مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تصوير عبّاس سلمان
تبقى سوريا الموقع الاستراتيجي الاول لروسيا في الشرق الاوسط لكن ذلك لا ينفي بأن للبنان مكانة مهمة لدى موسكو التي يعتبر المسؤولون فيها أن زعزعة الاستقرار اللبناني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يحمل في طياته بذور توترات امنية قد تتحول تهديدا مباشرا للجوار واقربه الداخل السوري.
انطلاقا من هاجس اعادة الامن والسلام الى مساحة كبرى من الجغرافيا السورية ينشأ الاهتمام الروسي بلبنان من هنا حفل شهري آذار ونيسان الفائتين بحركة مكوكية على خط بيروت موسكو: زيارة وفد لـ”حزب الله”، للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، لرئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل وسواها من الزيارات فضلا عن زيارة وفد اقتصادي روسي من شركات روسية يحمل اهدافا عدة ابرزها اعادة اعمار مرفأ بيروت. يحرص الروس على ابعاد لبنان من اي تدخل خارجي بمعنى ادارة الملف اللبناني من دولة خارجية وينحصر دروهم باللقاءات مع القيادات اللبنانية واقامة نقاشات بحسب القوانين والدستور من دون ممارسة ضغوط على اي طرف لبناني كما يقولون. يحبّذ الروس ان يتفق الافرقاء اللبنانيين بأسرع وقت على تشكيل حكومة، متمنين ان تسهم الزيارات الى موسكو بحلحلة الاوضاع.
من جهته، يقول السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف في أول حوار له مع الصحافة اللبنانية هو المعيّن في لبنان منذ 6 اشهر بأن “موسكو على يقين بأن افضل طريق هي التعاطي مع الامور على أساس المقاربة الشمولية”، لافتا الى ان ” استقرار لبنان يعتبر احد العناصر المهمة “للصحة الجيدة” التي يجب ان تسود على اراضيه وفي الشرق الاوسط ككل”. لم يعمل السفير روداكوف اثناء خدمته في وزارة الخارجية الروسية على الملف اللبناني وهو شخصية دبلوماسية بعيدة من الاعلام يحبذ العمل بصمت.
*تقوم روسيا بالكثير من الحراك السياسي وخصوصا بدعوتها لافرقاء لبنانيين الى موسكو منهم وفد “حزب الله” فضلا عن شخصيات سياسية، لماذا تعمد روسيا الى ذلك وخصوصا وأنها تجاهر بأنها لا تمتلك أية مبادرة خاصة بلبنان وخصوصا على الصعيد الحكومي؟
-تتطور العلاقات بين روسيا ولبنان تدريجيا وهي ترتكز الى الاحترام المتبادل ورغبة في تعزيز الروابط في مختلف المجالات لتحقيق المصلحة المشتركة. نحن تقليديا نمارس سياسة عدم التدخل في الشؤون السيادية اللبنانية ونعمد الى الحوار مع جميع القوى السياسية في البلد دون انحياز وبعيدا من التجاذبات. يمر لبنان حاليا بأزمة تعتبر الاصعب في تاريخه في ظل ازمة السلطة والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية. موسكو على يقين بأن افضل طريق هي التعاطي مع الامور على أساس المقاربة الشمولية. يعتبر استقرار لبنان احد العناصر المهمة “للصحة الجيدة” التي يجب ان تسود في داخل اراضيع وفي الشرق الاوسط ككل.
في هذا السياق تستخدم روسيا العلاقات الجيدة مع الاطراف اللبنانيين لتبادل الآراء بغية تقريب وجهات النظر كشرط لا بد منه لايجاد المخرج المحتمل من الظروف القاهرة الراهنة. ننطلق من قيمة التعاون الثنائي والاتصالات مع الجهات الرسمية و القوى السياسية في لبنان.
