“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تتوّج زيارة وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية الى لبنان جان-ايف لودريان والتي انتهت اليوم نهاية المرحلة الاولى من المبادرة الفرنسية بصيغتها السياسية وادواتها الدبلوماسية وتعاونها مع القوى السياسية اللبنانية التقليدية التي اجتمع معها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 1 ايلول الفائت حول طاولة مستديرة في “قصر الصنوبر” مطلقا مبادرته التي أحالتها “المنظومة اللبنانية” رمادا.
اكتفى الفرنسيون من مرور 9 اشهر كاملة قبل ان يطلق وزير خارجيتهم جان-ايف لودريان مرحلة جديدة تتمثل بمواكبة لبنان “في المرحلة الانتقالية”، وهي العبارة السحرية التي تندرج في صلب زيارة لودريان معلنة خروج فرنسا من المتاهة اللبنانية، ومدشنة “المقاربة والأساليب الجديدة” التي تحدث عنها الرئيس إيمانويل ماكرون سابقا. اقتنع الفرنسيون أخيرا بأن الوساطة السياسية والدبلوماسية التي قادوها ارتطمت بحائط مسدود، فقرروا التعاون مع “القوى التغييرية اللبنانية” وخصوصا المولودة من رحم انتفاضة 17 تشرين الاول 2020، مع اضافة استثنائية لـ”حزب الكتائب” بعد ان لبس رئيس الكتائب سامي الجميل لبوس المجتمع المدني.
الثابتة الثانية التي بقيت من مبادرة ماكرون (غير التعاون مع القوى المدنية) تتمثل بأن “فرنسا لا تزال تصغي الى الشعب اللبناني وتقف الى جانب لبنان، ودعمها مستمر له”.
الانعطافة الفرنسية التي تظهرت بشكل ملموس إثر زيارة لودريان تتمثل باكتفائه بزيارة رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، وبلقاء وراء جدران “قصر الصنوبر” مع الرئيس المكلف سعد الحريري، في إشارة فرنسية لافتة.
جولة انسانية برسالة سياسية
تميزت زيارة لودريان بجولاته طيلة يوم أمس الخميس على مدارس وجمعيات اهلية ولقائه بقوى حية لبنانية: التقى مع عدد من النساء اللبنانيات “تعتبرن دينامو التغيير في لبنان”، زار منطقة برج حمّود حيث اجتمع مع فرق العمل في المركز الصحي “بولغورديان” الذي يحظى بدعم فرنسي ويوفر خدمات صحية لأكثر من 200 شخص، اجتمع بشركة “روسي غروب” ووقع مع ادارة مرفأ بيروت اتفاقية تعاون لإزالة ومعالجة حبيبات خلّفها انفجار المرفأ في 4 آب ولا تزال موجودة في الاهراءات، وجال لودريان في انحاء المرفأ وكانت فرنسا ساعدت الجيش اللبناني على إزالة الركام من انحائه. زار أيضا المكتبة الشرقية في “جامعة القديس يوسف” التي تأذت جراء انفجار 4 آب وكرر لودريان التزام فرنسا تجاه الارث الثقافي والأثري، وزار مؤسسة ” أليف” الثقافية”. كان ذلك بعد أن زار لودريان مدرسة راهبات القلبين الاقدسين في السيوفي مؤكدا دعم فرنسا للمدارس وللتلاميذ والمعلمين في لبنان”. وتقدم فرنسا دعمها المستمر لهذه المدارس “لتتمكن من التغلب على الازمة الراهنة ولكي تبقى دوما صرحا متميزا لصقل المواهب في لبنان” بحسب وزارة الخارجية الفرنسية. مع الاشارة الى أن “المساعدات التي قدمتها فرنسا للمدارس الفرنسية والفرنكوفونية منذ صيف العام 2020 تبلغ 20 مليون يورو”. وقد اكد الوزير الفرنسي في جولاته كلها “تضامن فرنسا في مجال التعليم والطبابة والآثار، ودعمها للبنانيين الذين يبذلون قصارى جهدهم من اجل بلدهم”.
3 رسائل فرنسية من المقاربة الجديدة
تكتسب هذه الجولة ابعادا سياسية قوية بحسب اوساط فرنسية واسعة الاطلاع واكبت جولة لودريان تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”، ” هذا دليل ان المسؤولين اللبنانيين غير قادرين على القيام بمسؤولياتهم الاساسية تجاه شعبهم، انهم يتقاعسون عن القيام بالأساسيات لكن فرنسا تثبت فعليا انها لن تتخلى عن شعب لبنان”.
هذه هي الرسالة الفرنسية الاولى من الجولة المذكورة. أما الرسالة الثانية فتنبثق من لقاء لودريان بعد ظهر امس الخميس فاعليات من المجتمع المدني اللبناني وايضا “حزب الكتائب” اللبنانية . “إنه حدث رئيسي يعني أن الوزير لودريان قرر الاجتماع مطولا مع حركات التغيير في لبنان، بطريقة أخرى هو يجسد المقاربة الفرنسية الجديدة وهي مواكبة قوى التغيير لانتقال سياسي جديد للبنان”.
بات لبنان في نظر الفرنسيين إذن في مرحلة انتقالية تغييرية، ما يعني تجميد المبادرة الفرنسية التقليدية واللجوء الى اساليب وادوات جديدة. ماذا عن العقوبات؟ تقول الاوساط الفرنسية الواسعة الاطلاع التي تحدثت لموقع “مصدر دبلوماسي”: “إن العقوبات هي كناية عن مسار، وبتنا نشهد بدايته، ستكون العقوبات فرنسية في البداية، لكنها ستتمدد والنقاشات مستمرة مع شركائنا الاوروبيين لكن الأمر سيكون على مراحل”.
ما هي الرسالة الثالثة في جولة ماكرون؟ تقول الاوساط المذكورة:” انها رسالة واضحة بانتهاء زمن الافلات من العقاب، إن الفاسدين الذين اوصلوا لبنان الى هذا الدّرك عليهم أن يعاقبوا وان يدفعوا ما عليهم للشعب اللبناني”. وهل من زيارة ثالثة الى لبنان للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟ تجيب الاوساط:” إنها ليست على جدول أعمال الرئيس”.