مقالات مختارة
مجلة “الامن العام”
مارلين خليفة
تصوير عبّاس سلمان
تعكس المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان وممثلة الامين العام للامم المتحدة الديبلوماسية البولندية يوانا فرونتسكا تفاؤلا بامكان خروج لبنان من مساره الانحداري اذا قرر اللبنانيون ذلك، مؤكدة ان الامم المتحدة لن تألو جهدا في الدفع قدما بكل ما يساعد لبنان
تتمتع السيدة يوانا فرونتسكا بخبرة تزيد عن 25 عاما في الديبلوماسية والامن الدولي وشؤون الشرق الاوسط، وعملت منذ العام 2017 ممثلة دائمة لبولندا لدى الامم المتحدة، بما في ذلك خلال عضوية بولندا في مجلس الامن.
وقد حصلت فرونتسكا على درجة دكتوراه في الفلسفة العربية ودرجة الماجستير في فقه اللغة العربية من جامعة وارسو. تتقن اللغات العربية والانكليزية والفرنسية والبولندية، ولها باع طويلة في العمل الديبلوماسي.
في حوارها الاول بعد مجيئها الى لبنان، تقول لـ”الامن العام” ان على الحكومة الجديدة ان تتحرك من دون اي تأخير، وان تتخذ قرارات شجاعة، وتنفذ رؤية اصلاحات للمستقبل تصب في خدمة اللبنانيين وتضع البلد وشعبه في المقام الاول.
* تعكسين بتغريداتك وتصريحاتك قلقا متزايدا في شأن الوضع في لبنان حيث يتعمق الانهيار المالي الذي بدأ في العام 2019. ما رؤيتك لمستقبل لبنان، وما هي توقعات الأمم المتحدة من الحكومة الجديدة؟
يعيش لبنان احدى اسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية والمالية. انه لأمر مفجع وغير مقبول ان نرى اللبنانيين يكافحون محن الحياة اليومية، ويرون انهم غير قادرين على ايصال صوتهم. لكن لا تزال فرملة هذا الانحدار ممكنة. ظهرت الآن فرصة جديدة مع تشكيل الحكومة الجديدة التي عرضت بيانها الوزاري بسرعة لنيل ثقة البرلمان. من المهم ان تتحرك الحكومة الان ومن دون اي تأخير، وان تتخذ قرارات شجاعة وتنفذ رؤية اصلاحات للمستقبل تصب في خدمة اللبنانيين، وتضع البلد وشعبه في المقام الاول. لقد اجتمعت بانتظام مع رئيس الوزراء الذي كان مكلفا واصبح اليوم اصيلا، السيد نجيب ميقاتي، وساواصل لقاءاتي به ومع الوزراء الرئيسيين لمناقشة التعاون والدعم. يمثل تنفيذ اصلاحات هادفة خطوة اساسية نحو القطع مع الممارسات الفاسدة من زمن الماضي، وتعزيز العدالة والشفافية والمساءلة، وتفعيل مؤسسات الدولة في خدمة المواطنين. فهذا ضروري ايضا لاستعادة ثقة الناس والمستثمرين والمجتمع الدولي.
* باتت الازمة الاجتماعية والاقتصادية عميقة للغاية وفوق طاقة الناس، ما الفارق الذي يمكن ان تحدثه الحكومة الجديدة للشعب؟ وكم من الوقت سيستغرق الخروج من الازمة؟
– من المؤكد ان اي حل طويل الامد للازمة سيستغرق وقتا. لكن يمكن الحكومة ان تبدأ على الفور في اتخاذ خطوات تعكس فيها الاتجاه الانحداري وتخفف من المصاعب اليومية التي يواجهها الناس، بما في ذلك الوصول الى السلع الاساسية. ان اطار الاصلاحات موجود ايضا مثل اصلاح الاقتصاد وتحسين الحوكمة واستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي. يحتاج هذا الاطار الى الافادة منه وانعاشه والمشاركة فيه بجدية. كامم متحدة، نحن على استعداد لدعم لبنان في هذه العملية باية طريقة ممكنة. لكن القرارات والحلول تقع في الدرجة الاولى على عاتق الدولة والاحزاب اللبنانية.
