“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لم يكن ختام ولاية وزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة زينة عكر “مسكا” في اليوم ما قبل الأخير من التسلّم والتسليم الموعود غدا ظهرا مع الوزير الجديد الدكتور عبد الله بو حبيب. فقد انتهت ولاية عكر بعراك “غير دبلوماسي” البتّة مع أمين عام وزارة الخارجية هاني شميطلي بعد خلافات مستحكمة بينهما بقيت كالجمر تحت الرماد ولا يعرف بتفاصيلها إلا “اهل البيت”، فإذا به ينفجر دفعة واحدة في اليوم ما قبل الاخير لعكر في “الخارجية”.
قبل الدخول في تفاصيل الروايات المتضاربة بين الطرفين لا بدّ من الاجابة على السؤال التالي” هل لا تزال زينة عكر وزيرة بالوكالة ويحق لها ممارسة صلاحياتها كاملة في وزارة الخارجية والمغتربين؟ يطرح السؤال انطلاقا من الروايتين المتضاربتين بين اوساط الوزيرة التي تقول بأن السبب رفض شميطلي تسليمها البريد الدبلوماسي، ومن رواية اوساط الامين العام بأن الوزيرة جاءت الى مقر الخارجية تريد تركيب ابواب لفصل مكاتب الامانة العام عن بقية مكاتب الوزارة.
الرأي القانوني
يقول رأي قانوني مختص لموقع “مصدر دبلوماسي” بأنه “قبل صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة تصدر المراسيم التي بموجبها تقبل استقالة حكومة الرئيس حسان دياب وهي بالأصل مستقيلة منذ 9 آب 2020، فمهنيا وقانونيا إن الحكومة مستقيلة ولكن لم تصدر المراسيم بقبول استقالتها الى حين صدور مراسيم الحكومة الجديدةـ. ويوم الجمعة الفائت صدرت مراسيم قبول استقالة حكومة حسان دياب”. يضيف الرأي القانوني المختص” جرت العادة أن الوزير المستقيل يبقى لتصريف الاعمال لغاية احتفال التسلم والتسليم لكن لا يوجد نص قانوني يرعى ذلك وخصوصا وان الحكومة مستقيلة والوضع لا يزال كما هو والحكومة التي تشكلت ليست حكومة متكاملة الاوصاف وهي لم تنل ثقة مجلس النواب بعد. إلا انه أشدد انه لا يوجد نص يحكم هذا الموضوع”. ويشير الرأي القانوني أنه “من الناحية الاخلاقية واللياقات يمتنع الوزير المستقيل عن القيام بأي عمل احتراما لخلفه في انتظار حفل التسلم والتسليم وهذا ما دأبت عليه الوزيرة عكر، التي انهت كل الامور يوم الجمعة الفائت لتسلم خلفها عبد الله بو حبيب “على النظيف””.
رأي دبلوماسي
من جهتها، تشير أوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع في وزارة الخارجية والمغتربين، الى أن “الاحتكاك العنيف الذي حصل اليوم بين عناصر حماية عكر والامين العام مرده الى “كسر هيبة الوزارة” منذ أدخل الوزير السابق جبران باسيل عناصر أمن الدولة الى مبنى “قصر بسترس” للتحقيق مع كبار دبلوماسييها وموظفيها بحجة تسريب تقرير دبلوماسي للصحافة”. وتشير الاوساط الدبلوماسية الى أن “الوزيرة عكر تركت انطباعا ممتازا في اوساط الوزارة وهي نشيطة ومتعاونة الى اقصى الحدود لكن لدى الامين العام عقدة استقلالية الامانة العامة والسيطرة على كافة مفاصل الادارة دون مشاركة احد ما جعل التعايش مع عكر مستحيلا وتظهر الامر في محطات عدة كان آخرها عراك اليوم”.
رواية عكر
من جهتها، قالت أوساط مقربة من عكر لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن “روايات شميطلي التي يروجها للاعلام غير صحيحة،وأنه نصب اليوم فخا للوزيرة بالتعاون مع احد الموظفين الاداريين المقربين منه وان الامر يتعلق بعدم تسليم البريد للوزيرة عكر في تصرف غير مألوف ومدان بمنع وزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة من الدخول الى مديرية الرموز والتحدث الى الموظفين لشكرهم ووداعهم، حيث قام أمين عام الوزارة باعطاء تعليمات بعدم تسليم البريد لمكتب الوزيرة واقفال ابواب المديرية بوجهها وطلب منها عدم التحدث مع الموظفين إلا بحضوره لأن “ذلك مخالفة دستورية” حسب قوله، مما اضطر الوزيرة عكر الى اعطاء تعليمات بفتح الباب”.
