مقالات مختارة
موقع “أساس”
مارلين خليفة
جسّد اللبنانيون الارمن منذ قدومهم الى لبنان في القرن التاسع عشر أرقى صور النضال والتضحية والبطولة والعصامية وعاشوا الحوادث اللبنانية كلها وبنوا مجتمعا متماسكا بنكهة ارمينيا فارضين انفسهم في المعادلة اللبنانية وخصوصا بعد اتفاق الطائف.
لا يمكن فصل السيرة الذاتية لرئيس كتلة نواب حزب الطاشناق وأمين عام الحزب الارمني الاقدم هاكوب بقرادونيان عن “حزب الطاشناق”، ولا يمكن فرز تاريخ هذا الحزب عن تاريخ أرمينيا ومعاناتها مع الابادة التي تعرض لها الشعب الارمني على يد العثمانيين، ولا يمكن فصل سيرة الطرفين عن المعادلات اللبنانية وتفرعاتها الدولية.
منذ فترة، أثار تصريح للنائب بقرادونيان عن امكانية خضوع لبنان لوصاية دولية تساؤلات في شأن هذا الموضوع نظرا للعلاقات الوطيدة لهذا الحزب “الاشتراكي” كما سنكتشف في هذا السيرة مع الغرب والشرق معا. قبل الخوض في التاريخ، ننطلق من الحاضر، يقول بقرادونيان لـ”أساس”: ربما جاء كلامي صريحا جدا، فنحن لم نتمكن عبر تاريخنا من الانعتاق من الوصايات الخارجية، منذ حكم العثمانيين مرورا بالاستقلال في العام 1943 ولغاية اليوم. غالبا ما كانت القضايا الداخلية تحل بشكل من الاشكال عبر تدخلات خارجية. في العام 1952 نام حميد فرنجية على أنه سيكون رئيسا للجمهورية ولكن حلّ محله في اليوم التالي كميل شمعون بتدخل مباشر من انكلترا”.
كلام بقرادونيان مسند اليوم الى واقع يفيد بأن دول العالم تتعامل مع لبنان “كقطعة لتقاسم النفوذ وبشهية ان تقضم كل جهة “شقفة” من هذا البلد”!
هكذا بالحرف. يشير النائب بقرادونيان موضحا: “أنا لا احكي عن احتلال ولا عن وجود عسكري وهذا احتمال وارد، لكنني أتخوف جديا من إمكانية وجود عسكري خارجي وخصوصا حين نسمع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان و”بطولاته” في المنطقة، وأنه بمقدوره حماية الشعب اللبناني وحين نرصد تحركات السفير التركي والمخابرات التركية في المنطقة من الشمال الى الجنوب فالبقاع. ونرى أهداف دول أخرى تتظهر في برامجها الاصلاحية والاعمارية، حيث “نفس” الوصاية موجود، لا تكون الوصاية دوما بالعسكر، ولا تحقيق المصالح السياسية عبر جنود على الارض، إلا أن لكلّ الدول مصالح للتدخل بشؤوننا”.
يقدّم النائب بقرادونيان برهانا على ما يقوله:” في دول العالم قاطبة، يعتبر الغاز والنفط نعمة، لكن خوفي أن تتحول هذه النعمة الى نقمة في لبنان لأـنه لا توجد مصلحة للجوار ولا لدول العالم اي الغرب ولا لدول الخليج من ان يصير تنقيب في لبنان فيتخلص من مديونيته لأنها تشكل عذرا لهذه الدول للسير بمخططاتها في التوطين وإبقاء النازحين السوريين وتركيع الشعب اللبناني”. ويردف بمرارة واضحة:” لقد توصلوا أخيرا الى تركيع الشعب اللبناني، لذا فإن المواطن اللبناني اليوم مستعد لأي تنازل سياسي قومي ايديولوجي في مقابل “تنكة” بنزين و”شويّة كهربا”، وهذه حقوق طبيعية. لم يتمكنوا من تركيعنا بالحرب ولا بالسلاح بل اركعونا بالسلم والاقتصاد، وهذه خلفية كلامي أي أنني أرى وصاية دولية غير مباشرة”.
