مصدر دبلوماسي- مارلين خليفة:
تستعدّ الدول الـ27 للاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين بارزين بحسب اوساط دبلوماسية اوروبية بارزة، وذلك بناء على دعوة فرنسا التي اعلنها وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان الاسبوع الماضي والتي تحدث فيها امام نظرائه في الاتحاد الاوروبي عن ضرورة ايجاد “وسائل” لمساعدة لبنان على تشكيل حكومة.
صحيح بأن عبارة العقوبات لم يتم استخدامها في اروقة الاتحاد الاوروبي الاسبوع الفائت بحسب اوساط دبلوماسية لبنانية متابعة، لكنها عبارة متداولة على صعيد واسع على المستويين الفرنسي والأوروبي على حد سواء وكذلك بين سفراء الدول العربية الفاعلة في الملف اللبناني، وفي مقدّمتها المملكة العربية السعودية التي تندرج حركة سفيرها في لبنان وليد البخاري (كذلك حركة السفراء الآخرين) في سياق ملاقاة الاوروبيين والاميركيين في منتصف الطريق مع عدم تبيان كيفية فرض اية عقوبات عربية لغاية اليوم وهل ستكون على صعيد جامعة الدول العربية أم على صعيد دول عربية محددة، علما بأن فرنسا تنسق في الملف اللبناني بشكل وثيق مع روسيا التي تؤيد المبادرة الفرنسية، وكذلك مع مصر والامارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الاميركية بطبيعة الحال.
في حين تقود المملكة العربية السعودية دبلوماسيتها الخاصة غير بعيدة من مناخ العقوبات الاوروبية القادمة، وسط اعادة تموضع متجددة في الملف اللبناني ربطا بالتطورات الاقليمية الحاصلة، حيث تعمل السعودية على احتواء ايران في اكثر من بلد سواء في اليمن حيث قدّمت مبادرة للسلام برعاية الامم المتحدة أو في لبنان حيث تنشّط دبلوماسيتها تحضيرا لأي تطور طارئ في الملف اللبناني، علما بأن الانكفاء السعودي الشكلي عن الملف اللبناني يقابله عمليا خوض سعودي عميق في مقاربة الازمة اللبنانية ومحاولة معالجتها انطلاقا من المصالح الاستراتيجية السعودية عبر بتر أذرع ايران وخصوصا حزب الله في لبنان ومنعه من المشاركة في اية حكومة مقبلة.
يحظى الملف اللبناني حاليا باهتمام غير مسبوق دوليا ليس خوفا على الشعب اللبناني من المجاعة او خوفا من زوال لبنان بل خشية أن يتحوّل اي اضطراب أمني في هذا البلد الى سلك ناقل سواء للبلدان العربية أو الاوروبية، وكذلك لتأثير ذلك على أمن اسرائيل كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الاسرائيلي روفن ريفلين في 18 الجاري حيث قال حرفيا ومن دون مواربة:” من بين مختلف الازمات التي تؤثر على اسرائيل يوجد لبنان الذي ذكرته، ويجب علينا بذل كل الجهود اللازمة لتجنب انهيار البلد، وبالتالي تسريع تشكيل حكومة والاصلاحات الضرورية”. هنا ينبغي الاشارة الى ان اوساطا دبلوماسية روسية تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” اشارت بدورها الى خشية روسية من تأثير اية زعزعة للامن في لبنان على دول الاقليم وفي مقدمتها سوريا.
وقبل التطرق الى اشكال اية عقوبات اوروبية من المفيد التذكير بالموقف الفرنسي المتدرج حيال الجمود الحاصل في الملف الحكومي والذي تظهّر بقوة في هذا الشهر:
في 11 الجاري أطلق وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان تصريحا ناريا أثناء اجتماعه مع نظرائه من مصر والاردن والمانيا حول عملية السلام مما جاء فيه “تتجاذبني مشاعر الحزن والغضب والأسى، إذ لا يمكننا أن نكون بدلاء للقوى السياسية اللبنانية التي لغاية اليوم هي مسؤولة عن عدم اسعاف البلاد وهي في خطر. لا يزال يوجد وقت للفعل، وغدا سيكون قد فات الأوان”.
