“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تمكّن لبنان مرّة جديدة بتعقيداته الداخلية من ارباك دول كبرى ذات صلة بالحوادث السياسية الدائرة فيه فبعد فرنسا المعلّق مصير مبادرتها تجاه لبنان على حبل خلافات الصلاحيات بين الرئاستين الاولى والثالثة ومصير التحقيق الجنائي ها هي طهران ايضا تجد صعوبة في فكّ شيفرات الازمة الحكومية المستمرة منذ اشهر.
لعلّ المهم في المقاربة الايرانية للبنان انها تنطلق من رغبة قوية بالحفاظ على استقرار لبنان وبعدم حصر علاقتها بحزب الله فحسب وبمدى الليونة التي تقارب فيها سلوك جهات لبنانية مخاصمة لها وروح التوافق التي تحملها حيال أي سوء فهم يحصل كما مع البطريرك الماروني بشارة الراعي. لكن أكثر ما يدهش المسؤولين الايرانيين الذين يتعاطون في الملف اللبناني ذاك الربط اللبناني بين استحقاقات تتعلق بايران حصرا مع الملف الحكومي اللبناني وآخر وجوهه ربط محادثات اللجنة المشتركة الايرانية مع مجموعة الـ4 زائد واحد بفكفكة عقد الحكومة اللبنانية! وتتمنى اوساط واسعة الاطلاع على المناخ الايراني تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” ألا يتمّ ربط مصير الحكومة اللبنانية بنتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية العتيدة.
ويتوقف الايرانيون مليا ايضا عند مقاربة بعض الاعلام اللبناني للعلاقة مع ايران، ولصق مواقف لمسؤوليها أقلّ ما يقال فيها انها بعيدة من الواقع كأن يقال مثلا بأن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف صرح ابان لقائه بنظيره الروسي سيرغي لافروف في زيارة لموسكو بأن طهران هي مع الثلث المعطّل في الحكومة اللبنانية!
في هذا السياق، تقول الاوساط المذكورة بأن طهران لا تتدخّل في هذه التفاصيل في مقاربتها للملف اللبناني، ورؤية ايران للبنان لم تتغير وهي مبنية على قواعد سياستها الخارجية المستندة الى احترام موازين القوى ورأي الشعوب في المنطقة، وليست ايران بوارد التعليق على التفاصيل اللبنانية نهائيا، ويمكن الرهان على ذلك. يؤيد الايرانيون المبادرة الفرنسية، لكن ذلك لا يعني ايضا دخولهم بالتفاصيل على غرار الفرنسيين، صحيح بأن موفد الرئيس الفرنسي السفير بيير دوكين زار طهران اقله مرتين لكن الموضوعات التي بين الدولتين تتجاوز لبنان باشواط بدءا بالملف النووي والدور الاوروبي وصولا الى مشاكل المنطقة ولا معلومات اذا تطرقت اللقاءات الى الملف اللبناني. في هذا الاطار تعلق الاوساط ذات الاطلاع الوافي على المناخ الايراني على المبادرة الفرنسية بقولها: “إن قضية فرنسا ليست مع اطراف دولية بل ان قضيتها هي مع الاطراف الداخليين”. وتتساءل الاوساط: “شو فيها تعمل ايران؟ حتى الرؤية لديها لم تعد واضحة بسبب كثرة الخلافات الداخلية اللبنانية”.
تحرص الاوساط على التأكيد بأن لا علاقة بين اجتماعات اللجنة المشتركة في فيينا والتي ستستمر عبر مجموعتي عمل جديدتين حول الملف النووي باالملف اللبناني. فإذا طرح السؤال على الفرنسيين والبريطانيين يأتي الجواب بأنها مفاوضات بحت تقنية وهي معقدة جدا ولا مجال فيها للحديث عن ملف آخر. وتشير الاوساط المذكورة بأن توسعة الملف النووي الايراني ليشمل ملفات اخرى في المنطقة امر غير وارد لدى طهران، ايران ترفضه كليا وقد صرّح بذلك اكثر من مسؤولي ايراني: لا علاقة بين النووي ومواضيع المنطقة. لكن، اذا كانت طهران تؤيد المبادرة الفرنسية لانها تطالب بالوصول الى نتائج بين الافرقاء اللبنانيين فهل تترك التفاصيل لممثلها في لبنان أي حزب الله؟
تشير الاوساط المذكورة بأن حزب الله ليس ممثلا لإيران، “هذا ليس صحيحا، إن لبنان هو قضية مهمة لعدة اطراف في المنطقة وايران احداها، وتعتقد هذه الاطراف أن اي طريقة لحل المشكلة في لبنان تكمن في التفاوض بين الاطراف الداخليين وليس دور ايران الدخول في التفاصيل، فإيران تثق بالمجتمع اللبناني ككل وليس بحزب الله فحسب، ما يهمها هو الاستقرار الاقتصادي والمالي والامني، ولا يهمها من سيكون رئيس الحكومة”.
