“مصدر دبلوماسي”
أطلق رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب في السراي الحكومي أمس الاحد حملة التلقيح الوطنية لمكافحة وباء كورونا بحضور عدد من الفاعليات.
بداية، صرّح الوزير حمد حسن قائلًا: “إطلاق حملة اللقاح هي ثمرة جهود بذلت بإصرار وعزيمة وجد، واكبنا فيها دولة رئيس مجلس الوزراء ليلًا نهارًا .أشكر الشركاء الدوليين والأمميين وأخص بالشكر البنك الدولي والسيد ساروج كومار جاه.”
ثم تحدث نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج عبر تطبيق زوم فقال:
“تحية طيبة وصادقة من وراء البحار. نشكركم على دعوة البنك الدولي للمشاركة في هذا الحدث الهام لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا. ونُقدّرُ كل الجهود التي بُذِلَت من قِبَلِ الخبراء اللبنانيين والجهات الرسمية لبلورة هذه الحملة الوطنية، بالتعاون الوثيق مع البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف والهيئات المعنية الأخرى.
كم يؤسفني أن أكون بعيدًا عنكم اليوم، بعيدًا عن لبنان، هذا البلد الأمين، الذي نراهُ يعاني أسوأ الأزمات في تاريخه المعاصر، وأشدَّها حدّةً وتأثيرًا على شعبهِ النبيل.
لن أنسى السنوات التي أمضيتها في بيروت، العاصمة التي استضافتني بكل طيبة ونخوة، والتي خاطبتني بلغة الإنسانية والثقافة والتراث، وقد تركت أثرًا في نفسي لن تمحيهِ الذاكرة.
يحزنني أن أرى بيروت اليوم تتألم. هي التي نزفت وتألمت في ٤ آب، ذلك اليوم المشؤوم الذي هز العالم بأسره.
لكن بالرغم من الحزن والأسى، تبقى هذه العاصمة عاصمة الصمود. عاصمة الحياة. عاصمة العيش المشترك.
السيدات والسادة الكرام
يواجه العالم أصعب جائحة منذ الحرب العالمية الثانية. جائحةٌ غيّرت مسار العالم ومصيرِه، حصدت الكثير من الأرواح، وما زالت تخطف منّا أعز الناس.
وما زال لبنان حتى هذه الساعة يواجه الجائحة على الرغم من محدودية قدراته، وهو يجابه أشرس الأزمات وأصعب الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، حيث ارتفعت معدلات الفقر خلال أقل من سنة لتبلغ ٤٥٪ من السكان، بينما ٢٢٪ من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر المدقِع. وقد انتشر فيروس كورونا على نحو مقلق في البلاد في الفترة الأخيرة، فبلغ مجموع الإصابات أكثر من ٣٠٠ ألف إصابة وما يزيد عن ٣ آلاف و٨٠٠ حالة وفاة، مما ضاعف العبء على القطاع الصحي الذي شهد دمارًا ضخماً جرّاء إنفجار المرفأ المأساوي.
أيها الحضور الكريم،
لطالما وقف البنك الدولي إلى جانب لبنان، واستمع إلى نداءات شعبه، وقدم الدعم اللازم لتلبية حاجاته الطارئة كما الطويلة الأمد. فقد رأينا بأمِ العين كيف سند اللبنانيون النازحين السوريين الذين أصبحوا يشكلون ثلث السكان تقريبًا. وقد شرع البنك الدولي منذ بداية أزمة النزوح إلى تأمين الهبات الضرورية لمساعدة لبنان في التعامل مع هذه الأزمة. ويشهد العالم أن ما قدمه اللبنانيون لإخوتهم النازحين كان درسًا قيّمًا في الإنسانية.
وما زال البنك الدولي يوفر القروض الميسرة والدعم التقني ليساعد لبنان على تحقيق الأهداف التنموية، وتحريك عجلة الاقتصاد، ومكافحة الفقر، وتخطي الأزمات بأقل ضرر ممكن. فمنذ شهر تقريبًا، وافق مجلس ادارة البنك على قرض طارئ لتمويل مشروع التحويلات النقدية وشبكة الأمان الاجتماعي، الذي سيدعم الأسر الأكثر فقرًا، والذي سيساهم في الحفاظ على الرأس المال البشري، ونحن ننتظر مصادقة البرلمان على المشروع ليدخل حيّز التنفيذ في أقرب وقت ممكن.