* كررت المجموعة الدولية لدعم لبنان مرات عدة بأن تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الاصلاحات هي مقدمة ضرورية لتلقي المساعدات الخارجية، ما هي الخطوة التالية؟ وخصوصا في ظل اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك في دورتها الـ76؟
– ان مجموعة الدعم الدولية للبنان واعضاء آخرين في المجتمع الدولي، قلقون للغاية من الوضع في لبنان ومن غياب الخطوات الرسمية الملموسة لمعالجة الازمة وانقاذ البلاد. ان مجموعة الدعم الدولية هي مجموعة للمناصرة والدعم السياسي، وهي مستعدة لبذل المزيد من الجهود شرط ان تعاين اصلاحات ملموسة يتم وضعها موضع التطبيق. لا يوجد اجتماع مخطط للمجموعة على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة هذا العام. لكن اسبوع المناقشة العامة على مستوى رفيع للجمعية العامة للامم المتحدة يمثل منتدى لجميع رؤساء الدول والحكومات للقاء نظرائهم من جميع انحاء العالم، وهي اكبر منتدى للديبلوماسية المتعددة الطرف، وهذا يشمل لبنان بطبيعة الحال. يمكن ان تكون فرصة سانحة للبنان لاظهار قيادة عملية تعمل بأهداف موحدة، وتشد الانتباه صوب حاجاتها.
* وقع اكثر من نصف سكان لبنان البالغ عددهم 6 ملايين نسمة في براثن الفقر. يقول البنك الدولي انها واحدة من اشد الانكماشات في العصر الحديث، حيث انخفضت قيمة العملة اكثر من 90 في المئة وسط شلل النظام المالي، ما هو الدور الممكن ان تلعبينه مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟
– لا يزال التزام الامم المتحدة والمجتمع الدولي تجاه لبنان قويا. يشكل تأليف الحكومة الجديدة فرصة لها لاستئناف النقاشات مع صندوق النقد الدولي في اسرع وقت ممكن، واتخاذ الخطوات اللازمة التي قد يتطلبها ذلك وفقا لخطة استقرار اقتصادي كلي، قوية وواقعية، حتى يحظى لبنان بفرصة الانتعاش الاقتصادي. كما انها فرصة لاعادة تنشيط التعاون الحكومي مع البنك الدولي، واستكشاف كيف يمكن ان يؤدي ذلك الى تخفيف الضغط على القطاعات الاكثر تضررا في لبنان. لقد تم بذل جهود منسقة لايجاد افضل السبل لدعم الشعب اللبناني، مثل المؤتمرين الدوليين اللذين تشاركت في رئاستهما فرنسا والامم المتحدة لدعم الشعب اللبناني، او المؤتمر في حزيران الذي تشاركت في رئاسته ايضا فرنسا والامم المتحدة لتقديم مساعدات طارئة للجيش اللبناني والاجهزة الامنية الاخرى. من الامثلة الملموسة الاخرى للجهود المنسقة على وجه التحديد مع البنك الدولي والاتحاد الاوروبي اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار (3RF)، وهي خطة استجابة تركز على الناس تم اطلاقها في كانون الاول من العام الماضي استجابة لانفجار مرفأ بيروت لمساعدة لبنان على معالجة الحاجات العاجلة للسكان المتضررين وكذلك مواجهة تحديات الحكم والتعافي واعادة الاعمار ذات الصلة. من المتوقع ان يستمر هذا الاطار لمدة 18 شهرا وسيربط اطار 3RF الاستجابة الانسانية الفورية وجهود التعافي واعادة الاعمار المتوسطة المدى، لوضع لبنان على سكة التنمية المستدامة. علما انه يسترشد بالمبادئ الشاملة للشفافية والمساءلة والادماج.
