُجِدَ مِنَ النُّقوشِ في اليمن كَشَفَ النِّقابَ عن تاريخِ اليمن القديمِ العائدِ إلى أَواخرِ الألفيّةِ الثانيةِ ق.م. . مع انفِجارِ سَدِّ مَأرِب هاجَرَتِ القَبائِلُ العَربيّةُ اليمن باتّجاهِ الشّمالِ حامِلَةً مَعَها عاداتِها وتقاليدَها.
الحضارة الأندلسيّة
أَبْرَزُ مَظاهِرِ الحَضارةِ الأندَلُسيّةِ فَنُّ العَمارةِ الّذي لا يَزالُ شاهِدًا على عَظَمَةِ تِلكَ الحَضارةِ الّتي استَمَرّتْ مِئاتِ السّنين، وقد أَوْلَتْ جميعُ العُصورِ الأندلسيّةِ اهتِمامًا كَبيرًا قَلَّ نَظيرُهُ في جَميعِ مَجالاتِ العُمرانِ كَدورِ العِبادَة، وما فيها من قِبابٍ ومُقرنَصاتٍ إسلاميّةٍ ومآذِن، ومن أبرزِها مسجِدُ قُرطُبة، وكذلكَ القُصورُ المَشهورةُ بالحَدائقِ ونَوافيرِ الماء.
5 حضاراتٍ في بُقعةٍ جُغرافيّةٍ واحِدةٍ وعلى امتدادِ قُرونٍ وعُصور، تفاعَلَتْ في ما بَيْنَها وتَوارَثَتْ عَن بَعضِها البَعض، حتّى وَلَّدَتْ ثقافةً مُشتركةً بِتُراثٍ مُشتَرك، وبِلُغةٍ عَرَبيّةٍ مُشتركةٍ في أَكثرِ من 22 دولةً بَيْنَ أفريقيا والشرق الأوسط. وهنا لا بُدَّ من الإشارةِ إلى أَنَّنا في مَدرسةِ باريس الدوليّة للتّعليم العالي نُعطي دُروسًا للرّاغبينَ باللُّغةِ العربيّة.
التراثُ العَربيّ الثقافيُّ مُهدَّدٌ اليومَ من ثلاثةِ عَناصِرَ:
العُنصرُ الأوّل: هو العُنصرُ الفارِسيُّ الّذي كانَتْ لَهُ على الدّوامِ أَطماعٌ بالسَّيْطرَةِ على مِنطَقةِ الشّرقِ الأوسط.
العُنصرُ الثاني: هو العُنصرُ التُّركيُّ وأحلامُهُ باستعادةِ أمجادِ السَّلطَنةِ العُثمانيّةِ وفَرضِ سَيْطَرتِهِ من البَحرِ إلى المُحيط.
العنصرُ الثالث: وهو العُنصرُ الإسرائيليُّ الذي بَقِيَ تأثيرُهُ الثقافيُّ مَحصورًا في بُقعَةٍ جُغرافيّةٍ مُحدَّدةٍ إلى أَنْ بَدَأتْ مَرحلةُ التّطبيعِ وباتَ عُنصُرًا يُهدِّدُ الهُويّةَ العَربيّةَ فعلًا.
نعم العَوْرَبة اليومَ مَدخَلٌ للتَمَسُّكِ بالهُويّةِ التُّراثيّةِ الثّقافيّةِ في العالمِ العَربيِّ بِوجهِ كُلِّ مَشاريعِ التّفتيتِ والشَّرذَمَةِ والتَّباعًد. مَتى تَمَسَّكَ العَرَبُ بِثقافَتِهِم الفريدةِ، ونَفَضوا الغُبارَ عن تُراثِهم العَريق، وعندما يَعودُ البَريقُ إلى تُراثٍ جامِعٍ لشعبٍ يُواجِهُ كُلَّ أنواعِ الإِلغاءِ الثقافيّ، تَتَشابَكُ النَّهْضَةُ مع الصُّمودِ مع التُّراثِ فتُصبحُ القيامةُ بِحُكمِ المُحَقّقة.
انطِلاقًا من مَوقِعي كأكاديميّةٍ وكمديرةٍ لمدرسة باريس الدوليّة للتعليم العالي، لا بد من الاشارة الى الدور الرسولي الذي نقوم به في بلد اوروبي هو مهد الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، خصوصاً أنَّنا فَسَحْنا المَجالَ لطُلابِنا لِتلقّي تَعاليمِهم باللّغةِ العربيّة، في عاصمة اوروبية.
مدرسة باريس الدولية للتعليم العالي هي سفارة العوربة في اوروبا، هي منارة العوربة في بيئة وحضارة وتراث غريبين عنها، نعم نحن من يحمل راية العوربة اليوم في اوروبا، ايمانا منا بأهمية ودور تلاقي الحضارات والتفاعل مع من اجل غد افضل للجميع.
