“مصدر دبلوماسي” – مارلين خليفة
” تداولت وسائل الاعلام رسالة موقعة من قبل مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك ردا على الرسالة الاسرائيلية التي تعترض على دورة التراخيص اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، ملمحة بأنها وثيقة سرية تم تسريبها. يهمّ وزارة الخارجية والمغتربين التأكيد على ان الرسالة التي أودعها لبنان الى مجلس الامن ليست وثيقة سرية، بل هي ورقة رسمية صدرت وعممت على كافة أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق مجلس الأمن تحت الرقم S/2022/84 بتاريخ ٢ شباط ٢٠٢٢، وتم نشرها حسب الاصول”. هذا هو البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين في 6 شباط الحالي قبل يومين على زيارة الوسيط الاميركي آموس هوكستاين الى لبنان. اليوم، في 23 شباط 2022 “اختفت” الرسالة اللبنانية المرجمة الى 6 لغات عن موقع الامم المتحدة! وكذلك اختفت ايضا الرسالة الاسرائيلية! ما يعني بالمنطق والعقل أن يدا ما عبثت بالارشيف الالكتروني لمجلس الامن الدولي لاخفاء وثيقتين مهمتين.
العميد ياسين: من اتخذ قرار ازالة الرسالة؟
وفي الصباح الباكر، كتب رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين على صفحته على فايسبوك الآتي: “تم حذف الرسالة التي ارسلها لبنان بتاريخ ٢٨-١-٢٠٢٢ الى الامم المتحدة التي تجعل المنطقة بين الخط ٢٣ والخط ٢٩ منطقة متنازع عليها وذلك عن الموقع الرسمي لقسم شؤون المحيطات وقانون البحار، نتمنى ان يكون هناك خطأ فني يقضي باعادة نشرها خلال ساعات، وإلا من هو الذي اتخذ هذا القرار بازالة وثيقة رسمية لبنانية تحافظ على حقوق الشعب اللبناني في ثروته التي تقدر بمليارات الدولارات بين الخط ٢٣ والخط ٢٩”.
بو حبيب و”سيناريو القرصنة”
وفيما لم يصدر أي بيان رسمي عن وزارة الخارجية والمغتربين، نقلت مواقع اخبارية عدة منها موقع “تلفزوين الجديد” عن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قوله بأنه “لم نطلب ابدا سحب الرسالة المرسلة الى الأمم المتحدة حول الترسيم ولا يمكن لأي طرف ان يسحبها وكلفنا سفيرتنا بمتابعة الموضوع”.
واردف أنه و”إن كان يريد اي احد سحبها فنحن نريد ان نعيدها”.
وأضاف “لم يتبن لبنان ابدا الخط 29 وحكومة العام 2011 حددت الخط 23 والحكومة الحالية مستمرة بالتفاوض على الخط 23.
وختم “نحن ننتظر عرض رسمي اميركي مكتوب حول الترسيم
ويمكن ان يكون هناك hacker عمل على ازالة الرسالة وعلينا إنتظار فارق التوقيت مع نيويورك للوصول إلى ايضاحات حول الموضوع”.
سياق اخفاء الرسالة
فرضية القرصنة التي قدمها وزير خارجية لبنان لم تقنع الكثير من الناشطين والخبراء الذين يجهدون لتبني لبنان الخط 29 خطا للتفاوض وتعديل المرسوم 6344 بعد أن أدلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحديث الى صحيفة “الاخبار ” اللبنانية قائلا فيه بأن:” هناك اطار تفاوض وضع سابقاً تولاه الرئيس برّي، ونعمل من ضمنه. خطنا النقطة 23، وهي حدودنا البحرية. ليس تنازلاً بل حقنا الحقيقي والفعلي. تعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة. هذا هو خط تفاوضنا الذي نتمسك به. يقتضي في نهاية المطاف التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين. في نطاق التفاوض، كل فريق يتشبث بحججه على انها حقوقه”.
