مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تتعاظم ازمة التغير المناخي وليس من دولة واحدة قادرة على حل المشكلة، فالجميع في مركب واحد والمصيبة تعم الكوكب، والشرق الاوسط ليس بعيدا منها. ان مشاركة الاطراف في اتفاقية الامم المتحدة الاطارية في شأن تغير المناخ في تشرين الثاني 2021، في غلاسكو – اسكتلندا، يمكن ان تؤدي دورا حاسما في مواجهة هذا التحدي
دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش اخيرا الى ضرورة “تأسيس تحالف عالمي حقيقي للالتزام بصافي انبعاثات صفرية في حلول منتصف القرن الحالي، واعتماد اجراءات فورية لحماية البلدان والمجتمعات من التقلبات المناخية المتكررة والشديدة بشكل متزايد”.
تحتاج معالجة قضية التغير المناخي تكاتفا دوليا غير مسبوق. تتكثف الجهود الديبلوماسية في هذا الخصوص الى درجة ان رئيس الولايات المتحدة الاميركية جو بايدن عيّن مبعوثا رئاسيا خاصا للمناخ هو جون كيري، جال اخيرا في بلدان عدة من الشرق الاوسط وقدم للصحافيين في هذه البلدان احاطة عن سبل التحولات في كل دولة، مستنتجا ان “المهمة لم يتم انجازها بشكل كاف بعد”.
تختلف التحديات التي يرتبها التغير المناخي، لكن التحدي الابرز يبقى هو نفسه: سيضطر كل مجتمع الى ان يعتمد على مورد غير متجدد الى ايجاد بدائل من الطاقة المتجددة في المستقبل.
ناقش المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ مع الصحافيين رحلته التي قام بها اخيرا الى الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية التي من المرجح ان تصبح رئيسة لمؤتمر الاطراف في العام المقبل. لذا فان السنة الاولى في الطريق الى مؤتمر غلاسكو ستعتمد بشكل كبير على ما تفعله مصر. وقد بدأت ورئيس وزرائها ووزير الخارجية ووزير البيئة التحرك لبدء مشاريع جديدة لمصادر الطاقة المتجددة وتوسيع قاعدتها المتجددة.
بعدما كان انسحاب الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ مثابة ضربة واضحة للزخم في معالجة التغير المناخي، فإنه في اليوم التالي لاعلان انسحابه، يذكر كيري انه تم تحدي هذا القرار: “كنا في نيويورك انا والحاكم كومو وحاكم واشنطن جاي انسلي وحاكم كاليفورنيا جيري براون، وقد اعلنا عن حركة تسمى “ما زلنا في الاتفاقية”.
هذا “الغياب المتهور وبلا عذر لاربع سنوات” بحسب كيري، دفع بلاده الى بذل قصارى الجهد لمحاولة تعويض ذلك “وهذا يعني التأكد من التعامل مع الحقائق مع الادلة الحقيقية، وان نتخذ القرارات الصعبة التي علينا اتخاذها”.
يعوّل كيري على دور مصر ويصفها بانها “دولة رئيسية جدا في افريقيا بالمعنى التاريخي والاقتصادي، وافريقيا نوعا ما متماشية هنا في ما يتعلق بعملية مؤتمر الاطراف. لذلك ترى الناس يشعرون بالقدرة على ادارة التواجد الكبير الذي يأتي مع احد اجتماعات مؤتمر الاطراف، وكذلك الاستعداد لمحاولة لعب دور قيادي في هذه القضية”.
عن كيفية التزام الولايات المتحدة الاميركية العمل مع دول الشرق الاوسط بمكافحة التلوث، والتعاون بشكل افضل لمكافحة تغير المناخ وتداعياته التي تمتد الى اماكن، مثل العراق وسوريا واليمن حيث يزداد الوضع البيئي سوءا بسبب الحروب والصراع، يقول كيري: “على العالم ان يكون جادا في شأن هذه القضية. لا يمكننا ان نتجول حول العالم ونتحدث عن ماهية الازمة وما هو التحدي الرئيسي للبشرية، ثم لا تجد احدا مستعدا للاستثمار في التقنيات والحلول والعمليات العادلة. اعني، لا يعتمد كل ذلك على التكنولوجيا فحسب، بل ان ثمة اشياء اساسية للغاية يمكن القيام بها في الزراعة والشحن،على سبيل المثال. لا يتطلب الامر الكثير من التكنولوجيا لتغيير محركات الديزل وابعادها من هذه السفن. لو ان السفن كانت دولة، فستكون ثامن اكبر ملوث في العالم. لذا فان السفن والشحن يشكلان تحديا خطيرا، وهو ليس تحديا تكنولوجيا هائلا. لذلك نحن في حاجة الى التعامل مع اعمال التحول، وهذا يتطلب القيادة في كل من هذه البلدان”.
ويشير الى ان “الجميع يعترفون بأن المنطقة تواجه تحديات كبيرة من نواح كثيرة لانها منتج اساسي للنفط والغاز والوقود الاحفوري. ولا شك ان اقتصاداتها تعتمد بشكل كبير على ذلك في الوقت الحالي. على الرغم من انني قد اضيف، اذا نظرت الى دولة مثل الامارات العربية المتحدة، لوجدت انها تحولت بشكل كبير جدا من الاعتماد الوحيد على انتاج النفط والغاز، وهكذا اعتقد ان انتاج النفط والغاز لا يمثل اليوم في اقتصادها سوى 40 في المئة فقط من الايرادات”.