ولد هاكوب بقرادونيان في 24 ايار من العام 1956 في منزل يقع في ساحة رياض الصلح وقيده في زقاق البلاط. والده هاكوب ووالدته اناهيد. تهجرت عائلة والده من ديار بكر إثر المجازر ضد الارمن ووصل الى لبنان في العام 1921، وراح جدّه بوغوص ضحية الابادة التركية في العام 1915 هو وعائلته كلّها. “لم يبق لنا أقارب لجهة والدي، راحوا كلهم في الابادة”. والدته أناهيد مواليد بيروت، وكذلك أتى أهلها من ديار بكر في العام 1921. لديه شقيقتين. عاش طفولته في الستينيات في منطقة شعبية مزدهرة، “كان بيتنا يقع في حي مجلس شورى الدولة وهي البناية الوحيدة المتبقية من تلك الحقبة والبناية الثانية هي الاسكوا. تربيت في منطقة لم نكن نعرف فيها المسلم من المسيحي، وكنا نشعر بأن ساحة رياض الصلح تمثل نبض الحياة في بيروت، وكذلك ساحتي النجمة والبرج والاسواق القديمة وسوق السمك وسوق الارمن، شكلت هذه الساحات كلّها لبنان بالنسبة اليّ. كنا نصيّف ولمّا نزل في بحرصاف الضيعة المحاذية لبكفيا. ما يعني أنني ترعرت بين منطقة عرفنا لاحقا أنها مسلمة وبين مصيف مسيحي”.
درس في مدرسة خان أميريان هي اول مدرسة ارمنية في لبنان تأسست في زمن العثمانيين في العام 1902، كانت تسمّى مدرسة القديس سان نيشان وتقع الى جوار الكنيسة قرب السرايا الحكومي، وهي اول كنيسة ارثوذكسية في بيروت منذ العام 1860. درس وتخرّج من هذه المدرسة في العام 1975 وعاد وصار مدير المدرسة في العام 1980 ولم يكن يتجاوز الـ24 من العمر إثر تخرجه من الجامعة الاميركية في العلوم السياسية في أوج الحرب.
أثّرت النشأة في منطقة رياض الصلح على هاكوب الطفل والمراهق كونها كانت نبض الحياة السياسية. “انطلقت التظاهرات كلها من هذه المنطقة الطالبية واليسارية والعمالية والقومية العربية وكنت ارى نوابا يذهبون الى المجلس النيابي سيرا على الأقدام”.
حاكى تمثال رياض الصلح هاكوب الطفل كثيرا، “كنت انظر اليه صبيحة كلّ يوم من نافذة مطبخ بيتنا أثناء تناول الفطور وأسأل الوالدة: من هو هذا الشخص لينصبوا له تمثالا؟ بعدما كبرت في السّن عرفت أن رياض الصلح هو من الشخصيات الميثاقية التي أثرت فيّ كثيرا وقد قرأت عنه الكثير لاحقا، وهو ترك أثرا على تربيتي كمواطن لبناني ثم كسياسي أؤمن بالتعايش”. كانت منطقة رياض الصلح حيث نشأ منطقة تعايش، “علمت لاحقا أن الحي الذي اعيش فيه كان يتقاسمه مسلمون ومسيحيون ولم نكن نعرف الفارق بين الشيعي والسنّي”. تركت عائلته المنطقة في بداية الحرب، توجهت الى الجبل في اواسط أيار، وأول قذيفة وقعت في المنطقة طالت بيت العائلة في العام 1975، “تضرر المنزل لكننا بقينا نتردد اليه بسبب دراستي في الجامعة الاميركية”.