دفع هذا الموقف رئيس الوفد المفاوض العميد الطيار بسام ياسين الى التأكيد عبر بيان له بأن”
“وبالإشارة الی هذا الموضوع، يهمّه التذكير بأن رئيس الجمهورية كان قد كلّف الوفد وأعطى توجيهاته الأساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط دون احتساب أي تاثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة أي الخط 29، وقد دوّنت هذه التوجيهات في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 13\10\2020. وجاء هذا التكليف بناءً على قناعة تامة به وبعد شرح مفصّل لقانونية هذا الخط الذي يحفظ حقوق الشعب اللبناني، من خلال محاضرات وعروض علمية أجريت في القصر الجمهوري في النصف الأول من العام 2020. كما يفيد العميد ياسين أنه خلال كافة الاجتماعات التي عقدها الوفد مع فخامة الرئيس خلال فترة المفاوضات التي بدأت بتاريخ 14\10\2020 وتوقفت بتاريخ 4\5\2021، كان فخامته يؤكد دائماً على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29 وكان يرفض حصر التفاوض بين الخط 1 والخط 23 كما يطالب العدو الإسرائيلي”.
ثم ظهر العميد ياسين في برنامج تلفزيوني فنّد فيه الحجج الموجودة لدى الوفد. وأخيرا رفضت رئاسة الجمهورية تزويد جمعية ناشطة في هذا الخصوص بمعلومات وافية عن سبب التراجع عن الخط 29.
وردًا على طلب الدائرة القانونية في “مجموعة الشعب يريد اصلاح النظام” بالحصول على معلومات تتعلق بالتفاوض الرامي الى ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية”، الذي ورد الى رئاسة الجمهورية في 18 شباط الجاري، ردّت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية على الطلب المذكور ببيان رسمي في 21 الجاري أشارت فيه الى تعذر الرد على طلب الدائرة القانونية في “مجموعة الشعب يريد اصلاح النظام” ، الحصول على معلومات ” تتعلق بالتفاوض الرامي الى ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية” ” وبما أن المفاوضات غير المباشرة الحاضرة، وإن كانت تتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، إنما تُخاض بوجه العدو الصهيوني بما يحفظ الأمن القومي للبنان، الأمر الذي يتطلب إحاطة جميع الأعمال المتصلة بها بالسرية التامة حتى لا ينفد العدو إليها ويستخدمها لتقوية موقفه بوجه لبنان”.
حيثيات اختفاء الرسالة
كل هذه التطورات تجري منذ بدايات شباط، ثم تختفي الرسالة اللبنانية عن موقع الامم المتحدة ويراد للرأي العام اللبناني أن يصدّق “خبرية القرصنة” التي تفتّق عنها خيال بعض الدبلوماسيين. في هذا التقريري نطرح كمتابعين لهذا الملف ما يردده الخبراء والناشطون من اسئلة:
هل الحفاظ على اسرار الدولة يكون عبر الاعلان في صحيفة تخلي لبنان عن الخط 29 ودحض حجج لبنان القانونية وعبر الاعلان ان خط التفاوض هو 23؟ أهكذا يتم الحفاظ على اسرار المفاوضات؟
وتشير المعلومات المتداولة في هذه الاوساط الى وجود “صفقة ما” لم تكشف معالمها بعد بين عدد من السياسيين اللبنانيين ينتمون الى جهات سياسية عدة من اجل تراجع لبنان عن مطلبه الاقصى في الخط 29 ، لكن لم يعرف لغاية الآن ما الثمن الذي قبضه لبنان. علما بأن الوسيط الاميركي آموس هوكستين كان اعطى لبنان مهلة اسابيع للرد على ما عرضه من افكار. وتشير الاوساط الى أن “سحب الرسالة اللبنانية وتلك الاسرائيلية التي يرد عليها لبنان ليست قرصنة. فمن سيقرصن صفحة للامم المتحدة؟ وتشير اوساط هؤلاء الى أن المطلوب اعادة هذه الرسالة ووضعها على صفحة الامم المتحدة من دون اية اعذار او الاعلان صراحة بأن وزارة الخارجية قد سحبت رسالتها الى الامم المتحدة، لتكون الرسالة واضحة وليكفوا عن الكذب وتقديم الاعذار الواهية. وتشير الاوساط الى أنه لا توجد حكومة قبلت ان تضع دراسة الجيش على جدول اعمالها وهذا امر معروف الاسباب، وهذا لا ينفي ان دراسة الجيش اللبناني قانونية وملزمة للحكومة التي ليس لديها خبراء وللجيش مكتب هيدروغرافي قام بالدراسة.
