“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
قدّم أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس إبّان زيارته الى لبنان التي اختتمها بمؤتمر صحافي الثلاثاء الفائت خيارات عدّة للمسؤولين اللبنانيين لـ”انقاذ لبنان”، ووجّه المسؤول الأممي الارفع رسائل صريحة في خلال لقاءاته الرسمية، حملت في طياتها تحذيرات جدية، مستكشفا مدى جدية مجالسيه حيال طروحاته. ولعل ابرز ما عبّر عنه هو الهاجس الجدّي لدى الامم المتحدة واعضائها من أن يتحول لبنان الى “فرق عملة” للتناحرات الاقليمية، وساحة حرب تسفك فيها الدماء، وابدى في اكثر من لقاء خشية الامم المتحدة من أن يتحول لبنان الى بلد مزعزع باستقراره كسوريا وفلسطين المحتلة، حيث ثمة عجز دولي عن اعادة بناء ما تهدّم وايواء من تشرد وتأمين الموارد للاجئين.
في ما يخص ولاية الأمم المتحدة وتفويضها جنوبا عبر مهمة قوات الطوارئ الدولية أو حفظة السلام، كرّر غوتيرس ثوابت الامم المتحدة في ما يخص تفويضها بتطبيق قرار مجلس الامن الدولي 1701، وزار مقر “اليونيفيل” في الناقورة حيث استقبله رئيس البعثة وقائدها العام اللواء ستيفانو دل كول والتقى حفظة السلام مطلعا على عملهم.
وجّه الأمين العام رسائل هامة جدا الى الاطراف معتبرا بأن التزامهم التنفيذ الكامل لقرار مجلس الامن الدولي 1701 والحفاظ على وقف الاعمال العدائية عبر الخط الازرق هو امر اساسي.
وقال الأمين العام: “من المهم جدا أن تفهم الأطراف أن أي نزاع في هذا الوضع يمكن أن يؤدي الى مأساة ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها. يجب أن تتحلى الأطراف بحسن نيّة وأن تلتزم بالحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق”.
وأضاف: “في الوقت نفسه، سيكون من المهم للأطراف التفاوض بشأن بعض الجوانب التي لا يزال هناك بعض الشكوك حولها لناحية الموقع الدقيق للخط الأزرق، الى جانب المفاوضات حول الحدود البحرية، ومن الضروري أن يمتنع كلا الجانبين عن القيام بأي انتهاك للاتفاقات”.
ورافق اللواء دل كول الأمين العام إلى موقع الأمم المتحدة 1-32A، حيث تنعقد الاجتماعات الثلاثية المنتظمة مع كبار ضباط القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي، واطلع على آليات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها “اليونيفيل” والدور الذي تلعبه في التهدئة وبناء الثقة.
وجدد الأمين العام دعوته إلى استمرار الدعم الدولي للقوات المسلحة اللبنانية، “وهو أمر ضروري لاستقرار لبنان”.
خلال وجوده في جنوب لبنان، عقد غوتيريس اجتماعات مع حفظة السلام الشباب والنساء وقادة المجتمع المدني. كما قام بجولة على جزء من الخط الأزرق وشاهد العمل الذي يقوم به جنود حفظ السلام التابعون لـ”اليونيفيل” بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية، للحفاظ على الاستقرار في منطقة عمليات بعثة الأمم المتحدة وعلى طول الخط الأزرق البالغ طوله 120 كيلومتراً.
تجدر الاشارة الى أن الوفد المرافق للأمين العام للأمم المتحدة ضمّ وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا، ووكيل الأمين العام للشؤون السياسية وحفظ السلام روزماري ديكارلو، والمنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا.
في هذا السياق، قال مصدر مسؤول في “اليونيفيل” لموقع “مصدر دبلوماسي”:” لقد اراد الامين العام ان يلتقي بحفظة السلام الشباب والعسكريين والمدنيين وكذلك النساء. وهو يؤمن بأنه يجب أن يأخذ النساء والشباب أدوارًا بارزة أكثر فأكثر ويقودون التغيير داخل الأمم المتحدة”. وأشار المصدر المسؤول في “اليونيفيل” الى أن ” السيد غوتيرس يعتبر أنه يمكن لحفظة السلام الإناث العمل بشكل أفضل مع المجتمعات المضيفة والقيام بالأنشطة التي تتفاعل مع النساء وخصوصا في سياق البلديات. أما في اجتماعه مع المجتمع المدني في صور وطرابلس فقد حرص الامين العام على الاصغاء الى مخاوف هؤلاء ومعرفة كيف يمكن للأمم المتحدة ووكالاتها المساعدة في معالجة هواجسهم خلال هذه الأوقات العصيبة. بطبيعة الحال كان الوقت ضيقا، لكن الأمين العام السيد غوتيرس أوكل الى وكالات الامم المتحدة المختصة متابعة هذه الهواجس ومعالجة المشكلات التي طرحت”.
ساد مناخ من الودية في الاجتماعات السياسية التي عقدها غوتيرس “لكن الى جانب شخصيته الودية حرص الامين العام أن يكون دقيقا وواضحا وصريحا لعرضه للقضايا وحرص على الاصغاء الى الرؤية اللبنانية للعلاج من دون “فلاتر””، بحسب مصدر في الامم المتحدة رافق غوتيرس في جولاته.
