“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تنتظر الدول الخليجية والعربية (مصر والاردن) لكي تنفذ الحكومة اللبنانية بنود “المبادرة الخليجية” العشرة التي حملها وزير خارجية الكويت الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح في خمسة أيام فحسب، وهي المساحة الزمنية التي تفصل لبنان عن انعقاد الاجتماع التشاوري لمجلس وزراء الخارجية العرب في العاصمة الكويتية في 29 الجاري، على ان يكون الجواب خطيا وسيحمله بطبيعة الحال وزير خارجية لبنان الدكتور عبد الله بو حبيب. وقبل ان يغادر الشيخ الصباح أمس مطار رفيق الحريري الدولي، كانت الصالونات السياسية في لبنان تضجّ بـ”فائض الثقة” لدى هذه الدول لمنح لبنان 5 ايام لتطبيق بنود كفيل أي منها بادخال البلد باشتباك سياسي طويل الامد. بندان يمكن التوقف عندهما في هذه المبادرة ويعتبران هم الأساس يتعلق الاول بـ” تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة”، والثاني ” وقف العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية وتحديدا الخليجية والالتزام بسياسة النأي بالنفس”، أي عمليا البندان الخامس والعاشر ويستهدفان بمضمونهما “حزب الله” لناحية سلاحه ولناحية الخطاب الذي ينتهجه ضد بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية واستضافته لمؤتمرين للمعارضة البحرينية والسعودية.
بحسب المعلومات التي استقاها موقعنا من مصادر عليمة مقربة من “حزب الله” فإن الأخير لم يطلع رسميا على هذه البنود ولم يفاتحه فيها احد لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة ولا رئيس المجلس النيابي.
وبحسب معلومات موقعنا من اوساط سياسية متابعة فإن البند الخامس المتعلق بتطبيق القرار 1559 نال تعليقا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للموفد الخليجي إذا قال له: إن الدول التي وضعت هذا القرار حول نزع سلاح “حزب الل”ه عجزت عن تنفيذه، فكيف تطلبون منا نحن تنفيذه؟ الموقف ذاته اعتمده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رابطا هذا الملف بالحوار حول الاستراتيجية الدفاعية.
لبنان عرضة لحصار خليجي جديد قبيل الانتخابات النيابية
بناء على هذه المعطيات المؤكدة فإن لبنان سيعبّر بعد 5 ايام عن عدم قدرته على تطبيق البندين الرئيسيين في المبادرة وبالتالي من المتوقع بحسب التحليلات السياسية ان يلقى المزيد من الصفعات العربية والخليجية في توقيت حسّاس جدّا، أي قبل الانتخابات النيابية العتيدة في ايار المقبل وعلى ابواب تفاوض جديد حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بمعية الموفد الاميركي آموس هوكستاين المنتظرة زيارته منذ تشرين الثاني الفائت والمنقطعة اخباره لغاية كتابة هذه السطور. ما يعني عمليا أن هذه الدول الخليجية والعربية تضع لبنان في الزاوية محاصرة إياه مرّة جديدة بحجة أنها عملت ما عليها على مرأى الدول الغربية لا سيما فرنسا الذي قاد رئيسها ايمانويل ماكرون مبادرة دفعت ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الى الاتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتجاوب مع الفرنسيين حول صندوق تعاضدي لمساعدة لبنان لم يظهر منه شيء لغاية اليوم. وبالتالي فإن “مبادرة حسن النية” الخليجية والعربية إن لم يتم التجاوب معها لبنانيا، وسط انهيار اقتصادي تام ما سيؤدي الى عزوف هذه الدول عن انتشال لبنان من كبوته ومدّه بالأوكسيجين المالي اللازم للتمكن من النهوض ثانية، وسيكون عرضة لعقوبات جديدة غير معروفة بعد، وكل ذلك سيوضع على كاهل لاعب لبناني واحد تستهدفه السعودية حصرا في لبنان هو “حزب الله”.
