“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
حلّ قرار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أمس بالطلب الى النيابة العامة التمييزية إجراء المقتضى القانوني المناسب بحق عدد من النواب والامنيين والضباط بردا وسلاما على قلوب اهالي شهداء مرفأ بيروت قبل شهر من حلول الذكرى السنوية الاولى لأبشع كارثة انسانية ضربت لبنان منذ نشوئه.
ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر محاكمة الضالعين في هذه الجريمة ضدهم والتي أودت بقرابة الـ200 شهيد وآلاف الجرحى ودمّرت نصف العاصمة اللبنانية. يخاف اللبنانيون أن يتمّ طمس معالم الجريمة وابعاد الشبهات عن المرتكبين والمهملين وخصوصا بعد الدفع لتنحي القاضي السابق فادي صوّان عن الملف بسبب طلباته برفع الحصانة عن كبار في السلطة.
وبالتالي فإن اصرار القاضي البيطار على طلب رفع الحصانة عن النائبين علي حسن الخليل وغازي زعيتر، واستجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب كمدعى عليه، واستدعاء مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا للاستجواب، وتوسيع طلبات الملاحقة لتشمل أسماء جديدة منها النائب نهاد المشنوق ومدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم وقائد الجيش السابق جان قهوجي وضباطا في مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، لاقت ايجابية على المستوى الشعبي، فالرأي العام متعطش لمحاسبة “أحد ما” من دون البحث في الحيثيات السياسية التي تحكم الكثير من قرارات القضاة في لبنان على مرّ التاريخ.
في هذا السياق، لفت جدا اقحام اسم مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في هذا الملف، ولاقى الامر علامات تعجب كبرى رسمها العارفون بخفايا الامور وبكيفية نسج الكيديات السياسية. قد لا يكون الامر ملهما لمن يتوقون الى العدالة مهما كان الثمن، لكن قد يكون اقحام اسم شخصية لا علاقة لها بتفجير مرفأ بيروت احد اشكال طمس العدالة، وابعاد كأس المحاسبة عن المعنيين عبر تهشيم الثقة بالتحقيق.
لذا وجب التوقف عند كل تفصيل. والامر لا يتعلق فقط باللواء ابراهيم بل إن اسماء اخرى يجب التوقف مليا عند اقحامها منها النائب نهاد المشنوق ناشر موقع “اساس” المعارض للعهد. إلا أن اللواء ابراهيم ترتسم حوله اكثر من علامة استفهام وخصوصا وأنه مستشار لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأن القاضي بيطار بحسب ما يتردد في الصالونات السياسية والقانونية هو مقرّب جدا من قصر بعبدا.
كما أن اللواء ابراهيم مرشح –اقله شعبيا- لخلافة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وقبل يومين من قرار القاضي طلب ملاحقته، دسّ خبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر بعض المواقع الالكترونية بأنه سيستقيل للترشح للانتخابات النيابية المقبلة، وقد تمّ نفي هذا الخبر عبر القنوات الاعلامية المقربة من ابراهيم.
الى ذلك، فإن ابراهيم قام منذ اسبوعين بحركة دبلوماسية افضت الى تقديم العراق للبنان مليون طن من الفيول درءا للعتمة الشاملة، وذلك بمساعيه الشخصية مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وهو صديق له. قبل ان يعلن اللواء ابراهييم عن مسعاه عبر “الاخبارية العراقية”، كانت تغريدات احدى “المستشارات” الاعلاميات المقربات من مرجع حكومي ومن مرجع مخابراتي سابق تحاول ان تسرق هذا الانجاز عبر نشر اخبار مضللة وتلصقه بحسان دياب الذي لم يحظ بموعد على الاراضي العراقية.
منذ أكثر من سنة، ومدير عام الامن العام يتعرض لحملات شعواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث خصصت للهجوم عليه حسابات وهمية كثيرة، او عبر المواقف السياسية لمتضررين من حركته السياسية والدبلوماسية، ويلاحظ العارفون كثرة التوضيحات وبيانات النفي المباشرة او غير المباشرة على حملات مكثفة تطاله يوميا.
