مقالات مختارة
مجلّة “الأمن العام”
مارلين خليفة
في ايلول الفائت دقّت لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” ناقوس الخطر محذرة من ان الفقر يطال اكثر من ثلاثة ارباع السكان في لبنان.
تفاقم الفقر في لبنان منذ العام 2019 بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وتدهور الاستقرار السياسي، وبات يطال في غضون عام واحد 74 في المئة تقريبا من مجموع السكان. بحسب دراسة اجرتها لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الاسكوا في ايلول الفائت.
واذا ما تم أخذ ابعاد اوسع من الدخل في الاعتبار كالصحة والتعليم والخدمات العامة تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الابعاد الى 82 في المئة من السكان.
وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان “الفقر المتعدد الابعاد في لبنان: واقع اليم وآفاق مبهمة” بعد عام من اصدار الإسكوا لتقديراتها حول ارتفاع معدّلات الفقر في لبنان في العام 2020، حيث كانت اشارت الى ان الفقر طاول 55 في المئة من السكان تقريبا، بعد ان كان 28 في المئة منهم يعانون منه في عام 2019.
وفي دراستها الحديثة تقدّر الاسكوا بأن نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الابعاد قد تضاعفت تقريبا بين عامي 2019 و2021 من 42 في المئة الى 82 في المئة، وبلغ عدد السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الابعاد قرابة الـ4 ملايين نسمة، يمثلون مليون و200 الف اسرة بينهم 77 في المئة من اللبنانيين.
مع تطوّر مقاربات التنمية اتّسع مفهوم الفقر ليأخذ في الاعتبار جميع اوجه الظروف المعيشية وانواع مختلفة من الحرمان لا تقتصر على الدخل. ويُسمّى المفهوم الجديد “الفقر المتعدد الابعاد”، ويُقاس بقياس الحرمان في ستة ابعاد اساسية، هي: التعليم والصحة والخدمات العامة والمسكن والاصول والممتلكات والعمل والدخل.
تتبنى الاسكوا الفقر المتعدد الابعاد. يشرح المسؤول الاول للشؤون الاقتصادية في الاسكوا خالد ابو اسماعيل في فيديو خاص بأنه “اذا طبقنا هذا المفهوم على لبنان من ضمن مليون ومئتي اسرة سواء لبنانية او غير لبنانية، ثمة مليون منها تعتبر في حالة فقر. ان الوضع الحالي مغاير عما كان عليه الوضع منذ عامين اذا اعتمدنا المنهجية ذاتها كان الفقر يطال حوالي 40 في المئة فقط من السكان”. ويشير ابو اسماعيل الى ان “المطلوب هو انشاء صندوق وطني تضامني، تتم المساهمة فيه من قبل العديد من الشركاء سواء اكانوا محليين او حتى دوليين، ويجب على كافة الشركاء وخصوصا صناع القرار ان يركزوا على اكثر الفئات اللبنانية التي تتعرض للحرمان”.
امام هذا الواقع، جدّدت الامينة التنفيذية للاسكوا رولا دشتي الدعوة الى انشاء صندوق وطني للتضامن الاجتماعي للتخفيف من وطأة الازمة الإنسانية. وذكرت انه في عام 2020، كانت الاسكوا قد قدرت أنه يمكن للعشر الاغنى من اللبنانيين الذين كانوا يملكون ثروة قاربت 91 مليار دولار آنذاك تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدى نسبة 1 في المئة من ثرواتهم.
وتذكّر الدراسة ان الصدمات المتداخلة لسعر الصرف، الذي كان ثابتا منذ مطلع القرن ولّدت ضغوطا هائلة فانخفضت قيمة العملة وارتفعت معدلات التضخّم في الفترة من حزيران 2019 إلى حزيران من هذا العام بنسبة 281 في المئة فتدنى المستوى المعيشي للسكان اللبنانيين وغير اللبنانيين وانتشر الحرمان.
