“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
لم تمر الإنزلاقة التي وقع فيها وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه في مقابلته مع قناة “الحرة” الاثنين الفائت على خير، وانتهى المشهد اللبناني بقراره التنحي عن عمله على رأس الدبلوماسية اللبنانية اليوم الاربعاء.
تحولت بضع عبارات متسرعة وغير ملائمة الى نهاية مطاف رحلة 9 أشهر على رأس وزارة الخارجية والمغتربين خاضها الوزير وهبه وسط الكثير من الصعوبات والمطبات السياسية والادارية الى ان كانت الانزلاقة أمس الاول حين المح الى ان تنظيم داعش جلبته دول خليجية “صديقة وشقيقة” الى العراق وسوريا ولبنان في تلميح واضح الى دول خليجية وازنة، فضلا عن استحضاره لمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بطريقة مسّ بها المشاعر السعودية وخصوصا وان الملف أغلق داخليا ودوليا وان القضية لا علاقة للبنان بها، وثالثا انفعاله الشديد في نهاية الحلقة مع الضيف السعودي سلمان الانصاري ونعت الاخير بأنه من “أهل البدو” في ما يعدّ عنصرية واهانة لثقافة وحضارة اهل الجزيرة العربية والتي استدعت تغريدات سعودية خصوصا وخليجية عموما وصلت امس الى ما يقارب الـ370 ألف تغريدة دفاعية عن أهل الجزيرة مستعرضة انجازاتهم وفصولا من تاريخهم.
في لحظة سياسية حرجة، أبرزت فيها المملكة العربية السعودية للمرة الأولى عينها الحمراء ضد لبنان وخصوصا بعد الكشف منذ أقل من شهر عن شحنة من الرمان المحشو بحبوب الكبتاغون والموجهة من لبنان الى دول الخليج، وقيام وزارة الداخلية السعودية بمنع حاويات الخضر والفواكه اللبنانية من دخول اراضيها يأتي هذا “الفاول” الدبلوماسي اللبناني ليزيد الطين بلّة.
بكل الاحوال انتهى فصل جديد من فصول التوتر بين لبنان والسعودية بصفعة سياسية ودبلوماسية سعودية قوية للسلطات الحاكمة وتحديدا الى عهد الرئيس ميشال عون، علما بأن كلمة حق تقال بأن التوتر هو بطبيعته بين السعودية والسلطة السياسية الحاكمة وليس مع لبنان كبلد.
تحولت السعودية مع ملكها وولي عهدها الامير محمد بن سلمان منذ العام 2015 الى دولة تعلي أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية فوق أي اعتبار، وهي تتعامل مع المنطقة كلاعب رئيسي وليس عبر وساطة دول أخرى كما درجت العادة. يقارب الامير محمد بن سلمان المسائل السياسية والاقتصادية برؤية ثاقبة وبعيدة الأمد، فيما لا يزال اللبنانيون يعيشون على اطلال الماضي الذي لن يعود حيث كانت العاطفة السعودية اقوى من مصالح الدولة وهو ما تبدّل الى غير رجعة وخصوصا مع لبنان الذي تعتبر السعودية انه يؤثر باصطفافه الى جانب ايران على امنها ومستقبلها.
اللافت منذ الأمس، أن الوزير شربل وهبه المعروف باعتداله وبنهجه المختلف دبلوماسيا عن سلفه جبران باسيل من حيث حرصه الشديد على العلاقات والود بين الدول العربية هو من دفع ثمن اخطاء الماضي بسبب ردة فعل انفعالية اوقعته في خطأ دبلوماسي قاتل. كما أن وهبه الذي يفتقر منذ توليه وزارة الخارجية -وهو السفير المخضرم والمستشار سابقا لرئيس الجمهورية ميشال عون- يفتقر الى فريق عمل متكامل وخصوصا في الاعلام، في حين كان الوزراء الحزبيون يجندون كل ادواتهم الحزبية في الوزارة المعنية.
كذلك، جاء موقف وهبه وسط قيام التيار الوطني الحر (متأخرا) باسترضاء المملكة العربية السعودية بمواقف عدة، آخرها عدم القيام بحملة تطالب بالملحن العوني سمير صفير الذي اعتقل في المملكة بتهمة غير معروفة لغاية اليوم، وقبلها عبر اعتذار قدمته محطة “أو تي في” رسميا عبر المستشار الرئاسي سليم جريصاتي للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري بسبب كلام غير لائق بحق المملكة تفوه به احد الصحافيين في برنامج الزميل جورج ياسمين ما أدى الى استقالة الاخير من المحطة بعد اعوام طويلة من العمل. وسط هذه المسايرة العونية للمملكة وخصوصا بعد مرور اكثر من 9 أشهر على تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة والذي رفضت السعودية استقباله لغاية اليوم في موقف يعبر عن رفضها المطلق له، جاءت مواقف وهبه الذي لم يحظ بأي دعم لا معنوي ولا سياسي ولا حتى عبر الجيش الالكتروني العوني دفاعا عنه او اقله شرحا لموقفه، في حالة تخلّ موصوفة عنه من قبل التيار الوطني الحر الذي رفضت قياداته بالأمس المشاركة في برامج تلفزيونية لشرح وجهة نظر التيار مما حصل.
بعد ظهر امس، صدر موقف وزارة الخارجية السعودية باستدعاء السفير اللبناني فوزي كبارة وتسليمه مذكرة شديدة اللهجة، وعلى غرار المملكة فعلت الامارات العربية المتحدة والبحرين والكويت التي اعربت عن شعورها بالاهانة وخصوصا للتعرض للثقافة العربية.
وبطبيعة الحال، كانت للضغوط السياسية المحلية دورها حيث صدر أكثر من بيان استنكار ومطالبات بتنحي الوزير وهبه. لكن وبحسب معلومات موقع “مصدر دبلوماسي” فإن وهبه قرر التنحي هو غير المتشبث أصلا بمنصب أرهقه بفعل حساسية الوضع ولكونه وزيرا غير سياسي كان طلب الجانب السعودي ان يعقد مؤتمرا صحافيا علنيا يعتذر فيه من المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي عما ورد في مقابلته من اساءات وتلميحات، وهو ما اعتبره الوزير المعني شرطا مذلا وخصوصا وأنه اصدر بيانين تضمن ثانيهما اعتذارا واضحا عن كلامه الذي لم يكن مقصودا به الاساءة للدول العربية الشقيقة.