مقالات مختارة
موقع “أساس”
مارلين خليفة
استهل وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان الى لبنان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ممتنعا اقله امام وسائل الاعلام عن لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري “لأن لقاء رئيس مكلف غير جائز بروتوكوليا” كما تقول اوساط فرنسية واسعة الاطلاع لموقع “أساس”.
منذ آذار الفائت ورأس الدبلوماسية الفرنسية يطلق الموقف تلو الآخر داعيا الى الاسراع في تشكيل حكومة تنجز اصلاحات بنيوية سياسيا وماليا واقتصاديا في ترجمة للمبادرة التي اطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون في أيلول 2020، لتتحول هذه المواقف من دعوات الى تلويح بعقوبات فرنسية واوروبية.
آخر هذه المواقف جاء أمس حين غرّد على حسابه على “تويتر” مستبقا زيارته الى لبنان:
“سأكون في لبنان غدا مع رسالة شديدة الحزم للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين. الحزم في وجه الذين يعرقلون تشكيل الحكومة: لقد اتخذنا إجراءات وطنية، وهذه مجرد البداية”.
وأضاف: تؤكّد زيارتي أيضًا تضامن فرنسا في مجال التعليم والطبابة والآثار، ودعمها اللبنانيين الذين يبذلون قصارى جهدهم من أجل بلدهم”.
لودريان الذي تشير سيرته الذاتية التي سنلقي عليها الضوء في هذا السياق الى انه من الاكثر قربا للرئيس الفرنسي، يعبّر بأمانة عن موقف الرئيس ماكرون الذي سيخوض في 2022 معركة رئاسية قاسية سيكون الملف اللبناني احد عناوينها الرئيسية لما للبنان من موقع تاريخي وبعد عاطفي لدى الفرنسيين في الداخل من جهة ولدى فرنسيي لبنان من حاملي الجنسية المزدوجة الذي سيصوتون في السفارة الفرنسية، وسيكون نجاح ماكرون او فشله معيارا رئيسيا في خياراتهم.
قبل الخوض في سيرة لودريان وزير الدفاع السابق لخمسة اعوام والذي نجح في ملف الدفاع بشكل يشهد له من عاصروه في تلك الوزارة، لا بد من التذكير بتدرج المواقف الفرنسية تجاه لبنان منذ بداية السنة ولغاية اليوم، وهي مواقف تحملها فرنسا التي تتواصل بشكل وثيق مع مجموعة من الدول المؤثرة: روسيا، الولايات المتحدة الاميركية، المانيا ، مصر، الامارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي بطبيعة الحال. وبالتالي تشكل زيارة لودريان قمّة الاندفاعة الفرنسية بعد خفوت سجلته الاشهر التي اعقبت زيارتي الرئيس ماكرون في 6 آب الفائت عقب انفجار مرفأ بيروت ثم في 1 ايلول لدى اطلاقه مبادرته من “قصر الصنوبر” بعد اجتماعه بأقطاب الاحزاب اللبنانية وعشية المئوية الاولى لـ”لبنان الكبير” وبعد الغاء ماكرون لزيارته الثالثة في 22 كانون الاول الفائت بسبب اصابته بفيروس كورونا وامتناعه عن تحديد موعد جديد لعدم حصول خرق في الملف الحكومي اللبناني.
سيناقش لودريان بحسب الاوساط الفرنسية التي تحدثت الى موقعنا “الانسداد الحكومي والاصلاحات التي تأخرت، ولن يتجنب الحديث في عقوبات على شخصيات محددة” كما قالت الاوساط من دون ان تفصح عن تفاصيل اضافية تاركة المجال لتصريحات لودريان.
لمحة استعادية لتدرج مواقف لودريان من لبنان
منذ آذار الفائت، وجان-ايف لودريان يطلق التصاريح تلو الاخرى في ما يتعلق بالوضع الحكومي، ومن المهم استعراض ابرز مواقف الدبلوماسية الفرنسية منذ بداية السنة الحالية لأنها تبرز تدرج الموقف الفرنسي تصاعديا وصولا الى التلويح بعقوبات.
بعد 4 أيام من تنصيب الرئيس الاميركي جو بايدن رئيسا في الولايات المتحدة الأميركية وتحديدا في 24 كانون الثاني، اتصل به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتم الاتفاق على التعاون في ملفات المنطقة ومنها لبنان بحسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية. وتوطدت العلاقة الاميركية الفرنسية على عكس الفتور الذي مرّت به طيلة عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي وضع حلفائه الاوروبيين جانبا متفردا بالقرارات ومنها سياسة “الضغوط القصوى”.
