“مصدر دبلوماسي”
بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز، وجهت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو الخطاب الآتي:
مواطنيّ الأعزاء، أصدقائي اللبنانيين الأعزاء،
في سياق المحن الإستثنائية التي يجتازها لبنان، أودّ أن أضفي على هذا العيد الوطني الفرنسي صبغةً مستمدّةً من ثالث أركان شعارنا الجمهوري، ألا وهو الأخوّة.
فإلى جانب الحرية والمساواة، إرتقت فرنسا بالأخوّة إلى مرتبة أعلى بكثير من مفهومها كإندفاعة نابعة من القلب. إذ جعلت منها في آن معاً حقّاً وواجباً وشرطاً من شروط تحرّر كلّ فرد من الأفراد وركيزة من ركائز النظام الاجتماعي والديمقراطي. لذا، سيكون العيد الوطني الفرنسي في لبنان هذه السنة تحت شعار الأخوّة: الأخوّة الفرنسية-اللبنانية، الأخوّة بين الأجيال، الأخوّة بين النساء والرجال، الأخوّة بين الجماعات المختلفة، الأخوّة تجاه كلّ من انقلبت حياتهم رأساً على عقب من جرّاء الأزمة – وما أكثرهم! – وأخيراً الأخوّة تجاه من يريد بناء مستقبل أفضل، وثمّة من ينطبق عليه هذا التوصيف.
أصدقائي اللبنانيين الأعزاء، هذا العيد الوطني يندرج في إطار التضامن الذي ما برحنا نعبّر لكم عنه منذ أشهر عديدة، وبصورة خاصة منذ الرابع من آب الماضي. وأنا أؤكّد لكم مجدّداً أنّ فرنسا والفرنسيين وفرنسيي لبنان باقون إلى جانبكم.
الوضع ملحّ وطارئ، نحن نعلم ذلك. لذا لم تتوقّف فرنسا عن حشد جهود المجتمع الدولي. بمبادرة من رئيس الجمهورية وبدعم من الأمم المتحدة، سوف ينعقد مؤتمر دولي ثالث لدعم الشعب اللبناني في الرابع من آب. سيشكّل هذا التاريخ محطة جديدة من محطات الأخوّة الدوليّة بعد مؤتمرين سابقين أتاحا جمع 250 مليون يورو من المساعدات المباشرة، بما فيها 80 مليون يورو من فرنسا.
بهدف الحؤول دون الإنهيار الكامل للقطاع التربوي، تدعم فرنسا بقوّة هذا القطاع، لا سيّما شبكة المدارس الفرنكوفونية. لقد تمّ تخصيص مبلغ 25 مليون يورو في العام 2020 لترميم المدارس التي تضرّرت من جرّاء الانفجار ولدعم مؤسسات تربوية ومساعدة عائلات لبنانية على تسديد أقساط أولادها. كما وساعدت فرنسا الطلّاب اللبنانيين في فرنسا الذين وجدوا أنفسهم فجأة من دون أيّة موارد. وهي قرّرت مضاعفة المنح المدرسية في العام 2021 وستدعم أيضاً مشاريع دراسات عليا على مستوى الدكتوراه ومشاريع تدريب مهني في لبنان.
والأخوّة تعني أيضاً دعم قطاعٍ صحّي أصبح أكثر هشاشة، مع دعم لإستمراريّة العمل في المستشفيات، ويتبادر إلى ذهني هنا مستشفى رفيق الحريري ومستشفى الكرنتينا ومستشفى أوتيل-ديو وقريباً مستشفى طرابلس. هذا بالإضافة إلى دعم منظمات غير حكومية لبنانية ودولية تدير مراكز للرعاية الصحية الأوّلية في مناطق وفي أحياء تعاني من الفقر والحرمان، من دون أن ننسى تأمين التجهيزات الطبيّة والأدوية وحليب الأطفال.