ارتاد هاكوب ايضا منطقة الجميزة، حيث كان والده يمتلك دكانا. “اختار والدي في طفولته أن يكون ماسح أحذية، ولم يكن يتعدى الـ12 من العمر” صحيح أن جدّ هاكوب كان مدير مدرسة في ديار بكر، لكن التهجير بسبب الحرب أدى الى أن تصبح العائلة مدقعة مع انعدام القدرة على تعليم الاولاد. راح والده يقصد منطقة مرفأ بيروت حاملا صندوق البويا على أساس أنه لا يوجد أرمن هناك يعرفون عائلته لأنه كان خجولا من عمله. وفي أحد الأيام، قام أحد اللبنانيين برفس صندوق البويا متهما الطفل الصغير بـأنه ينتمي الى الأرمن “الذين يأكلون ارزاق اللبنانيين، ومن يومها قرر والدي ترك “المصلحة”، وفتح محلا لتصليح بوابير الغاز والكاز و”اللوكس”، ثم انتقل الى بيع الادوات الكنسية، وكان مؤمنا جدا ويخدم الكنيسة”.
تركت منطقة رياض الصلح على هاكوب بقرادونيان أثرا سياسيا وايديولوجيا ” تركت في ايديولوجية الانتفاضة، أنا أقول بأني منتفض بشخصي، أنا من الاشخاص الذين يقومون بالنقد الذاتي في أقوالي او مسيرتي اي أن نفس الانتقاد موجود لديّ”.
قبل الجامعة الأميركية، أثرت بهاكوب ثورة الطلاب في العام 1968 في فرنسا، وتشي غيفارا والحركات التحررية ضد الاستعمار، “كل هذه الامور أثرت علي وكنت في سنّ الـ13 عاما حين دخلت الى حزب الطاشناق”.
كان طالبا في الـ13 من العمر، وقد مرّت الذكرى الخمسين للإبادة، فالتحق بفرع الأشبال وبقي في الحزب، وعمل في مصلحة الشباب في العام 1974، ثم في مصلحة طلاب زفاريان في العام 1976.
يعتبر حزب الطاشناق أقدم حزب في لبنان، تأسست أول خلية له في العام 1902. في العام 1904 جاء أحد مؤسسي حزب الطاشناق سيمون زافاريان الى لبنان وجمع طلابا من الجامعتين الأميركية واليسوعية، وكان هؤلاء يأتون من تركيا من ديار بكر وإزمير وعينتاب وتلك المناطق للدراسة في لبنان وأسس “جمعية طلاب” حملت اسمه لاحقا: “جمعية طلاب زفاريان” هذه الجمعية لا تزال قائمة الى اليوم وتعمل. “نحن لدينا حزب في لبنان يعود الى زمن العثمانيين”. ويروي بقرادونيان بأن أول جريدة أرمنية تأسست في لبنان في العام 1927 هي “أزتاك” وهي الأقدم بين صحف لبنان، ولا تزال تصدر لغاية اليوم”.
انتخب هاكوب بقرادونيان نائبا في العام 2005 وأمينا عاما للحزب في العام 2015 ولمّا يزل لغاية اليوم لولاية رابعة تجددت في حزيران الفائت.
يعود بشغف الى تريخ الحزب الذي يرأسه: تأسس الحزب في العام 1890 في جورجيا، يعني إسمه “الاتحاد الثوري الأرمني”. وقد ألقي علينا في لبنان تسمية الطاشناق. أسمي الاتحاد لأنه في القرن التاسع عشر نشأت فرق ثوية ضدّ الأتراك، وجاء مؤسسو الحزب ووحدّوا هذه الخلايا جميعها، وأسموها “إتحاد الثوار”. “نحن حزب اشتراكي وهذا ما لا يعرفه العامّة إذ يعتبروننا يمينيين وهذا ليس صحيحا. نحن جزء من الاشتراكية العالمية، ونائب رئيس الاشتراكية الاممية هو ارمني”.
