“مصدر دبلوماسي”- خاص
ما إن أعلن “حزب الله” في بيان رسمي نجاح عملية استطلاعية في اسرائيل عبر مسيّرة حملت إسم “حسان” نجحت في تصوير مواقع داخل الاراضي المحتلة لمدة 40 دقيقة وعادت بلا أن تلتقطها الدفاعات الاسرائيلية في عملية تعيد تثبيت توازن الردع الجوي بين الحزب واسرائيل، حتى حفلت وسائل التواصل الاجتماعي لجمهور المقاومة بصور “حسان اللقيس” العقل المدبّر لمشروع المسيرات وتطويرها في حزب الله، والمسؤول والخبير التكنولوجي في الحزب الذي اغتالته اسرائيل تحت منزله في منطقة السان تيريز في 4 كانون الاول من العام 2013. وتأتي هذه العملية مباشرة بعد كلام أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله يوم الاربعاء الفائت والتي اعلن فيها تصنيع الطائرات المسيّرة.
وقال أمين عام “حزب الله” في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية لقادة الحزب الشهداء “نحن ومنذ مدة طويلة بدأنا بتصنيع المسيّرات في لبنان واللي بدو يشتري يقدم طلب”.
واكد أنّ المقاومة “تواصل على خطى قادتها الشهداء العمل لمواجهة أطماع العدو وتحمي لبنان وتناصر فلسطين”، ويلفت إلى أننا “أمام كيان إسرائيلي مأزوم ويسير باتجاه الانحدار”.
حسان اللقيس هو ونصر الله كالجفن من العين
في بحث عن شخصية حسان اللقيس يتبين من خلال تقارير كتبت عنه في موقع “العهد الاخباري” بين عامي 2013 و2020 بأن اللقيس واكب انطلاقة المقاومة وتأسيس حزب الله قبل أكثر من ثلاثين عاما.
كتبت لطيفة الحسيني في “بورتريه” عنه في الموقع المذكور:” تحمّس للّحاق بركب النهج الحسيني الثائر، تعلّق بالامام الخميني وتأثّر بالثورة الاسلامية في إيران، تعرّف في الثمانينات إلى السيد حسن نصر الله عندما كان مسؤولاً حزبياً في منطقة البقاع.. خطّا معاً مسيرة جهاد وإيمان”. أضافت:” للظروف السياسية المتأزمة في الثمانينات اللبنانية دورٌ في صداقة الحاج حسّان والسيد حسن،متّنها أكثر التناغم والانسجام التامّ في القرارت المتخذة إبّان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب.
ثابر الحاج حسان مع توالي الأيام، ظلّ رفيقاً مقرّباً من السيد نصر الله، تواصلا باستمرار، ولم تفصلهما جغرافية سكنهما وعملهما.. فالشهيد حرص على الموازنة بين مسؤوليته وبين الإبقاء على علاقته المميزة بسماحته. يحكي العارفون عن “خبز وملح” بين الرجلين يعودان الى مرحلة تلقّيهما دروساً على يد الشهيد السيد عباس الموسوي في بعلبك.. آنذاك كان الحاج حسان يستضيف السيد في منزله البقاعي، الى حدّ أن صورة تجمعهما وهما يحضّران طعاماً. علاقة وطيدة بين العائلتين يصفها أحد المسؤولين الحزبيين الكبار بعبارة مختصرة “السيد والحاج كالجفن من العين”… عائلة الشهيد تروي كيف أن الحاج حسان عمل على تعويض ابنته نسخة القرآن الكريم الممهور بتوقيع السيد نصر الله (أهداها اياها سماحة السيد عند عقده لقرانها قبل 11 عاما) والتي أتلفت جرّاء القصف الاسرائيلي الذي طال منزلها في منطقة العيسرة في بعلبك ابّان حرب تموز. فأمّن نسخة من مصحف مميز جداً كان بحوزة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وقّع عليها السيد مجدّداً.
لم تظهر لأصحاب الحاج حسان في بعلبك يوماً خصوصية الشهيد الجهادية، لكنّهم حين ينقّبون في ذاكرتهم عن قصصهم مع القائد، يتحدّثون عن شعور لطالما حضر في لقاءاتهم معه، إحساس يلامس حدّ التيقّن من أن الشهيد كان من المقرّبين للأمين العام لحزب الله. يستندون في ذلك الى الرسائل التي كان يعدهم الحاج حسان بإيصالها للسيد ويفعل دون إطلاعهم على أية تفاصيل فالهدف كان “خدمة وتيسير شؤون الناس”.