في رأينا انه من الضروري اليوم قبل الغد تشكيل الحكومة عن طريق التوافق الوطني واحترام توازن المصالح. نرجو أن يدرك السياسيون في لبنان درجة مسؤوليتهم وعمقها تجاه البلد والشعب اللبناني. بدون ذلك لا توجد فائدة من اية مبادرات اجنبية أو رهان على كسب عبر التوغل من الخارج. استقبلنا في موسكو وفد “حزب الله” وكان الحديث في الخارجية الروسية
وفي البرلمان الوطني مفتوح و تفصيلي. ناقشنا الوضع الداخلي في لبنان وفي سوريا والاقليم. كذلك هنالك زيارات اعلن عن بعضها لوفود من “التيار الوطني الحر” و”الحزب الديموقراطي اللبناني” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
*اسهمت روسيا بمساعدة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، هل بالإمكان اعطاء تفاصيل عن ذلك؟
-بعد تبلّغنا الخبر الرهيب عن الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، أمر رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في الساعة 8 صباحا (بتوقيت روسيا) تاريخ 5 آب الفائت بارسال الفريق الروسي من موظفي وزارة الحوادث الطارئة الى لبنان الصديق. وحطّ المشفى الميداني الروسي في المدينة الرياضية بالتنسيق مع الجانب اللبناني. وفي فترة ما عالج الاطباء الروس حوالي 575 شخصا بينهم 70 طفلا . وصل مع الطاقم الروسي (169 فردامع) المختبر المتنقل الذي لا مثيل له في العالم لغاية اليوم وأجري فيه الف فحص “بي سي آر” لفيروس كورونا. بالتزامن عمل الخبراء الروس في مجال الانقاذ في ساحة المرفأ المدمّر لـ 24 ساعة يوميا.
على الرغم كل الصعوبات الموجودة نحن لا نزال نكرر اهتمام موسكو في توطيد العلاقات. للأسف تجمّدت الحياة في النطاق العالمي بسبب انتشار جائحة كرونا. نشهد تراجعا في التواصل في انحاء العالم كله، لكن من الضروري الا ننسى ان الحياة ستعاود مجددا. ان حجم التبادل التجاري بين روسيا ولبنان كان في العام 2020 حوالي 320 مليون دولار (شهد انكماشا بنسبة 38 في المئة) وثمة رغبة متبادلة برجوع التجارة الى ذروتها و كانت في السنوات السابقة اكثر من مليار دولار بحسب تقييم الاجهزة الجمركية في روسيا.
في 15 من نيسان زار رئيس الوزراء المكلف سعد حريري العاصمة الروسية، وتم اثناء الزيارة الاتصال افتراضيا مع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين بالاضافة الى اللقاءات مع رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين ووزير الخارجية سيرجي لافروف. روسيا تلتزم بدعم السيادة و الاستقرار والوحدة في لبنان الشقيق. يطمئن الروس الى أن انفراجا يأتي دوما بعد المعاناة ما سيسمح بفتح آفاق جديدة.
ان السلطات الروسية والقطاع الخاص مستعدين لمساعدة لبنان عبر تحقيق المشاريع ذات الاهتمام المشترك والاستثمارات. نحدد مع الشركاء الاولويات وهي الصناعة والزراعة وقطاع الطاقة وتحديث البنى التحتية بما في ذلك المرافئ و الطرق. دعم لبنان في المجال الصحي مطلوب قبل كل شيء في اطار العملية الوطنية للتلقيح. وفي التنسيق مع وزارة الصحة العامة تمّ ابرام برامج تسمح بوصول اللقاح الروسي “سبوتنيك في” الى لبنان عبر القنوات الرسمية و الخاصة. نحن فخورون ان ينال هذا اللقاح ثقة شعوب العالم فضلا عن اللبنانيين.
*لا تزال الشركات الروسية مترددة في الاستثمار في لبنان، ما هي العوائق ولماذا لا نرى أي دور فعّال لمجلس رجال الاعمال اللبناني الروسي؟ وهل صحيح بأن الجانب اللبناني هو الذي يتقاعس عن تطوير العلاقة؟
-نحن نرحب بتنشيط اللجنة المشتركة المعنية بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين والدور الفعال لمجلس رجال الاعمال الروسي اللبناني. في الشهر الفائت تم تعيين رئيس الوكالة للمقاييس الفدرالية انتون شلاييف رئيسا للجانب الروسي في اللجنة المشتركة ونتمنى له النجاح في مهمته. بالحقيقة لا توجد اية حواجز او خلفيات مبطنة في التعامل التجاري. أما الاسباب فتعود الى قوانين السوق ومحورها “العرض والطلب”.