بعد استقلال العام 1918 إثر الابادة، خاض “الطاشناق” معارك في ارمينيا حين اعلنت ارمينيا استقلالها في العام 1918. في العام 1920 دخل البلاشفة الى ارمينيا، فاضطر محازبو الطاشناق للخروج كي لا يحصل سفك دماء. “لأننا كنا ضد النظام البولشيفي الشيوعي وزمن الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي، وصرنا بمثابة يمينيين لأننا كنا ضد الاتحاد السوفياتي، لكن بالأصل لسنا يمينيين وأنا شخصيا اشتراكي بالمنطق بالروح والفكر مع العمّال وحقوقهم ومع الشعوب المظلومة”.
كان النائب هاكوب بقرادونيان من النواب القلائل (ربما الوحيد) الذي تجرأ ونزل الى الأرض يوم انفجار مرفأ بيروت المشؤوم في 4 آب 2020. ولقي ترحابا من الناس من الارمن وسواهم، على عكس كثر من نواب آثروا الانزواء خشية غضب الناس، “كان الناس يرحبون بي لأنني نزلت بينهم بلا كاميرا كما قالوا لي”.
لم يسمح النائب بقرادونيان لهذه الكارثة أن تخسره “ثروته” وبالرغم من تضرر مكاتبه ومنزله، إذ عاد ولملم كتبه الـ25 ألف وهو ملمّ بجمع الكتب وقراءتها ولديه مجلّدات من الصحف اللبنانية منذ العام 1975 ولغاية اليوم. صحف “السفير” و”المستقبل” “النهار العربي والدّولي”، “الحوادث”، و”نداء الوطن” القديمة والجديدة، و”الأخبار”، و”الجمهورية”، و”الديار”. “أجمعهم للتاريخ وسأصل الى مرحلة ليس لدي مكان، لكنني سأتركها للطائفة أو لمكتبة عامة وأولادي يهتمان كونهما يدرسان العلوم السياسية”.
ومن هواياته ايضا تجميع الطوابع والبطاقات البريدية والبيوت الصغيرة من الأسفار، ” كذلك أحب الزارعة، ولدي بيت صغير ورثته من والدي في بحرصاف، أشتغل في الجنينة وأطلّع خلّ العنب والتفّاح”.
بالعودة الى انفجار مرفأ بيروت فقد أدّى الى هجرة ارمنية اكيدة.
بدأت الهجرة الاولى بين عامي 1975 و1976، والثانية في حرب التحرير والالغاء في 1989 و1990، والثالثة في الظرف الاقتصادي الذي نمرّ به ثمّ بعد تفجير مرفأ بيروت. الطاشناق هو الحزب الوحيد الذي اتخذ قرارا في العام 1979 بفصل كل حزبي وطرده إذا هاجر، “إيمانا منا بأن لبنان ليس فندقا. اعتبر حزبنا لبنان في زمن الحرب جبهة، كل حزبي، تابع للطاشناق جندي للدفاع عن لبنان. وعندما يترك الجندي الخندق، يعتبر خائنا في قوانين الجيوش. بالنسبة الينا فإن ترك لبنان في تلك الفترة كانت بمثابة خيانة. وقد تم طرد أمين عام الحزب في فترة من المراحل لاختياره الهجرة، وكنا نمنع الالتحاق بالحزب في خارج لبنان، حتى أن من يختار الهجرة لم يكن يملك القدرة على أن يتوظف بجمعيات أو بمدارس كان الحزب يمون عليها وهذا موقف مبدئي، بالتأكيد لا يمكن ان نقوم به اليوم بسبب الاوضاع الانسانية”.