في 1 شباط، نفخ ايمانويل ماكرون مجددا الروح بالمبادرة الفرنسية التي اطلقها من “قصر الصنوبر” إذ اتصل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون معيدا تفعيل خط الاتصال المباشر مع المسؤولين اللبنانيين اثر انقطاع اعقب مؤتمره الصحافي في ايلول 2020 والذي حمّل فيه المسؤولين اللبنانيين تبعة الانهيار الحاصل في لبنان ولم يوفر في نقده “حزب الله”.
يومها اصر ماكرون بحسب ما رشح على تشكيل حكومة لبنانية فورا ومن دون ابطاء.
بعد هذا الاتصال تكثفت الاتصالات وحركة الموفدين على أكثر من خط، سواء بين باريس وبيروت أو بين باريس والرياض، او باريس وطهران وباريس وموسكو التي زارها المبعوث الرئاسي الفرنسي السفير باتريك دوريل اقله مرتين، وكان ماكرون حاز دعم الولايات المتحدة الاميركية للمضي قدما في حل الازمة اللبنانية، بعيدا من سيف العقوبات الاميركية التي وقعت مرتين اثنين وكانت الحكومة على وشك التأليف سواء في حقبة تكليف السفير مصطفى اديب حيث طاولت العقوبات الوزيرين السابقين علي حسن الخليل ويوسف فنيانوس ، او في فترة تكليف سعد الحريري بحيث وقع سيف العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما عطل الاندفاعة الفرنسية.
في 4 شباط، اصدر وزيرا الخارجية الفرنسي والأميركي، جان إيف لودريان وأنتوني بلينكن، بيانا مشتركا عبّرا فيه ” عن دعم فرنسا والولايات المتحدة الكامل “الذي لا لبس فيه للشعب اللبناني”، ولفت لودريان وبلينكن إلى أنّ فرنسا والولايات المتحدة تتوقعان “نتائج سريعة في التحقيق في أسباب الانفجار”، مع تأكيدهما على “الحاجة الملحة والحيوية لأصحاب المصلحة اللبنانيين، للعمل بشكل نهائي على الالتزامات التي تعهدوا بها لتشكيل حكومة ذات مصداقية وفعالة، وتمهيد الطريق لتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.
في 11 شباط التقى الرئيس ماكرون الرئيس المكلف سعد الحريري في باريس ما ترك انطباعا عن أن المساعي الاقليمية والدولية الضاغطة قد تؤدي الى تعجيل تشكيل الحكومة. ما لبث ان تبدد هذا الانطباع بعد مرور شهر من هذه المساعي. ففي 11 آذار أطلق جان-ايف لودريان تصريحه الناري الاول اثناء اجتماعه مع نظرائه من مصر والاردن والمانيا فقال: “تتجاذبني مشاعر الحزن والغضب والأسى، إذ لا يمكننا أن نكون بدلاء للقوى السياسية اللبنانية التي لغاية اليوم هي مسؤولة عن عدم اسعاف البلاد وهي في خطر. لا يزال يوجد وقت للفعل، وغدا سيكون قد فات الأوان”. في 18 آذار اي بعد 6 ايام من تصريح لودريان اعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان فرنسا ستغير مقاربتها واساليبها تجاه الازمة اللبنانية.
في 22 آذار، جان-ايف لودريان يصرح أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف مكتوف الأيدي ولبنان ينهار، معربا عن إحباطه من الجهود الفاشلة لتشكيل الحكومة اللبنانية.
وأضاف: “فرنسا تتمنى أن نناقش قضية لبنان.. الدولة تنجرف بعيدا ومنقسمة.. عندما ينهار بلد ما، يجب أن تكون أوروبا مستعدة”.