*هل من مشروع روسي لإعادة بناء مرفأ بيروت أم أن هذا المرفأ متروك للغرب؟
-وصل الى بيروت في 18 نيسان الفائت الوفد من الشركات الروسية واجرى مفاوضات مع وزراء الطاقة والاقتصاد والاشغال العامة وناقشوا المشاركة الروسية في اعمار مرفأ بيروت. كما تفقد الوفد بعض المناطق في لبنان لتقدير الامكانات الاستثمارية. موضوع اعادة البناء بالنسبة لنا خارج سياسة السؤال “لمن متروك الامر؟” غير صحيح اطلاقا لاننا نبذل جهودا للمساعدة وليس للمنافسة مع الاخرين.
*ماذا عن التعاون الثقافي بين لبنان وروسيا؟
-اودّ الاشارة الى التقدم الملموس في توسيع العلاقات الثقافية والدراسية والروحية بين البلدين. في كل عام يزداد عدد الطلاب القادمين الى روسيا للدراسة. وبعد تحسّن الوضع الصحي سنستمر بتنظيم المعارض لجامعات ومعاهد روسية في بيروت والمدن الاخرى. في لبنان يبدأ 700 شخص سنويا بتعلّم اللغة الروسية. في السنوات الاخيرة بمساعدة الاصدقاء في لبنان و المركز الثقافي الروسي في بيروت تم تأسيس 8 “بيوت ثقافية روسية” في مختلف المحافظات اللبنانية بما في ذلك في البترون وصور والنبطية. ونشكر الجالية الروسية وجمعيات الخريجين من الجامعات السوفياتية والروسية على الدعم المستمر.
من جهة ثانية، تولي الكنيسة الارثوذوكسية الروسية عناية للبنان كجزء من الاراضي المقدسة. نحن نقدّر مستوى العلاقات مع الكنيسة الانطاكية الارثوذوكسية. وفقا لقرار بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل وجهنا 1.5 مليون دولار لدعم مطرانية بيروت بعد انفجار آب. ويستمر تطوير التواصل مع الكنائس المسيحية الاخرى والاركان الاسلامية.
جدير بالذكر ان روسيا صوتت لصالح مشروع قرار الجمعية العامة للامم المتحدة عن انشاء منصة للتلاقي و الحوار الحضاري في لبنان.
*في الشمال أدّت عملية تلزيم شركة كابيتال الروسية لاستكشاف الغاز في البلوك رقم (1) السوري إلى خشية من الجهة اللبنانية على البلوكين رقم (1) و (2) من الجهة اللبنانية، حيث يتداخلان بحوالي750 كيلومترا مربعا. هل من الممكن ان تدخل روسيا بوساطة بين الطرفين؟ ولماذا قبلت روسيا العمل عبر شركتها في منطقة متنازع عليها؟
-مبدئيا جميع الاسئلة المطروحة في ما يخص ترسيم الحدود مع سوريا قابلة للتفاوض الرسمي الواضح النهج وبالشكل المباشر بين الطرفين.
*ماذا عن ملف النزوح السوري الى لبنان حيث يتمّ ربطه من قبل بعض الدول بالتسوية السياسة النهائية في سوريا؟
-في خضم المقاربات الروسية حيال سوريا توجد عدد من النقاط المركزية: مكافحة الارهاب الدولي و المحلي – استحالة الحل العسكري في سوريا حيث ان الحل السياسي لا بديل له– وقرار وتحديد مصير سوريا عن طريق حوار سوري- سوري بالاعتماد على قرار مجلس الامن الدولي 2254 حرفيا (بدون التفسير المسيس) – وطلب رفع العقوبات الاحادية الجانب والموجهة ضد الشعب السوري ككل وبداية اعادة الاعمار.
ننطلق من اهمية حل مشكلة النزوح السوري في الدول المجاورة و المبادرة الروسية المرتبطة بهذا الملف لا تزال موجودة على الطاولة. ونقترح تنظيم الدورة الثانية للمؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين الى ديارهم في بيروت ونراهن على دعم السلطات اللبنانية.