مقالات مختارة
مارلين خليفة
موقع “أساس”
كشف مصدر دبلوماسي فرنسي لـ”أساس” أنّ “ما تحقّق في اللقاء بين وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكّل تقدّماً ملموساً وخرقاً لا مثيل له تمثّل في نيل تعهّدات من المملكة العربية السعودية في ما يخصّ لبنان”.
واعتبر المصدر أنّ المهمّ في ما حدث هذا “الويك إند” هو “إظهار أنّه لا تزال توجد بلدان مستعدّة لمساعدة لبنان والشعب اللبناني، وأنّ البلدان مستعدّة لذلك، والانسداد لا يأتي من الخارج، كما يروّج البعض هنا في لبنان، وإنّما يأتي الانسداد غالباً من عوامل داخلية، إذ يحتمي المسؤولون اللبنانيون خلف الخارج ليبرّروا انعدام تحرّكهم، لكنّ الواقع مغاير، فالبلدان مستعدّة لمساعدة لبنان، سواء فرنسا أو سواها، لكنّ على لبنان القيام بدوره أيضاً. وهذه هي الرسالة الرئيسية للّقاء، وهكذا سقطت الذريعة اللبنانية بأنّ الخارج لا يساعد لبنان”.
لكن هل تبادُل السفراء بين لبنان والسعودية بات قريباً؟ يجيب المصدر الدبلوماسي الفرنسي: “هذا أمر من غير الممكن الإجابة عنه فرنسياً، إذ يعود إلى السعودية، لكنّ ثمّة مراحل يجب المرور بها قبل الوصول إلى هنا”.
وهل تمّ تداول المآخذ التي تضعها السعودية على أنشطة حزب الله؟ يتابع المصدر: “بالتأكيد قد تمّ تداولها بين الرئيس ماكرون والأمير محمد، وكان البيان واضحاً بتشديده على ضرورة أن تحتكر الدولة اللبنانية السلاح، وألا يوجد جيشان في البلد. وبطبيعة الحال، هذا موضوع يجب أن يحلّه اللبنانيون في ما بينهم لفرض السيطرة الكاملة للدولة اللبنانية على القوى المسلّحة كلّها”. ويلفت المصدر المذكور إلى أنّ “المتابعة ستتمّ بين باريس والرياض مباشرة. ومن جهتها اقترحت السفارة الفرنسية مشاريع عمليّة من أجل تحديد هويّة الشركاء، والحثّ على الحوار”.
وعن كيفيّة تحقيق الرئيس الفرنسي هذا الخرق، يذكّر المصدر بـ”ما قاله ماكرون حين كان في باريس من أنّه ملتزم بوضع لبنان على أولويّات الأجندات الدولية، وبالدفاع عن حقوق الشعب اللبناني ودعم الإصلاحات. وهذه هي الرسالة التي نقلها إلى نظرائه السعوديين”.
وما هي مطالب السعوديّة والإصلاحات التي تطلبها فرنسا أو الالتزامات السياسية المطلوبة من لبنان؟ يشير المصدر إلى أنّ “الالتزامات واضحة في الإعلان الفرنسي السعودي المشترك، حيث المطلوب تحرّكات اتجاه المجتمع الدولي، لكن أيضاً ضدّ تهريب المخدّرات، والتزامات واضحة في ما يخصّ المواضيع التي تؤثّر على أمن المملكة العربية السعودية واستقرارها”.
وجدير بالذكر أنّ لقاء ماكرون وبن سلمان مهّد لأن تبدأ فرنسا والمملكة العمل على مجموعة مشاريع، فقد “تمّ التحدّث مطوّلاً عن صندوق للدعم الإنساني من أجل مساعدة الشعب اللبناني، وأيضاً القوى المسلّحة اللبنانية والقوى الأمنيّة. وهذه التزامات حقيقية تمّ التوصّل إليها بين البلدين. لكنّ كلّ ذلك سينتظر التدابير التي سيتّخذها اللبنانيون”.