هذا السيناريو القائم حاليا، سيكون محطّ بحث حول كيفية تجاوزه في الايام والاسابيع المقبلة، وخصوصا وسط معلومات متقاطعة من اكثر من جهة من أن السعوديين تحديدا باتوا على يقين من ان الانتخابات النيابية المقبل لن تجدي نفعا بتغيير الارضية الصلبة للمنظومة الحاكمة، ولا ضير بالتالي من خلط الاوراق ولو على حساب تهديد الاستقرار اللبناني.
تقاطع سعودي اميركي…وحديث عن
NGO’s
سنية
في هذا السياق، يبدو أنه يوجد تقاطع سعودي اميركي واضح لجهة ازاحة الحريرية السياسية من المشهد اللبناني. السعودية تريد ازاحة آل الحريري كليا تمهيدا لوصول شخصيات سنية جديدة اكثر تطرفا في التعبير الخيارات السياسية التي تعتمدها المملكة وليس لديها تلك المساحة الوسطية التي اجترحها الحريري لنفسه ولتيار المستقبل وسط الساحة السياسية اللبنانية. في هذا السياق ينقل كلام عن احد المنظرين السنّة في لبنان الدكتور رضوان السيد في مجلس خاص اشار فيه الى أن عزوف سعد الحريري وآل الحريري عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة هو قرار استراتيجي سينتج عنه بزوغ شخصيات سنية متطرفة بعدائها لحزب الله ولسوريا، أي ان المرحلة هي أشبه بمرحلة انتقالية تمهد لولادة “أن جي أوز” سنية. بناء عليه، فلا سعد الحريري ولا عمته بهية ولا ابنها احمد سيترشحون للانتخابات النيابية. في الذهن الاميركي، فإن عزوف الحريري (تقول اوساط سياسية لبنانية ان العزوف هو مطلب اميركي يدرس منذ مدة غير قصيرة، سيمهد الطريق لرمي حجر ثقيل في الحياة السياسية اللبنانية ما سيكون له تداعيات حادة على المنظومة السياسية القائمة، وسيفككها كالمسبحة “حبّة حبّة”، بعد ان عجزت ثورة 17 تشرين عن تفكيكها وكذلك كل الاستراتيجيات التي وضعها المجتمع المدني بدعم من الخارج.
لبنان اذن، على مفترق طريق خطر جدا. فالمبادرة الكويتية تحظى بغطاء خليجي وعربي ودولي واضح، والوقوف اللبناني بوجهها سيعني مواجهة هذا المحور برمته، وسيعني استمرار الحصار الاقتصادي للبلد ما سيوجه للبنانيين رسالة مفادها ان السبب الرئيسي للازمة الاقتصادية والسياسية والمالية العاصفة التي يمر بها لبنان هو سلاح حزب الله، فإذا قمتم بنزع هذا السلاح وبحل مشكلة ترسيم الحدود مع اسرائيل وسائر القضايا السيادية الكبرى يمكننا حل ازمة لبنان الاقتصادية وذلك من دون تقديم اية وعود واضحة حول ماهية هذه المساعدة. وتذهب تحليلات الاستراتيجيين ابعد إذ تعتبر بأن هدف المبادرة هو تقديم اثمان لاسرائيل: في مقابل فتح الملف النووي يتم فتح باب الترسيم مع لبنان. وللسعودي: عبر منع حزب الله من نصرة الشعب اليمني. وبصورة أدق، انه في ظل هذه الازمة الخانقة التي يمر بها لبنان وقبل مفاوضات الترسيم مع كيان العدو وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات في فيينا ومحاولات التقارب السعودي الايراني جاءت المبادرة الخليجية العربية بموافقة اميركية لتقول نريد ثمنا لكل ما يجري على مستويات المنطقة وهذا الثمن هو نزع سلاح المقاومة.