“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعتبر تقصي وقائع زيارة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الى الفاتيكان أمرا ضروريا، بعد أن اختلط حابل الوقائع البروتوكولية والدبلوماسية بنابل “البروباغاندا” السياسية وحملات “السوشال ميديا”، حيث وظّفت الزيارة في حرب محتدمة بين الرئاستين الاولى والثالثة.
لعلّ آخر ما تطمح اليه الدوائر الفاتيكانية المعروفة بدبلوماسيتها الصامتة والمتّزنة ان يتمّ اقحام قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس ضمن التجاذبات اللبنانية الصغيرة، وهذا أمر معروف لجميع من يتحاورون مع الفاتيكان من شخصيات لبنانية وسواها.
فقد طلب الرئيس المكلّف سعد الحريري زيارة الفاتيكان ولقاء قداسة البابا فرنسيس منذ أسابيع عدة عبر السفارة البابوية في لبنان التي يرأسها المونسينيور جوزف سبيتيري، ونال موعدا في 22 نيسان الجاري.
وسرعان ما تمّ استباق الزيارة التي وصفها فريق الحريري من اعلاميين بأنها “تاريخية” بخبر مفاده أن الفاتيكان استدعى الرئيس الحريري على عجل لزيارة الحبر الاعظم. وقد “رمي” هذا الخبر بعد زيارة قيل ايضا انها حدّدت لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مع الرئيس إيمانويل ماكرون في اوائل نيسان سرعان ما تبين بأنها فقاعة اعلامية. صدر هذا الخبر الذي ردّ الى الفاتيكان في وقت كانت الدوائر الفاتيكانية مغلقة نظرا الى عطلة عيد الفصح.
وتشير أوساط واسعة الاطلاع على تفاصيل الزيارة، تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” رافضة الكشف عن هويّتها بأن “الدوائر الفاتيكانية استقبلت الحريري ضمن ترتيبات بروتوكولية تعبتر الحدّ الادنى من اللياقة لرئيس حكومة مكلّفا وليس أصيلا”. ولفتت الاوساط:” الى أن قداسة البابا يستقبل عادة شخصيات غير رسمية وسبق على سبيل المثال ان تم استقبال رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون من قبل البابا الراحل يوحنا بولس الثاني فيما لم يكن بعد في موقع رسمي”.
بناء على رواية الاوساط الوثيقة الصلة بالجو الفاتيكاني فلا صلة لا من قريب ولا من بعيد لزيارة الحريري بالتجاذبات السياسية الداخلية الموجودة في لبنان لأن “الفاتيكان لا يعتبر نفسه طرفا في الاصطفافات السياسية القائمة في لبنان، ولا يرى نفسه في موقع الوسيط وليست له اية مصالح في لبنان على غرار دول اخرى، بل إن الهمّ الوحيد الذي يعبّر عنه قداسة البابا فرنسيس في لقاءاته كلها يتمثل بكيفية مساعدة لبنان على الخروج من ازمته وسبل تخفيف معاناة اللبنانيين، والبحث عن الاجراءات الآيلة الى هذا الهدف سواء أكانت عبر تشكيل حكومة – بغض النظر ممن تتكون او من يكون رئيسها- او عبر القيام بإصلاحات تم الحديث عنها في الاجتماع الموسع مع (الكاردينال بارولين والمطران غالاغير) لكن دون التطرق الى الحصص او الى تفاصيل مثل الثلث المعطل وسواها. فهذه التفاصيل لا تعني الفاتيكان وكذلك الاصطفافات وسياسة المحاور والمسؤولين الفاتيكانيين ليسوا معنيين بها إذ لا غاية لهم سوى وقف انهيار البلد”.
للتذكير بأن قداسة البابا وجّه بتقديم مساعدات للبنان قبل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت وبعده، في هذا السياق يقول سفير لبنان في الفاتيكان فريد الخازن في حوار نشرته الوكالة الوطنية للاعلام في 16 نيسان الجاري:” البداية كانت تبرّعا شخصيا قام به البابا فرنسيس الى لبنان، فضلا عن مساعدات مادية وعينية متواصلة الى مؤسسات وجمعيات تعمل في المجال الانساني، وخصوصا كاريتاس. وفي الآونة الأخيرة تمّ ارسال كمية من الأدوية الطبية الى لبنان بمسعى قمت به مع الهيئات المعنية في الكرسي الرسولي بعد فقدان بعض الادوية او ارتفاع اسعارها. وكان سبق ذلك تشكيل لجان لمتابعة الاوضاع التربوية والانسانية في البلاد بالتعاون مع القاصد الرسولي المنوسينيور جوزف سبيتيري”.