الوضع اليوم تغيّر جذريا. فقد تضررت كل المناطق التي يتركز فيها الارمن في الاشرفية المدور ما مخايل الجميزة الجعيتاوي الاشرفية كرم الزيتون. لكن الضرر في برج حمّود كان ضخما، صحيح أنه لم يقع ضحايا كما في بيروت حيث سقط 14 أرمنيا، لكن الدمار كان هائلا حتى ان النائب بقرادونيان طالب رئيس مجلس الوزراء بإعلان برج حمّود منطقة منكوبة. لحظة الانفجار، أي عند الساعة السادسة وسبع دقائق، كان بقرادونيان في اجتماع مع الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط، “كنت على وشك المغادرة لكنه طلب مني البقاء قليلا، وعند الساعة السادسة و7 دقائق دوّى انفجار ضخم وسقط فوقنا كل الأثاث والأبواب والزجاج وانبطحنا أنا والرئيس الحريري أرضا. ولما عدت الى مكتبي في برج حمّود لم أعثر على كرسي أجلس عليه في البناية كلها، وتدمرت الابنية كلها والكنائس والمدارس”.
وقع الانفجار يوم الاثنين، وبعد أن لملم النائب بقرادونيان جروحه الخاصة نزل الى الأرض يوم الأربعاء، كذلك تواجد البطريرك آرام الأول عند الساعة 7 ونصف في اليوم نفسه في برج حمود. “بعد 4 ايام اجتمعنا مع البطريرك الذي وجّه دعوة الى أرمن العالم جميعهم وأسسنا كأحزاب وطوائف وجمعيات خيرية لجنة إعادة إعمار وتأهيل. تلقينا تبرعات من الخارج، من اميركا أوستراليا وأرمينيا وكاراباخ ودول العالم قاطبة، وساعدنا الناس على مراحل ثلاثة بدءا بترميم المنازل، فضلا عن تقديم إعانات طبية ومستوصفات وأغذية وتبرعات ومساعدة الناس الغير قادرين على الخروج من منازلهم… انتهت المرحلة الثالثة مع الذكرى الأولى وتمكنا من ترميم ألفي منزل وقد كان ترميم البيوت أولوية قبل الكنائس وقبل المؤسسات الحزبية. توسطنا أيضا مع شخصيات وحصلنا على مساعدة مالية لذوي الشهداء بلغت قرابة الـ9 آلاف دولار لكل عائلة دون تفريق بين ارمني وآخر الى أي حزب انتمى”.
أسّس حزب “الطاشناق” خلية مساعدة نفسية لذوي الضحايا ومن أصيبوا بالتروما وأعلن كل المدارس التابعة للمطرانية مجانية، وتمكن الحزب من توفير معاشات المعلمين والموظفين. “لكن الوضع هو أشد صعوبة اليوم” يقول بقرادونيان.
سبب انفجار المرفأ معطوفا على الوضع الاقتصادي هجرة أرمنية: “لا يجب أن ننسى أن غالبية ناسنا هم عمال وموظفون، حتى رجال الاعمال بدأوا يفكرون بالعمل خارجا لتوفير مصالحهم في البلد. يوجد عدد من الأرمن غادروا الى أرمينيا عددهم قرابة الـ200 عائلة لكننا لا نعتبرهم مهاجرين لانهم يعودون وقد عاد بعضهم لكن هجرة الشباب موجودة كما لدى الطوائف كلها”.
اطلقت بعض وسائل الاعلام على بعض النواب تسمية “نواب النيترات” وشملوا بقرادونيان من غير وجه حق. ” كنت سبق واعلنت أنه في الأصل لا حاجة للحصانات بالمطلق، وعدت وقلت بأن نقطة دم شهيد أغلى من كل الدساتير ومن كل القوانين، لأن الدستور يعمل لصالح الشعب وخدمته، وليس الشعب يرضخ للدستور”.
