“مصدر دبلوماسي”
كتبت رانيا حتّي
تركت خسارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية الاميركية تداعيات وارتدادات سلبية على بعض حلفائه في الشرق الأوسط وخصوصا على وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
لم يطل الوقت، حتى أثار الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن قضية حقوق الإنسان مستعيدا مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في العام 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول بظروف بقيت غامضة. بالأمس نشرت وكالة الاستخبارات الأميركية تقريرا مفصلا عن مقتله أقضى الى ان وليّ العهد يتمحّل مسؤولية مباشرة من ذلك، ما دفع وزارة الخارجية السعودية الى اصدار بيان شديد اللهجة يرفض فيه الاتهامات الاميركية جملة وتفصيلا.
فما هي اهداف وتوقيت نشر هذا التقرير الاستخباراتي وبماذا سسيفيد إدارة بايدن ؟
ليس هناك من جدل بأن أمام سياسة الولايات المتحدة الأميركية بقيادة بايدن تحديات داخلية وخارجية على حد سواء :
أولا، داخليا، سيكون هذا التقرير ضربة لترامب أمام الرأي العام الاميركي بعد تصدع الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية، ورفض ترامب نتائجها واقتحام انصاره لمبنى الكابيتول اي الكونغرس في 6 يناير الفائت. فإقدام بايدن على هذه الخطوة، تدخل ضمن إطار تعزيز قيادته داخليا لكي يبرهن للمجتمع الاميركي بأن ترامب أخفى تقرير جريمة اثارت الرأي العام العالمي وحمى ولي العهد صديقه متخطيا القيم الاميركية التي عاد وشدد عليها امس وزير خارجيته انطوني بلينكن إذا قال للصحافيين بأن العلاقة مع المملكة مستمرة واستراتيجية ولكنها تخضع لـ”إعادة دوزنة” لكي تتلائم مع المثل والقيم الاميركية وابرزها حقوق الانسان. وبالتالي اراد بايدن القول بأن ترامب لم يكن جديرا بقيادة الولايات المتحدة الأميركية كما لم يحترم ويطبق شعار حقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية (تشويه صورة ترامب بالكامل) .
ثانيا، خارجيا، إستعادة بايدن القوة الناعمة والجاذبية الأميركية عبر تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة. فمهما يكن هدف تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن قضية مقتل الصحافي اي هدف سياسي أم حقيقي، فهو سيصل الى الهدف المطلوب من خلال تطبيق تلك العناوين والشعارات البراقة الجاذبة و الناعمة .
ثالثا، سيكون المستفيد من جهة اخرى، من إثارة قضية خاشقجي، تركيا وقطر في الشرق الأوسط كما كانت الحال مع الإخوان المسلمين بمواجهة الوهابيين في ولاية سلفه الرئيس باراك اوباما. فالرئيس الأميركي السابق باراك اوباما عزز الحضور الإخواني من خلال ثورة “الربيع العربي” و بالتالي من المتوقع ان يعيد بايدن السيناريو ولكن بطريقة مختلفة، وقد تفتح له “قضية خاشقجي” باباً للشراكة الاقتصادية الجديدة في الشرق الاوسط وتعزيز حلف شمال الأطلسي عبر تركيا والإستفادة منهما لإحتواء الصين فيما بعد .
رابعاً، سيمنح تقرير الاستخبارات الأميركية لبايدن أكثر أسلوبا جديدا للتعاطي مع ايران، بما يخص العودة الى الإتفاق النووي و الذي سيفتح للاقتصاد الأميركي سوقا تجارية ضخمة وكبيرة بعد رفع العقوبات عنها، سيستفيد منها المواطن الاميركي. فما يهم بايدن بالدرجة الأولى النهوض الإقتصادي الاميركي.
خامسا، إن “مبدأ كارتر” (١٩٧٣ -١٩٧٩ ) بعدم التخلي عن الشرق الأوسط باعتباره ثروة نفطية وأي فقدان له قد يؤدي الى زعزعة أمن الطاقة الأميركي، هي معادلة ولىّ عليها الزمن. حاليا، يعود هذا التراجع عن حاجة الولايات المتحدة للنفط السعودي لأسباب عديدة، أهمها انخفاض كمية استيراد النفط من الخليج بنسبة كانت تتجاوز الـ ٢٩ في المئة الى نسبة ١٣ في المئة، حتى سنة ٢٠٠٠ بعد استبدال الادارة الأميريكية النفط الخليجي بأسواق نفطية بديلة في المكسيك، فضلا عن تطوير الولايات المتحدة الأمريكية تقنية استخراج النفط الصخري الأحفوري بكميات هائلة ما يجعلها بحلول 2030 أكبر مصدر للنفط في العالم.
سادسا، من الواضح بأن عودة بايدن لإتفاقية المناخ مع الأوروبيين ستكسب ودّهم من جديد بعد تصدع مصالحها مع ترامب، وسيلتزم الأخير أي بايدن بالإتفافية باعتبارها اضحت ضرورية للحفاظ على الأمن البيئي ومعالجة خلل التحول المناخي، ما سيؤدي الى التخفيف من استخدام النفط لصالح الغاز الطبيعي “صديق البيئة” ما يُضعف تلقائيا علاقاته مع السعودية باستغنائه عن النفط وما ذكرناه سابقاً وفي ضبط العلاقة معها في مجالات عدة أهمها التسليح و الشراكة أيضأ كما صرح وزير الخارجية الاميريكية أنتوني بلينكن .
إذا وبعد استعراض منافع ومكاسب تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن قضية مقتل الصحافي خاشقجي، نستنتج بان المصالح الاميركية تتبدل ولكن سياستها تبقى ثابتة لا تتغير ألا وهي المصلحة الوطنية العليا والمحافظة على القوة بجميع أدواتها الناعمة أو الصلبة إلا انها في الحالتين تبقى القوة “الذكية” .
*باحثة واكاديمية لبنانية