“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تكتسب زيارة سكرتير دولة الفاتيكان للعلاقات بين الدول رئيس الاساقفة بول ريتشارد غلاغر موفدا من قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس اهمية استثنائية في بداية سنة مفصلية في تاريخ لبنان، حيث تتراكم الاستحقاقات وابرزها الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
واليوم الثلاثاء، كتبت المراسلة المختصة بالشؤون الفاتيكانية إيليز آن آلن في موقع صحيفة
Cruxnow.com
تقريرا عن زيارة غلاغر الى بيروت بعنوان: “زيارة المساعد البابوي الى لبنان، ستحمل نبرة سياسية وراعوية”. اشارت فيها الى ان غلاغر بدأ زيارته فعليا الى لبنان يوم أمس الاثنين وسينهيها في 4 شباط الجاري ووصفت الزيارة الى لبنان بأنها:” الزيارة الاخيرة بترتيبها التي قام بها غالاغر نيابة عن البابا لدول تحظى باهتمام بابوي شديد، بعد زيارته في كانون الاول الفائت الى جنوب السودان”.
وإذا كان سفير لبنان لدى دولة الفاتيكان الدكتور فريد الخازن لا يحبذ الربط بين الزيارة وهذا الاستحقاق اللبناني والمسيحي بامتياز، فإنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال وخصوصا وأن زيارة غلاغر تحمل الطابع الرسمي، وهو يأتي موفدا رسميا من البابا فرنسيس ناقلا رسائل فاتيكانية للمسؤولين اللبنانيين الزمنيين والروحيين لن يكشف عن فحواها إلا تباعا، وهي زيارته الاولى الى لبنان منذ تعيينه في منصبه في 8 تشرين الثاني من العام 2014، علما بأن غلاغر هو بريطاني الجنسية من مدينة ليفربول خدم في افريقيا واميركا اللاتينية ويتقن اللغات الفرنسية والايطالية والاسبانية.
يعتبر غلاغر من الشخصيات الرفيعة في الكوريا الرومانية، ويأتي في ترتيبه بعد أمين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين الذي يعتبر بمثابة رئيس الحكومة، لذلك انتدبه البابا فرنسيس لزيارة بيروت، وعلى عكس ما أشيع فإن الزيارة لا تمهّد لزيارة بابوية وشيكة، “زيارة البابا للبنان مطروحة بطبيعة الحال ، لكن ليس هذا موضوع زيارة المونسينيور غلاغر، وللزيارة ترتيباتها المختلفة” يقول سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي الدكتور فريد الخازن لموقع “مصدر دبلوماسي”.
يذكّر الخازن بثلاثة محطات مهمة حدثت اخيرا بطلب من قداسة الحبر الاعظم: “اولاها زيارة امين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين الى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، وهو اتى الى لبنان في بداية ايلول من ذلك العام، ثم عقد لقاء رؤساء الكنائس في روما بدعوة من البابا فرنسيس في تموز 2021 وقد حضر البابا شخصيا اجتماعات رؤساء الكنائس اللبنانية وبقي معهم من الثامنة والنصف صباحا الى السادسة والنصف مساء، والمحطة الثالثة تتمثل بزيارة غلاغر”.
تترجم هذه الزيارة الى لبنان المواقف اليومية للبابا فرنسيس واهتمامه الشخصي بلبنان،
واخيرا ذكر البابا فرنسيس لبنان في 10 كانون الثاني الفائت في الكلمة التي وجهها الى الدبلوماسيين المعتمدين لدى الكرسي الرسولي في مناسبة اللقاء السنوي لتبادل التهاني في العام الجديد، فقال:”من بين اللقاءات العديدة، أودّ أن أذكر هنا لقاء اليوم الأوّل من تموز/يوليو الماضي، الذي خُصِّص للتأمل والصّلاة من أجل لبنان. إلى الشعب اللبناني العزيز، الواقع في أزمة اقتصادية وسياسية، وهو يسعى جاهدًا لوجود حلّ لها، أريد اليوم أن أجدّد تأكيد قربي منه وصلاتي من أجله، وأتمنى أن تساعد الإصلاحات اللازمة ودعم المجتمع الدولي لكي يبقى هذا البلد ثابتًا في هويته وبقائه نموذجًا للعيش السلمي معًا والأخوّة بين مختلف الأديان فيه”.