وبهدف التصدي لجائحة كورونا وانقاذ الأرواح، عمل البنك الدولي على تخصيص ٣٤ مليون دولار لمساعدة لبنان في شراء اللقاحات والمباشرة بحملة تلقيح وطنية تغطي مليوني شخص من اللبنانيين وغير اللبنانيين. وقد وافق مجلس الادارة على هذه المبادرة الطارئة بسرعة قصوى مما خوّل الحكومة اللبنانية شراء اللقاحات في غضون 48 ساعة، ليصبح لبنان البلد الأول الذي يستفيد من هكذا مبادرة على مستوى البنك. وفي الساعات القليلة الماضية، وصلت الدفعة الأولى من جرعات اللقاح. ويصر البنك الدولي على تبني أقصى معايير الشفافية في إدارة عملية التلقيح. وبموجب الخطة الوطنية التي تستند على توصيات منظمة الصحة العالمية، الأولوية الآن هي للعاملين في المجال الصحي الذين يعرضون حياتهم للخطر كل يوم لإنقاذ المصابين، وكبار السن فوق 65 عامًا، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة ضمن فئة عمرية محددة. وندعوالجميع في لبنان لاستخدام المنصة للتسجيل وانتظار دورهم مهما كانت رتبتهم الوظيفية أو انتماءاتهم السياسية. فالمصداقية والشفافية هما العنصران الأساسيان في جميع برامج ومشاريع البنك الدولي حول العالم، دون استثناءات تحت أي ظرف أو شكل من الأشكال. ونقولها بكل وضوح: “لا مجال للواسطة”.
وبناء عليه، سوف يستمر البنك الدولي بمراقبة كيفية تنفيذ الحملة، وقد كلف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بمتابعة ورصد مسار التلقيح، ومدى الالتزام بالخطة الوطنية والمعايير الدولية، وذلك بموجب عقدٍ مع البنك. كما وأنشأ البنك الدولي، بالتشاور مع الشركاء المعنيين في منظمة الأمم المتحدة، لجنة مراقبة دولية مشتركة للمساهمة في متابعة عمليات التلقيح، وتحديد التدابير اللازمة لتعزيز نوعية الحملة الوطنية خلال كامل مدتها الزمنية.
دولة الرئيس، السيدات والسادة،
لقد أكدنا مرارًا، ونؤكد مجددًا، على ضرورة تنفيذ الإصلاحات الطارئة من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي في لبنان، وبناء الثقة، وتحفيز النمو، وإعادة البلد إلى خارطة النهوض والتطور والأهداف السامية التي تخدم الإنسان والإنسانية.
“لبنان أغلى تراث في يَديكم”، كما قال الكاتب والشاعر الكبير جبران خليل جبران. فاحرِصوا على هذه الأمانة.”
رئيس الحكومة:
ثم تحدث الرئيس دياب قائلًا:
“إنها لحظة مفصلية في هذه المواجهة الشرسة مع وباء كورونا الذي يفتك بالبشرية. اليوم ينتقل لبنان من مرحلة الخوف من هذا الوباء، إلى مرحلة الحماية من خلال اللقاح، وبالتالي حماية مجتمعنا، ووطننا، تمهيداً لاستعادة حياتنا الطبيعية تدريجياً.
نحن اليوم، نطلق حملة التلقيح الوطنية ضد وباء كورونا، بلقاحات ذات جودة عالية وفعالة وموثوقة، وبعدها سنبدأ بالتحرّر تدريجيًا من القيود التي فرضها علينا هذا الوباء، وبالتالي عودة دورة الحياة إلى مختلف القطاعات عند تحقيق المناعة المجتمعية المنشودة.
لقد خسرنا أهلًا وأحبة وأصدقاء، وعانى الكثيرون من هذا الفيروس الذي تفشّى بين الناس.
منذ سنة كاملة، تسلّل وباء كورونا إلى لبنان ووقعت أولى الإصابات. وعلى مدى سنة كاملة، كان هذا الوباء ينتشر ويتحوّر ويتغيّر ويصيب المزيد من اللبنانيين، حتى بلغ عدد المصابين المسجلين رسمياً حوالي 340 ألف إصابة من أصل أكثر من مليونين و700 ألف فحص كورونا، لكن العدد الفعلي قد يكون أضعاف هذا الرقم، استناداً إلى التقديرات العلمية. من هذه الإصابات، خسرنا حوالي 4 آلاف شخص، تسبّب هذا الوباء في وفاتهم، وما زال هناك أكثر من ألف شخص يواجهون هذا الفيروس بصعوبة.
لقد بذلت هذه الحكومة جهودًا جبّارة، وقامت بواجبها في هذه الحرب الضروس مع الوباء.