في 17 آذار اعلن مصدر دبلوماسي فرنسي انه “على الاوروبيين والأميركيين زيادة الضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية لتشكيل حكومة جديدة وقد يتم ذلك ايضا من خلال عقوبات”. وصرح الدبلوماسي لصحافيين :” يجب زيادة الضغط الى حد كبير على القادة السياسيين. سيكون هذا عمل الأسابيع المقبلة”. واضاف: لن نتحرك بمفردنا لكن مع شركائنا الأوروبيين ومع الأميركيين”.
في 18 آذار واثناء مؤتمر صحافي مشترك في الايليزيه مع نظيره الاسرائيلي قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون: نحن مقتنعون بأن الوقت المخصص لامتحان مدى تحمل المسؤولية قد نفذ، ويترتب علينا في الاسابيع المقبلة وبطريقة واضحة، تغيير المقاربة بلا أدنى شك، والأساليب، لأنه لا يمكننا ترك الشعب اللبناني منذ آب الفائت في الوضع الموجود فيه. بشكل أشمل، يجب علينا العمل سويا من اجل ايجاد أجوبة لمسائل الامن المقبلة في دول المنطقة. من بين مختلف الازمات التي تؤثر على اسرائيل يوجد لبنان الذي ذكرته، ويجب علينا بذل كل الجهود اللازمة لتجنب انهيار البلد، وبالتالي تسريع تشكيل حكومة والاصلاحات الضرورية”.
في 22 آذار طلب وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان من نظرائه في الاتحاد الأوروبي النظر في سبل مساعدة لبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، معربا عن إحباطه من فشل الجهود لتشكيل حكومة لبنانية جديدة حتى الآن.
في 29 آذار بيان حاد اللهجة لجان ايف لودريان تحدث فيه بأن القوى السياسية اللبنانية بمجموعها تتحمل المسؤولية الكاملة لهذا المأزق. واشار: “في هذا السياق، إن التعطيل المتعمّد لأية رؤية للخروج من الازمة، وتحديدا من قبل بعض اللاعبين في النظام السياسي اللبناني، عبر طلبات غير مدروسة العواقب ومن زمن آخر ينبغي أن تتوقف فورا”. في هذا الخصوص، ذكّر الوزير برؤيته الملتزم بها المتعلقة بمبادرته في الأسبوع المنصرم مع نظرائه الأوروبيين، “بهدف التعرف الى أذرع التحكم الاوروبية من اجل زيادة الضغوط على المسؤولين عن هذا الجمود”.
منذ تصريح لودريان في الاتحاد الاوروبي في 22 الجاري وكذلك تصريح الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامنية الاوروبية جوزيب بوريل حول لبنان، والملف اللبناني هو جزء من النقاشات الاوروبية الداخلية البعيدة من الاضواء، والتي ستتظهر نتائجها في أقرب اجتماع اوروبي على المستوى ةالوزاري ينعقد في بروكسيل، قد يكون الامر في 19 نيسان المقبل حيث سينعقد اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين أو ربما قبلا، إذ يمكن لاي اجتماع اوروبي على المستوى الوزاري أن يتخذ قرارات تنفيذية معينة. بات الموضوع اذن لدى الاتحاد الاوروبي لاعداد تصور ما بناء على دعوة فرنسا ثم يتمّ عرضه على الدول الأعضاء سواء بموجب مشاورات داخلية وليس بالضرورة في سياق اجتماع وزراء الخارجية.
ولفتت اوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن المواقف المرافقة التي ستصدر عن اية دولة لن تكون ملزمة للاتحاد الاوروبي كونها تصاريح وطنية. الملزم فقط هو ما سيصدر عن الاتحاد الأوروبي سيما وأن الملف انتقل اليه عمليا”.
في هذا السياق لم يعرف بعد تحت أي نوع من العقوبات الاوروبية سيدرج المسؤولون اللبنانيون المتهمون عن التعطيل، وغالبا ما اندرجت العقوبات الاوروبية في منطقة جنوب المتوسط الممتدة من سواحل سوريا الى موريتانيا اما في سياق عدم احترام حقوق الانسان: القمع التعذيب الخ كما في مصر وسوريا. او عدم احترام المسارات الاممية : ليبيا، او الفساد: مصر، تونس. ولكن الجزء الاخير يجب ان يقترن بمسار قضائي داخلي.