* اعلنت منسقة الامم المتحدة للشؤون الانسانية في لبنان نجاة رشدي عن تخصيص 6 ملايين دولار من صندوق لبنان الانساني (LHF) لضمان استمرار خدمات الرعاية الصحية الحرجة المتأثرة بأزمة الوقود المستمرة في البلاد. ويستكمل هذا الاعلان تخصيص 4 ملايين دولار من صندوق الاستجابة المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF) لدعم خدمات المياه كما تم الاعلان عنه اخيرا من منسق الاغاثة في حالات الطوارئ. كيف سيتم توزيع هذه المساعدة وهل ستنسق مع الجهات الحكومية؟
– في الواقع، تم اعتبار مبلغ الـ6 ملايين دولار ضروريا لضمان استمرار خدمات الرعاية الصحية الحرجة التي تأثرت في شكل كبير بسبب النقص المستمر في الوقود في البلاد. يهدف برنامج 6M الى تسهيل وصول الوقود لمقدمي الخدمات الصحية الحرجة التي تم تحديد اولوياتها بناء على معايير انقاذ الحياة، بما في ذلك مراكز الرعاية الصحية الاولية والمستوصفات والمستشفيات لمواصلة العمل لمدة اقصاها ثلاثة اشهر. سيدعم التخصيص ايضا المستودع المركزي ومواقع التوزيع على مستوى المقاطعات التي تستخدم للحفاظ على سلسلة التبريد والتخزين الآمن للسلع الصحية الاساسية، مثل اللقاحات والادوية المهمة الاخرى الحساسة على درجات الحرارة. كما سيتم دعم وصول الوقود الى المستشفيات الخاصة على اساس استرداد التكلفة، وسيتم توزيع الوقود مباشرة على المنشآت. تجدر الاشارة، الى ان الـ6 ملايين دولار تستكمل تخصيص 4 ملايين دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF) لدعم خدمات المياه. التدخل هو دعم طارئ لمرة واحدة ومحدد زمنيا، ولن يتم تمديده لاكثر من ثلاثة اشهر حدا اقصى. تظل مسؤولية ضمان توفير الخدمات الاساسية من دون انقطاع، بما في ذلك الرعاية الصحية فيما ايصال المياه هو على عاتق الحكومة اللبنانية. تنسق الامم المتحدة مع الهيئات الحكومية والبلديات وكذلك المنظمات غير الحكومية المحلية (الوطنية والدولية) والكيانات الخاصة، لضمان التنسيق المتماسك وتوفير الموارد على اساس الحاجات والانشطة المنقذة للحياة.
* هل اتخذت الامم المتحدة هذه الخطوة بعد شحن الوقود الايراني إلى لبنان من حزب الله؟ وبعد ان قبلت الولايات المتحدة للبنان نقل الوقود عبر سوريا رغم قانون قيصر؟
– التزام الامم المتحدة ودعمها للبنان كان قويا جدا منذ اعوام وحتى عقود. فور وقوع تفجيرات مرفأ بيروت المأساوية في آب 2020، سارعت الامم المتحدة والمجتمع الدولي الى تقديم المساعدة الانسانية للشعب اللبناني والمتضررين من الانفجار.
في الاونة الاخيرة، ونظرا الى استمرار تدهور الوضع في البلاد، وضعت الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية خطة استجابة طارئة مدتها 12 شهرا لتوفير الدعم الانساني المنقذ للحياة لـ1.1 مليون من اللبنانيين الاكثر هشاشة والمهاجرين المتأثرين بالازمة المستمرة في قطاعات الامن الغذائي والصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الطفل والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
تم نشر الخطة البالغة كلفتها 378.5 مليون دولار على هامش المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني برئاسة فرنسا والامم المتحدة في 4 آب 2021. عندما بدأت ازمة الوقود تهدد قطاعي الصحة والمياه في لبنان، خصصت الامم المتحدة 10 ملايين دولار من اموالها الانسانية لتأمين امدادات الوقود الى المستشفيات ومحطات المياه.
تم الاستمرار في تقديم المساعدة الى الجيش اللبناني لاسيما في اطار متابعة مؤتمر 17 حزيران الفائت الذي تشاركت في رئاسته فرنسا والامم المتحدة. لكن، بينما تواصل الامم المتحدة والمجتمع الدولي تقديم الدعم، فان مسؤولية انقاذ لبنان تقع على عاتق قادة البلد. لقد حان الوقت لكي تتقدم الحكومة الجديدة وتتحمل هذه المسؤولية.
* سلطت المناقشات في مجلس الامن الضوء على اهمية اجراء انتخابات حرة ونزيهة في العام 2022 ضمن المهل الدستورية كإشارة رئيسية للمساءلة الديموقراطية وفرصة للشعب للتعبير عن تطلعاته، ماذا سيكون الوضع وسط خشية من فراغ في بعض المؤسسات الدستورية؟
– لن اتكهن بما سيحدث اذا لم تجر الانتخابات. ما أود التأكيد عليه، هو ان السلطات اللبنانية يجب ان تبذل كل ما في وسعها لاجرائها في موعدها في العام 2022. كما قلتم، المجتمع الدولي متفق على هذه النقطة. هذا امر بالغ الاهمية للحفاظ على تقاليد الممارسة الديموقراطية في لبنان، ولاعطاء اللبنانيين فرصة للتعبير عن آرائهم حول كيف يتعامل النظام ازاء مصالحهم. الامم المتحدة مستعدة لتقديم مساعدة على مستوى الخبراء، وهي نشطة بالفعل في تقديم الدعم الانتخابي الفني للسلطات اللبنانية.