ولعلّ كلام غوتيرس في المؤتمر الصحافي ردّا على سؤال حول تغيير قواعد الاشتباك أو التفويض لـ”اليونيفيل” ونفيه ذلك نفيا قاطعا، ثم ما ورد في بعض التحليلات الصحافية من أنه عرض على المسؤولين اللبنانيين تبديل التفويض لكي تتمكن “اليونيفيل” من القيام بعملها من دون معوقات، وضعه المصدر الاممي في خانة “سوء الفهم” قائلا:” لقد أسيء تفسير ما طرحه وهو أوضح في مؤتمره الصحافي أنه مسرور بالولاية التي اعطيت لـ”اليونيفيل” والتي منحت لبنان 16 عاما من الاستقرار، وبأن أي تغيير للتفويض أو لقواعد الاشتباك متروك لمجلس الامن الدولي وليس للأمين العام”.
تجدر الاشارة الى الحادثة التي اعقبت مغادرة غوتيرس للبنان يوم الاربعاء الفائت، إذ اقدم شبان من بلدة شقرا الجنوبية على رشق مركبات لليونيفيل بالحجارة في خطوة وضعتها اوساط دبلوماسية في خانة “الاعتراض على كلام غوتيرس في ما يخص تسهيل وصول قوات اليونيفيل الى كافة البقع في منطقة عملياتها وفقا للقرار 1701 ولتوصيات مجلس الامن الدولي في تقاريره التقييمة الاخيرة عن هذا القرار، وقد اسمع غوتيرس هذا الكلام بصورة واضحة للمسؤولين اللبنانيين”.
بالعودة الى ابرز رسائل غوتيرس في زيارته التي استمرت 4 ايام والتي استعرضها هذه المرة مباشرة بعد أن كان يرسلها في تقاريره الدورية عن قرارات المجلس الامن الدولي وابرزها القرار 1701، فضلا عن المطلوب من المسؤولين اللبنانيين يمكن رصد الآتي:
*عبّر غوتيرس عن قلق بالغ من تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية التي تتسبب بعوز المزيد من الناس واحتياجهم الى المساعدة الانسانية.
*شدّد على ضرورة السماح بالبدء السريع بالمفاوضات الرسمية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي من دون وضع المزيد من العوائق.
*بعث برسالة واضحة لمن التقاهم من انه لا يحق للقادة اللبنانيين أن يكونوا منقسمين وأن يشلوا البلد.
*اعتبر ان تحقيق التعافي المستدام يكمن في اضطلاع المجتمع المدني والنساء والشباب بدور محوري.
*شدد على اجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في موعدها العام 2022، ما سيشكل فرصة أساسية للناس لإسماع أصواتهم. وقال انه اخذ ضمانات من المسؤولين اللبنانيين هو اجراء الانتخابات في مطلع ايار المقبل وذلك بعد اجتماعاته مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب.
*أكد الالتزام باستقرار لبنان من خلال زيارة مقر اليونيفيل في جنوب لبنان، مشددا على أن
الالتزام بتنفيذ القرار 1701 بالكامل والحفاظ على وقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق بالإضافة إلى الحدّ من التوترات بين الطرفين إنما هو أمرٌ بالغ الأهمية.
ولفت الى أن الصواريخ التي أُطلقَت من الأراضي اللبنانية والردود التي أتت من إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، تُذكّرُنا بالمخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين. وحذّر غوتيرس: “قد يكون لسوء التقدير أو سوء التفاهم عواقب وخيمة والانتهاكات أيضا غير مقبولة”.
*اكد ان “اليونيفيل” تحتاج إلى الوصول إلى جميع أنحاء منطقة عملياتها بشكل كامل ومن دون أي عوائق.
وشدد على أن استمرار الدعم الدولي للقوات المسلّحة اللبنانية أمرٌ ضروري لاستقرار لبنان.
* قال:” يجب أن يكون المجتمع الدولي على استعداد لزيادة تضامنه مع لبنان بشكلٍ ملحوظ لجهة تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب اللبناني”.
*قدم ملاحظة هامة تشير الى أن خطة الأمم المتحدة للاستجابة للشؤون الإنسانية هي مُمَوَّلة بنسبة 11 في المائة فحسب على الرغم من الوضع الدراماتيكي للشعب اللبناني والاقتصاد اللبناني.
لم يأت غوتيرس في ملاحظاته النهائية للاعلام على ذكر أي أمر يتعلق بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بوساطة اميركية وبرعاية الامم المتحدة في الناقورة، لكنه تطرق الى هذا الملف الذي سيطرح مع وصول الوسيط الاميركي آموس هوكستاين الى لبنان الاسبوع القادم لاستئناف المفاوضات. وقال غوتيرس ردا على سؤال في هذا الخصوص: “تجري هذه المفاوضات بين إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية. ليس للأمم المتحدة دور مباشر في الوساطة. بالطبع يتم ذلك في مقر “اليونيفيل” في الناقورة ونحن في موقع المضيفين وليس اللاعبين. ومن الواضح أن الصعوبات تتعلق بترسيم الحدود هذا هو النطاق المحدد الذي لم يتفق عليه البلدان بعد. أعتقد أنه من المهم للغاية أن تتحرك هذه المفاوضات بسرعة لأننا نناقش مناطق تحتوي موارد طبيعية غنية ستكون مهمة جدا للاقتصاد اللبناني. لذلك اعتقد أنه من مصلحة الجميع التحرك بسرعة في هذه المفاوضات والتوصل بسرعة إلى نتيجة سنفعل أي شيء مطلوب منا لدعم هذه العملية”.