“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تتقاطع انطباعات الدبلوماسية العربية والغربية بشأن لبنان حول أمرين اثنين: اتساع القطيعة بين الشعب اللبناني وبين الطبقة الحاكمة، وضرورة أن تبدأ ديناميات الحلول واقتراحاتها من الداخل اللبناني الذي عليه العودة الى التسويات بين الطوائف والاحزاب.
يراقب الدبلوماسيون العاملون في لبنان التحركات في الشارع اللبناني على وقع الأزمات المتوالدة ولعل أشدها وطأة الضيق الاقتصادي الذي بدأ يهدد الامن الغذائي للبنانيين.
في الملاحظات التي يمكن ادراجها في خانة الاجواء الدبلوماسية، أن المصالح الدولية هي التي تحكم العلاقة مع لبنان، وأن الاعتكاف الحاصل حاليا من اقتراح الحلول يأتي من انعدام المصلحة المباشرة في التدخل وسط الأتون اللبناني الذي لن يطفئه إلا ابناؤه، وبعد ذلك يمكن الكلام عن رعاية دولية معينة وضمانات خارجية.
ليس سهلا ما يمر به لبنان من ازمة حكم شديدة الوطأة، وقطيعة كاملة بين الشعب والسلطة الحاكمة التي يحتسب المسؤولون فيها منذ اليوم كيفية ادارة اي فراغ رئاسي قد يحصل في حال عدم اجراء انتخابات رئاسية عند نهاية ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون في 2022، ويقيسون الصلاحيات التي قد يمسكونها او قد يفقدونها بميزان الجوهرجي، فيما الشعب طامح الى تغيير جذري في المنظومة الحاكمة وهو ما ليس في اليد لغاية الآن.
لعل العقلانية التي يقارب فيها الدبلوماسيون العرب والاجانب المسألة اللبنانية تصلح لطرح بعض الافكار المفيدة على طبقة سياسية لبنانية تعيش انسداد افق غير مسبوق نظرا لانغماسها بالمصالح الشخصية فحسب.
فتغيير هذه المنظومة اللبنانية المتشابكة بين احزاب سياسية وسياسيين ورجال اعمال ومصرفيين وحتى هيئات مجتمع مدني- كان عليها هي ان تقود التغيير المنشود من خلال الجمعيات النسائية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني لولا ارتباطها بشكل من الأشكال بالمنظومة الحاكمة- أمر صعب، لأن اقتلاع هذه المنظومة كما بات يطالب السواد الاعظم من اللبنانيين شبه مستحيل، لأنه عندما تدق الساعة الصفر سيعود كل طرف الى طائفته، ولن يكون سهلا اقتلاع زعماء الطوائف لأنه لا يمكن تخيّل ان تقوم قواعدهم باقتلاعهم وإلا سيترتب عن ذلك تداعيات أمنية خطيرة.
يبقى الحلّ الثاني المتمثل ببقاء الطبقة الحالية شرط أن تكون واعية على ضرورة احداث تغييرات من داخل المنظومة واصلاحات وتحسينات تريح الشعب بعدها تتم الانتخابات النيابية التي على اساسها قد يحصل تغيير شعبي او قد لا يحصل. وعلى هذه الطبقة ان تعرف أنه إذا لم تذهب اقتلاعا فقد يطيح بها شعب غاضب جدا وتعرّض ذاتها للخطر.
في هذا الاطار، تقيّم اوساط دبلوماسية اقتراح التدويل الذي طرحه البطريرك الماروني بشارة الراعي بأنه ليس بجديد، فالبطريرك لم يتحدث يوما عن الفصل السابع أو وضع لبنان تحت الوصاية الدولية، بل تكلم عن رعاية دولية لحلول لبنانية داخلية وسط تعثر الحوار الداخلي. لكن هذه الاوساط تلاحظ: يجب التفكير مليا في توقيت عقد هذا المؤتمر الذي قد يكون مثلا على غرار اتفاق الدوحة او الطائف، والبحث مليا في الاطراف التي سترعاه وتشارك به وما هي اهدافها من الاجتماع حول طاولة تتناول لبنان.