وقدم كيري تفاصيل عن كيفية رؤيته للمبادرة الخضراء السعودية ومبادرة الشرق الاوسط الاخضر الاكبر؟
يقول: “وضعت السعودية لنا خطة متطورة للغاية ومدروسة جيدا لكيفية اجراء هذا الانتقال، واين يرون فرصة لتقليل الانبعاثات باكبر الكميات واسرعها. اعتقد ان مشروع مدينة نيوم، الذي يسعى الى نشر كمية هائلة من الطاقة الشمسية، والذي يمكن للسعودية تحقيقه من حيث قدرتها على الشراء وكذلك على انتاج الالواح الشمسية؛ ومن ثم ستستطيع استخدام ذلك كمزود للطاقة لعملية التحليل الكهربائي الضرورية على نطاق تجاري لفصل الهيدروجين عن الماء وتكوين الهيدروجين الاخضر. في استطاعة هذا المشروع، باستخدام البنية التحتية الحالية، ان يجعل السعودية قادرة على الهيدروجين عبر الانابيب وتسليمه الى اوروبا او توصيله الى افريقيا او اي مكان آخر. انه لامر مهم للغاية. المملكة العربية السعودية في وضع يمكنها الان من استثمار مبلغ معين من تلك الاموال، من دون ان يتعين عليها الاعتماد على التمويل الخارجي لتحقيق ذلك”.
هناك دول مثل المملكة العربية السعودية تخطط لزيادة الانتاج من 12 الى 13 مليونا في الطاقة الانتاجية، والامارات العربية المتحدة من 4 الى 5 ملايين طاقة انتاجية في حلول عام 2030. كيف يمكن توقع انهم سيكونون قادرين على تقليل الانبعاثات في الوقت الذي يفعلون فيه باعادة زيادة انتاجهم من النفط، بينما تقول وكالة الطاقة الدولية انه لا ينبغي ان تكون هناك استثمارات جديدة في النفط والغاز من اجل الوصول الى هدف صافي صفر في حلول عام 2050؟
يجيب كيري: انه سؤال جيد للغاية وهو تحد حقيقي، لا يمكن لاحد ان يتجاهله. الحقيقة هي ان وكالة الطاقة الدولية تدفع من اجل تقليل تلك الجهود لاننا لا نمتلك بعد القدرة على الحد تماما من الانبعاثات او التقاط الكربون. اعتقد ان هناك مسؤولية ملزمة على اي بلد لكي يكون لديه مشروع جديد للتأكد من عدم وجود انبعاثات فيه، لانه من غير المنطقي ان يكون لديك سياسات تضيف الانبعاثات. من المفهوم انه قد تكون هناك سنة او سنتان او ثلاث سنوات انتقالية، وهو امر لا يمكن تجنبه، الجميع يتفهمون ذلك، لكن شرط وجود خطة حقيقية لكيفية تحقيق الهدف الذي حدده العلماء، وهو تقليل الانبعاثات بشكل عام خلال السنوات العشر المقبلة”.
سافر كيري الى نابولي ايطاليا في تموز الفائت، حيث سيعقد ايضا اجتماعا مع وزراء مجموعة العشرين في تشرين الاول المقبل، وهو اجتماع مهم على الطريق الى غلاسكو. ويشير ان لدى الولايات المتحدة الاميركية “امالا كبيرة في ان تكون جميع دول البحر المتوسط - المغرب ومصر وفرنسا، حتى موناكو الصغيرة – مهتمة بهذه القضية وتبدي الكثير من الدور القيادي حيالها. لذلك، اعتقد انه يمكن ان يصبح ايضا جزءا اساسيا من نقل الوقود، سواء كان ذلك من طريق الانابيب او بالسفن، فستكون منطقة البحر المتوسط مهمة للغاية لنقل الغاز من الشرق الاوسط الى اوروبا واماكن اخرى”.
بعدما انضمت الولايات المتحدة مجددا الى اتفاقية باريس واعلنت عزمها عن خفض الانبعاث بنسبة 50-52 في المئة، فانها الان تتحرك بسرعة كبيرة لمحاولة تنفيذ بعض ذلك تحت قيادة بايدن وتوجيهاته الى وكالة حماية البيئة ووزارة الطاقة، حتى يتم ملء المنح. سوف يتحول الناس الى تقنيات جديدة وستضاعف الولايات المتحدة الاميركية مساهمتها في المرونة ثلاث مرات، وهي تعمل بجد لتأمين 100 مليار دولار وعدت بها من باريس. ستقوم ببناء حوالى 500000 محطة شحن في جميع انحاء البلاد للسيارات الكهربائية، وستضع حوافز لشراء تلك المركبات مثل الائتمان الضريبي الاستثماري وائتمانات ضريبية على انتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها. بالاضافة الى ذلك، حدد بايدن هدفا في حلول عام 2035، ليكون انتاج الطاقة في الولايات المتحدة الاميركية خاليا من الكربون، وهو هدف طموح ومهم للغاية ان يخلو انتاج الطاقة من استخدام الكربون.
ويقول كيري: “نحن نخطط في تشريع للبنية التحتية الذي يناضل الرئيس من اجله الان، ونأمل في الحصول على تمويل لشبكة ذكية تتمتع بذكاء اصطناعي وقدرة على ارسال الطاقة من جزء من البلاد الى جزء آخر، وهو ما نفتقد اليه الان. سوف نتحرك بسرعة كبيرة جدا لفعل كل ما في وسعنا لتحقيق هدف التخفيض المعلن عنه بنسبة 50-52 في المئة”.