مقالات مختارة
مجلّة “الأمن العام”
مارلين خليفة
يفقد لبنان تدريجا دوره كوجهة طبية رئيسية في الاقليم بحسب اراء المتخصصين في منظمة الصحة العالمية هو الذي كان يوفر موارد الصحة البشرية المؤهلة تأهيلا عاليا للوصول الى رعاية صحية عاجلة
ما يحصل حاليا ان النظام الصحي اللبناني بدأ يفقد قدرته على تلبية الاحتياجات الاستشفائية للبنانيين في الداخل بسبب الضغوط الهائلة على القطاع الاستشفائي والمختبرات قبل بدء جائحة كوفيد-19، وتحديدا منذ قدوم النازحين السوريين الى لبنان الذين وضعوا صغطا على قطاع قدرته الاستيعابية باتت تتجاوز 8 ملايين شخص في ما هي مخصصة لـ 4 ملايين، بحسب ما تقول لـ”الامن العام” مديرة البرامج في منظمة الصحة العالمية في لبنان الدكتورة اليسار راضي التي تحذر من “وجود خشية من انهيار كامل للقطاع الاستشفائي بسبب ضعف الاستمرارية المادية ونزيف الكادر البشري وهزال البيئة المعززة مثل خدمات الكهرباء والمياه النظيفة والانترنت والتدفئة وصيانة المعدات الطبية”، وتستنتج بأن “خطر الانهيار الكامل وارد”.
في ايلول الفائت، اعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس ادهانوم غيبريسوس، في ختام زيارة رسمية الى لبنان، عن “قلق بالغ من تأثير الازمة الحالية على صحة ورفاه الشعب اللبناني والمخاطر التي يواجهها بفقدان المكاسب الصحية التي حققها لبنان على مدى العقود الماضية”.
توصف منظمة الصحة العالمية في مكتبها في بيروت الواقع الاستشفائي اللبناني بشيء من السوداوية التي تخيم على هذا القطاع. تقول الدكتورة اليسار راضي: “يمر لبنان حاليا في ازمة كبرى في القطاع الصحي الاستشفائي وفي العيادات او المستوصفات، حيث ثمة نقص كبير في الادوية الاساسية، وثمة ادوية مفقودة تعتبر رئيسية لحسن سير عمل المستشفيات، فضلا عن النقص في المستلزمات الطبية التي قد تتوافر بكلفة عالية لا يمكن تكبدها. كذلك يعاني القطاع الصحي من هجرة غير مسبوقة للكوادر الطبية والتمريضية، فحتى الاداريين العاملين في دوائر في الصحة العامة يهاجرون، كذلك الخبرات الجديدة وايضا العاملين الصحيين المخضرمين وهذا امر صعب تعويضه”.
تشير راضي الى ان “من السهل اعادة تأمين الادوية والمستلزمات الصحية، الا انه تصعب استعادة القدرات البشرية في مجال الصحة”. لا ترى منظمة الصحة العالمية تجاوبا كافيا من الدولة اللبنانية بدوائرها الرسمية: “للاسف انه لا توجد لغاية اليوم سياسة واضحة من قبل الدولة اللبنانية لمعالجة هذا الواقع، مع اننا كمنظمة صحة عالمية نحاول المساعدة على وضع استراتيجيا لبقاء الجسم التمريضي وخصوصا الاطباء المتخصصين، لاسيما في مجالات معينة مثل الصحة النفسية وجراحة الرأس ولبنان غير قادر على تحمل هذا النزف في الادمغة”.
تلفت راضي الى ان “وزارة الصحة تعتمد اليوم على تقوية النظام الاستشفائي العام في المستشفيات الحكومية، لكن هذه المستشفيات تحتاج ايضا الى الكثير من الدعم والتدريب. الامر لا يتعلق بالتجهيزات والمعدات بل بالكادر البشري وبأطر السلامة والجودة بانتظام،. بطبيعة الحال توجد مستشفيات حكومية كبرى ممتازة، لكن في الوقت عينه توجد مستشفيات حكومية صغيرة لم يتم ايلاؤها الاهتمام اللازم ومن الواجب ان يتم تفعيل عملها اكثر لكي تتمكن من خدمة المناطق التي توجد فيها”.
تأتي الكثير من المساعدات الطبية عبر المنظمة وسواها، وركزت منظمة الصحة العالمية بشكل خاص على توفير الادوية الاساسية للضغط والسكري والامراض المزمنة والحالات الطارئة والانتيبوتيك والادوية المختصة بالامراض النفسية. اثر النقص الكبير في ادوية السرطان، جلبت منظمة الصحة العالمية ادوية وغطت تقريبا قرابة 800 طفل يعانون من مرض السرطان، كما استقدمت ايضا مستلزمات لغسيل الكلى مع الادوية التي تستتبعها لحوالى 4 الاف مريض في لبنان. تشير راضي الى “ان الادوية ليست الاساس في عمل المنظمة بل بناء القدرات ودعم الدولة والمجتمع الاهلي والاكاديمي للتعاون لتعزيز النظام الصحي”، كذلك ساهمت منظمة الصحة العالمية في تنمية قدرات وزارة الصحة على الترصد الوبائي وهذا ليس بالدعم الجديد بل يمتد منذ 20 عاما، وفي الاعوام السبعة الاخيرة بات الدعم مركزا على اعتماد المكننة التي جعلت مواجهة جائحة كوفيد-19 اسهل.