نحن نعرف أنّ البعض يعاني من الجوع في لبنان اليوم، وأنّ سوء التغذية خطر داهم. كما أنّ بعض السّلع لم تعد بمتناول اليد بسبب ارتفاع أسعارها. إنّ فرنسا تدعم عدداً من برامج الأمن الغذائي كإفتتاح مطاعم مدرسيّة ودعم عدد من المخابز التضامنيّة وتوزيع مساعدات غذائية.
وطبعاً فرنسا متضامنة أيضاً في مجال الثقافة كي يبقى لبنان بلد الإشعاع والإبتكار. فهي تموّل خطّة طارئة لصالح 100 فنّان مقيم، وترميم متحف سرسق وإعادة تأهيل المباني التراثية في بيروت وغيرها من المناطق كطرابلس أو تبنين.
وتقوم فرنسا أيضاً برفع الأنقاض في مرفأ بيروت لكي يستعيد سريعاً جداً قدراته التشغيلية كاملةً. فقد ساهم 350 عسكرياً فرنسياً في إزالة الركام الناتج عن الإنفجار. نهار أمس، إفتتح الوزير المفوّض، السيد فرانك ريستر، بفضل هبة فرنسية، محطة لمعالجة الحبوب التي ما زالت في الإهراءات المشرّعة من كافّة الجهات.
ونحن إذ نهبّ للتضامن الأخوي معكم، يا أصدقائي اللبنانيين الأعزاء، إنّما نفعل ذلك لأنكم طلبتم مساعدتنا ولأننا لا نترك بلداً شقيقاً في وقت الضيق. وقد كانت إستجابتنا فوريّة وملموسة ومباشرة. إنها إستجابة الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي والتجمّعات المحليّة والجمعيّات الفرنسية والشركات الفرنسية. إستجابة فرنسا الموحّدة والمتضامنة معكم.
وما المساعدة العاجلة إلّا يدٌ ممدودة لشعب شقيق يتعرّض لخطر داهم. لذا لا مجال للتردّد. بل وجُب الإندفاع كي لا تجرفه الأنواء من دون عودة، وكيلا يتمّ رهن مستقبله.
فلبنان يجب ألّا يقتصر على كونه مسألة عاجلة لا غير. للبنان مستقبله. أجل، مستقبله، ولكن أيّ مستقبل؟ “وهلأ لوين؟” إن أردنا إقتباس عنوان هذا الفيلم الجميل للمخرجة نادين لبكي.
أصدقائي اللبنانيين الأعزّاء، أقول لكم إنّ إلتزامنا إلى جانبكم إنّما يهدف لتمكينكم من إختيار في أيّ لبنان تريدون أن تعيشوا. تتبادر إلى ذهني بالطبع المواعيد الانتخابية المرتقبة في العام المقبل ولكن يجب النظر إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى مصير لبنان نفسه. لهذا السبب بالذات أردتُ أن يتمّ الإحتفاء بكم، أنتم شباب لبنان، لمناسبة هذا العيد الوطني، في هذا القصر الذي ترجّع جدرانه صدى تاريخ لبنان. فأنتم، أيّها الشباب، مَن سيخطّ ويصنع تاريخ لبنان الغد.
لدى وصولكم إلى هنا، إلى قصر الصنوبر، لم يكن أحد منكم يعرف الآخر. فتعلّمتم أن تكتشفوا بعضكم البعض وتصغوا إلى بعضكم البعض وتعملوا مع بعضكم البعض وتخاطبوا الحضور. وفي ختام هذا النهار، ما من سعادة تفوق سعادتي لدى رؤية علاقات الصداقة والأخوّة التي نشأت في ما بينكم.