* ما هي اهم المستجدات على تقرير الامين العام للامم المتحدة في شأن تطبيق القرار 1701؟
– يعكس التقرير الاخير للامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش حول تطبيق القرار 1701 قلق الامم المتحدة المتزايد في شأن الازمة المتفاقمة في لبنان وغياب القرار السياسي، الامر الذي يمكن ان يؤثر في شكل خطير على استقرار لبنان. فقد شدد الامين العام على اهمية اجراء الانتخابات في موعدها العام 2022، وحث القيادة السياسية في لبنان بالنظر الى خطورة الوضع، على التعالي فوق المصالح الضيقة والاسراع في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الاجراءات التي تضع البلاد على سكة التعافي. لقد تم الايفاء بجزء مهم من هذا النداء بعد تشكيل الحكومة الجديدة. لكن الجزء المتعلق بالخطوات اللاحقة – الاصلاحات وقرارات لوقف الازمة – لا يزال قائما بلا حل. من المؤكد ان التقرير المقبل للامين العام سوف يعترف بتشكيل الحكومة ويقيّم ما ستكون قد انجزته. في ما يتعلق بالوضع في جنوب لبنان، كرر التقرير دعوات الامين العام لتطبيق القرار 1701 بكامله. وحذر من ان انتهاكات وقف الاعمال العدائية يمكن ان تؤدي الى تصعيد له عواقب وخيمة. وشدد التقرير ايضا على انه ينبغي على كل من لبنان واسرائيل الاستمرار في الافادة الكاملة من ترتيبات التواصل والتنسيق المتفق عليها مع اليونيفيل للتخفيف من مخاطر اندلاع المزيد من العنف، بما في ذلك من خلال الاجتماعات الثلاثية. سيكون الالتزام الملموس بقرار مجلس الامن 1701، جزءا من التوقعات المطلوبة من الحكومة الجديدة.
* بعد ان تبنى مجلس الامن في 30 آب الفائت القرار الرقم 2591 الذي يمدد ولاية اليونيفيل لسنة اضافية، هل صادق على ميزانية قوات اليونيفيل؟ هل هناك تغيير في الميزانية؟
– مدد مجلس الامن التفويض لليونيفيل من دون اي تعديل فيه او في ميزانيتها. يعيد القرار الجديد التأكيد على تفويض اليونيفيل على النحو المنصوص عليه في القرار 1701 والذي تم تأكيده في قرارات لاحقة.
* في القرار 2591 طلب مجلس الامن من اليونيفيل لاول مرة اتخاذ تدابير موقتة وخاصة لدعم القوات المسلحة اللبنانية بمواد غير فتاكة (مثل الغذاء والوقود والادوية) والدعم اللوجستي لمدة ستة اشهر، ما هي آلية هذه المساعدة؟ ولماذا تم اعتماد ستة اشهر فحسب؟
– نرحب بطلب مجلس الامن من اليونيفيل دعم الجيش اللبناني بالمواد غير الفتاكة، بالاضافة الى تقديم الدعم اللوجستي. كما نرحب بجميع المساعدات الدولية الثنائية الاخرى المقدمة الى المؤسسة العسكرية اللبنانية التي تأثرت بشدة بالازمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد. سيتم تقديم المساعدة من اليونيفيل، من ضمن مواردها الحالية وبما يتوافق مع سياسة العناية الواجبة لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة. من المهم دعم الجيش اللبناني وافراده في جهودهم الآيلة للحفاظ على امن لبنان واستقراره وتعزيزهما وتنفيذ القرار 1701.
* يدين القرار ايضا اعمال المضايقة والترهيب ضد افراد اليونيفيل بأشد العبارات، ويحث جميع الاطراف على ضمان حرية حركة اليونيفيل والوصول الى الخط الازرق، هل من اجراءات جديدة في خصوص هذه النقطة؟
– اصر الامين العام للامم المتحدة، مرارا وتكرارا، على اهمية ضمان حرية حركة اليونيفيل في منطقة عملياتها، من اجل تمكينها من تنفيذ تفويضها في تقريره الاخير عن القرار 1701، دعا فيه السلطات اللبنانية الى التحقيق في اية قيود على حركة اليونيفيل، وكرر دعوته السلطات اللبنانية الوفاء بالتزاماتها لضمان سلامة افراد اليونيفيل، والمساءلة الكاملة لأولئك الذين يهاجمون قوات حفظ السلام.