أولا أنا لم أوقع على العريضة التي ترفض رفع الحصانات وأعلنا بإسمي وبإسم الحزب والكتلة بأننا سننزل الى المجلس عندما يوضع البند على جدول الاعمال، وبأننا سنرفع الحصانات مع أنني عضو في هيئة محاكمة الرؤساء والوزراء. كان زجّ إسمي كذبة في الاعلام. مع الاشارة الى أنه في دول العالم كلها لا يعرف النائب أو الوزير ماذا يوجد في المرافئ في بلده. هل يعرف النائب والوزير في فرنسا ما هي البضائع الموجودة في مرفأ مرسيليا مثلا؟ ليعودوا للمسؤولين. نحن صرنا نضيع البوصلة فلا نفتش من فجّر النيترات. نحن كحزب وككتلة نواب أرمن وأنا شخصيا ضد مع رفع الحصانات، لكن إذا مش حابين يسمعوا فهي مشكلتهم”.
طال الظلم الطائفي الأرمن اللبنانيين، ولم ينصفهم إلا اتفاق الطائف الذي صار دستور البلاد في العام 1989.
” لم نتمكن من الحصول على حقوقنا كطائفة إلا بعد الوصول الى اتفاق الطائف. في الطائف تم الاعتراف بحق الطائفة الأرمنية كإحدى الطوائف السبع الأساسية في لبنان. وهذا ليس مذكورا خطيا لكنّه مذكور عرفا لأنه من يومها ولغاية اليوم لم يتم تشكيل أية حكومة دون الـ14 وزيرا لذلك نعجب حين نسمع بعض الطروحات عن 6 و6 مكرر، أو طروحات أن نعمل حكومة مصغّرة من 4 أو 6 كما زمن حسين العويني وزمن فؤاد شهاب وشارل حلو نرفض ذلك كليا”.
وجد حزب الطاشناق في لبنان منذ العام العام 1904، حتى انه كان مساهما في حركة التحرّر العربي بنقل الذخائر والاسلحة والتدريب زمن الحرب العالمية الاولى. خاض الحزب معارك انتخابية منذ العام 1927، ولغاية الاستقلال اللبناني، دعم الطاشناق استقلال لبنان في العام 1943 ضد الانتداب الفرنسي. ومنذ العام 1943 ولغاية الطائف طالما صنّف حزب الطاشناق أنه مع رئاسة الجمهورية في لبنان، “هذا صحيح لأن الشرعية كانت تتمثل برئاسة الجمهورية بغض النظر عن هوية هذا الرئيس”. وقف الطاشناق الى جانب الشرعية في حوادث العام 1958، وللأسف أن ذلك أثّر علينا لأن الاحزاب الارمنية الاخرى والارمن الشيوعيين وقفوا مع كمال جنبلاط وحركة صائب سلام ورشيد كرامي نظرا الى الحرب الباردة”.
زادت مشاركة الطاشناق والارمن عموما في الحياة السياسية بعد الطائف، “شاركنا كوزراء وكنواب في كل الحكومات والمجالس النيابية وأقمنا علاقة وطيدة مع جميع الاطراف السياسيين، وإذا اختلفنا معهم نختلف بإحترام وبتفاهم ولم تحصل علاقتنا يوما على حساب اللبنانيين او مع الطوائف الاخرى اختلاف أدى الى خلافات عميقة أو الى عداوات”.
حتى في الحرب، إتخذ الطاشناق خيارا لم يفهم حينها، “هو خيار الحياد الملتزم وليس الايجابي. فنحن دقينا ناقوس الخطر قبل العام 1975، وقلنا بأننا ذاهبون الى حرب، ونحن كشعب أرمني لدينا خبرة الحرب، وقد خسرنا وطنا، وخسرنا دولة، ونعرف أن الحرب بين الإخوة لا تؤدي إلا الى الخراب، وهذا الذي حصل. تعرض الارمن الى الاضطهاد في زمن الحرب في المناطق اللبنانية كلّها”.
