مقالات مختارة
مارلين خليفة
مجلة الامن العام
تنعقد في غلاسكو– اسكتلندا، في تشرين الثاني المقبل الدورة الـ26 للاطراف المشاركين في اتفاقية الامم المتحدة الاطارية في شأن التغير المناخي. لكن ما التهديد الحقيقي الذي يشكله هذا التغير على لبنان؟
انطلاقا من اهمية هذه القضية العالمية، اصدر لبنان القانون رقم 115 تاريخ 29/3/2019 الذي ينص على الموافقة على ابرام اتفاق باريس الملحق باتفاقية الامم المتحدة الاطارية في شأن تغير المناخ. للتذكير، فان اتفاق باريس هو اول اتفاق عالمي جامع للدول في شأن المناخ، وقد جاء عقب المفاوضات التي انعقدت في اثناء مؤتمر الامم المتحدة الـ21 للتغير المناخي في باريس في العام 2015.
يضيف التغير المناخي عامل ضغط جديدا على الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، بالاضافة الى مواجهته لجائحة كوفيد-19 وتداعيات انفجار مرفأ بيروت والمشاكل البيئية المتعددة التي يعيشها.
يكتسب هذا الملف اهتماما خاصا لدى الديبلوماسيين الاممين العاملين في لبنان، وفي مقدمهم نائبة المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي، التي كتبت تقريرا فندت فيه مخاطر التغير المناخي على لبنان. تعتبر رشدي ان “تغير المناخ الذي يشكل تهديدا مضاعفا من شأنه ان يزيد حدة المشاكل الراهنة، مما يتطلب من الحكومة والشعب اللبناني اتخاذ اجراءات حازمة، سواء على المدى القصير او في المستقبل”.
في رأي رشدي ان “التغير المناخي سيضيف الى التحديات العديدة التي يواجهها لبنان بعضا من التعقيدات وانعدام اليقين. لكن، ما هو مؤكد هي الحاجة الى العمل والمشاركة الكاملة على جميع مستويات المجتمع اليوم وفي المستقبل”.
اقتصاديا، تقول رشدي ان لبنان “يعاني منذ سنوات من الازمات المالية التي اغرقت اكثر من نصف سكانه في براثن الفقر، وبات العديد منهم يعانون من الفقر المدقع، في حين تسببت هذه الازمات بفقدان اخرين لمنازلهم ومحو مدخرات الكثيرين من بينهم. وقد قدرت وزارة البيئة ان تغير المناخ سيسبب انخفاضا بنسبة 14 في المئة في الناتج المحلي الاجمالي للبنان في حلول العام 2040، لينخفض بعدها الى 32 في المئة في حلول العام 2080”.
على الصعيد المعيشي “من المتوقع ان يؤدي تغير المناخ الى ارتفاع في درجات الحرارة والى شح موارد المياه، ما سيؤثر سلبا على الانتاج الزراعي وعلى سبل عيش العديد من المجتمعات، وسيؤدي هذا الارتفاع في الحرارة ايضا الى زيادة الطلب على الطاقة، ما سيشكل ضغطا على الشركات والخدمات التي تكافح من اجل تلبية احتياجاتها من الطاقة”.
اما على الصعيد الصحي، “فان جائحة كوفيد-19 وانفجار المرفأ الذي هز العاصمة بيروت في آب 2020، كشفا بشكل صارخ هشاشة النظام الصحي في لبنان. كما سيؤدي تغير المناخ الى ارتفاع في معدلات الاصابة بالامراض المعدية، وستؤول درجات الحرارة المرتفعة الى زيادة الامراض والوفيات، في حين سيؤدي انخفاض الانتاج الزراعي الى زيادة سوء التغذية، ناهيك بتزايد حدوث الظواهر المناخية الشديدة. كل ذلك سيزيد من اعداد الوفيات السنوية اكثر مما هي عليه اليوم، وسيؤدي الى اجهاد القدرات المتاحة في المرافق الصحية والحضرية على المستوى الاقليمي”.
في ما يخص موارد لبنان الطبيعية، “فقد تأثرت بشكل ملحوظ بتغير المناخ الذي بات واضحا وجليا. فحرائق الغابات التي اندلعت في شمال البلاد والتي احرقت مساحات شاسعة من غابات الصنوبر قد تسببت بمقتل رجل اطفاء واحد على الاقل، واجبرت بعض السكان على الفرار من منازلهم بحثا عن مأوى. كما تجدر الاشارة الى ان شهر تموز من العام الجاري كان الاكثر حرارة على الاطلاق، فالحرائق التي اشتعلت طوال صيف العام 2021 في اليونان وايطاليا والولايات المتحدة وكندا، هي خير دليل على الواقع المستجد”.