تنطلق اهمية الاستقرار من اعتقاد ايران بأن زعزعته في لبنان لن يصبّ في صالح المنطقة ولن تكون له حدود وقد ينتشر في العالم. التدخل العسكري والامني الايراني كان واضحا في محاربة الجماعات التكفيرية واسرائيل وهذا ما لا ينفيه المسؤولون الايرانيون، لكن تقديم يد المساعدة للبنان اقتصاديا لم يصل الى خواتيمه بسبب تمنّع الجانب اللبناني. فقد عرضت ايران المساعدة عبر شركاتها في ملف الكهرباء عبر اعادة بناء معامل الطاقة، او تقديم مواد غذائية وتسهيلات بالدفع وخصوصا في موضوع توفير المحروقات وقد اثار السفير الايراني محمد جلال فيروزنيا هذه الاقتراحات مع الجهات الرسمية اللبنانية، وقد اضاء على ذلك امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطب عدة لكن لم يتم القبول من الجانب اللبناني. لا تزال العروض الايرانية قائمة وخصوصا لجهة توفير البنزين. تتفهم ايران وجود عقوبات اميركية لذا لا ترغب باية ضغوط على لبنان ولا تريد فرض التعاون فهي تحترم قرار لبنان وسيادته، وتدرك مدى الضغوط الاميركية لمنع لبنان من تسلم هبات ومنها من روسيا ايضا، وبالرؤية الايرانية أن الولايات المتحدة الاميركية ترى في لبنان مكانا للضغط على الآخرين، أما الايرانيين والروس فليسوا بصدد الافادة من لبنان كورقة لكن الاميركي يتصرف في لبنان كزعيم بحسب الاوساط المذكورة.
لعل العلاقة مع بكركي هي خير دليل على الليونة الايرنية في مقاربة الداخل اللبناني، فالتجاذب الذي حصل على خلفية مقدمة نارية من قناة العالم الايرانية على خلفية طروحات البطريرك الماروني حول الحياد وعقد مؤتمر دولي حول لبناني تعدّها ايران خطأ اقترفه شخص ورفضت ايران ذلك وطلبت من قناة العالم معالجة الامر ولا يرتبط الامر بأي موقف رسمي ايراني. وتشير الاوساط ذات الاطلاع على الموقف الايراني بأن ايران تحترم الرموز الدينية كلها في العالم اجمع وليس في لبنان فحسب، وهذه الرموز هي خط احمر بالنسبة اليها بغض النظر عما يقوله هذا الرمز او ذاك. ولدى البطريرك الراعي احترام كبير، وقد زاره اخيرا وفد ديني ايراني غير سياسي للتعبير عن موقف ايران في التقريب بين الاديان، وكان لقاء علمائيا بكل معنى الكلمة. وتشير الاوساط الى وجود احترام متبادل مع البطريرك الراعي. اما الهتافات التي انطلقت ضد ايران من الصرح البطريركي فتدرجها الاوساط ضمن رغبة بعض الافرقاء بدق الاسفين بين ايران والصرح البطريركي وهذا ليس متاحا، “هؤلاء الافرقاء لديهم توجهات قديمة في هذا الشأن، ومن يخطفون الدبلوماسيين الايرانيين الاربعة ليس مستغربا ان تكون لديهم توجهات لتخريب العلاقة بين لبنان وايران، وهم يمكنهم ان يطلقوا هتافاتهم من اي مكان في لبنان ولا دخل للبطريرك ولا للمجتمع المسيحي بهم”. وتضيف ان “علاقة طهران بالبطريرك الماروني وبمختلف الرموز الدينية واضحة وشفافة”.
اين يقع لبنان في الاجندة الايرانية؟ تقول الاوساط المذكورة لا يوجد توجه ايراني معين حيال لبنان وهذا السؤال ينبغي ان تجيب عليه الجهات التي تريد ربط الملف اللبناني بمواضيع المنطقة كما اليمن او مفاوضات فيينا او سواها. ترفض ايران قطعا ربط ملفات لبنان باليمن او بالملف النووي والمنطقة. وتختم الاوساط بقولها: “يريد الاميركيون توسيع الاتفاق النووي وايران ترفض ذلك كليا”.