ويتابع المصدر الفرنسي: “المساعي الفرنسية مع المملكة العربية السعودية ليست جديدة في ما يخصّ لبنان، إذ سعى الرئيس ماكرون مراراً وتكراراً لإعادة انخراط السعودية في لبنان، وخصوصاً إبّان تنظيمه المؤتمرات الخاصّة بمساعدة الشعب اللبناني التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت. فقد تحدّث مراراً مع السعوديين خصوصاً، ودول الخليج عموماً، عن الطريقة التي يمكن من خلالها مساعدة لبنان والشعب اللبناني. وقصدت السفيرة الفرنسية آن غريو الرياض في تموز الفائت ناقلةً رسائل إلى السعوديين. وهكذا تكون فرنسا قد بذلت جهوداً حثيثة ومنتظمة، محاولةً دفع السعودية ودول الخليج إلى إعادة الالتزام بالشأن اللبناني لناحية تقديم يد المساعدة للشعب اللبناني”.
ويضيف المصدر: “يمكن القول اليوم إنّ فرنسا هي البلد الوحيد القادر على أخذ تعهّدات من دول الخليج، وأيضاً من دول أخرى من المجموعة الدولية، تشير إلى أنّ لبنان لا يزال في سلّم الأولويّات على الأجندات الدولية، وبلداً يستفيد من اهتمام المجتمع الدولي. وهذا هو هدف جهود فرنسا والتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”.
ويتابع المصدر كلامه: “المهمّ في هذا اللقاء هو ما تمّ من التزامات سياسية على مستوى عالٍ جدّاً. ومن الآن فصاعداً ينبغي اتخاذ التدابير العملية لتحويل هذه الالتزامات إلى أشياء ملموسة لكي يستفيد الشعب اللبناني منها. من الواضح أنّ فرنسا والمملكة العربية السعودية وأيّة بلدان أخرى لا يمكنها فعل كلّ شيء. قامت فرنسا بالجزء القادرة على إنجازه. واليوم ينبغي على المسؤولين اللبنانيين أن يقوموا بالجزء الخاص بهم، وأن يثبتوا لشركائهم المتعدّدين، ومنهم فرنسا والمملكة العربية السعودية، وأيضاً المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، أنّهم مستعدّون لوضع الإصلاحات المطلوبة منهم قيد التنفيذ، وأن يقدّموا للمجتمع الدولي براهين عن جدّيّتهم في هذا الخصوص، وبعدئذٍ يمكن الذهاب أبعد”.
وكان البيان الفرنسي السعودي المشترك قد أفرد فقرة طويلة للبنان أعرب فيها الجانبان عن ضرورة أن “تضع الحكومة اللبنانية موضع التنفيذ إصلاحات شاملة، وخصوصاً أن تلتزم تطبيق اتفاق الطائف الذي يضمن الوحدة الوطنية والسّلم الأهلي في لبنان”. ولفتت الفقرة المتعلّقة بلبنان إلى أنّ هذه الإصلاحات “عليها أن تشمل أيضاً قطاعات في ماليّة الدولة وفي مجال الطاقة، ومكافحة الفساد وبسط السيطرة على الحدود”.
وقد اتفق الطرفان الفرنسي والسعودي، بحسب البيان المشترك، “على العمل معاً مع لبنان من أجل ضمان تطبيق هذه التدابير”. وأشارا إلى أنّ السلاح يجب أن يكون محصوراً بشكل حاسم وجدّيّ بالمؤسسات الشرعية للدولة، وأنّه يجب أن لا يكون لبنان مصدراً لأيّ عمل إرهابي يزعزع المنطقة أو لتصدير المخدِّرات”.
وشدّد الجانبان على “أهميّة تقوية دور القوى المسلّحة اللبنانية في بسط الأمن والاستقرار في لبنان”. واتّفقا على “متابعة المشاورات بين البلدين في مختلف الملفّات، وعلى وضع آليّة فرنسية سعودية في سياق يضمن إيجاد الطرق المناسبة لتخفيف معاناة الشعب اللبناني بالتعاون مع البلدان الصديقة والحليفة”. وأكّدا “أهميّة الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 و1680، وللقرارات الدولية ذات الصلة”.