“مصدر دبلوماسي”
بقلم آلان دفوني
يُعرّف صندوق النقد الدولي الصناديق السياديّة بأنّها صناديق إستثمار مملوكة من الحكومة، يتمّ إنشاؤها بهدف إدارة الإقتصاد الوطني. وهي تتكوّن من أصول مختلفة، كالأراضي وأسهم الشركات والسندات …، ويتمّ إستثمار تلك الأصول لتدرّ عوائد وأرباح.
وإذا ما نظرنا إلى عشرات الصناديق السياديّة في العالم، نراها تتموّل من مصدرين أساسيّين:
– من فائض احتياطات النقد الأجنبي، كتلك الناتجة عن عائدات الخصخصة، وفوائض الموازنة، والتبرّعات، إلخ…
– من عائدات التصدير، وخصوصا” الموارد الطبيعيّة كالنفط والغاز والمعادن النادرة…
أمّا في لبنان، وبعيد الإنهيار المالي والنقدي منذ أواخر العام 2019، طُرِحَت فكرة إنشاء صندوق سيادي، هدفه تعويض المودعين عن خسارتهم لمعظم أموالهم في المصارف اللبنانيّة، من خلال بيع أو “استثمار” بعض الأراضي (المشاعات).
يفضي هذا الإقتراح إلى بيع الدولة ل10 في المئة من أملاكها العقاريّة البحريّة والنهريّة والبرّيّة، (إنّ ذلك يشكّل حوالي 5% من مساحة لبنان)، وتذهب مداخيل هذه “التصفية”، والتي تقدّر بما بين 25 و50 مليار دولار، لا إلى خزينة الدولة، بل إلى صندوق سيادي يعوّض على المودعين أموالهم. يضمن هذا الطرح حقوق المودعين، خصوصا” الكبار منهم، ولكنّه فعليّا” هو تصفية لأملاك الدولة.
لذلك، نوّد الإشارة فيما يلي إلى بعض الإشكاليّات المترتّبة عن هذا الطرح:
أوّلا”، ازدياد الهوّة الإجتماعيّة بين المواطنين: لقد استفاد أكثريّة كبارالمودعين وأصحاب المصارف من الهندسات الماليّة ومن الفوائد المرتفعة في السابق. أمّا من خلال هذا الطرح، ودون أي اقتطاع، ستعاد لهم ودائعهم على شكل عقارات بأرخص الأثمان. ففي بلد منهار ماليّا” واقتصاديّا”، ستكون الأسعار منخفضة، وسيتسابق المتموّلون على الشراء، قبل إعادة انطلاق النمو والعجلة الإقتصاديّة من جديد، أي قُبَيل ارتفاع الأسعار، ليتمّ بيعها لاحقا”، مع تحقيق هامش ربح كبير. أمّا الفقراء وذوي الدخل المحدود، فقد أُلقي عليهم الضرر الأكبر تحت أشكال عدّة، كالتضخّم، والبطالة، والقدرة الشرائيّة المتراجعة…
ثانيا”، الإنتقال من إقتصاد يرتكز على نسب فائدة مرتفعة، بما يُضعِف الرغبة على الإستثمار، إلى اقتصاد آخر يأخذ شكلا” عقاريّا” قد لا يلبث إلى أن يتحوّل إلى فقّاعة تزيد من ثروات من يمتلكها.
ثالثا”، شطب خسائر المصارف التجاريّة، بما يضرب أسس النظام الإقتصادي الليبرالي الحرّ الذي يعتمد على المبادرة الفرديّة، ومعادلة الربح مقابل المخاطرة. ففي ظلّ دولة يحكمها اقتصاد ليبراليّ، لا يجوز التعويض عن من لم يُحسِن إدارة مخاطره. لذلك، على المصارف تحمّل الخسائر، نتيجة إقراضها المفرط للدولة، لا أن يتحمّل المجتمع بأسره أخطاء وخطايا قلّة من الرأسماليّين.
رابعا”، التقليل من مدّخرات الأجيال المقبلة، عبر تحميلها تبعات الفساد والسياسات الخاطئة، من خلال بيع جزء من أملاك الدولة، فقط لشطب الخسائر، وليس بهدف تحقيق نموّ اقتصادي مستدام.
في الختام، نعتبر أنّ هذا الطرح هو بعيد عن أهداف الصناديق السياديّة الحقيقيّة، بل هو أقرب إلى صندوق تصفية، على الطريقة اللبنانيّة، يحوّل بعضا” من الأملاك العامّة إلى شركة يتقاسمها أصحاب الثروات.
*متخصص في الشؤون السياسية والاقتصادية