“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بقدر ما تحمل زيارة البابا فرنسيس الى العراق رسالة تضامن روحية مع شعبه، وإصرارا على رفع منسوب الرجاء في أزمنة القلق والوجع، فهي تحمل بالقدر عينه رسائل جيو-سياسية شديدة الدقة. بهذه المعادلة يسترسل الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ حديثه لموقع “مصدر دبلوماسي” حول الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس الى العراق والتي اختتمها عصر اليوم في قداس جماهيري في اربيل محطته الاخيرة في زيارة استمرت ثلاثة ايام.
ردا على سؤال عن معاني رسالة التضامن الروحية مع العراقيين، يعتبر الصائغ أن “المشهدية الهائلة العمق في لقاء ممثلي الاديان في مدينة أور الأثرية حيث تألق الى الى جانب المسيحيين والمسلمين، الصائبة والإيزيديين والكاكائيين والزرادشتيين، يثبت صوابية الثلاثي على السلام في ما بينهم، ورفض أي استغلال لمعتقداتهم في دوامة بناء إيديولوجيات العنف والاقصاءوالعزل والانعزال. وبالتالي هذه الرسالة الروحية تضع مهد التعدديات الدينية الأكثر تعقيدا في العالم العربي، وهو العراق، في مرحلة ما بعد حوار الاديان، بما يعني الولوج في التلاقح الانساني الاخوي في ما بينهم. وتأتي هذه المرحلة لتبني السلام على انقاض استثمار اسم الله في القتل والدمار، والذي قام به احلاف موضوعيون في التطرف، ولو انهم كانوا يمارسون مواجهة ميدانية”. يضيف الصائغ:” إن التضامن الروحي أراده البابا من أور، دينامية متجددة في نبذ العنف بإسم المقدس”. أما عن الرسائل الجيو-سياسية، فيستهلها الصائغ بالدعوة الصارمة التي وجهها البابا فرنسيس لوقف الفساد الذي يستبيح الثروات ويعمم اللاعدالة، كما السياسية او الدينية. وهذا يثبت الى جانب سمة الزيارة الرعوية تلك الدولتية
Etatique
وفيها عبّر البابا فرنسيس بالعمق عن موجب تدعيم أسس الدولة المدنية بالمواطنة الحاضنة للتنوع حيث الجميع يتساوى امام القانون. والعراق بتعدديته الاتنية والدينية يشكل ارضا خصبة لبناء نموذج حضاري مماثل، على أن لقاء البابا فرنسيس مع قوى في المجتمع المدني، يحمل دلالة دعمه للثورة على الاحتلال والفساد على حدّ سواء”.
ويستطرد الصائغ في قراءته الجيو-سياسية من باب لقاء البابا فرنسيس مع المرجع الشيعي الاعلى السيد السيستاني، ليقول:”إن عظمتا بساطة البابا فرنسيس والسيد السيستاني تلاقتا لتسقطا منطق فائض القوة واستعراضيات الحرب وتصدير الإيديولوجيات الديكتاتورية اوالثيوقراطية لمصادرة حرية الشعوب وتغيير هوياتها القومية. إن عظمة البساطتين مسار نبوي في وقف الهيمنات المستوردة لصالح العيش الواحد بالعدالة”.
وعن مسيحيي العراق الذين باتوا بضع آلاف بفعل الهجرة والتهجير، والعنف والتعنيف، يشير الصائغ الى أن “انسان الشرق الاوسط استهدفته ديكتاتوريات وتوتاليتاريات ونظم مافيوية، والمسيحيون فيه ليسوا اقلية ولا يحتاجون الى حمايات. فهم في اصل هذه الارض المباركة، وبالتالي آن اوان التشبث بالأرض والنضال من أجل قيم العدالة والمحبة والحرية وحقوق الانسان مع شركائهم في المواطنة. المقاربة الديموغرافية بين اقليات وأكثريات ديموغرافية هي من عصور ظلامية، كما حلف الأقليات القاتل. وقف النزيف مسؤولية البنى الدولتية والكنسية والقوى المجتمعية الحية، وهذه المسؤولية المشتركة تحدث عنها البابا فرنسيس في كل عظاته في العراق”.