ولم يلبث لودريان ان اصدر في 29 آذار الفائت بيانا صارما إثر تحركه على الصعيد الاوروبي حيث
طلبت فرنسا من المفوضية الاوروبية وضع تصور للازمة اللبنانية مع تلويح بوسائل جديدة لعلاج الازمة اللبنانية. وفي 29 آذار أصدر لودريان بيانا عالي النبرة مما جاء فيه
“إن التعطيل المتعمّد لأية رؤية للخروج من الازمة، وتحديدا من قبل بعض اللاعبين في النظام السياسي اللبناني، عبر طلبات طائشة ومن زمن ولى ينبغي أن تتوقف فورا. في هذا الخصوص”، ذكّر الوزير برؤيته الملتزم بها المتعلقة بمبادرته في الأسبوع المنصرم مع نظرائه الأوروبيين، بهدف التعرف الى أذرع التحكم الاوروبية من اجل زيادة الضغوط على المسؤولين عن هذا الجمود. |
في 1 نيسان الفائت اعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان “يتشاركان “الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات مصداقية في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة”. وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أنهما يعتبران أنّه لابدّ من حكومة “قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم بها القادة السياسيون اللبنانيون”، مشدداً على أنّ تشكيلها “شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد
في 7 نيسان تصريح ناري جديد تصريح ناري جديد لجان-ايف لودريان الذي كان يجيب عن سؤال للسيناتور برنارد فيالير اثناء جلسات استماع لمجلس الشيوخ الفرنسي حول الملف اللبناني ومما جاء فيه: “هذه الازمة ليست مرتبطة بكارثة طبيعية، بل لهذه الازمة مسؤولين محدّدين بشكل واضح، لأنه في مقابل هذا الوضع، فإن القوى السياسية اللبنانية ترفض الاتفاق حول تشكيل حكومة. إن فقدان البصر لديهم هو جريمة بعدم مساعدة بلد في خطر (…) وإذا لم يتحمل بعض المسؤولين اللبنانيين مسؤولياتهم، لن نتردد في تحمّل مسؤولياتنا، في هذا الخصوص” (…). في وفي 29 نيسان قال لودريان بأن “بلاده قررت مع شركائها الاوروبيين وضع قيود على دخول شخصيات لبنانية الى اراضيها”، وذلك اثناء مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره من مالطا إيفاريست بارتولو.
ووصف لودريان موقع لبنان الاستراتيجي في السياسة الخارجية الفرنسية فقال:” إنها قضية إقليمية إنها قضية متوسطية إنها مسألة أوروبية. إنك تعلم التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني وحقيقة أن القادة السياسيين يواصلون عرقلة تشكيل حكومة كفوءة قادرة على إصلاح البلاد” (…).
ولفت :”يجب أن يفهم المسؤولون عن الانسداد أننا لن نظل مكتوفي الأيدي. لقد بدأنا نقاشات مع شركائنا الأوروبيين حول الأدوات المتاحة لنا لزيادة الضغط على اللاعبين في النظام السياسي الذين يعرقلون ايجاد مخرج من الأزمة. وعلى الصعيد الوطني بدأنا في تنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد. ونحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية ضد كل من يعيق الخروج من الأزمة وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين”.
كان هذا التصريح الاخير قبل الاعلان عن زيارة لودريان الى لبنان اذلي يصله مساء الاربعاء، والتي من المتوقع ان يقول فيها كلاما علي النبرة، مع التذكير بأن وزراء الخارجية الاوروبيين يتشاورن لغاية اليوم في تصور مشترك لعقوبات على شخصيات لبنانية لن يكون من السهل التوافق عليها بين الدول الـ27 وخصوصا وأن عرقلة تشكيل حكومة لا يدخل في صلب فلسفة العقوبات الاوروبية التي غالبا ما تتبع قرارات أممية يتخذها مجلس الامن الدولي. إلا أن اوساطا فرنسية رفيعة قالت لـ”أساس” أنه “في حال تعذر وضع عقوبات اوروبية بسبب صعوبة الاجماع (وزير الخارجية المجري زار لبنان الاسبوع الفائت رافضا اية عقوبات على “التيار الوطني الحر” ورئيسه كونه اكبر حزب مسيحي)، فإن هذه العقوبات ستكون ثنائية عبر الدول الراغبة في فرضها وفي طليعتها فرنسا، ومن غير المؤكد لغاية اليوم إن كانت المانيا ستحذو حذوها”.
واذا كان الافرقاء اللبنانيون لا يأخذون العقوبات الفرنسية او الاوروبية لغاية اليوم على محمل الجدية (مثل تجميد ارصدة ومنع دخول الى الفضاء الاوروبي) فإن على هؤلاء التريث قليلا مع وزير خارجية هو لودريان سيستمر في موقعه أقله لغاية نيسان 2022 أي لغاية موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية وقد يستمر لفترة اطول في حال فوز ايمانويل ماكرون بولاية ثانية.
