“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
قررت دول الخليج العربي تحويل لبنان الى ساحة تماما كإيران في استراتيجية بدأها سفراؤها في لبنان منذ العام 2015، وليس مفيدا البتة نكران الأمر، فـ”الدبلوماسية الناعمة” التي اعتمدها هؤلاء في لبنان كانت عمليا تزرع بذور الانهيار الحاصل الآن وتضع آلياته وتهيء كوادره من اعلاميين وناشطين وتجار ومحتكرين واحزاب ومنظمات تابعة للمجتمع المدني.
الحصار المحكم الذي تفرضه دول معروفة على لبنان بغطاء أميركي عبر أدواتها في الداخل اللبناني من اجل ليّ ذراع حزب الله والحصول على مكتسبات وتنازلات سياسية عبر تجويع اللبنانيين هو جريمة حرب ضد الانسانية.
لا يمكن اغفال فساد المنظومة الحاكمة في لبنان التي اودت بِنَا الى الهلاك وفِي مقدمتها السياسيات النقدية التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بغطاء متبادل مع المنظومة المصرفية والسياسية الحاكمة منذ التسعينيات ولغاية اليوم.
ولا يمكن اغفال ان جائحة كوفيد ١٩ فعلت فعلها وان انفجار مرفأ بيروت أيضا.
لكن، الحملة الظاهرة لدول الحصار على لبنان ظهرت للعيان في اجتياحها لانتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩، ومحاولة ربطها باجندة سياسية ضد فريق حزب الله وحلفائه من التيار الوطني الحر وسواهما.
نجحت الانتفاضة في وضع أسس الانهيار الذي راح يتدحرج كأحجار الدومينو فوق رؤؤس الشعب اللبناني الأعزل، ابطاله: مصرف لبنان، المصارف اللبنانية، التجار والمحتكرين لكل ما يمت بصلة لحياة الناس اليومية واخطرها الخبز والدواء والمحروقات والكهرباء.
ولا ننسى رؤساء الاحزاب المعارضين لعهد عون الذين وبحسب معلومات موثوقة يقبضون ملايين الدولارات من احدى الدول الخليجية لتنفيذ اجندة تحقيق الانهيار بنجاح، وصار لأحد الاحزاب المسيحية يده الطولى في مدن ذي غالبية سنية مثل طرابلس.
باي حال، لا يزال رياض سلامة المايسترو الذي يدير اوركسترا الانهيار في سبيل تفجير الداخل أمنيا وصولا الى وصايات دولية متعددة الوجوه: عسكرية وأمنية واقتصادية ومالية والاهم شراء ممتلكات الدولة اللبنانية بالرخص واستثمارها واستثمار غازها ونفطها، وهذا هدف تحمله دول غربية وازنة.
اما حزب الله فيأتي في اخر الاولويات الدولية على عكس ما يروج اعلاميا، فالغرب لا يهمه سوى أمن اسرائيل وهذا متوافر عبر اليونيفيل، ولعل المملكة العربية السعودية هي الوحيدة المتضررة فعليا من حزب الله بسبب مشاركة خبراء له في حرب اليمن، وليس بسبب أدواره في الداخل اللبناني. وإذا كانت الدبلوماسية السعودية تجاهر اليوم أمام سياسيين لبنانيين تثق بهم بأن المطلوب حكومة لبنانية من دون “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” فإن هذا الهدف السعودي في لبنان له أبعاده الاقليمية وتحديدا في اليمن، حيث قصف الحوثيون المدعومون من ايران مرارا أراضي المملكة العربية السعودية ولم يوفّروا “أرامكو”، ووسط كل ذلك وقف لبنان الدبلوماسي على الحياد في خطأ مميت كبلد عربي الهوية والانتماء بحسب دستوره.
المهم، ان الانهيار تحقق وهو يؤدي وسيؤدي عمليا الى قتل ارواح لأبرياء اما بالجوع وأما بسبب غياب القدرة على الاستشفاء.
وسط كل هذه الكارثة، تتفرج دول خليجية وازنة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت على اللبنانيين يموتون من دون ان يرف لها جفن. فمحاربة حزب الله تستدعي برأيها تغطية هذه الإبادة الجماعية لشعب لبنان، وتبرر هذه المآسي كلها ” لان لبنان صار ايرانيا من وجهة هذه الدول، وهو ما ليس صحيحا أقله عند الشعب اللبناني.
تعاقب هذه الدول شعبا لبنانيا عربيا محبا لها بسبب حفنة سياسيين وصوليين نكروا في أحد الأيام هويتهم العربية اعلاء لطموحاتهم السياسية الشخصية، وتناست هذه الدول بأن حزب الله ودوره الاقليمي شأن يبحثونه مع ايران وليس مع اللبنانيين . فإذا بهذه الدول الخليجية تماما كإيران تحول لبنان الى ساحة حرب منكوبة، وهكذا من حيث لا تشعر ساوت دول الخليج نفسها بايران التي تتهمها هذه الدول بأنها تستخدم لبنان كساحة، فنزعت دول الخليج عنوة الهوية العربية عن اللبنانيين – حتى لو اخطأ عدد منهم وجحد عدد منهم- وهم بغالبيتهم الساحقة لا ينكرون عروبتهم.
بأي حال، وقع الارتطام الكبير بالامس مع قرار فع الدعم على المحروقات وهو سينسحب على كل القطاعات وسط انعدام الامن الغذائي حيث وضع برنامج الاغذية العالمي لبنان على قائمة البلدان المعرضة للجوع تماما مثل بلدان أفريقية .
هنيئا لكم يا دول الخليج انتصاركم على اللبنانيين العزل، الف مبروك كما يقال. لقد نجحتم حقا في سحق شعب محب لكم.
لكنكم فشلتم في اقتلاع المنظومة السياسية المعادية لكم!
وسط كل ذلك دعوة لإعادة النظر والتفكير مليا بما تقومون به، ولأن تتخذوا قراراتكم في شأن لبنان كخليجيين من دون مستشاريكم من اللبنانيين الحاقدين، فتحددوا بمعاييركم الانسانية والعربية فحسب مصير شعب عربي أبي اسهم ويسهم في النهضة العربية ولما يزل لديه الكثير ليقدمه.