تعد منظمة الصحة العالمية في لبنان حاليا لمشروع صغير يمتد الى حوالى العام، تقول الدكتورة اليسار راضي: “يهدف هذا المشروع الى دعم جوانب معينة من النظام الصحي اللبناني. بطبيعة الحال، ان الامم المتحدة لا يمكنها ان تحل مكان الدولة، ومواجهة انهيار شامل هو اكبر بكثير من قدرتها وبعض الجمعيات الاهلية او بعض الدول المانحة، وهذا يحتاج الى قرار وطني تتخذه الدولة اللبنانية لمنع الانهيار، ولهذا القرار مستلزمات وضوابط، لكن بالتأكيد ان الانهيار الشامل وارد اذا ساءت الامور اكثر مما هي عليه اليوم”.
يحظى لبنان حاليا بدعم منظمة الصحة العالمية للمختبرات التي تقوم بفحوص الـ”بي سي آر”، وذلك بهدف ادخالها الى النظام العالمي للجودة وقد دخل لغاية الان 27 مختبرا ونجحت، ويوجد الان 50 مختبرا في طور النظام وسيعرف بعد اشهر من سيكون في هذا النظام. علما ان منظمة الصحة العالمية هي داعم اساسي لبرنامج السل والامراض المزمنة والسيدا، وبالتالي فان عملها متشعب جدا ويدعم برامج متعددة في وزراة الصحة.
تقود منظمة الصحة العالمية الاستجابة في حالات الطوارئ، وهي حاليا “تشبك مع الجهات الرسمية ولكن ايضا مع وكالات الامم المتحدة الاخرى والجمعيات الاهلية او العالمية يتوسع دور المنظمة لتشبك مع القطاع الاكاديمي والنقابات، وهذا الدور تلعبه المنظمة في لبنان في كل الكوارث الطبية التي المت بلبنان منذ 50 عاما”، بحسب الدكتورة اليسار راضي.
ليست جائحة كوفيد- 19 لوحدها من ضغطت اخيرا على النظام الصحي اللبناني، وبحسب راضي فقد “سبق للنظام الصحي ان بدأ بالانين من شدة التعب قبل جائحة كورونا. لا يجب نسيان ان النظام الصحي للبنان استوعب مليون ونصف مليون نازح سوري الى لبنان اي انه يقدم خدمات الى قرابة 8 ملايين شخص بينما قدرته الاستيعابية لا تتعدى 4 ملايين. وبالتالي ان الضغط الذي وضع على كاهله بسبب النزوح الكبير والذي اجتازه لبنان بجدارة عاد وانهكه قبل وصول جائحة كورونا. من جهة ثانية، زادت الازمة الاقتصادية من الضغط على هذا النظام، لذا فان الموجة الاولى لكورونا كانت شديدة الوطأة على النظام الصحي الذي لم يكن مستعدا لها بشكل كاف. في الموجة الحالية، الضغط اقل على المستشفيات بينما يشتد على المختبرات، لذا نحاول اتباع سياسات معينة لمحاولة التخفيف من الضغط. بدأت بلدان كثيرة استخدام الفحص الذاتي في المنازل، ولم يعتمد لبنان بعد هذه التقنية كسياسة عامة. هنالك دوما طرق لتخطي الاعباء والمخاطر، لكن بالتأكيد فان كورونا شكل عامل ضغط كبيرا جدا على الانظمة الصحية في العالم وفي لبنان”.
بالنسبة الى زيارة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريسوس فهي تركت انطباعات جيدة لديه، “لكنه عبّر عن قلقه بالنسبة الى النظام الصحي وقدرته على مواجهة كل التحديات، وكرر دعم منظمة الصحة العالمية ضمن قدراتها المتاحة لوزارة الصحة والنظام الصحي في لبنان وبالتأكيد المحافظة على كل المكتسبات الصحية للشعب اللبناني. قبل هذه الازمة الكبرى التي نمر فيها، وخصوصا بعد الانهيار المالي وبعد انفجار مرفأ بيروت وتداعياته ثم جائحة كورونا، كان الضغط كبيرا جدا والمخاطر ايضا بحسب الانطباعات التي نشأت لدى الدكتور تيدروس، لكنه رأى ايضا طاقات امل كبرى بسبب وجود قدرات في لبنان وشركاء ملتزمين لا يزالون موجودين”، بحسب الدكتورة راضي.
بالنسبة الى الحلول، يعتبر تحديد الاحتياجات مهما جدا “هذا ما تقوم به منظمة الصحة العالمية بالتشاور مع الشركاء الصحيين وعبر تحفيز الجهات المانحة لاعطاء الدعم اللازم، وتستفيد منظمة الصحة العالمية من تدفق الاموال الاضافي على البلد لتعزيز القدرات الصحية، وهو ما يسمى بناء قدرة النظام على تحمل الضغط ونقله من مرحلة هشة الى مرحلة اكثر صلابة”.