من هو لودريان: “تينور” يساري.. التحق بماكرون
كشف وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية جان-ايف لودريان بأنه وجّه أمس الاول رسالة مباشرة الى رئيسي الجمهورية والبرلمان ميشال عون ونبيه بري والى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري مفادها أن “الخروج من المأزق السياسي الموجود فيه البلد أمر لا يحتمل التأخير”.
كلام لودريان جاء في ختام زيارة له استمرت يوما كاملا وذلك ضمن إيجاز صحافي محدود وزّعت نصه السفارة الفرنسية في بيروت.
وأبرز ما جاء في كلام لودريان الذي استعرضنا في حلقة الامس سلسلة مواقفه منذ بداية السنة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآتي: “ألاحظ بأن اللاعبين السياسيين اللبنانيين لم يتحملوا مسؤوليتهم ولم يبدأوا بالعمل بجدية من اجل تصحيح سريع في البلد. إذا لم يتصرفوا منذ اليوم بوعي مسؤول، فعليهم تحمل تبعات هذا الفشل ونتائج انكار التعهدات التي اتخذوها هنا في الاول من ايلول الفائت أمام رئيس الجمهورية”.
ولفت لودريان:” نرفض ان نكون خاملين في مواجهة العرقلة، وأتحدث عن العرقلة، لذا بدأنا تطبيق تدابير تقييدية في ما يخص الدخول الى الاراضي الفرنسية ضد الشخصيات المسؤولة عن الانسداد السياسي القائم، او ضد شخصيات متورطة بالفساد. هذه هي مجرد بداية، اذا استمر الانسداد قائما يمكن تشديد هذه التدابير او تمديدها. كما يمكن استكمالها بأدوات الضغط المتاحة للاتحاد الأوروبي والتي بدأ التفكير بشأنها بالفعل مع شركائنا الأوروبيين. يجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم: نحن نتحمل مسؤوليتنا، الأمر متروك للمسؤولين اللبنانيين لتقرير ما إذا كانوا يريدون كسر الحصار الذي نظموه لأكثر من ثمانية أشهر. أنا مقتنع بأن ذلك ممكن. من الممكن إذا أرادوا ذلك. يمكنهم التصرف. الأمر متروك لهم للقيام بذلك”
من هو جان-إيف لودريان شاغل اللبنانيين وخصوصا منذ انفجار مرفأ بيروت بحيث يطلق بين الفينة والأخرى تصاريح نارية تجاه الطبقة السياسية اللبنانية؟
أتى لودريان من الحزب الاشتراكي الفرنسي، وانضمّ إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”، مجسّداً مسيرة جديدة يقودها الرئيس ماكرون، وكأنّه يعلن انهيار اليسار الفرنسي.
يقول عارفوه من دبلوماسيين عملوا تحت إدارته لـ”أساس” إنّه “مؤيّد مخلص للرئيس ماكرون إلى أقصى حدّ”، منبّهين إلى أنّ “ماكرون هو الرأس الحقيقي للدبلوماسية الفرنسية، ولا يلاقي في ذلك أيّ اعتراض من جان-إيف لودريان، الذي لم يكن يوماً على خلاف مع رئيسه، ويمتلك قدرة النقاش معه”.
عُرِف، بحسب مصدريْن دبلوماسيّين فرنسيّين تحدّثا إلى “أساس”، بتكريسه معظم وقته للشرق الأوسط، ويُحكى في الأوساط الدبلوماسية الفرنسية أنّ 70 في المئة من زياراته هي لهذه المنطقة من العالم منذ تولّيه الحقيبة الدبلوماسية عام 2017.
يوصف بأنّه “شخصيّة متواضعة، تحبّ البساطة، ومتعاطفة مع الآخرين. عُرِف بكونه وزير دفاع ناجحاً. وهو أقلّ ارتياحاً في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية. لا يتقن الوزير لودريان لغات أجنبية سوى الفرنسية، لكنّه يهوى العمل في السياسة الخارجية”.
كان لودريان معروفاً بإخلاصه الشديد للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، لكنّه قام بانعطافة في انتخابات فرنسا عام 2016، إذ قدّم النصح والمشورة سرّاً لِمَن كان لا يزال مرشّحاً رئاسياً في الظلّ، فوضع شبكة علاقاته في تصرّف المرشّح الشابّ والمغمور إيمانويل ماكرون.
