مقابلات مختارة
مجلّة الأمن العام
مارلين خليفة
تصوير عبّاس سلمان
خلال زيارة ملك الاردن عبدالله الثاني الى واشنطن ولقائه الرئيس الاميركي جو بايدن في تموز الفائت، شكل لبنان احد المواضيع الرئيسية لاجندة الزيارة حيث حذّر العاهل الاردني من تدهور الاوضاع في لبنان، ودعا خلالها الى تقديم الدعم ومساعدة الشعب اللبناني بهدف الخروج من الازمة المعيشية والاقتصادية الصعبة.
اكد ملك الاردن في خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول الماضي، على ضرورة ان تحصل “استجابة دولية محكمة التخطيط ودقيقة التنفيذ يشارك فيها الجميع لانقاذ لبنان”.
شكل موقف الملك عبدالله الثاني علامة فارقة، وهو يتوافق مع العلاقة التاريخية بين البلدين، لكن ايضا مع المصلحة المشتركة، حيث ان اي انهيار شامل في لبنان سينعكس حتما على دول الجوار ومنها الاردن.
اصغاء الادارة الاميركية الى دعوة العاهل الاردني جعلها اكثر مرونة حين لمست معاناة لبنان، وخصوصا ابان ازمة الكهرباء الخانقة بسبب النقص الشديد في قدرته على التزود بمصادر الطاقة اللازمة لانتاجها. لذا تم اقتراح مساعدة لبنان عبر استجرار الغاز المصري من طريق الاردن وسوريا، وكذلك تغذية الشبكة اللبنانية بالكهرباء الاردنية عبر سوريا.
في هذا السياق، لا يمكن اغفال ان اعادة فتح معبر جابر بين الاردن وسوريا شكل عاملا مهما لصالح لبنان اذ اعاد سير الحركة التجارية المعتادة، وخصوصا وانه يتم نقل حوالي ثلث الصادرات اللبنانية الى دول مجلس التعاون الخليجي من طريق الاردن. للتذكير، حصل اول اتصال بين الرئيس السوري بشار الاسد والعاهل الاردني في 3 تشرين الاول الفائت، وهو الاول منذ بدء الازمة السورية في العام 2011.
يعود تاريخ العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الاردن ولبنان الى العام 1952 حين تم التوقيع على اتفاق تنظيم التبادل التجاري والترانزيت والنقل في بيروت، وقد عدّل هذا الاتفاق مرات عدة كان آخرها الاتفاق الموقع في الاول من تشرين الاول العام 1992 والذي اصبح ساري المفعول اعتبارا من 23 تموز العام 1993. علما انه يعيش في لبنان قرابة 5 الاف اردني وهنالك قرابة الـ 4170 لبنانيا في الاردن.
في حواره مع مجلة “الامن العام”، استعرض سفير المملكة الاردنية الهاشمية وليد الحديد هذه المواضيع كلها. عيّن السفير الحديد في لبنان في الاول من تشرين الثاني 2019 قادما من وزارة الخارجية الاردنية، حيث شغل مركز مدير المكتب الخاص في الوزارة. عمل الحديد سفيرا لبلاده سابقا في اندونيسيا وسنغافورة وبروناي، اضافة الى تقلده مناصب ديبلوماسية عدة منها: نائب السفير في واشنطن، ومدير وحدة الشؤون الاقتصادية والتعاون الدولي في وزارة الخارجية، وعضو البعثة الاردنية للامم المتحدة في نيويورك وسواها من المراكز. حاز ماجستير في الخدمة الدولية العام 2009 من الجامعة الاميركية في واشنطن، حيث تخصص في السياسات الدولية وفض النزاعات، وحائز ماجستير في الاقتصاد من الجامعة الاردنية في عمان وبكالوريوس اقتصاد واحصاء من الجامعة الاردنية.
