“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تسجّل زيارة وكيل وزير الخارجية الاميركي ديفيد هيل الى لبنان لثلاثة ايام بداية عصر “البايدنية” إذا صحّ التعبير في مقابل نهاية عصر “الترامبية” التي كانت لا تزال سياستها المتشددة تحكم لبنان لغاية زيارة هيل الاخيرة.
منذ تسلّم الرئيس جو بايدن الرئاسة الاميركية في كانون الثاني الماضي وتعيينه أنطوني بلينكن وزيرا للخارجية إستبشر اللبنانيون بتغيّر ما سيحصل في السياسة الخارجية الاميركية تجاه بلدهم. هذا الامر كان حقيقيا لكن لم يكن من الممكن ان يكون سريعا. فالرئيس جو بايدن أتى بأولويات مختلفة عن تلك التي حملها ترامب: أولها تحصين الاقتصاد الاميركي وايجاد فرص عمل للأميركيين وحماية الامن القومي الاميركي، ثانيها التوجه نحو اولويات مختلفة نحو اوراسيا والصين واليابان في حين بقي الملف النووي الايراني الاولوية الوحيدة في الشرق الاوسط نظرا لانعكاسه على الأمن الخليجي والاقتصاد الدولي وعلى أمن اسرائيل بطبيعة الحال. وفي الشرق الاوسط يستمر بايدن بانتهاج سياسة الحد الادنى من الاهتمام وهي استكمال لسياسة باراك اوباما، لكنه يستمر بسياسة انتهجها ايضا دونالد ترامب الا وهي الانسحاب التدريجي من هذه المنطقة من العالم والدخول بتسويات فيها سواء مع الشركاء او الخصوم.
بطبيعة الحال، وإذا كان الشرق الأوسط برمّته لا يحظى بأولوية أميركية فلن يكون لبنان وأزمته الاقتصادية والمالية والانسداد السياسي فيه أمرا طارئا للاميركيين، من هنا ومنذ بداية السنة كان لبنان لا يزال يعيش “عصر ترامب” اي سياسة الضغوط القصوى المتأتية من تجميد أية مساعدة دولية للبنان ومنعه من الافادة من الاوكسيجين الاقليمي الذي تؤمنه له الجغرافيا مع سوريا والعراق، وذلك لسبب بسيط قد لا يخطر على بال وهو عدم تعيين موظفين جدد في وزارة الخارجية الاميركية يضعون خططا جديدة لبلدان مثل لبنان، وبالتالي استمرار سياسة الموظفين القدماء الذين وضعهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو وادارة ترامب وآخرهم ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى. بالأمس فقط قررت ادارة جو بايدن وانطوني بلينكن تعيين بديل لشينكر هي بابرا أ ليف وهي ابنة الادارة الاميركية على عكس شينكر الذي عيّن تعيينا سياسيا (أي من خارج الملاك الدبلوماسي).
قبل العودة الى رسائل هيل والانعطافة الاميركية القادمة تجاه لبنان بفعل تعيين فريق عمل جديد بأفكار مختلفة، من المفيد التعريف بليف وهي تشغل حاليا (قبل تعيينها الجديد) منصب المساعد الخاص للرئيس والمدير الاعلى للشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجلس الامن القومي. قبلها، كانت باحثة في “معهد واشنطن” للدراسات، وقبلها كانت سفيرة لبلادها في الامارات العربية المتحدة، ونائبة مساعد وزير الخارجية للجزيرة العربية ومكتب شؤون الشرق الادنى، ونائبة مساعد الوزير لدولة العراق في وزارة الخارجية الاميركية. ليف هي التي قادت فريق اعادة الاعمار في البصرة، وشغلت منصب مدير مكتب الشؤون الايرانية في وزارة الخارجية الاميركية. خدمت ليف بلادها ايضا في روما وسراييفو وباريس والقاهرة وتونس والقدس وبورت او برنس. تتكلم باربرا ليف العربية بطلاقة كذلك الفرنسية والايطالية والصربية -الكرواتية.