من جهته لا بد من الاشارة الى البرنامج الأكاديمي المسمّى: COSMOARABISME و GLOBOARABISME يهدف الى بلورة تعريف جديد للعروبة يترجم رؤى الجيل الشاب من القادة العرب ويواكب متطلبات العولمة وضروراتها ويتجاوز إشكاليات مفاهيم العروبة التي اعتمدت في القرن الماضي وتداعياتها وحساسياتها، من خلال بلورة سلم جديد ومتطور وحديث من القيم الاجتماعية والثقافية والإنسانية والفكرية والدينية في مقاربة الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، يحاكي التجارب الدولية في هذا المجال
، أَجِدُ من واجبي أيضًا أَنْ أفتَحَ بابَ مدرستي الفرنسيّةِ للتّخصُّصِ في مجالِ العَوْربةِ ضِمنَ فرعِ العلاقاتِ الدوليّة والحُصولِ على شهاداتٍ وَفقَ المَعاييرِ الأكاديميّة الثلاثة:
الإجازة الجامعيّة (3 سنوات)
الماستير (سنتان)
الدكتوراه (3 سنوات)
التراثُ يَجمَعُ كُلَّ شعوبِ الدولِ العربيّةِ مع بَعضِها البعض، الثقافةُ العربيّةُ يُشْهَدُ لها في كُلِّ الميادينِ الاجتماعيّة والإنسانيّة، إبرازُ الهُويّةِ العربيّةِ فَخرٌ وواجبٌ إنسانيٌّ على كُلِّ عربيّ. الحفاظُ على تاريخِ شعبٍ مُرتبطٌ عُضويًّا بِمدى تمسُّكِهِ بِثقافتِهِ وتُراثِه، ولأنَّ كرامَتَنا كَعرَبٍ عزيزةٌ عَلينا لن نُفرِّطَ لا بِتاريخِنا ولا بِتُراثِنا ولا بِثقافتِنا.
التوصيات
في ضوء النقاشات وتبادل الأفكار خلال مرحلة الإعداد، توصي اللجنة التحضيرية لمؤتمر “لبنان في قلب الشرق الأوسط – أوروبا جديدة” باعتماد خارطة طريق من أجل آلية تنفيذية لترجمة “رؤية العوربة” ونشرها، بالآتي:
- تشكيل مجلس أمناء “رؤية العوربة” واعتبار من يرغب من المنتدين والحاضرين والمشاركين بمثابة هيئة تأسيسية لمواكبة هذه الرؤية وتطويرها فكريا وعلميا ولشرحها وتوسيع انتشارها اعلاميا وشعبيا ودبلوماسيا في لبنان والدول العربية والعالم.
- العمل لدى الجهات الحكومية المسؤولة في لبنان والدول العربية وعواصم القرار الدولي من اجل الحصول على اعتراف رسمي ببرنامج “العوربة” الأكاديمي الجامعي وإدراجه من ضم قائمة الاختصاصات الجامعية.
- توسيع التعاون مع مدرسة باريس الدولية للتعليم العالي ليشمل الجامعات اللبنانية والعربية والأوروبية والأميركية في مجالات نشر برنامج “العوربة” الأكاديمي وتطويره وتدريسه باللغات العربية والفرنسية والانكليزية للمستويات الجامعية الثلاثة: البكالوريوس، الماجستير والدكتوراه.
- تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل والمحاضرات الهادفة الى شرح “رؤية العوربة” ومرتكزاتها وأهدافها، بالتعاون مع المنتديات الشبابية والجهات الرسمية والمؤسسات الخاصة والنقابات والهيئات المهنية والتجمعات والقوى المجتمعية الفاعلة.
- العمل على تأسيس لوبي لبناني – عربي مشترك في دول الانتشار وعواصم القرار لتبني هذه الرؤية والمساعدة على تظهيرها في المجالات كافة.
- التعاون مع السفراء اللبنانيين المتقاعدين والاستفادة من علاقاتهم لتمثيل “رؤية العوربة”، ومن خبراتهم لبناء دبلوماسية “العوربة” والعمل على شرحها لمراكز القرار العربي والدولي بهدف تبنيها ونشرها.
- تأسيس منصة شبابية لبنانية عربية عابرة للأحزاب والطوائف والدول والمجتعات والثقافات لضمان التفاعل المستدام بين أبناء الجيل الطالع ورفد “رؤية العوربة” بدم جديد ومفاهيم جديدة تبتكرها الطاقات الشابة وتقترحها على شكل مشاريع وأفكار تساهم في بلورة “العوربة” كمفهوم جديد للعروبة ورابط حضاري بين دول المنطقة العربية وشعوبها من جهة، وكرابط بينها وبين العالم من جهة ثانية.
- تأسيس لجان عمل متخصصة هدفها اقتراح المشاريع التي تترجم “رؤية العوربة” في المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية والسياحية والادارية والتربوية والصحية والخدماتية والثقافية والتراثية والحياتية والمعيشية وغيرها
*تأسيس مركز للأبحاث والدراسات يجمع الباحثين والمفكرين والمجتهدين في العمل على الجانب الاستراتيجي والجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي من “رؤية العوربة”، وعقد شراكات وتوأمات مع مراكز مماثلة في لبنان والدول العربية والعالم.
- تأسيس مركز يعنى بحوار الحضارات والثقافات والأديان لمواكبة “رؤية العوربة” ونشرها بما يساهم في هدم الحواجز التي تعيق التعارف واللقاء والالتقاء بين المكونات المجتمعية، لا سيما الشبابية منها، في الدول العربية.
- تأمين حضور مستدام ل”رؤية العوربة” في الإعلام اللبناني والعربي والدولي وإطلاق بوابة الكترونية وصفحات وحسابات لهذه الرؤية على وسائل التواصل الاجتماعي لمواكبة البرامج والمشاريع والنشاطات.