مقالات مختارة
مجلة “الامن العام”
مارلين خليفة
تنتشر الاخبار المضللة حول مواضيع شتى، وتشكل في ذاتها مكسبا للشركات الكبرى كلما تفشت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم التفتيش عنها عبر محركات البحث حتى نشأ الحديث عن صناعة الاخبار المضللة
انتشرت هذه الاخبار في الاعوام الثلاثة الاخيرة بشكل خاص مع فيروس كوفيد-19 الذي بدأ في الصين في نهاية سنة 2019 ليلف الكرة الارضية برمتها وتتناقل اخباره وسائل الاعلام التقليدية وغير التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، نظرا الى تداعياته الخطرة على الحياة البشرية والاقتصاد والعلاقات بين الدول. الا ان هذه الاخبار تحولت الى صناعة حقيقية تحمل في طياتها تحقيق اجندات سياسية ومالية واقتصادية.
منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الاونيسكو) هي الوحيدة التي لديها برنامج يتناول موضوع الاعلام لجهة قوانين الاعلام في الدول الاعضاء فيها، وهي تعمل على تدريب الصحافيين لمكافحة هذه الاخبار، من المدارس مرورا بكليات الاعلام والمناهج في الجامعات. لطالما كانت الاونيسكو معنية بحرية التعبير، وهي التي اسست اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 ايار من كل سنة. كذلك عملت على مواضيع سلامة الصحافيين والافلات من العقاب، وهو موضوع تبنته الامم المتحدة. ولا يمكن اغفال موضوع حق الوصول الى المعلومات وهو اساسي في عمل المنظمة الاممية، ويتعلق بكيفية مساعدة الصحافيين في عملهم للوصول الى المعلومات.
في هذا السياق، كشف المسؤول عن البرامج في قطاع الاتصال والمعلومات في المنظمة جورج عواد لـ”الامن العام”، ان الاونيسكو ستطلق قريبا “حملة مشتركة مع وزارة الاعلام اللبنانية حول قانون حق الوصول الى المعلومات ما يصب في اهداف التنمية المستدامة ولاسيما الهدف 16 في فقرته العاشرة الذي يتناول التداول الحر للمعلومات ووصولها للجميع، وكل ذلك ينضوي في سياق مكافحة الاخبار المضللة”.
تلعب الاخبار المضللة او الزائفة ادوارا كبرى اليوم وسط الحوادث المتسارعة عالميا ومحليا بحسب عواد “يتبدى ذلك على الصعيد العالمي مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية، لاسيما وسط جائحة كوفيد-19 التي زادت من وطأة هذه الاخبار. اما الامثلة فكثيرة، سواء منذ الانتخابات الاميركية وصولا الى لبنان، وباتت خطورتها تهدد حياة اشخاص او وضعهم في حالة خطر سواء صحافيين او مواطنين عاديين مرورا بالقطاعات المجتمعية كافة”.
لماذا ارتفع منسوبها؟
يقول عواد ان “الاخبار الزائفة موجودة تاريخيا، لكن منسوبها ارتفع بشكل ملموس لاسباب مختلفة منها التقدم التكنولوجي وانفتاح العالم على بعضه البعض، فبات ايصال المعلومة اسهل بكثير. ظهر الامر في الانتفاضات العربية وايضا على المستوى العالمي من جراء الكوارث الطبيعية، والسبق هو احد العوامل، ثم الاجندات المختلفة التي تستخدم اشخاصا يروجون الاخبار الزائفة والمضللة خدمة لمصالح سياسية او اجتماعية. وثمة اشخاص يروجون هذه الاخبار بهدف التسلية لا اكثر، لكن خطرها يبقى ماثلا بسبب سرعة انتشارها وتناقلها من شخص الى آخر ولو بعفوية، لكنها تخلق خطرا وبلبلة بين الناس. اخيرا، مع جائحة كوفيد-19، اثرت الاخبار الملفقة على حياة اشخاص عدة حول العالم حيث كثر لا يزالون يرفضون اخذ اللقاح بسبب هذه الاخبار”.
الاخبار المضللة، بحسب عواد، تنقسم بين المجالين الاعلامي والاقتصادي الاجتماعي. اعلاميا، يقول: “نشهد تضخيما للاخبار التي تقف وراءها دوافع سياسية، كذلك نرى ان بعض الصحافيين والصحافيات يستخدمون هذا النوع من الاخبار للترويج لجهة ما لشخصية او لحزب معين، فيمررون اخبارا كاذبة او مضخمة او مجتزأة، وهذه كلها تدخل في خانة الاخبار المضللة من اجل خدمة هذه الاجندات. من جهة ثانية، فان المواضيع الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمكان ما بالمال، تدفع محركات البحث الى الاسهام في ترويج هذه الاخبار بهدف الحصول على اكبر عدد من النقرات وهي مصدر للكسب”.