* ماذا عن زيارة رئيس الوزراء الاردني بشر الخصاونة الى لبنان إثر تشكيل الحكومة الجديدة في ايلول الفائت؟ وما هي الرسائل التي حملها الى لبنان؟
– اكد رئيس الوزراء بشر الخصاونة ان الهدف الرئيسي لزيارة لبنان يتمثل في التعبير عن الدعم المستمر والتضامن مع لبنان، دولة ومؤسسات ومواطنين، بتوجيه والتزام من جلالة الملك عبدالله الثاني. تناولت المباحثات العلاقات الثنائية بين الاردن ولبنان، وسبل تعزيز التعاون الثنائي المشترك في المجالات كافة، وركزت على سبل تعزيز التعاون في مجالات الطاقة وتسريع وتيرة العمل في انجاز مشروع ايصال الغاز المصري والكهرباء الى لبنان عبر الاردن وسوريا. واكد رئيس الوزراء دعم الاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني للبنان الشقيق لمواجهة التحديات التي تواجهه، لاسيما التحديات الاقتصادية والطاقة، لافتا الى خطاب جلالته الاخير امام الجمعية العمومية للامم المتحدة والتأكيد على ضرورة مساندة لبنان في هذه الظروف التي يمر فيها. ولفت رئيس الوزراء الى العلاقات التاريخية والمتجذرة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وحرص الاردن على تعزيز التعاون المشترك في المجالات كافة .كما اتفق رئيسا الوزراء في البلدين على ان تقوم فرق عمل من الجانبين الاردني واللبناني ببحث الخطوات والاليات التنفيذية لزيادة التعاون في مجالات التبادل التجاري والزراعة والطاقة وغيرها من المجالات. واتفق رئيسا الوزراء على عقد اجتماعات اللجنة العليا الاردنية اللبنانية المشتركة خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل وجود العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تحتاج المصادقة عليها من اللجنة. واستعرض الجانبان الاوضاع الاقليمية في المنطقة وتداعيات اللجوء السوري على البلدين اللذين يعدان من اكثر الدول المستضيفة والاكثر تحملا لاعبائه في ضوء تراجع الدعم الدولي. وشدد رئيس الوزراء على ان لا مصلحة للمنطقة الا بوجود لبنان آمن ومستقر وعضو فاعل في محيطه الاقليمي.
* استضافت المملكة الاردنية الهاشمية اجتماعا وزاريا ضم الوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في كل من الاردن وسوريا ولبنان، تم خلاله الاتفاق على تزويد لبنان بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية من الاردن عبر الشبكة الكهربائية السورية، وتم تقديم خطة عمل وجدول زمني لاعادة تشغيل خط الربط الكهربائي بين الاردن وسوريا واجراء الدراسات الفنية كافة واعداد الاتفاقيات اللازمة لتنفيذ عملية التزويد. ما هي الخطوط العريضة لهذه الخطة والبرنامج الزمني لها؟
– صحيح، انعقد في 6 تشرين الاول الفائت اجتماع بين وزراء الطاقة والكهرباء في الاردن وسوريا ولبنان، وهدف الاجتماع بشكل اساسي لوضع خطة عمل واضحة محددة وبرنامج زمني لتزويد لبنان بالكهرباء الاردنية عبر الشبكة الكهربائية السورية من خلال اعادة تشغيل خطوط الربط الكهربائية القائمة بين الشبكات الثلاث وذلك لمساعدة الاخوة اللبنانيين لسد جزء من احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية، تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني. كما تم ايضا تحديد خطة عمل واضحة وجدول زمني للتنفيذ وتشكيل فرق فنية متخصصة وتكليفها بانجاز الاعمال اللازمة ضمن مدة محددة، وتأهيل البنية التحتية اللازمة لذلك وقيام الاطراف المعنيين بعقد الاتفاقيات اللازمة لتزويد لبنان الكهرباء. جاء هذا الاجتماع في اعقاب اجتماع رباعي ضم الاردن ومصر وسوريا ولبنان عقد في عمان في شهر ايلول الماضي لايصال الغاز المصري الى لبنان عبر الاردن وسوريا، وبالتالي تخفيض كلفة توليد الطاقة الكهربائية في لبنان وضمان استمرار تزويد الغاز محطة دير عمار.