رواية شميطلي
تتضارب الروايات حول الموضوع، إلا أن الثابت أن ثمة سابقة تحصل للمرة الثانية في وزارة الخارجية والمغتربين عبر مداهمة عناصر أمنية لوزارة الخارجية والاعتداء على موظفيها. حصلت المرة الاولى كما ذكرنا في عهد الوزير السابق جبران باسيل الذي استدعى عناصر أمن الدولة لاستجواب الدبلوماسيين على خلفية تسريب تقرير دبلوماسي للصحافة، لكنه كان بناء لإشارة قضائية. لكن ما حدث اليوم الاثنين عند الساعة الـ11 ونصف كان هجوما صارخا لعدد من العناصر الحماية الشخصية في الجيش اللبناني المرافقين للوزيرة عكر وهي تشغل ايضا منصب وزيرة الدفاع، وقيامهم بخلع باب مكتب أمين عام وزارة الخارجية والمغتربين هاني شميطلي. تقول اوساط شميطلي لموقع “مصدر دبلوماسي” بأنه:” تعرض للضرب هو ومدير الرموز علي قازان والموظفة سمر حيدر على مرأى من موظفي الوزارة” وتشير الاوساط بروايتها الى ان “الأمين العام هاني شميطلي تعرض للضرب المباشر وثمة رضوض وكدمات واضحة عليه وأنه وإن كان تلقى اعتذارا من عناصر الجيش المرافقين لعكر وهو يصفح عنهم إلا أنه يعدّ لرفع شكوى قضائية جزائية مباشرة ضد عكر تتضمن الى الاعتداء غير المسبوق في وزارة الخارجية سائر المخالفات التي قامت بها عكر منذ تسلمها للمنصب وهي موثقة لديه بشكل جيد”. وأشارت الاوساط الى ان ما حدث هو “اعتداء مباشر وغير مسبوق على اعلى مدير عام بالدولة”.
وإذا كان موظفو الخارجية تضامنوا مع الأمين العام كونه المسؤول المباشر عليهم، فإن للدبلوماسيين آراء متناقضة إذ يتهم بعضهم شميطلي “بالشخصانية” وأنه لا يرغب ان يكون تحت إمرة أي وزير وانه يعرقل المسار الاداري في الوزارة منذ تسلمه لمنصبه”.
لكن اوساط الأمين العام العام هاني شميطلي تشير الى أن “الوزيرة زينة عكر قدمت الى وزارة الخارجية في بيروت (مكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء سابقا) عند الحادية عشرة والنصف تقريبا ومعها مجموعة من العمّال المزوّدين بأبواب خشبية وألومينيوم وطلبت منهم وضع ابواب تفصل بين أبواب مكاتب “الامانة العامة” لفصلها عن بعضها البعض في محاولة لالغائها وتحجيم دورها. فقام الامين العام هاني شميطلي بالاعتراض وقال لها بأنه لا يحق لها التصرف بالوزارة لأنها لم تعد لديها السلطة وخصوصا بعد صدور مراسيم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يوم الجمعة الفائت، أما اجراء التسلّم والتسليم غدا مع الوزير الجديد فلا يعدو كونه اجراء بروتوكوليا بحتا، وبالتالي لا صفة دستورية لها. ويبدو أن عكر –بحسب رواية اوساط شميطلي- رفضت الانصياع لطلب الامين العام وضغطت على العمال لتركيب الابواب، فقام الامين العام بالطلب الى الموظفين بإغلاق ابواب كل مكاتب الامانة العامة وقفلها. وبعد دقائق أتى ما يزيد عن الـ12 عسكريا –ودائما بحسب رواية اوساط الامين العام- فخلعوا باب الامانة العامة حيث يجلس شميطلي وانهالوا عليه بالضرب هو وموظفي دائرة الرموز وسواهم، فتلقى شميطلي ضربات وكدمات واضحة على رأسه هو وعلي قازان وسمر حيدر وعدد من الموظفين الآخرين كذلك الحارس الشخصي لشميطلي الذي تمّ دفعه فوقع ارضا. واستمرت حالات “الخبيط” الى حين خرج موظفو الوزارة الباقون بعد سماع الصراخ وراحوا يصورون المشهد لردع العنف واستعانوا بالاعلام من اجل ذلك”.
وتنفي اوساط الامين العام لموقع “مصدر دبلوماسي” أن يكون سبب الاشكال عدم تسليم البريد لعكر “فالموظفين التابعين لها لم يكونوا موجودين اصلا والسبب هو قيامها بمحاولة تركيب ابواب تفصل بين المكاتب في الوزارة ومكاتب الامانة العامة، بغية تجزئة الامانة العامة تمهيدا لالغائها وهذا أمر غير جائز لأنه يحتاج الى قانون”. وتشير الاوساط الى أن الأمانة العامة أنشئت بموجب قوانين منذ العام 1959 وهي نافذة ولا مجال للنقاش فيها”. وأشارت الى “أن ما حصل هو سابقة في تايخ وزارة الخارجية والمغتربين ان يقوم الجيش بمداهمة مكاتب وزارة والاعتداء على كبار موظفيها من دون اشارة من القضاء المختص”.
ما حصل هو قلوب مليانة بين شميطلي وعكر وهي بحسب اوساط شميطلي “تريد تحجيم موقع الامين العام وتجريده من صلاحيته”.