يضيف: “نلمس جميعنا بعد البحث عن منتج معين كبطاقة سفر مثلا، اننا نتلقى سيلا من الدعايات لعروض حول بطاقات السفر. هذا الامر يتعلق بخوارزميات هذه المحركات التي تسهم في اثرائها لأن محركات البحث تبيع هذه الداتا الى شركات اخرى لمعرفة ميول المستهلكين وهي جزء من التسويق”.
كيف يمكن للصحافي مواجهة الاخبار المضللة، وخصوصا اذا كان يتلقى فائضا منها من جهات مختلفة؟
يقول عواد: “يتعلق الامر برغبة الصحافي في نقل الاخبار بسرعة بعيدا من التدقيق والتمحيص فيها من اكثر من مصدر، وهذه اولى معايير الصحافة والاعلام المهني. تبدل العمل الصحافي، لجهة توخي السرعة على عكس الماضي حيث كان صدور الصحف الورقية اليومية يمنح الصحافي وقتا للتدقيق، ونشأ خوف لديه بأن يسبقه الاخرون. هذا التنافس يشكل في مكان ما مشكلة، لكن الصحيح والمهني والذي يعطي الاستمرارية يكمن في التدقيق في الاخبار اي ما يعرف بـFact Checking وهو اساسي وهو ما تعمل الاونيسكو على تسويقه في الجامعات وبين الطلاب والمؤسسات الصحافية والاعلاميين”.
تنشط الاونيسكو على اكثر من صعيد: “نعمل على بناء قدرات الصحافيين بغية اكتشاف الاخبار المضللة عبر كيفية التحقق منها، وتوجد اليوم مواقع وطرق علمية تسهل التحقق. الى ذلك، تعمل الاونيسكو ايضا على ابحاث ومنشورات متخصصة في هذا المجال. لدى الاونيسكو برنامج رائد على الصعيد العالمي يتعلق بالتربية الاعلامية والمعلوماتية يعمل على تنمية الحس النقدي لدى الشباب. ينقسم العمل بهذا البرنامج بين المدارس حيث تحظى الاونيسكو بشبكة مدارس منتسبة اليها ويصل عددها في لبنان الى قرابة الـ75 مدرسة بين رسمية وخاصة حيث تعمل الاونيسكو مع الاساتذة والتلاميذ، بالاضافة الى مراكز مجتمعية اوجدتها مع جمعيات وبلديات تعمل في اطار المناطق الريفية، وتستهدف الشباب والصبايا في المناطق كافة لمساعدتهم على التفكير بطريقة نقدية وتلقف الرسائل الاعلامية التي تصلهم والتحقق منها والنظر اليها من اكثر من زاوية. كذلك اشتغلنا مع هذه الفئات الشابة على “صحافة الموبايل” المعروفة بالـ”موجو”، للتعبير عن افكارهم باشكال مختلفة لمكافحة التنمر والمرتبط ايضا بالاخبار المضللة. ثمة مشاريع سنطلقها في المناطق ومع الصحافيين تتعلق بالتربية الاعلامية والمعلوماتية مع تركيز على مراقبة الانتخابات. سنبدأ بتدريب للصحافيين والاعلاميين الميدانيين لاسيما في وسائل الاعلام المرئية حول التغطية الانتخابية بطريقة مهنية وايلاء الاهمية للتدقيق بالاخبار قبل نشرها. كذلك سنتابع وسائل الاعلام المرئية بكفية تغطيتها للانتخابات. ثمة شق سيتناول شباب المناطق لمساعدتهم في تلقف الرسائل الاعلامية بعين ناقدة. الى ذلك هنالك تعاون للاونيسكو مع قوى الامن الداخلي، في مشروع مستقبلي حول سلامة الصحافيين تحديدا اثناء التغطية الانتخابية. سيكون تدريب لعناصر من قوى الامن الداخلي على اسس ومعايير حرية التعبير، وكيفية التعامل مع الاعلام والقوانين الدولية التي تكفل سلامة الصحافيين. ليس من تعاون حتى الان مع الامن العام اعلاميا، لكن سبق وتعاونا مع الامن العام في موضوع مكافحة تهريب الاثار”.