* ماذا عن الاضرار على الشبكة وتأثيرها؟
– تضررت الشبكة الكهربائية على الجانب السوري وياللاسف خلال الفترة الماضية، لذلك تحتاج الى تصليح. الجانب السوري اقدر على تقدير الوقت اللازم للتصليح، حيث قدرها وزير الكهرباء السوري بحوالى 3 اشهر. قدرة الشبكة اللبنانية حاليا على استيعاب الطاقة الكهربائية هي نحو 250 ميغاوات، علما ان الاردن وسوريا يرتبطان كهربائيا من خلال خط نقل كهربائي على جهد 400 ك.ف. بالنسبة الى الغاز، سيتم العمل على تغذية محطة دير عمار في لبنان وسيستبدل لبنان خط الفيول بالغاز الطبيعي من مصر، والاخير اقل كلفة. بحسب التقديرات، من المتوقع ان يتم توفير ما بين 100 مليون الى 120 مليون دولار سنويا بسبب استبدال الفيول بالغاز، وتاليا تخفيض كلفة توليد الطاقة الكهربائية في لبنان وضمان استقرار تزويد الغاز لمحطة دير عمار.
* في المحصلة ما هي الكمية التي ستصدّر الى لبنان من الغاز والكهرباء وهل ستفي حاجته؟
– من المفروض ان يتم استيعاب حوالى 450 ميغاوات من محطة دير عمار. هذه الكمية سيتوفر لها الغاز من الخط العربي، وهناك حوالى 250 ميغاوات من الكهرباء سيتم توفيرها من الاردن، فاذا جمعنا هاتين الكميتين سيتأمن للبنان 700 ميغاوات، وهي تغطي نسبة جيدة من احتياجاته.
* شارك الملك عبدالله الثاني في المؤتمرات الدولية الثلاثة حول تقديم المساعدة والدعم لبيروت والشعب اللبناني التي عقدت لتخفيف تداعيات انفجار مرفأ بيروت بدعوة مشتركة من فرنسا والامم المتحدة، وكان آخرها مؤتمر دعم الشعب اللبناني في آب الماضي، ما هي اوجه هذا الدعم للبنان؟
- تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وعلى اثر انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب 2020، قام الاردن بارسال مستشفى عسكري ميداني الى الجمهورية اللبنانية الشقيقة لاستقبال المصابين والجرحى والمرضى وتقديم الخدمات الطبية لهم. كما اقامت الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية جسرا جويا من المساعدات الانسانية الى لبنان تضمنت موادا غذائية وطبية واغاثية متنوعة بالتنسيق مع القوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي للتخفيف من تداعيات اثار الانفجار. كما شارك الاردن في مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي عقد في باريس بتاريخ 17/6/2021. كذلك تم بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم تسيير جسر جوي لمساعدة الجيش والشعب اللبناني ابتداء من 16/8/2021 حتى 9/9/2021، حيث تم ارسال 9 طائرات محملة بالادوية والمستلزمات الطبية والاغذية. كما جرى ارسال طائرتي مساعدات غذائية للجيش اللبناني في 11 و12 نيسان الماضي. وبتوجيهات من جلالته ايضا، قام سلاح الجو الملكي الاردني في 16/6/2021 بارسال طائرة مزودة بطاقم طبي متخصص من الخدمات الطبية الملكية لاخلاء الطفلة اللبنانية سهيلة محمد الكسار (8 سنوات) التي تعرضت لعيار ناري في عمودها الفقري في لبنان.