عدا عن ذكره لبلنان بمواعظه ودعواته المتواصلة الى وضع حدّ لمعاناة اللبنانيين، وحثه الدوائر المعنية على تقديم المساعدات وخصوصا تلك الصحية والاستشفائية والتربوية وقد وصل منها الكثير الى لبنان من دون الاعلان عن ذلك كما هي سياسة الفاتيكان. فإن البابا فرنسيس يثير الملف اللبناني دبلوماسيا في كل اللقاءات الكبرى التي يعقدها في الفاتيكان وخصوصا مع الدول المعنية: الرئيس الاميركي جو بايدن، رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون، المستشارة الالمانية السابقة انجيلا ميركل وساهم، وبالتالي فإن “لبنان هو ضيف دائم على جدول اعمال البابا فرنسيس في لقاءاته كلها” يقول الخازن. مضيفا:” إلا ان هذه اللقاءات تتم دون ضجيج اعلامي وبشكل سري”. وماذا عن اثارة الملف اللبناني مع الدول الخليجية؟ يقول الخازن:” لا توجد علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان ودول الخليج باستثناء الكويت، ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية مع المملكة العربية السعودية لكن هنالك تواصل دائم مع المسؤولين في السعودية عبر احد مراكز الحوار الذي أسسه الملك عبد الله بن عبد العزيز في فيينا”. ويشير السفير فريد الخازن:” لا يمكن تخطي اللقاء المهم الذي جمع قداسة البابا بشيخ الازهر في ابو ظبي وصدور وثيقة مشتركة، هذه الوثيقة هي احدى ثمار الدبلوماسية الفاتيكانية حول العيش المشترك، ولبنان هو نموذجها الحيّ وغير المفتعل”.
يشارك غلاغر غدا الاربعاء في مؤتمر حول “البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة” تستضيفه جامعة الروح القدس في الكسليك بمناسبة مرور 25 عاما على الزيارة التاريخية التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان. يقول الخازن:” كان المونسينيور غلاغر سيأتي الى لبنان في بداية كانون الثاني الفائت، ثم تقرر ان تتزامن الزيارة مع هذا المؤتمر المهم حول البابا القديس يوحنا بولس الثاني”. ويشير:” الزيارة هي متابعة للوضع اللبناني بناء على طلب قداسة البابا، لكن ليس من ازمة محددة يناقشها اللقاء، وكما يعلم الجميع بأن الازمات في لبنان متوالدة تشبه المتحوّرات، لكن الرسالة الرئيسية برأيي التي سيوجهها المونسينيور غلاغر تقول بأن:” لبنان غير متروك”. هل من رابط بين زيارته والانتخابات الرئاسية اللبنانية؟ يقول الخازن:” لا اعتقد انه يوجد رابط بين زيارته وهذا الاستحقاق الرئاسي، استبعد ذلك شخصيا”.
يختصر سفير لبنان في الفاتيكان الدكتور فريد الخازن رسائل الفاتيكان من خلال زيارة غلاغر ومشاركته في المؤتمر حول البابا يوحنا بولس الثاني كالآتي: “إن عنوان كلام البابا حول لبنان اكثر من بلد هو رسالة للتعددية ونموذج للحريات لا يزال صالحا منذ قال البابا الراحل هذه الكلمة في العام 1989. والزيارة تذكر بأننا كلبنانيين مؤتمنين على ذلك وان للبنان رسالة وخصوصية بالرغم من كل المصائب، وموضوع العيش المشترك موضوع حقيقي ومعاش وليس مصطنعا وهذا ما يميزنا عن سوانا من دول المنطقة، وعلينا ان نتحمل هذه المسؤولية ونسلط الضوء على لبنان الرسالة والعيش المشترك وانه رسالة حضارية للعالم”. ويشير الخازن الى أن “الفاتيكان كدولة مطلعة على تفاصيل الوضع في لبنان ترى بأن ثمة حلول مرتبطة بالداخل اللبناني وليست كل الازمات مرتبطة بالخارج، من هنا المسؤولية التي تقع على اللبنانيين”.