أصدقائي اللبنانيين الشباب الأعزاء، أريد أن أقول لكم إنكم أثرتموني وأثرتم إعجابي. هذا الشعور لمسته أيضاً لدى مستشاري الفرنسيين المقيمين في الخارج والفرنسيين الحاضرين هنا ولدى سفيرنا كريم أملال الذي يحضّر، بتكليف من رئيس الجمهورية، منتدى ضفتي المتوسط الذي سينعقد في مدينة مرسيليا في شهر تشرين الثاني.
لقد استمعنا إليكم. لديكم الموهبة والشجاعة. ولديكم أفكارٌ من أجل الدفاع عن حقوق كل لبناني لكي يتمكن من الحصول على التعليم والرعاية الصحية ذات الجودة. لديكم اقتراحات تسمح للمواطنين بالتمتّع بحياةٍ لائقة في مدنهم وبالإبداع وبالكتابة وبالتعبير عن أنفسهم وبالحصول على المعلومات من خلال وسائل إعلامٍ حرّة وموثوقة. تعبّرون طبعاً عن هواجسكم، عن الشعور الذي يدفعكم في بعض الأحيان إلى التفكير بالاستسلام وبمغادرة البلد نحو المنفى القسري. لكن لمسنا أيضاً محبتكم لهذا البلد حيث ولدتم وكذلك رغبتكم في العيش فيه معاً بكرامة وسلام. لبنانٌ متنوّع ومشرقيّ وعربيّ ومتوسطيّ. لبنانٌ سيّدٌ ينعم بالهدوء.
عند سماع مدى نضج اقتراحاتكم، يسترجع محبو لبنان – وعددهم ليس بقليل – الأمل. أنتم من يعطي معنى للمساعدة التي نقدّمها والتي سنستمر بتقديمها. لا تستسلموا أبداً. إبنوا مستقبلكم ومستقبل بلدكم مدرّعين بتصميمكم ومندفعين بتطلّعاتكم. فرنسا والفرنسيون إلى جانبكم.
مواطنيّ الأعزاء، اليوم، في الرابع عشر من تموز، أودّ أن أخصّكم بكلمةٍ:
إنني أعي منذ أشهر الصعوبات التي تواجهونها. أريد أن أكرّر وأقول لكم إنكم لستم لوحدكم. يمكنكم أن تعتمدوا على بلدكم في هذه الأزمة التي لستم بمنأى عنها: في غضون سنة، تم توزيع أكثر من 8000 مساعدة مالية للتخفيف من وطأة الجائحة على حياتكم؛ تمت زيادة ميزانيتنا المخصّصة للمنح المدرسية بنسبة 50% في غضون ثلاث سنوات؛ تم تقديم المئات من المساعدات شهرياً إلى مواطنينا الأكثر عوزاً. اليوم، تشكل الأخوة في لبنان، أكثر من أي وقت مضى، أساس عملنا القنصلي.
إعلموا أنه يمكنكم الاعتماد عليّ وأيضاً على فريقي الذي أود أن أحييه لتفانيه الاستثنائي. أريد أن أشدّد على دور صلة الوصل الذي يقوم به المستشارون الخمسة للفرنسيين المقيمين في الخارج المنتخبون حديثاً وكذلك نائبتنا عن الفرنسيين المقيمين في الخارج وأيضاً كافة الجمعيات المضيفة والتي تُعنَى بتقديم المساعدة. أحييهم جميعاً بحرارة.
على الرغم من كل الصعوبات، علينا أن نسير إلى الأمام من خلال دمج قوانا وأفكارنا. فلنشعر بالفخر ببلدنا فرنسا، هذا الشعور الذي عبّر عنه بتأثّر مواطنونا الذين حصلوا حديثاً على الجنسية الفرنسية والمجتمعين اليوم للمرة الأولى.
فلنُبقِ على روح الأخوّة مع لبنان، هذا البلد الذي نحبّ. لأنها فرنسا ولأنه لبنان، كما قال رئيس الجمهورية الفرنسية.
عاشت فرنسا! عاش لبنان! عاشت الصداقة الفرنسية – اللبنانية!