“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
طوى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2021 صفحة مشرقة من تاريخ لبنان، تميزت بالفرح والبحبوحة والاستقرار المقبول والعيش الكريم ومثّل هذا التاريخ محطة الوصول الرئيسية لمخطط تدمير لبنان “القديم” تحت ستار تدمير المنظومة الحاكمة منذ العام 1943، فإذا بلبنان يصبح تحت الانقاض والمنظومة مستمرة بعتوّها وجبروتها.
شكل مرفأ بيروت تاريخيا قلب لبنان النابض، بموقعه على البحر الابيض المتوسط المنافس لمرافئ العدو الاسرائيلي ولمرافئ المنطقة برمتها بحركته التجارية المزدهرة. ولم يكن دخول سفينة الموت “روسوس” الى لبنان في العام 2013 بطريقة مشبوهة تعززها التقارير المتضاربة حول مالكها وسبب مرورها في لبنان هي المتجهة من جورجيا الى الموزمبيق ثم غرقها المفاجئ بعد انزال 2750 طن من نيترات الامونيوم خزّنت في العنبر الرقم 12 في المرفأ الى حين الانفجار الاكوباليبسي إلا مرحلة من مراحل التدمير الممنهج للوطن بدأت في استغلال الاطراف الاقليميين والدوليين لانتفاضة 17 تشرين 2019 ثم اجهاضها بغباء بعد ربطها بأجندة سياسية، فلم تحقق سوى الدمار الاقتصادي والمالي الشامل الذي طاول اللبنانيين جميعهم باستثناء من استهدفته أي “حزب الله” الذي أوعز الى بيئته بأن تدميرها وتجويعها ممنوع فحيّدها وحماها فعليا.
يستمر سيناريو التدمير، بعد مرور عام على انفجار 4 آب المرعب والاستثنائي في تاريخ الشعوب والي قتل 207 اشخاص، وسبب اكثر من 6500 جريح وآلاف المعوقين وأكثر من 300 ألف وحدة سكنية مدمّرة فضلا عن تدمير جزء غير بسيط من ذاكرة اللبنانيين في العاصمة الجميلة.
يبلغ الاستثمار السياسي ذروته اليوم، مع العديد من الابواق المرتزقة المستثمرة في الفاجعة اللعينة التي ضربتنا: اعلاميون واعلاميات يغرّدون مطالبين بالعدالة وإذا بعدالتهم تعني التهديد بالقتل والعنف والفوضى، حقوقيون يختارون قضاياهم وفق اجندة الممول، حزبيون بدأوا الترويج للانتخابات النيابية القادمة في أيار 2022 عبر الاستثمار في الدم وتحشيد شارعهم، فنانون بأغنيات ضحلة دخلوا على خط الفاجعة مثل “البارازيت”، نحاتون مواهبهم من رماد رفعوا نصبا بشعا في وسط المنطقة صفر في المرفأ الجريح والمدمّر، منصات سوشال ميديا كانت عاطلة عن العمل منذ ما لا يقل من سنة وهي نشطت في انتفاضة 17 تشرين فإذا بها تعود الى الحياة منذ مدة قصيرة بمناسبة احياء ذكرى 4 آب إذ يبدو أن التمويل “فريش دولار” اعاد احياءها ولو الى حين. تهديدات ومقالات لأقلام مغمورة تلهج بما يتمّ تلقينها به من اصحاب الاجندات الذين يحركونها من غرف سوداء وملوّنة. كلّ ذلك يهون، أمام تحريك جميع هؤلاء لأهالي الضحايا المجروحين بفقدان احبائهم، او من خسروا ارزاقهم وذلك بحجة دعم المحقق العدلي طارق البيطار الذي وجه استدعاءات انتقائية غير مفهومة للبعض وترك العديد من الرؤوس المعنية مباشرة بملف مرفأ بيروت بعيدة من اية شبهة ولا حتى طلبها كشهود، وسط اخبار كثيرة عن زيارات يقوم بها الى مراجع مهمة قام بنفيها مرارا لكن الباحث في الكواليس يدرك انها صحيحة.
لكن الخطر اليوم هو حضور اجندات أمنية بدأت تباشيرها في حوادث خلدة، وظهرت من خلال تغريدات “الناشطين” الممولين من جهات معروفة للأجزة الامنية المتابعة، هؤلاء الناشطين الامنيين اعطيت لهم كلمة سرّ بتفجير الوضع الأمني في لبنان لإثارة فوضى شاملة فوق رؤؤس اللبنانيين جميعهم.
وسط كل هذه الفوضى، ينعقد اليوم المؤتمر الثالث لدعم لبنان بدعوة من فرنسا وبحضور دولي لافت من اجل توفير بعض المساعدات بإشراف دولي الى اللبنانيين وليس مؤكدا إن كان سيتم تشكيل قوة “تاسك فورس” من 30 مساعدا مدنيا للاشراف على المساعدات أم لا. كل ذلك ليس سوى بنج موضعي في انتظار الانتخابات النيابية المقبلة وما ستتمخض عنه من نتائج.
لغاية اليوم، وسط تعثر تشكيل حكومة بسبب العراقيل الكثيرة التي يلاقيها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ووسط تعثر أية عقلية اصلاحية، ووسط بقاء المنظومة الفاسدة على سياستها بممارسة الفساد حتى الثمالة، ووسط اشتباك اقليمي مستعر في اليمن بين السعودية وإيران، ووسط انعدام المسؤولية في السياسة الخارجية اللبنانية التي عليها ان ترجّح فعلا وقولا وجه لبنان العربي فقط لا غير، سيبقى 4 آب جرحا غائرا ترافقنا ندوبه لعقود، ولن تكون عدالة في هذه الفاجعة يعطيها البشر، بل إن الاتكال هو على عدالة السماء التي ستنصر المظلومين وتعاقب المرتكبين.