كان مخلصاً لهولاند حتّى النهاية تقريباً، لكنّه واحد من أولئك الذين انضمّوا بسرعة إلى إيمانويل ماكرون الشابّ اللامع. ويعتبر “التينور” الوحيد من حكومة هولاند السابقة، الذي قرّر الانضمام إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”.
غادر مقر وزارة الدفاع في Hôtel de Brienne، حيث خدم خمسة أعوام متواصلة، منتقلاً إلى وزارة أوروبا والشؤون الخارجية عام 2017، ولمّا يزل فيها إلى اليوم.
وُلِد في منطقة “لوريان” عام 1947، وبدأ حياته المهنية ناشطاً في صفوف المنظمات الشبابية. ونال إجازة في التاريخ المعاصر، وعمل أستاذاً مساعداً في جامعة رين. ثمّ انضم إلى إحدى المنظمات الطالبية المسيحية، مشاركاً في ثورة أيّار من عام 1968.
بعد سماعه خطاباً للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، قرّر الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1974، وأصبح مستشاراً لبلدية لوريان للمرّة الأولى عام 1977.
تولّى منصبيْ نائب موربيهان (1978)، وعمدة لوريان (1981)، قبل أن ينضمّ إلى حكومة إديت كريسون وزيرَ دولةٍ لشؤون البحار عام 1991. عام 1998، عُيِّن مستشاراً إقليمياً لمنطقة بريطانيا الفرنسية، التي لن يغادرها أبداً. عام 2004، أصبح رئيس المجلس الإقليمي، واحتفظ بهذه الوظيفة حتّى أيّار من عام 2012 عندما عُيِّن وزيراً للدفاع.
كان مقرّباً جدّاً من فرانسوا هولاند، ومن أشدّ الأوفياء له. وهو أحد المؤسّسين، مع المحامي جان بيير مينارد وجاك ديلور، لمركز أبحاث ديموقراطية 2000، ثمّ نادي تيموي. واستمرّ مسانداً لفرانسوا هولاند على المستوييْن السياسي والخاصّ.
إنّه وزير دفاع ناجح، وأبرز المروِّجين لمشروع دفاعي أوروبي مشترك. هو متحفّظ، ولكنّه فعّال، هكذا يصفه عارفوه. نجح في ترسيخ نفسه في بيئة لا تعتبر الاشتراكية “فضيلة”. في خلال فترة ولايته، نال إجماع اليسار واليمين، ولا سيّما لأنّه دافع بشدّة عن ميزانية وزارة الدفاع، ومنح قوات الجيش الفرنسي الفرصة لإظهار خبرتها، وخصوصاً في إفريقيا. بعد 5 أعوام على ولايته، برزت ثمار أدائه الإيجابية: نجاح العمليات الفرنسية في مالي وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، صياغة كتاب جديد أبيض عن الدفاع والأمن القومي، وقرار قانون البرمجة العسكرية الجديد، وتعزيز الروابط مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، وزيادة ملموسة في مبيعات طائرات “رافال” والمعدّات العسكرية.
بعد هجمات تشرين الثاني الإرهابية، التي طاولت فرنسا عام 2015، كان لودريان المحرّض الرئيس على تفعيل بند التضامن الأوروبي، داعياً الأوروبيين إلى توحيد جهودهم الاستخبارية والسياسية. وله كلمة شهيرة في هذا المضمار، إذ قال: “لا تستطيع فرنسا أن تقوم بالمهمّات كلّها: أن تكون في منطقة الساحل، وأن تكون في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأن تكون في لبنان، وأن تتولّى التدخّل والردّ في بلاد الشام، بالإضافة إلى ضمان أمن التراب الوطني من قبل قوّاتها”.
أوروبيّاً، يُعتبر لودريان أبرز المروّجين لمشروع الدفاع الأوروبي المشترك. عام 2016، شجّع فرانسوا هولاند على خوض معركة من أجل ولاية ثانية، وما لبث أن دعم مانويل فالز في الانتخابات التمهيدية لليسار، لكن بعد فشل هاتين المحاولتين لصديقيْه رفض دعم بينوا هامون، مستبدلاً باليسار وزعمائه إيمانويل ماكرون، واثقاً به ثقة استثنائية ليجعل منه بطله في الانتخابات الرئاسية وحصانه الفائز.