موقعية الحاج الحساسة في المقاومة لم تتضح الا بعد استشهاده، خاصة أن طبيعة عمله والمسؤولية الملقاة على عاتقه كانتا مجهولتين تماماً بالنسبة لعائلته.. بعد الاغتيال في 4 كانون الأول الماضي، أخبر أحد المجاهدين عائلته أن الحاج زار قبل شهر إيران حيث التقى آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي.. وقتها طلب منه الحاج أن يدعو له أن يرزقه الله الشهادة وقبّله على لحيته، فردّ عليه سماحته في لحظتها “أدعو لكَ بحسن العاقبة”.
اغتياله من قبل الموساد الاسرائيلي
كتبت ليلى عماشا في موقع “العهد”:” ليلة ٣-٤ كانون الأوّل ٢٠١٣، جهّز الموساد رصاصات بلا صوت وتسلّل بين عتم ومطر، وبمؤازرة عيون باعت نفسها للشيطان كمنَ في مدخل مبنى على أطراف الضاحية وأمطر بالطلقات جسدًا لطالما تمنّى حسن العاقبة، فارتقى حسان اللقيس شهيدًا، وعرّجت روحه من صوب فلسطين طائرًا، وطيارات.
أشرقت شمس الرابع من كانون الأوّل على الخبر، وعلى وجه سيماه الطهر وملامحه الصلابة، وجه يعرفه جيرانه ولا يعرفونه.. تعرفه الطرقات التي كان يمرّ بها بدون أي مظاهر أمنية، وتعرفه المساحات الممتدة من جرود البقاع النقية إلى غيمات الجليل، وما بعد الجليل.. ومع الخبر، أزاح حسان اللقيس، المهندس المبدع، كاتم أسرار المقاومة، صديق السيد ورفيق العماد، طرفًا من اللثام عن وجهه، لوّح للمذهولين من فيض عشقه ومضى شهيدًا سعيدًا يعرف جيّدًا ما زرع وكم سيكون الحصاد وفيرًا”.
تضيف عماشا:” في تلك الليلة، ولشدة ما كان اللقيس يؤرق الصهاينة وأعوانهم، اضطر الموساد إلى المجازفة بالاقتراب وجهًا لوجه وبالاغتيال المباشر غدرًا.. فاللقيس الذي لم يعتمد أيّ إجراء أمنيّ ظاهر صعّب على الصهاينة وعملائهم اغتياله بطرقهم التقليدية سواء عبر زرع العبوات أو عبر القصف بالطائرات، لا سيّما بعد أن حاولوا عدة مرات وفشلوا. لم يبق أمامهم سوى التخطيط للاقتراب من الهدف واغتياله والتأكّد من استشهاده قبل أن يلوذ المنفّذ بالفرار. والمنفّذ هنا، أو المنفّذان بحسب ما أظهرته التحقيقات فيما بعد، أصبحا تفصيلًا يؤكد تورّط كلّ الصهاينة في العالم بعملية الاغتيال هذه، ويؤكد عجزهم عن المواجهة خاصّة مع ثبوت وجود عملاء “محليين” رصدوا اللقيس وساهموا بوصول المنفذين إليه وثم بتهريبهم أو إخفائهم”.
وتلفت الكاتبة الى أنه “في ذروة استنفار العدو خلال مناورة ” السهم الفتّاك” تمكنت طائرة استطلاع تابعة للمقاومة من اختراق الأجواء الفلسطينية المحتلة فوق منطقة الجليل قبل أن تعود إلى قاعدتها في لبنان من دون أن تكتشفها رادارات الجيش الإسرائيلي”، (…) وسبع سنوات وما زال عمله السري جدًا سرًّا لا ينكشف من قائمة أسرار المقاومة، وما زالت حبات القمح التي باسمًا وصامتًا بذرها في أرض منظومة المقاومة تطرح بيادر من انتصارات وتهديدات تسلب الصهيوني عقله وترديه قتيلًا قبل المعركة”.