* ما هي اليات التعاون بين المؤسسات؟
– تتم مأسسة التعاون بين البلدين من خلال اللجنة العليا المشتركة التي تجتمع دوريا برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين، ويتم خلال اجتماع اللجنة التوقيع على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية التي تهدف الى تعزيز اواصر العلاقات والتعاون في مختلف الجوانب. هناك 15 اتفاقية فاعلة بين البلدين تشمل التعاون في القطاعات كافة، كما ان هناك 6 اتفاقيات جاهزة للتوقيع، ويجري العمل على الاتفاق على الصيغ النهائية لـ14 اتفاقية اخرى ليتم توقيعها خلال انعقاد الدورة المقبلة للجنة والتي يتطلع البلدان الى عقدها في بيروت في المستقبل القريب. على الرغم من الاوضاع المعيشية الصعبة وحالة الاقتصاد اللبناني المتردي، الا انه يحدونا الامل بأن يتخطى شعب لبنان الشقيق وكما هي عادته هذه الازمة الصعبة، ويعود كما كان منارة الشرق والنموذج الذي يحتذى به في التعددية والتنوع الديني والثقافي.
* يحتفل الاردن طيلة هذا العام بمئوية تأسيسه، ما هي اهمية هذه الاحتفالية؟
– تأسست امارة شرق الاردن في العام 1921 على يد الملك المؤسس عبدالله الاول ابن الحسين والذي دام حكمه حتى العام 1951 حيث استشهد على ابواب المسجد الاقصى، ونودي بعد ذلك بالامير طلال بن عبدالله ملكا على المملكة الاردنية الهاشمية الذي لم يستمر في الحكم لاسباب صحية، فنودي الملك حسين بن طلال ملكا حتى عام 1999م ليتولى العرش صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وعملت الدولة الاردنية بقيادتها الهاشمية بجد واجتهاد وعلى مختلف الصعد وبنت مؤسساتها المدنية والعسكرية والامنية والبنية التحتية والاقتصاد والتعليم والصحة والزراعة والمياه وغيرها ودافعت عن حدودها وقضايا الامة العربية والاسلامية بكل اقتدار على مدار مئة عام، وتحملت الاعباء السياسية والعسكرية والاقتصادية على الرغم من قلة الامكانيات والموارد وكثرة التحديات، فضلا عن تنمية مقدرات الاردنيين ورفع مستوى معيشتهم. في هذا العام تصادف الذكرى المئوية لتأسيس الدولة الاردنية، وهي مناسبة وطنية كبيرة في وجدان الاردنيين تحكي قصة وطن بني بارادة وعزم القيادة الهاشمية والشعب الاردني عبر مراحل النشأة والتطوير والبناء والازدهار. وهي محطة لاستلهام التاريخ المشرق للدولة الاردنية، والتطلع الى الامام، لتكون منارة تستمد منها الاجيال الدروس والعبر نحو مستقبل مشرق لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار والمنعة في المئوية الثانية. تم الاعلان عن خطة وطنية للاحتفال بهذه المناسبة العزيزة تمتد على مدار العام الحالي في محافظات المملكة كافة، وتنفذها مختلف قطاعات الدولة: الوزارات، والدوائر الرسمية والجمعيات، والروابط، والفرق الفنية بالتنسيق والتشاركية والتعاون في ما بينها. اطلق شعار الاحتفالية، الذي يتوسطه الرقم 100 مكللا بالتاج وعلى يمينه قوس ذهبي ساطع والى يساره 3 اقواس بالوان علم البلاد، وفي القاعدة قوسان ذهبيان كتب على احدهما 1921 وعلى الاخر 2021. كما تضمنت الخطة اصدار عدد كبير من المخطوطات التي تتناول تاريخ الاردن واهم مفاصله وتطوراته عبر المئوية، بما في ذلك سير رموزه الوطنية والثقافية واهم الاحداث المفصلية فيه، وكذلك ترجمة مجموعة من الكتب التي تتناول النهضة الاردنية الى اللغات الاجنبية: الانكليزية والفرنسية والاسبانية. كذلك تم انتاج العشرات من الافلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية والاذاعية التي توثق تاريخ الاردن ونهضته خلال المئوية الاولى.