“مصدر دبلوماسي- مارلين خليفة:
لا يزال “حزب الله” متشبثا بأية مبادرة وخصوصا تلك التي قادها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتي لم تصل الى خواتيم سعيدة يمكنها حلحلة الوضع الحكومي المتأزم وخصوصا بعد ان اثبت الرئيس المكلف سعد الحريري عدم قدرة على توفير اتفاق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومع “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل بسبب تشبث هذين الطرفين المسيحيين الوازنين بتوافق تام على اسماء الوزراء وخصوصا المسيحيين في حين يصر الحريري على تسمية جميع الوزراء المسيحيين وفق الصلاحيات التي محضه اياها الدستور اللبناني- بالاتفاق مع رئاسة الجمهورية ولكن ليس بفرض الرئاسة الاولى رأيها عليه-. ولا يمكن اغفال ان الحريري التحف منذ يومين بدعم من المجلس الشرعي الاعلى ودار الفتوى حيث تم رفض أي نية لاعتذاره. لكن الرئيس المكلف لم يتمكن لغاية الآن من اعادة وصل ما انقطع مع المملكة العربية السعودية وخصوصا مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان الذي يرفض استقباله كما يرفض ان يكون الحريري رئيسا لحكومة لبنان وذلك لثلاثة اسبا: الأول شخصي بسبب انعدام وجود كيمياء بين الرجلين ووقوف الحريري معارضا لتولي الامير محمد بن سلمان لولاية العهد، السبب الثاني الاحراج الدولي الذي تسبب به الحريري للسعودية بعد ان استدعته وارغمته على الاستقالة في 2017 وذلك على خلفية مقارباته السياسية اللبنانية ولكن بالأكثر اتهامه بالفساد المالي، وثالثها اقتراب الحريري بشكل لصيق من حزب الله الذي تعتبره السعودية عدّوها الاول.
بالنسبة الى رئاسة الجمهورية والنائب جبران باسيل، فإنهما يرتكزان الى دعم لا نهاية له من حزب الله كونهما على تحالف معه، والى رغبة غير معلنة بأن يكون لعهد الرئيس عون وخصوصا للنائب باسيل اليد الطولى في العهد القادم او اقله في فترة الفراغ الرئاسي المتوقعة بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في العام المقبل. لم يعد لدى النائب باسيل أي شيء يخسره وخصوصا بعد ان وقع عليه سيف العقوبات الاميركية الذي شكل “فيتو” لتوليه الرئاسة الاولى، لذا يعمد الى القتال المستميت تحقيقا لأهدافه، ويحاول شدّ العصب المسيحي عبر التشبث بتسمية وزيرين مسيحيين، لكن في النوايا المبيته حرق الحريري اكثر فأكثر ونيل المزيد من النفوذ في السنة الاخيرة من عمر العهد.
في هذا السياق المتلبد بالازمات المعيشية والحياتية والمالية والاقتصادية، يبدو جليا بأن المسألة تتعدى الخلافات الشخصية الى مسألة نظام الحكم في لبنان، وتحديدا الدستور الذي اقره اتفاق الطائف في العام 1989 والذي انهى الحرب اللبنانية برعاية المملكة العربية السعودية وقد نقل هذا الاتفاق صلاحيات الرئاسة الاولى الى مجلس الوزراء مجتمعا، ونقل الكثير من الصلاحيات لرئيس الحكومة مجردا منها رئاسة الجمهورية. في التسعينيات عارض عون وكان رئيسا لحكومة انتقالية الاتفاق المذكور ما أدى الى نفيه الى باريس بعد اجتياح القوات السورية للمناطق الشرقية التي كان يسيطر عليها الجيش اللبناني بقيادة عون، وسجن سمير جعجع وغلب المسيحيون على أمرهم. ويبدو بأن السيناريو ذاته يتكرر في العام 2021 حيث ان التشبث بتسمية وزيرين مسيحيين وعرقلة تشكيل حكومة يصب في رفض ما آل اليه الطائف عمليا من سحب صلاحية التأليف من رئاسة الجمهورية (بالأصل كان يتم توافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة) وتم تثبيت ضرورة التوافق مع الرئيس المكلف في النصوص، وهذا ما لا يبدو ممكنا اليوم في ظل علاقة شخصية لا تحمل اية مودة بين عون وباسيل من جهة والحريري من جهة ثانية.