ويبدو بأن بيكار التهجمات وفقا لقرار القاضي أمس بدأ يتوسع ليشمل الى خصومه التقليديين من يساعدهم ابراهيم للعمل لصالح البلد، والذين يلقون عليه كل الاعباء متفرجين عاجزين عن الانجاز، ويأتي في مقدمة هؤلاء “ديناصورات” يحوكون المؤامرات في قصر بعبدا، ولن ندخل في تفاصيل الاسماء منعا للاحراج، إلا ان المؤشرات والمعلومات المتقاطعة تقود كلها الى طريق بعبدا.
قبل الدخول فيها، لا بد من التذكير بما ذكره “مراقب” جاينز” للارهاب وحركات التمرّد في كانون الاول 2020 إثر زيارة اللواء ابراهيم الى الولايات المتحدة الاميركية: إذ قال التقرير الموسع:” يتمتع عباس ابراهيم المدير العام للأمن العام اللبناني بقدرة الوصول الى مروحة واسعة من الجهات الفاعلة ومن ضمنهم اوروبيين ومسؤولين رسميين في السياسة الاميركية فضلا عن خصوم الولايات المتحدة الاميركية مثل ايران وسوريا و”حزب الله” في لبنان.
يلعب إبراهيم دورا رئيسيا في الحفاظ على الاستقرار الوطني والدبلوماسية الدولية مما أدى إلى إحجام الحكومات الغربية عن فرض عقوبات على إبراهيم بسبب صلاته بـ”حزب الله”.
إن التطورات السياسية القائمة – بما في ذلك التزام الولايات المتحدة الاميركية باستئناف الاتفاق النووي الإيراني في ظل إدارة بايدن – ستعزز قيمة إبراهيم في نظر المجتمع الدولي”.
واشار التقرير في خلاصاته:” على الرغم من بعض الميول المتسلطة، يتمتع إبراهيم بما يكفي من المهارة كمؤثر فاعل لإبعاد نفسه من العنف السياسي وللحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع الغرب.
“إنه يعلم بأن سلطته هي محطّ ثقة وتتعالى عن النّزاعات، وهو ما يجب أن يكرهه عون (رئيس الجمهورية العماد ميشال) لأن ذلك من المفترض أن يكون من مهمة الرئيس”، يقول مسؤول اوروبي، “لن يضطر إلى إرسال رجاله لسحق أي متظاهرين…فالجميع يحتاجونه كلّ لغرض معيّن… لذا أشكّ بأن تقع عليه أية لائمة دولية في أي وقت”.
واخيرا، وبعد زيارته لموسكو، ولقائه بكبار المسؤولين في السياسة والمخابرات، كشفت نشرة “إنتلليجنس أونلاين” في تقرير حمل عنوان ” عباس ابراهيم يقدّم لبايدن خدمة ما بعد البيع في موسكو” عن دور يلعبه مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا في ما يخص ملف المساعدات الانسانية عبر المعابر في سوريا، وهو ملف شائك تشهر فيه موسكو مفتاح “الفيتو” في وجه الولايات المتحدة الاميركية التي تسعى الى ايصال مساعداتها الى السوريين بمنأى عن نظام الرئيس بشار الاسد، في حين تسعى روسيا الى اعادة تعويمه. وتقع زيارة اللواء ابراهيم في توقيت مفصلي وحساس إذ تسبق اجتماعا حاسما لمجلس الامن الدولي سينعقد للتباحث في هذا الملف في 10 تموز الحالي.
ومن يتابع الحركة الدبلوماسية والأممية أخيرا يدرك أن الممرات الانسانية هي عنوان المرحلة القادمة في سوريا، واللواء ابراهيم احد اللاعبين في الوساطة بين الدولتين العظمتين وسوريا بطبيعة الحال.