ما هي الرسالة؟
وانطلاقا من مبدأ تعميم الفائدة ولأن موقع “مصدر دبلوماسي” يرفض التعتيم على المعلومات للقراء والرأي العام نعيد نشر نص الرسالة التي سبق ونشرناها.
أرسلت وزارة الخارجية قبل ايام برسالة الى الأمم المتحدة، رفعتها مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتّحدة آمال مدلّلي وهي الأولى من نوعها منذ العام 2011، بناء على توجيهات من رئاسة الجمهورية، وتمثّل اعلانا رسميا صريحا بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخط 23 الى الخط 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم الرقم 6433 في حال المماطلة، وعدم التوصل الى حلّ عادل. وشددت الرسالة اللبنانية على أنه:” ردّا على الادعاءات الاسرائيلية بشأن دورة التراخيص الاخيرة التي اطلقتها الحكومة اللبنانية، لمنح ترخيص للاستكشاف في عرض البحر، والادعاء بأنها تقع في أماكن بحرية اسرائيلية، يؤكد لبنان أن جميع الاعمال المشار اليها تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان وغير القابلة للتناول عنها”. وأشارت الى أن “لبنان يذكّر بالحجج القانونية والميدانية الثابتة التي سبق وعرضها على طاولة المفاوضات غير المباشرة والتي تسمح له بتوسيع نشاطاته الاقتصادية جنوبا”. وأكدت أنه “احتراما لمبدا “الخط التفاوضي” الذي لم تتوصل اليه بعد المفاوضات غير المباشرة لا يمكن الادعاء بأن هناك منطقة اقتصادية اسرائيلية خالصة مثبتة، بعكس ما إدّعى الجانب الاسرائيلي بشان ما يسمّيه “حقل كاريش”، ما دفع لبنان الى الاعتراض الرسمي بموجب الرسالة رقم
2021\أ
1120
المؤرخة في 18\9\2021 المتضمنة في الوثيقة:
A\76\S-351\2021\812
على أي اعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنبا لخطوات قد تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين”. وأضافت أن “لبنان يدعو مجلس الأمن الى مطالبة الجانب الاسرائيلي بوجوب الالتزام بما سبق أن طالب به في رسالته المتضمنة في الوثيقة رقم
S\2021\1085
المؤرخة 27 كانون الاول 2021، والامتناع عن أي نشاط في المناطق المتنازع عليها، بما في ذلك منح حقوق لأي طرف ثالث، والقيام بأنشطة استكشافية أو بأعمال حفر أو بالمفاوضات غير المباشرة، وتركيز الجهود على الدفع قدما بالمفاوضات غير المباشرة، كما يدعو جميع الاطراف الثالثة المعنية الى احترام موقف لبنان المشروع”. وأكدت أن “لبنان ما يزال يعوّل على نجاح مساعي الوساطة التي يقوم بها الوسيط الأميركي، ويؤكد الالتزام بالتوصل الى حل تفاوضي لمسألة الحدود البحرية، برعاية الامم المتحدة، ما يعني معاودة المفاوضات من حيث توقفت بمعزل عن أية شروط مسبقة سوى الالتزام بالقوانين الدولية المرعية الاجراء. في هذا السياق، نذكر أنه لحينه لم يقم لبنان بأية خطوات اضافية احتراما لمبدأ الوساطة. كما يحتفظ لبنان بكامل حقوقه، في رفع مطالب محقة ومراجعة حدود منطقته الاقتصادية الخالصة، كما تنص المادة الثالثة من المرسوم 6433 تاريخ 1 تشرين الاول 2011، إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية”.