في شأن مفهوم الحياد، ترى اوساط دبلوماسية بأن الاجدى الحديث عن تحييد لبنان عن الصراعات باتفاق بين ابنائه، لأن في مفهوم الحياد بعض الافكار المبطنة المتعلقة بالتطبيع.
في الاحوال كلها يبدو بأن المجتمع الدولي معتكف عن التدخل مباشرة في لبنان، الاميركيون يكتفون ببعض التصريحات المكررة للناطق الرسمي بإسم الخارجية الاميركية نيد برايس حول ضرورة تشكيل حكومة ذي مصداقية وموثوقية تحاكي تطلعات الشعب اللبناني وتكافح الفساد المستشري، بينما لم تعين ادارة جو بايدن لغاية اليوم خلفا لديفيد شينكر، فيما الهم الاميركي يتعلق برخاء وامن الداخل الأميركي وانعاش الاقتصاد والمصالح الجيو سياسية مع الصين وروسيا وتقاسم ثروات العالم.
في ما يخص اسرائيل فهي تبدو بعد اتفاقيات ابراهيم المنافس الاول للبنان سيما بعد تفجير مرفأ بيروت وانتقال العمل الى مرفأ حيفا مع شبكات تواصل مع مرافئ الامارات، وثمة سعي اسرائيلي دائم لتقويض لبنان التي لا يناسبها نموذجه في العيش المشترك.
اما الدول الخليجية الاخرى، فهي ايضا تعمل بأجندة مصالحها: قطر لا يمكن ان ترمي نفسها في لبنان بلا أن تكون متأكدة انها قادرة على اجتراح حلول وقد بات من الصعب ان تبادر لوحدها بلا موافقة المملكة العربية السعودية بعد مصالحة العلا، مثلها الامارات العربية المتحدة ايضا لا يمكن ان تتدخل في لبنان بلا حزام سعودي وهي تسعى لان تستقل عن السعودية بملفي اليمن واسرائيل لكن الملف اللبناني هو في اليد السعودية كما تقول اوساط خليجية واسعة الاطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي”. حتى زيارات الرئيس المكلف سعد الحريري الى الامارات العربية المتحدة لم تتمكن لغاية الآن من فتح ابواب السعودية امامه. ويقول احد العارفين الخليجيين انه لا يعتقد بأن الملف اللبناني يحظى باهتمام سعودي او حتى خليجي حاليا.
حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جمّد مبادرته حاليا بعد ان فشل في الحصول على ضمانات سعودية حول أي خرق في الملف اللبناني، كذلك سعى الى تأجيل لقاءاته خوفا من التقرير الذي اعلنته المخابرات الاميركية بشان قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والذي المح الى دور محتمل لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، فهو أي ماكرون لا يمكنه مواجهة الاعلام الفرنسي في حال التقى بن سلمان وانتشرت صور مصافحته له عالميا. علما، تقول الاوساط ان التقرير المذكور جاء هزيلا في ما يخص اية براهين حول تورط ولي العهد. وتشير اوساط خليجية في هذا الاطار بأن:” ماكرون حاول ايجاد حل وفتح ابواب السعودية للحريري لكنه فشل ولن يحاول من جديد”.
أما المملكة العربية السعودية فهي ربما الدولة الوحيدة التي لم تعامل لبنان يوما بحسب مصالحها الاستراتيجية بل عبر الاخوة والعطف الابوي على البلد الصغير، إلا أن هذه السياسة تغيرت منذ العام 2015 بعد “ان اعتبرت السعودية بأن القرار اللبناني في طهران عبر الثنائي الحاكم في لبنان أي حزب الله والتيار الوطني الحر وبالتالي فإن حالة لبنان صعبة وعصية والخليج مشغول بقضايا اهم بكثير من لبنان، لكن اي مبادرة عربية او خليجية لن تأتي بلا حزام سعودي”. بحسب المصدر الخليجي الواسع الاطلاع الذي تحدث الى موقعنا.