ولا ننسى ملف الصحافي الاميركي اوستن تايس (وايضا الطبيب مجد كمالماز ) المعتقل في سوريا منذ 2012، والذي لم تكشف السلطات السورية عن أية معلومة عنه، كان اللواء ابراهيم احد المجتمعين في العام الفائت مع مبعوثي الادارة الاميركية في دمشق في اجتماع سري كشفته صحيفة “وول ستيرت جورنال” وهذا الملف مفتوح على مصراعيه، وهو محطّ تنافس من دول عدة تريد أن تترك بصمتها على اطلاق سراح رجل المارينز السابق.
هذه الدينامية السياسية للواء ابراهيم أسست له عداوات كبرى. لا يسعى هذا التقرير لحرف أي مسار للعدالة، لكن بات معروفا بأن الامن العام اللبناني ليس مسؤولا البتة عن البضائع في المرفأ وهي من صلاحيات الجمارك والجيش، وهو مسؤول عن حركة الاشخاص، وأن ابراهيم راسل بموضوع النيترات المرجعيات المعنية مرارا.
وبالتالي، كانت المعلومات التي رشحت امس من اكثر من مصدر شارحة اسباب اقحام اسم اللواء ابراهيم صادمة لا بل صاعقة. فبحسب معلومات موقع “مصدر دبلوماسي” من اوساط موثوقة (ليست لها اية علاقة بالامن العام وقنواته) وهي تعود لسياسيين ضالعين باللعبة السياسية فإن زجّ اسم اللواء ابراهيم جاء للاسباب الآتية:
أولا، قرر المعنيون بقصر بعبدا، (المصدر ذكر إسمي الرئيس عون والوزير باسيل لكننا لا نتبنى ذلك لاننا لم نتمكن من التأكد من هذه المعلومة) بأن اتهام ضباط مسيحيين فقط في قضية المرفأ سيكون كارثيا على الشارع المسيحي قبل عام على الانتخابات النيابية القادمة. فاتخذ قرار بأن يضاف اسم مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم على قائمة الملاحقين على قاعدة 6 و6 مكرر، لأنه لا يوجد متهم شيعي ذو وزن في ملف المرفأ، فمن افضل من اللواء ابراهيم لتحمل هذا العبء؟
ثانيا، كانت السرعة القصوى بقبول وزير الداخلية محمد فهمي بملاحقة اللواء ابراهيم لافتة جدا، ثم تراجعه لاحالة الملف على اللجنة القانونية. فهمي يعرف جيدا أن لا صلاحيات للامن العام في موضوع شحنات النيترات المخزنة، وهو مطلع على تقارير الامن العام المحذرة، لكنه يتهيّب من حجم الملف شعبيا بحسب عارفيه. مع التذكير بأن فهمي مقرب جدا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ثالثا، استبعدت الاوساط أن يكون لرئيس المجلس النيابي نبيه برّي أية علاقة بموضوع زج اسم ابراهيم، على خلفية طرح اسمه من بعض المصطادين بالمياه العكرة لخلافته. وقالت اوساط عليمة بأن علاقة الرجلين اي ابراهيم وبري شفافة الى اقصى الحدود.
رابعا، ليس من دليل يؤكد ايضا دور النائب جميل السيد، الذي عكف منذ مدة على مهاجمة اللواء ابراهيم على خلفية رئاسة البرلمان وهو يعتبر نفسه مرشحا طبيعيا لهذا المنصب.
خامسا، يبدو ان ثمة تركيبة سياسية مطبوخة داخليا، ولا يمكن إلا عطفها ايضا على محاولات ابراهيم انقاذ ما يمكن انقاذه من خدمات للبنانيين من دون كلل، وهذا يزعج شخصيات داخلية لأن حركته تظهر عجزها كما يزعج دولا تريد للبنان الانهيار الشامل.
سادسا، لفتت الكثير من تغريدات عونيين وعونيات امس راحوا يتسابقون لتبني قرار بيطار والمطالبة بالعدالة الشاملة التي لا تستثني أحدا، مغفلين أن “التيار الوطني الحر” أول الداعين للإفراج عن مدير الجمارك بدري ضاهر!.