في هذا السياق، يبدو لافتا موقف حزب الله، الذي أيد مبادرة الرئيس نبيه بري المرتكزة الى ثلاث ثمانيات، وقد ذكر هذا الامر امين عام حزب الله السيد حسن نصر في خطابه الاخير.
وبالرغم من الاجتماعات المتواصلة بين الخليلين وباسيل في منزله في البياضة التي لحظت تقدما في بداياتها من حيث توفير بروفة لحكومة عتيدة من حيث توزيع الحقائب على الطوائف والقوى السياسية، والاتفاق على ان يتولى وزارتي الدفاع والداخلية ماروني يتبع للتيار الوطني الحر، مع عدم الانجرار الى 10 وزراء يشكلون الثلث المعطل لرئاسة الجمهورية فإن النائب باسيل رفض الصيغة متشبثا بتسمية الوزيرين المسيحيين وقائلا انه لن يعطي الثقة للحكومة العتيدة ما ادى الى تعثر المفاوضات وافضى الى النتيجة التي باتت معروفة: لا حكومة، لا اعتذار عن التكليف (لغاية اليوم)، لا استقالة من البرلمان، ولا انتخابات نيابية مبكرة. فالاستقالات التي هدد بها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ليست سوى مناورات. الحريري حليف بري لا يمكن ان يستقيل، والتيار الوطني الحر حليف حزب الله لا يمكنه اتخاذ قرار مماثل بينما حليفه وضع فيتو على اية انتخابات نيابية مبكرة. فالانتخابات النيابية موعدها بعد 10 اشهر، وبالتالي لا موجب لانتخابات مبكرة وسط انكفاء اقليمي عن لبنان الذي يعتبر فرصة يجب استغلالها من الاطراف اللبنانيين. وقد توصل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى خلاصة تقول بأن الاسباب داخلية وليست اقليمية.
في هذا السياق أتى تقرير البنك الدولي في الاول من الجاري ليدق ناقوس الخطر، فمؤشراته جدا خطرة، كذلك فإن العارفين يروون بأن البنك الدولي لا ينوي التفاوض مع حكومة انتخابات بل مع حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وقادرة على القيام باصلاحات، ما يفضي حاليا الى أن الازمة تمددت سنة كاملة الى حين موعد الانتخابات النيابية ولن يكون من تفاوض مع صندوق النقد الدولي.
في منظور المقربين من حزب الله ان هذه الازمة سوف تنتهي مع الانتخابات النيابية المقبلة حيث ستنبثق وجوه جديدة وتخلط الاوراق في البرلمان وما سيفتح باب التفاوض مجددا مع صندوق النقد الدولي والقدرة على اتخاذ قرارات في الاقتصاد والسياسية النقدية. فحكومة قصيرة العمر لن تفيد لانها ستتحول الى حكومة انتخابات ولن تتمكن من اجتذاب مساعدات من الخارج.
في هذا السياق يقوم حزب الله بتقديم الدعم الكامل لمبادرات الرئيس بري مساعدا على تذليل العقبات ومحاولة ان يرأب الصدع بين الحريري وباسيل وسط غياب تام للبنان على طاولات المفاوضات الجارية في دمشق وبغداد وفيينا.
فالحوار السعودي السوري يسعى الى ترميم العلاقة بين البلدين واعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، وفي بغداد من المبكر الحديث عن نتائج ايجابية بين السعودية وايران حيث المفاوضات تتركز على امن الخليج واليمن، اما في فيينا فيقتصر البحث على رفع العقوبات واتفاق نووي جديد.