لكن على الرغم من كل هذه التحديات، ترى رشدي في الدراسة التي اعدتها بأن “الحكومة اللبنانية قامت بخطوات ملحوظة في استجابتها لتغير المناخ، وقدمت في العام 2021 مساهمتها الوطنية المحددة لتقليل الانبعاثات (NDC)، وهو ما يشكل عنصرا رئيسيا لالتزام الدول عالميا اتفاق باريس للمناخ. يمكن ان يساهم العمل المناخي المخطط له ضمن اطار المساهمات المحددة وطنيا حتى العام 2030، بشكل ملحوظ، في تعافي لبنان المستدام من كوفيد-19، وفي معالجة التحديات الهيكلية التي تواجهه على صعيد الطاقة والنفايات والمياه، بالاضافة الى توفير فرص العمل وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية. هذا، ويقوم لبنان بتشريع خطة التكيف الوطنية التي توفر منصة لادماج سبل التكيف مع المناخ عبر هياكل وعمليات الحوكمة الكفيلة بتعزيز صمود المجتمعات اللبنانية”.
بهدف معالجة مجموعة الازمات التي يمر فيها لبنان، “يتعين على الحكومة اعطاء الاولوية للتخطيط المناخي وادارة مخاطر الكوارث وادراجها في جميع الاصلاحات المستقبلية. هذا الامر من شأنه تسريع مسار لبنان نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز حماية الاقتصاد وسبل العيش والنظم البيئية” بحسب رشدي.
لا ينفي عمل الحكومات الادوار التي يمكن ان يضطلع فيها المواطنون اللبنانيون، بحيث تقول رشدي انه “يجب ان تكون الخيارات والحوافز موجودة حتى يتبع هؤلاء سلوكيات جديدة اكثر استدامة”.
على سبيل المثال، فان “خفض استهلاك الطاقة – الذي يتم من خلال اللجوء الى خيارات سهلة وذات تكلفة منخفضة مثل استخدام الاجهزة التي توفر الطاقة واعتماد المشي وركوب الدراجات واستخدام السيارات – يمكنه ان يساهم في تقليل الانبعاثات بطريقة ملحوظة. الاهم من ذلك، وفي ظل ازمة الوقود الراهنة التي تمر فيها البلاد، لا بد من ان يشكل الاستثمار في نظام نقل عام آمن وموثوق به، مبادرة اجتماعية وبيئية تحويلية”.
تدعو الامم المتحدة في دراساتها كلها الى تعزيز القدرة على الصمود والتكيف، من هنا يعد ضمان دعم المجتمعات الزراعية بالمعرفة والتكنولوجيا والتمويل بغية مواصلة توفير خيارات غذائية مستدامة، اولوية اخرى لتجنب اي ازمات اضافية. في هذا السياق، يمكن لريادة الاعمال – التي لطالما شكلت الدعامة الاساسية للمجتمع اللبناني – ان تلعب دورا جوهريا من خلال الابتكار التكنولوجي المستدام والمقاوم للمناخ.
تقول رشدي: “يمثل القطاع الخاص عنصرا مهما في ايجاد الحلول للعالم الحالي، وهذا الامر ينطبق على تغير المناخ. بناء عليه، وبغية دعم رواد الاعمال، لا بد من اتاحة الفرص الكفيلة تطوير الافكار، وذلك من خلال حاضنات ومسرعات الاعمال والتدريب والتوجيه في الاعمال المرتبطة بالاستدامة، وتقديم حوافز مالية وضريبية وغيرها من اشكال الدعم”.
تدعو الامم المتحدة الى وجوب التركيز على زيادة الوعي، سواء تم ذلك من خلال حملات تعنى بتوعية المواطنين في شأن تغير المناخ واثاره: “بما في ذلك الدورات والبرامج البحثية في نظام التعليم العالي، او من خلال انشاء انظمة الانذار المبكر او تعزيز تلك الموجودة في الاصل والتي تنبه السكان والمستجيبين من التهديدات الناتجة من الطقس المتطرف. لذلك، لا بد من تطوير المعلومات والمعرفة ومشاركتها مع جميع شرائح المجتمع”، وذلك بحسب الدراسة المذكورة.