اما الفقر المدقع المتعدد الابعاد، اي حالة الحرمان في بعدين او اكثر من ابعاد الفقر فأصبح يطال 34 في المئة من السكان اليوم بحسب الدراسة، وفي بعض المناطق اللبنانية اكثر من نصفهم. ونظرا الى أن جميع شرائح المجتمع تعاني على حد سواء من الازمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في البلد، فقد اصبحت نسبة الفقراء من ذوي اعلى درجات التحصيل العلمي تقارب نسبة الفقراء من ذوي ادنى الدرجات. وتجد الدراسة ايضا أنّ نسبة الاسر المحرومة من الرعاية الصحية قد ارتفعت الى 33 في المئة، كما ارتفعت نسبة الاسر غير القادرة على الحصول على الدواء الى اكثر من النصف.
كان للتقصير في اعتماد التدابير والسياسات اللازمة للحد من الفقر المتعدد الابعاد في لبنان تداعيات جسيمة على الطبقة المتوسطة في العامين الماضيين. ويتطلب الحد من هذه التداعيات تعاونا بين جميع مكونات المجتمع اللبناني ودعما من المجتمع الدولي وبيئة سياسية مناسبة. وتحقيقاَ لهذه الغاية توصي “الاسكوا” بتنفيذ الاستجابات التالية على مستوى السياسات وذلك على المديين القصير والمتوسط:
*انشاء صندوق وطني للتضامن المجتمعي في اطار استجابة فورية للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني والازمة الانسانية والفقر على المدى القصير، ويمكن تمويل هذا الصندوق من جهات محلية وخارجية. وفي عام 2020 قدرت “الإسكوا” انه يمكن لذوي الثروات في لبنان ونسبتهم تتجاوز الـ 10 في المئة من مجموع السكان تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية تتعدى نسبة الـ2 في المئة من ثرواتهم.
*وضع خطط فعالة للحماية الاجتماعية تكون اكثر تلبية لاحتياجات الفقراء لا سيما فئة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع. وينبغي وضع آلية شفافة لتحديد هذه الفئة ودعمها اما نقدا واما من خلال بطاقة تموينية مع ضمان توزيع الموارد بشكل عادل لا يتأثر بالمحسوبيات او بالاعتبارات السياسية والطائفية.
* تعزيز نظم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها لتشمل العاطلين عن العمل والذين فقدوا وظائفهم اخيرا نتيجة لتداعيات الازمة الاقتصادية. نظرا الى القدرة المالية المحدودة للبنان يتطلب تنفيذ البرامج الاجتماعية والخطط الرامية إلى خلق الوظائف تمويلا دوليا واقليميا.
في هذا الاطار وبحسب الدراسة، ينبغي إيلاء اهمية خاصة لكبار السن،ّ لا سيما وان مزايا الضمان الاجتماعي هي في الغالب المصدر الرئيسي للدخل المتاح لكبار السن من ذوي الدخل المنخفض. وعلى واضعي السياسات العمل لدعم العاملين المسنين ذوي الاجور المنخفضة والاشخاص الذين هم على عتبة الشيخوخة.
*دعـم الادوية المحليـة الصنع لتمكين الفقراء من شـرائها ويجب تزويد الاشـخاص الذيـن يعانون مـن الفقر المدقع ببطاقـة رعاية صحية تكون ممولـة مـن القطاع العـام وتغطي كلفة الدواء والخدمـات الطبية، ويمكن للمواطنين الآخرين الإسـتفادة من هذه الخدمات وذلك على اسـاس الاشتراكات لضمان استدامتها.
*وضع خطة لزيادة إنتاج الكهرباء مع العمل على تحديث شبكات النقل والتوزيع واعادة هيكلة التعريفات على نحو يعكس الكلفة الفعلية للانتاج، بما يضمن وصول الكهرباء إلى جميع اللبنانيين. فضلا عن دعم الطاقة المتجددة بما يشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية والطاقة المائية والاستثمار في مزارع الطاقة المستدامة للاستخدامات الصناعية والعامة.