مقالات مختارة
مجلّة الامن العام
مارلين خليفة
امضى المقرر الخاص للامم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الانسان اوليفييه دي شوتر اسبوعين في لبنان بين 1 و12 تشرين الثاني الفائت استطلع خلالها احوال الفقر فيه، وكان تقرير مثير للاهتمام سيعقبه آخر في حزيران 2022.
عقب الجولة في لبنان قدّم دي شوتر تقريرا عبّر فيه عن “صدمته من انفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الارض داعيا الى حلول مستدامة في بلد كان في يوم من الايام منارة تهتدي به المنطقة”.
الامن العام اتصلت بمكتب دي شوتر، فكان يقوم في جولة يستطلع فيها احوال الفقر في النيبال، لكنه اشار عقب سؤال عما استند اليه في تقريره الى جملة امور مكررا ما قاله سابقا بان الجولة كانت “بهدف الاصغاء والمشاهدة والمراقبة كعيون وآذان الاسرة الدولية”. للتذكير فإن دي شوتر التقى برئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبـ9 وزراء ودخل معهم في حوارات.
ولفت ردا على سؤال: “استفدت في هذه الزيارة من مستوى عال من التعاون من ناحية الحكومة اللبنانية وخصوصا وزارة الخارجية اللبنانية والفاعلين”. وفنّد دي شوتر الوضع الذي يواجهه لبنان حاليا واصفا إياه لـ”الامن العام” بأنه “غير مسبوق بوجود 4 ازمات تتلاقى كنت قد فندتها اثناء وجودي في لبنان”. يشير دي شوتر الى هذه الازمات الـ4 وهي:
الازمة الاولى، ناتجة عن تدفق اللاجئين السوريين منذ العام 2011، حيث يعيش في لبنان قرابة المليون و500 ألف من النازحين السوريين بينهم 800 ألف من المسجّلين حتى العام 2015 من قبل المفوضية العليا للاجئين، بينهم نسبة 88 في المئة تعيش في فقر مدقع بالرغم من الدعم الذي تقدّمه لها المفوضية على شكل مساعدات نقدية، وهي عبارة عن 800 ألف ليرة لبنانية للأسرة الواحدة بالإضافة الى 300 ألف لكل فرد من العائلة لـ80 في المئة من الأسر التي تعيش في بؤس.
يقول دي شوتر:”في العام 2021، لم تكن الظروف مناسبة لكي يتمكّن المانحون من اعطاء الاموال المناسبة. لقد تلقت المفوضية 260 مليون دولار لهذه السنة فحسب”.
الأزمة الثانية، هي بسبب تدهور الليرة اللبنانية نتيجة لتدهور العملات الصعبة منذ العام 2011 بالاضافة الى عجز في الميزان التجاري، وادى ذلك الى ارتفاع كلفة السلع الغذائية بنسبة 40 في المئة ما اوصل الى فقر عام للشعب اللبناني وخصوصا لأولئك الذين يتلقون اجورهم بالليرة اللبنانية فحسب، وكنتيجة لذلك لم يتمكن الكثر من الاولاد من الذهاب الى المدرسة وبدأوا العمل مبكرا وزادت معدلات الزيجات من قاصرات وقد زاد هذا المعدل كثيرا في العام 2020.
الازمة الثالثة، تتمثل بجائحة “كورونا” التي القت بظلالها على البلاد، وزادت نتيجة لذلك معدلات التسرب من المدارس وكثر من الاطفال ليسوا قادرين على متابعة دروسهم عبر الانترنت لغياب الكهرباء ولانعدام قدرتهم على الوصول الى الانترنت”.
اما الازمة الرابعة بنظر دي شوتر فتتمثل بالتراكمات التي خلفها انفجار مرفأ بيروت الذي جعل العديد من اللبنانيين في حال من التشرد، وفقد 70 ألف شخص وظائفهم.
ويشير دي شوتر في دردشته الى “ان الحكومة تواجه صعوبات غير مسبوقة، لكن خلف هذه الأزمات، ثمة أزمة الثقة. الناس ما عادوا يؤمنون بأن الدولة قادرة او راغبة بمساعدتهم على خوض هذا الوضع الذي لا سابق له والذي يواجهه السكان. عندما تحدثت الى العائلات الفقيرة في برج حمّود وطرابلس وبعلبك غالبا ما كانوا يعبّرون عن شعورهم بغياب الدولة”. ويطرح الخبير الاممي سؤالين جوهريين عن الازمة اللبنانية: كيف يمكن حماية اولئك المعرّضين للخطر؟ وكيف يمكن استعادة الثقة بقدرات الحكومة للاستجابة؟
بداية، الفئات الاكثر حرمانا وهم بحسب دي شوتر “مكتومي القيد ممن لم يتمكنوا من ان يتسجّلوا وليس لديهم وضعا قانونيا في هذا البلد، ولا يمكنهم تسجيل ابنائهم لكي يضمنوا وصولهم الى التعليم وهذه هي المجموعة الاولى المعرّضة للخطر والتي تأثرت اكثر من غيرها في هذه الظروف”.