بالعودة الى رسائل ديفيد هيل الذي يرجح من التقوه في لبنان انه سيغادر منصبه كوكيل لوزير الخارجية للشؤون السياسية من غير التأكد بعد إن كان سيبقى في منصب جديد في وزارة الخارجية الاميركية (يبقى له 15 عاما) أم أنه قرّر العمل مع القطاع الخاص. بعيدا من هذا التفصيل، فلا خليفة لديفيد هيل لغاية الآن مع اسماء متعددة مرشحة. لكن المراقبين الغربيين يتوقفون عند البيان الذي أدلى به هيل بعد خروجه من الاجتماع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيث توقفوا عند بضعة نقاط:
*حتمية الاصلاح الذي سيأتي بالدعم والاستمرار بسياسة العقوبات: قال حرفيا:” الأوان لم يفت بعد. لطالما طالبنا قادة لبنان بإبداء مرونة كافية وتشكيل حكومة مستعدّة وقادرة على العمل على عكس مسار الانهيار الجاري. لقد حان الوقت الآن لتشكيل حكومة وليس عرقلة قيامها، الآن هو وقت الإصلاح الشامل. فأميركا والمجتمع الدولي هم على استعداد للمساعدة. لكن لا يمكن المساعدة دون الشريك اللبناني. وأولئك الذين يواصلون عرقلة تقدّم أجندة الإصلاح، يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة وشركائها ويعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية. أما الذين يعملون على تسهيل التقدّم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي”.
*عدم تحميل حزب الله كما ادارة ترامب مسؤولية كافة الشرور بل ربطه بايران واعمالها في المنطقة، ثم وفي الفقرة التالية لانتقاد حزب الله سرعان ما اثار هيل التسوية التي يتم العمل عليها مع ايران حول انشاء بيئة امنية جديدة ضمن حوار اقليمي يدور في المنطقة سيكون حزب الله وادواره من ضمنه بحسب قراءة اوساط سياسية غربية واسعة الاطلاع. قال حرفيا: “إن تكديس حزب الله للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذّي وتموّل هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية”. أضاف في الفقرة التالية:” هذا يأخذني إلى موضوع تجديد المفاوضات الأميركية حول برنامج إيران النووي. إن العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي مع إيران تصبّ في مصلحتنا وفي مصلحة الاستقرار الإقليمي، لكنها لن تكون سوى بداية عملنا. فيما نتطرّق إلى العناصر الأخرى لسلوك إيران المزعزع للاستقرار، لن تتخلى أميركا عن مصالحها وأصدقائها في لبنان”.
*عدم انتقاد هيل مطالبة لبنان بحقوقه الكاملة والقصوى في المنطقة الاقتصادية الخالصة المتداخلة مع تلك التي لإسرائيل بالرغم من مجاهرة هيل، وهذا هو موقف الاداراة الاميركية بضرورة العودة الى ما اتفق عليه في بدايات التفاوض من دون تحديد أية نقطة تاركا غموضا بنّاء في هذا السياق. وتشير الاوساط الغربية التي تابعت زيارة هيل لموقع “مصدر دبلوماسي“:” صحيح أن الولايات المتحدة الاميركية لن تكون متحمسة لكي تقضم حقل كاريش لصالح لبنان، لكنها بالتأكيد تحترم مطالبة لبنان بحقوقه القصوى وعدم اكتفائه بالمطالبات الادنى لحقوقه، مع ترجيح أن تتم تسوية قد تعيد للبنان كامل الـ860 كلم مربع بحسب الخط 23 وليس جزءا منها، هذا الامر لم يحسم بعد لكنه قابل للتحقيق لان أي خبراء أميركيين ستتم الاستعانة بهم سيكتشفون بان خرائط الجيش اللبنانية دقيقة وأن المساحة التي سينطلق منها لبنان ليست 860 كلم بل بإضافة 1430 كلم مربع وهو ايضا ما حكى عنه تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني”. أما قاله هيل في هذا الشأن فهو الآتي: ”
” أود، كما فعلت اليوم، أن أعيد القول أن أميركا تقف على أهبة الاستعداد لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات. هذه المفاوضات لديها امكانية فتح الابواب امام فوائد اقتصادية كبيرة للبنان، وهذا أمر بالغ الأهمية على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد. ويمكن، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة في اطلاعنا جميعا”.