قبل الحرب كان تواجد الارمن كالتالي: 35 ألف أرمني في المنطقة الغربية، “أذكر حين كنت أتمشى من بيتي في رياض الصلح لأصل الى شارع الحمرا، كنت أسمع الكثير من الناس يتحدثون باللغة الارمنية، في منطقة رياض الصلح فقط كانت توجد 4 مدارس، وجامعة هايكازيان، ومؤسسات تربوية واجتماعية ورياضية كانت أساس الطائفة في تلك المنطقة”. بين عامي 1975 و1976، بسبب الحرب وموجات التهجير خرج الأرمن من تلك المنطقة وهم موزّعون في تلك المناطق في بيروت زقاق البلاط الحمرا وسواها…وحصل تمدّد، وايضا هم موجودون اليوم في المدور الصيفي مار مخايل الرميل وبرج حمود، زلقا جل الديب انطلياس طلوعا الى بكفيا جونيه جبيل بترون طرابلس زحلة رياق وعنجر هذا هو الامتداد الارمني اليوم.
ليس التحالف بين حزب “الطاشناق” و”التيار الوطني الحر” بلا شروط، فمن وجهة نظر الطاشناق حلف استراتيجي لكن للتمايز بين الطرفين وجوده وهو تظهر في محطات عدة منها تصويت الطاشناق مثلا على تكليف سعد الحريري، وعدم موافقته على تكليف نجيب ميقاتي. وبالتالي توجد “كتلة نواب الأرمن” ضمن “تكتل لبنان القوي”، ” هذا التمايز نحافظ عليه وهم يحترمونه لكنه لا يؤدي الى اختلافات عميقة.
فكيف سيكون هذا التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2022؟
يقول النائب بقرادونيان: “من المبكر الحديث اليوم عن التحالفات الانتخابية وهي بالتأكيد ليست تحالفات سياسية بالضرورة. المهم أن نتمكن من ايصال نوابنا الى المجلس النيابي”
للتذكير فإن لحزب “الطاشناق” اليوم 3 نواب هم: هاكوب بقرادونيان، وهاكوب ترزيان وألكسندر ماتوسيان. أما بقية النواب الأرمن فهم: نائب أرمني في زحلة هو إيدي ديمرجيان وجان طالوزيان وبولا يعقوبيان (استقالت) في الاشرفية.
حصل تراجع في الحجم الاقتصادي للأرمن، يقول المؤرخون بأن الارمن كانوا أساس الحرفية في لبنان، التصوير، الالبسة، صناعة الجلديات، المصارف، الصيرفة وأساس الصناعات والمال وبفترة زمنية طويلة اشتهروا بالطب حيث كان اهم الدكاترة أرمن في كبريات المستشفيات اللبنانية. أخيرا اثار بقرادونيان جدلا بدعوته الى استقالة رئيس وزراء ارمينيا نيكول باشينيان إثر حرب ناغورنو كاراباخ مع أذربيجان. يقول:” أولا أنا لا أتدخل بالشؤون الأرمنية، فأنا لبناني من أصل أرمني، بالنسبة إلي أرمينيا تسري في دمي وعروقي وأكيد أن ما يحصل في أرمينيا يؤثر علينا. ومثلما أطالب تركيا بالإعتراف بالإبادة والتعويض فإنني أحافظ أيضا على وحدة أرمينيا وعلى حقوق الشعب الأرمني، انطلاقا من إيماننا بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب بتقرير المصير. يعني. فأنا أقف دوما الى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، فلم لا يعاتبني أحد ويسألني لماذا، وحين اقف ضد التدخل التركي في العراق وسوريا، لم لا يسائلني أحد؟
أنا دعوت الى استقالة باشينيان لأنه هو من سلّم 70 في المئة من الاراضي المحررة في ناغورنو كاراباخ الى أذربيجان عبر اتفاق ذل واتفاق استسلام. وبالتالي أنا وحدت صوتي بأصوات الملايين من الأرمن في كل الانتشار الأرمني في الخارج، لأنه بالنسبة الينا هذه أرض دفعنا ثمنها دما، ولم تتمكن الحكومة الأرمنية ورئيسها لأسباب يعرفونها من الحفاظ عليها فمن حقي كأرمني أن أطالب بهذه الاستقالة”.