تتألف المجموعة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، “نادرا ما يتمتع اللاجئون السوريون بإقامة، 16 في المئة فحسب لديهم الاقامة، ومنهم قادرون للحصول على العمل في الزراعة والتنظيفات وفي قطاع البناء وغالبا ما يلجأون الى العمل غير الرسمي ويعتمدون على الدعم الانساني. منذ ان بدأت الازمة الاقتصادية منذ عامين زاد التنافس على الوظائف، وهنالك شكاوى من ان المفوضية العليا للاجئين تعامل اللاجئين السوريين بشكل افضل مما تفعل الحكومة اللبنانية للبنانيين ورأيت ذلك في مستويات مختلفة. هنالك التمييز ايضا ضد اللاجئين السوريين بسبب هجرة الكثير من الاطباء والجسم التمريضي وايضا من المهندسين، وبات مبررا حصول اللاجئين السوريين على الوظائف. (…). لقد ذكرت ايضا اللاجئين الفلسطينيين فحوالي الـ280 الفا هم في البلاد مع ان الارقام يصعب تقديرها بدقة في هذا الاطار. هؤلاء اللاجئون مستثنون من الكثير من الوظائف بالرغم من النزيف في الادمغة الذي يواجهه البلد، وحتى عندما يعملون في القطاع النظامي يساهمون في صندوق الضمان الاجتماعي بنسبة تصل الى 23 في المئة من رواتبهم لكن في المقابل لا يتلقون الكثير من العلاوات او تعويض نهاية الخدمة، هؤلاء لا يزالون يعاملون كعمال اجانب آتين من بلد ليس للبنان معه اتفاق معاملة بالمثل. وهذا يحصل منذ ثلاثة اجيال”.
المجموعة الثالثة التي يذكرها دي شوتر هي العمال المنزليون، يقول:” هنالك 200 الف من العمال المنزليين اللاجئين في هذا البلد وغالبا ما يرزحون تحت نظام الكفالة وهذا ما يربطهم بصاحب عمل واحد ويؤدي الى الاستغلال وسوء المعاملة ومصادرة جوازات سفرهم، وعدم دفع اجورهم فضلا عن التحرش وسوء المعاملة الجسدية”.
وكان دي شوتر قد عبّر اثناء وجوده في بيروت عن سروره بلقائه مع وزير العمل مصطفى بيرم مشيرا الى انه “التزم بالانتقال نحو العقد الموحّد المنقح وذلك من اجل حماية العمال المنزليين والعمال الاجانب تحت هذا العقد”.
ويتطرق دي شوتر الى النساء العاملات في المنازل “وهن لا تحصلن على اجور كافية وهنّ تساهمن بخمس ساعات من العمل غير المأجور داخل المنزل ولا تحصل على رواتب كافية واجور كافية”.
يضيف:” تواجه النساء سوء المعاملة في المنزل لقد رأينا زيادة معدلات العنف المنزلي مع ازدياد الفقر وهنّ لا تجرؤن على ترك وظائفهنّ بسبب الخوف القائم من الازمة الاقتصادية على الرغم من انهن تتعرضن للتمييز والتحرش فالدولة بحاجة الى زيادة امكانية وصول النساء الى سوق العمل وتحسين الاجور”.
اما الفئة الاخيرة المعرضة للخطر فهي الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، يشير دي شوتر:” “التقيت عددا منهم خلال زيارتي، ان 75 في المئة من هؤلاء الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة القادرين على العمل لا يجدون عملا بسبب التمييز وللاسف القانون الذي يفترض به ان يحميهم ما زال غير مطبق بالكامل”.
وكان دي شوتر قد شرح في مؤتمر صحافي في ختام زيارته الى لبنان عوامل استعادة الثقة بالحكومة اللبنانية. فقال بأن “النظام السياسي والمصرفي تحديدا يجب ان يستعيد هيبته وهو مسؤول عن تدهور الليرة وافقار الشعب. وفق الدراسات فإن 43 في المئة من موجودات المصارف التجارية كان يستحوذ عليها بضع اشخاص من النخبة السياسية، وكان هنالك الكثير من المصارف المملوكة اصولها من اسر لبنانية قليلة. وبالتالي اصبح لبنان تحت حكم المصارف، وبالتالي نحن نحتاج الى معالجة هذا التضارب في المصالح بين قطاع الاعمال والسياسية والا سيصبح لبنان دولة ريعية اي تم الاستحواذ عليها من قبل المصالح الاقتصادية لتعزيز سيطرة وتحكّم السياسيين.
التقيت في هذا السياق القاضي جورج عطية وهو يترأس التفتيش المركزي، حيث يجب دعم هذا المركز وفقا لدور لبنان في محاربة الفساد”.