هذا التصريح للخازن يتقاطع مع ما تقوله الاوساط التي تحدثت الى موقعنا من حيث اهتمام الفاتيكان بمساعدة اللبنانيين جميعهم وبفئاتهم كلها للخروج من الازمات الكبرى”.
انطلاقا من ثابتة فاتيكانية إذن بأن الفاتيكان ليس طرفا في التجاذبات اللبنانية والمعادلات والتسويات كانت اللقاءات.
اجتمع الحريري في 22 الجاري لمدة نصف ساعة في خلوة مع قداسة البابا فرنسيس في مكتبه، “وغالبا ما يحكي البابا في لقاءات مماثلة بأمور مبدئية، ويصغي لما عند الضيف من افكار”. وبالسؤال عن طريقة الجلوس في الاجتماع حيث ظهر الرئيس الحريري مباشرة مقابل البابا بلا حواجز بينهما (كالمكتب مثلا، اعتبرت الاوساط “بأن هذا الأمر يحدث دوما، وهو من ضمن البروتوكول الفاتيكاني ولا شيء استثنائيا في الصورة”.
بعد انتهاء اللقاء، انتقل الحريري وفريق عمله المؤلف من غطاس خوري وباسم الشاب الى اجتماع في غرفة جانبية مجاورة لمكتب البابا مع أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وأمين سر الدولة للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير حيث استمر الاجتماع قرابة الساعة، وتم الحديث فيه عن الوضع اللبناني بتفاصيل أكثر: الحكومة، الاصلاحات، الوضع الاقليمي، المبادرة الفرنسية. وتشير الاوساط:” لقد طرحت هذه المواضيع كلها وحصل نقاش حولها دون ان يتخذ الفاتيكان موقفا محددا من أي منها كي لا يبدو طرفا وانتهى اللقاء الذي كانت تغطيته مقتصرة على الاعلام الفاتيكاني الرسمي ولم يحضر الوفد الاعلامي اللبناني الكبير أيا من هذه الاجتماعات”.
بعد انتهاء هذا الاجتماع، قال الناطق الرسمي بإسم الفاتيكان ماتيو بروني بحسب ما نقل موقع “فاتيكان نيوز”:”ان اللقاء (بين البابا والحريري) استمر 30 دقيقة”. وقال بروني:
” “لقد رغب البابا في التأكيد مجددًا على قربه من شعب لبنان الذي يمر بلحظات من الصعوبة الشديدة وعدم اليقين مذكرا بمسؤولية جميع القوى السياسية في الالتزام بشكل عاجل بما يعود بالمنفعة على الوطن”.
واضاف بروني العبارة الشهيرة التي حوّرها بعض الاعلام اللبناني الى أن البابا قال بأنه سيزور لبنان فور تشكيل الحكومة او انه عمد الى اقتطاعها كليا، قال بروني حرفيا:
“إن البابا فرنسيس أكد من جديد رغبته في زيارة البلاد بمجرد أن تكون الظروف مؤاتية”.
هذا الاجتزاء من هذه العبارة او تحويرها لاقحامها في التجاذبات الحكومية الداخلية لم تعجب الناطق الرسمي للفاتيكان ولا المسؤولين فيه الذين عبّروا عن استيائهم لدى دوائر لبنانية معنية بحسب ما قالت لموقعنا الاوساط ذي الاطلاع الوافي على مناخ الدوائر الفاتيكانية.
وقال بروني ايضا بأن البابا ” يأمل بأن يجسّد لبنان بمساعدة المجتمع الدولي مرة أخرى مقولة “أرض الأرز والتنوع” الذي يتيح الانتقال من الضعف إلى القوة في شعب عظيم متصالح ، وذلك بدعوته إلى أن تكون أرض لبنان هي ارض اللقاء والتعايش والتعددية”.
بطبيعة الحال، انتهى اللقاء الرسمي هنا. بعدها، دعا الرئيس المكلف الوفد الاعلامي المرافق الى دردشة صحافية باتت وقائعها معروفة حيث كانت معظم الاسئلة والاجوبة مستوحاة من شدّ الحبال اليومي في لبنان وهذا لم يكن محط ترحيب فاتيكاني بحسب ما نقل الينا اكثر من مصدر، ويفضل الفاتيكان “اعتماد التصريح الرسمي الصادر من قبله كتعبير عن مناخ الزيارة”.
في سياق متصل تشير الاوساط التي تحدثت الى موقعنا الى أنه تم التطرق الى زيارة عتيدة لمسؤول فاتيكاني رفيع الى لبنان لم تحدّد بعد. وتضيف:” ان اختصار الموقف الفاتيكاني يمكن تحديده بالبحث عن كيفية انتشال لبنان من الازمة الواقع فيها عبر وضع مداميك الحل من حكومة واصلاحات وكل ما يمكنه وضع قطار الدولة على السكة الصحيحة، بعيدا من التجاذبات الداخلية”.