“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بلغ مجرى الحوادث المتشابكة في لبنان بعد تفجّر الازمة الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية أوجه مع استدعاء سفير السعودية الى الرياض والطلب الى السفير اللبناني مغادرة الرياض، لكنّه يكسب حاليا مساحة من التهدئة بفعل تدخّل الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت خطّا أحمر على طرح استقالة حكومة نجيب ميقاتي، ما شرع الباب أمام مبادرات لم تكن ممكنة لولا هذا الخط الأحمر الاميركي المدعوم فرنسيا.
أولى المبادرات جاءت من مصر عبر جامعة الدول العربية من خلال زيارة نائب أمين عام الجامعة السفير حسام زكي، على أن تستتبع بمبادرات أخرى في حال لم يكتب للمصريين النجاح، كأن يدخل القطريون على خط التهدئة، إلا أن الخيار السعودي بدا واضحا أنه وقع على مصر وسيطا عربيا لهذه الازمة من خلال واجهة جامعة الدول العربية بغية اعطاء بعد عربي للمبادرة من خلال مؤسسات الجامعة العربية وهي التي تتمتع بالمشروعية و”المونة” كما يقال بالعامية اللبنانية.
ليس سهلا التكهن حاليا بمآل الحركة المصرية التي تستفيد من فترة سماح سعودية اختارت التهدئة على التصعيد المستمر افساحا في المجال أمام مبادرة جوهرها عدم كسر هيبة لبنان وسيادته وحفظ كرامة المملكة العربية السعودية، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أي مبادرة توفيقية بكل معنى الكلمة.
ويبدو بأن فسحة الأمل التي قبلها السعوديون تعطي دفعا لمبادرة مصر التي اختارت التحرك الدبلوماسي من خلال جامعة الدول العربية، وهدفها تقريب وجهات النظر وعدم التطرق الى طلب استقالة الوزير جورج قرداحي لا من قريب ولا من بعيد تاركة الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية لكي تتخذ القرار المناسب، ولكي تتخذ –وهذا هو الأهم- إجراء عمليا لم تلمسه المملكة العربية السعودية لغاية اليوم، وجلّ ما وصل اليها مواقف رنّانة من دون اي اجراء حكومي فعلي بحسب أوساط دبلوماسية متابعة بدقة لهذا الملفّ.
في هذا السياق يقول أحد المسؤولين اللبنانيين الضالعين بهذا الملف بأن “السعودية تطلب هدية لا يستطيع لبنان تقديمها لها لغاية الآن وهي استقالة جورج قرداحي”. تبدو هذه الشخصية متحمسة لاستقالة قرداحي، وبرأيها “أن المصلحة الوطنية العليا تعلو ولا يعلى عليها مهما كانت الأسباب الأخرى فالسعودية ودول الخليج هما عمق استراتيجي للبنان، ولا يمكن التخلي عنها”.
في هذا السياق تذكر هذه الشخصية بأن موقف لبنان الرسمي بحسب ما حدده مجلس الوزراء اللبناني من حرب اليمن يتمثل بدعم الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، وهي مع التحالف العربي، والوزير قرداحي لم يحترم قرار الحكومة اللبنانية الذي بات جزءا منها. وتؤكد هذه الشخصية بأن السعوديين يركزون في غضبهم بأن قرداحي الذي برّر موقفه بأنه كان خارج الحكومة حين أدلى بما أدلى به الى برنامج “برلمان الشباب”، سرعان ما تشبث بموقفه في لقاء صحافي عقده عقب الازمة رافضا الاعتذار.
فرملة مؤقتة للتصعيد
بأي حال، فإن زيارة السفير حسام زكي هي أول عنقود التهدئة السعودية بأياد مصرية وعبر جامعة الدول العربية عبر مبادرة توفيقية تفرمل ولو مؤقتا أي تصعيد سعودي من دون أن يعني ذلك أنه لن يحصل تصعيد في المستقبل في حال لم تجد المساعي صدى لبنانيا لها.
بالعودة الى زيارة زكي فهي استطلاعية جال خلالها على المسؤولين المعنيين واستمع الى مختلف وجهات النظر اللبنانية من دون أن يقدم مبادرة ملموسة لأنه سيقوم أيضا بالإصغاء الى وجهة النظر السعودية وغربلة الآراء كلها ليبني بعدها حلا ستخيطه مصر والسعودية.
طرح لإقالة قرداحي عبر المجلس النيابي
في السياق عينه، علم موقع “مصدر دبلوماسي” من أوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع بأن تعيين سفير سعودي جديد في لبنان لن تكون خطوة قريبة، بل هي مؤجلة حتى العام 2022″. هذا المناخ الذي ينقله بعض الدبلوماسيين عن مناخ سعودي لم نتمكن من التأكد منه من المصادر السعودية المعنية لكنّه يروّج بشكل كبير في دوائر دبلوماسية واعلامية.
من الجهة اللبنانية، علم موقع “مصدر دبلوماسي” بأن ثمة طروحات موجودة في جعبة المسؤولين اللبنانيين يفيد احدها بأنه إذا كانت استقالة الحكومة ممنوعة بأمر دولي، وفي حال بقي الوزير قرداحي رافضا للاستقالة، يمكن أن تتم الاستعانة بصلاحية المجلس النيابي بإقالة الوزراء من خلال الأغلبية، وهو طرح يهمس به في الدوائر السياسية المغلقة من دون اخراجه الى العلن لغاية الآن.
وسط المساعي المصرية العربية، فإن المناخ الدولي وتحديدا الاميركي يدفع في اتجاه التهدئة، لأن المزيد من الضغوط القصوى قد تؤدي الى نسف الحكومة التي تحمل من وجهة النظر الأميركية مهمة أساسية هي ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل لكي تبدأ الشركات بالتنقيب في حقول النفط والغاز، ولن تقبل هذه الشركات البدء بعملها في ضوء مشاكل حكومية أو فراغ مؤسساتي وعدم استقرار وعدم الاتفاق على ترسيم الحدود، وهنا جوهر الموضوع. ما يعني أن القبول بمساعي التهدئة هي على قاعدة “مجبر أخاك لا بطل”!