على الرغم من كل الصعوبات والتحديات التي واجهتنا، نجحنا بتطوير القطاع الاستشفائي الرسمي، عبر خطة التنمية الصحية التي اعتمدتها وزارة الصحة، وكذلك برفع مستوى جهوزية القطاع الاستشفائي بشكل عام، وقد أصبحت المستشفيات الحكومية فاعلة وتقوم بدروها ومقصدًا لمختلف شرائح المجتمع اللبناني، بعد أن كانت مهملة في السابق وقاصرة عن تلبية الأمن الصحي الوطني.
لقد تمكنّا من استحداث أكثر من ألف سرير إضافي للعناية الفائقة في القطاعين العام والخاص، وأكثر من ألفي سرير مخصص للحالات المتوسطة.
اتخذنا مختلف الإجراءات للتعامل مع هذا الوباء وتداعياته: على مستوى الوقاية والرعاية الصحية، وعلى مستوى التشخيص والتتبع، وعلى مستوى التدابير والكفاءة الطبية، وبقي معدّل الوفيات بحدود 1 في المئة، مقابل أكثر من 2 بالمئة للمعدّل العالمي.
خضنا هذه المواجهة، وأكدنا أن لبنان يمتلك الكثير من القدرات والكفاءات التي نجحت في التخطيط والتدبير والمتابعة.
كان التنسيق قائمًا بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وكان الشعور بالمسؤولية حافزًا لمزيد من البحث في الأساليب الأحدث والأنجح للتعامل مع هذا الوباء.
لقد قامت وزارة الصحة، ولا تزال، بمختلف قطاعاتها ولجانها، وأطقمها الطبية والميدانية، بواجبها على أكمل وجه. كما قامت لجنة متابعة تدابير كورونا في رئاسة الحكومة بجهد مميز، وتم وضع منصّة لمتابعة هذه التدابير من دون أي كلفة. ثم قامت اللجنة الوطنية للقاح كورونا في وزارة الصحة بوضع خطة علمية مدروسة لحملة التلقيح.
أودّ في هذه المناسبة أن أتوجّه إليهم بالشكر العميق، إلى كل فرد منهم، وعلى رأسهم معالي وزير الصحة الدكتور حمد حسن، الذي لم يوفّر جهداً في سبيل الارتقاء بالقطاع الصحي ليكون قادرًا على التعامل مع هذا الوباء.
كما أتوجّه بالشكر إلى كل العاملين في القطاع الصحي، بمختلف مهامهم، إضافة إلى الصليب الأحمر اللبناني والهيئات الصحية والأهلية والبلديات التي لعبت دورًا في هذه المواجهة.
اليوم، نخوض الهجوم المضاد كي نسيطر على هذا الوباء. وضعنا الخطة، ونبدأ اليوم بتطبيقها، لتلقيح اللبنانيين، وفق برنامج علمي مدروس.
لقد تفقدت اليوم مركز التلقيح في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، ولم أتلقَ اللقاح التزامًا مني ببرنامج اللقاح، ولأن الجسم الصحي الذي خاض المواجهة مع الوباء في الصفوف المتقدمة، وقدّم تضحيات كبيرة، وخسر بعضهم حياته، له الأولوية علينا جميعاً كي يستطيع مواصلة حماية الناس، ومعهم أيضاً في الأولوية كبار السن ومن لديهم أمراض مزمنة.
وتكريماً لهذا القطاع الصحي، أدعو الموجودين بيننا إلى الوقوف، وأدعو الحاضرين إلى التصفيق لهم تحية على جهودهم.
طبعاً، كل واحد منّا يتمنى الحصول على اللقاح في المرحلة الأولى، إلا أن هناك من يجب حمايته كأولوية، ولذلك أدعو جميع المواطنين إلى تسجيل أسمائهم في المنصة لحجز دورهم وفق البرنامج الذي وضعته لجنة اللقاح.
نحن اليوم نطلق حملة اللقاحات، على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعانيها البلد، وذلك بفضل الاتفاقيات المبرمة في وقت مبكر مع الشركات المعنية باللقاحات، بالتعاون مع البنك الدولي وشركائنا الدوليين. هناك دول متقدّمة ولديها إمكانات كبيرة، في أوروبا وفي العالم، بدأت التلقيح مؤخرًا.
تبدأ دورة التلقيح في هذا الوقت، آملين أن نصل إلى حماية مجتمعية كافية لتعود دورة الحياة الطبيعية تدريجيًا إلى لبنان في أسرع وقت.
رحم الله الذين خسرناهم في هذه المواجهة.”