بالنسبة الى نفاذ اللبنانيين الى الحماية الاجتماعية قال دي شوتر في ختام زيارته: “ليس هنالك من دولة راعية في لبنان هنالك برامج لتقديم النقد مثل “برنامج مكافحة الفقر” الذي اطلق في العام 2011 والذي يقدّم للاسر 126 دولار شهريا، كذلك اقرت الحكومة توسيع هذا البرنامج ليطال 75 الف اسرة، لكن ذلك لن يغطي الا عشر السكان اللبنانيين بالرغم من ان الافقار معمّم على كافة الفئات الاجتماعية لذا التزمت الحكومة البناء على هذا البرنامج لتطوير شبكة الحماية الطارئة مع تغطية البنك الدولي لـ176 الف اسرة، كما اعتمدت بطاقة تموينية، بتمويل 556 مليون دولار. هذه الجهود مهمّة ولكنّها لا تغني عن انظمة حماية اجتماعية صلبة تحمي المجتمع من الفقر والسبب الاول هو ان هذه البرامج ليست حسنة الاستهداف. اجتمعت بالكثير من الاسر التي لا تستفيد من برنامج مكافحة الفقر الذي بدأ في العام 2011، لانها لم تعرف كيف تتسجّل في هذا البرنامج او لانها لا تعتبر مؤهلة للاستفادة منه وكما ان هذه الاسر تعتقد بأن الاستفادة مرتبطة بالوسائط السياسية”.
بالنسبة الى منصة “إمباكت” لتسجيل أولئك الاشخاص يقول دي شوتر:” هذا جيد ولكن اخشى انه اذا كان سيتم تسجيل هذه الاسر عبر الانترنت سوف تستثنى الاسر التي لا امكانية لديها للوصول الى الكهرباء او الانترنت”.
يضيف:” المشكلة الاهم هي ان لبنان لا يمكنه البقاء في الاعتماد في برامجه حول الحماية الاجتماعية على اموال الجهات المانحة، وانا متفائل في اطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي بأن تؤدي المفاوضات الى نتائج ايجابية.
لكن مهما كانت المساعدات الانسانية للاسرة الدولية ومهما كان الدعم الذي يقدمه صندوق النقد الدولي لدعم لبنان، لن يكون ذلك بديلا عن تمويل الموارد المحلية لتطبيق استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية. إن لبنان من اكثر الدول التي تعاني من عدم التوازن”. ويشرح دي شوتر ذلك:” ان 10 في المئة من السكان الاثرياء في لبنان يمتلكون قرابة الـ80 في المئة من الاصول اللبنانية لكن 40 في المئة من الضرائب تأتي من الضريبة على القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة، وبالتالي ليس من ضرائب على الثراء الارث او الانتقال وليس هنالك من خطط تفرض الضرائب التصاعدية، لذا فإن المساحة الضريبية التي تسمح بايجاد الموارد لتعزيز الحماية الاجتماعية ليست موجودة في لبنان لذلك والتوصية الاساسية تقتضي تغيير النظام الحالي للضرائب”.
وفي اطار زيارته كشف دي شوتر:” تناقشنا مع الحكومة اللبنانية على مسألة الحد الادنى للأجور الذي يبلغ اليوم يبلغ اليوم 675 ألف ليرة لبنانية شهريا، وهذا مبلغ زهيد جدا ولا يواكب غلاء المعيشة الذي حصل في لبنان، وقد عدّل للمرة الاخيرة في العام 2017، وقد سعدت وأنا اسمع من وزير العمل السيد مصطفى بيرم بأن لجنة المؤشر سوف ترفع هذا الحد الادنى للأجور اخيرا”.
كذلك التقى دي شوتر وزير الطاقة وليد فياض “وبحثنا في هذا الاطار التحديات المتمثلة بتزويد الشعب اللبناني بالكهرباء، واليوم فان مؤسسة كهرباء لبنان غير فعالة وحتى لو عملت بطاقتها القصوى، فهي لن تغطي سوى 60 في المئة من الاحتياجات الوطنية، لذا لا بد من الاصلاحات. ولكننا تحدثنا ايضا بمسألتين مع الوزير فياض، اولا في ما يتعلق بالتعرفة الاجتماعية التي لا بد من ادخالها في لبنان والتي تترافق مع الخصخصة وزيادة التعرفات لمؤسسة كهرباء لبنان لايرادات اضافية. كذلك تحدثنا عن الهيئة الناظمة للكهرباء التي كان من المفترض ان تقام منذ 20 عاما وقد التزم الوزير فياض باعتماد هذه السلطة واقرارها وهي حاجة اساسية لمراقبة التلزيمات للخدمات الكهربائية للشركات الخاصة”.
وختم دي شوتر التوصيات الاساسية التي قدمها للحكومة اللبنانية قائلا بانه اقدم التقرير الاخير في حزيران 2022، مضيفا:” يمر لبنان بامتحان عسير جدا ويواجه الشعب تحديات غير مسبوقة والافقار منتشر، ورأيت أمورا في لبنان لم أظن يوما أنني سأراها في دولة متوسطة الدخل، وهنالك الكثير من الامل الموضوع في حكومة الرئيس ميقاتي حاليا، واعتقد انه لا يجب ان نخيّب آمال اللبنانيين لان هذه الحكومة هي حكومة الفرصة الاخيرة ودولة لبنان ليست فاشلة لغاية الآن لكنها تسير على هذه الدرب، ولم اعتقد ان الحكومة للآن تمكنت من طمأنة الشعب”.