مقالات مختارة
وول ستريت جورنال
بعنوان: “والدان أميركيان ينطلقان للبحث عن الابن المفقود في “مثلث برمودا” في سوريا”، نشرت صحيفة الـ “وول ستريت جورنال” الاميركية السبت في 31 يناير تحقيقا استقصائيا قاده مراسلوها بين بيروت ودمشق، سردت فيه للمرة الأولى تفاصيل غير منشورة عن رحلة معاناة عائلة الرحّالة الأميركي سام غودوين الذي اختطف على حاجز في سوريا في العام 2019 وتمّ تحريره بعد أشهر بوساطة مع السلطات السورية قادها مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم.
روت الصحيفة تفاصيل مثيرة تضع القارئ على تماس مع اهل يائسين يفتشون عن خشبة خلاص لانقاذ إبنهم اليائس المحتجز في بلد ليس فيه من يساعده.
روت الصحيفة للمرة الاولى كيفية اختطاف غودوين ودخول عائلته في دوّامة الاتصالات بين “الأف بي آي” والمسؤولين الاميركيين الرسميين وصولا الى الفاتيكان ودبلوماسيين شرق اوسطيين وروس واشخاص كثر لم يجدوا سبيلا للعثور عن ولدهم البالغ الـ32 عاما.
الى ان اسعف الحظ شقيقة غودوين بالاتصال بصديقة لبنانية كانت معها في الجامعة، صودف بأن عمها عسكري لبناني متقاعد ويعرف مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عبّاس ابراهيم، الذي بدأ وساطة سرية مع السلطات السورية، وأخفى هويته ومساعيه حتى عن عائلة غودوين تاركا التواصل معها لصديقه العسكري المتقاعد المذكور.
رحلة عذاب مثيرة، وكأنها كابوس تخللته بعض الانفراجات الضئيلة منها تسريب غودوين رسالة لأهله من سجنه في سوريا عبر مساجين آخرين حاولوا مساعدته، الى الانفراج الأخير بعد تلقي العائلة اتصالا منه وكان قد تسلّمه احد رجال اللواء ابراهيم من السلطات السورية. تشير الصحيفة الى دور اللواء ابراهيم البارز كاشفة انه اسهم لغاية اليوم بتحرير قرابة الـ65 شخصا من أيدي حكومات في المنطقة أو جماعات متطرفة.
تعود “الوول ستريت جورنال” الى بدايات رحلة غودوين في سوريا وخلفياتها، ويقول كاتب التقرير الاستقصائي ديون نيسينباوم بأن ” سام غودوين كان على وشك الانتهاء من رحلات تقوده الى دول العالم اجمع عندما تم اختطافه من شارع في سوريا أثناء اجرائه مكالمة هاتفية مع والدته”.
ما الذي حدث فعليا؟
“كانت اليزابيث غودوين تستعد للمغادرة في “يوم الذكرى” من العام 2019، عندما تلقت مكالمة عبر تطبيق الـ “فايس تايم” من ابنها سام. كان سام في سوريا يوشك على اختتام رحلات يقوم بها الى دول العالم قاطبة البالغ عددها 193 دولة.
غودوين، هو لاعب هوكي سابق في ثانوية سانت لويس، وكان ابتاع تذكرة سفر للعودة إلى ميسوري في الاسبوع التالي، اذ اختار الوقت المناسب لينال مقعدا لحضور نهائيات كأس ستانلي ومشاهدة فريق “سان لويس بلوز” يلعب ضد ” بوسطن بروينز”.
رفع هاتفه ليمنح والدته إطلالة بانورامية على دوّار يحيط بتمثال عملاق للرئيس السابق حافظ الأسد. هذا ما روته السيدة غودوين لاحقا قائلة بأنها سمعت أحدهم يصرخ في وجهه بينما ابنها يقول له:”أنا أتحدث الى أمي”، وانقطع الخط.
مرت أسابيع قبل أن تعرف السيدة غودوين وعائلتها ما حدث، كيف سلك ابنها البالغ من العمر 32 عامًا منعطفا خاطئا وانتهى به المطاف في احد اقبية السجون السورية حيث كان يسمع صراخ السجناء.
دفع اختفاء غودوين عائلته وهي من الغرب الأوسط إلى دخول عالم المفاوضات حول الرهائن العالقين بين الحياة والموت، مما دفعهم إلى طلب المساعدة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ “أف بي آي” والفاتيكان ووسطاء في الشرق الأوسط ومبعوث روسي مشكك ومن السلطات السورية المرتابة بأن غودين لم يكن سوى جاسوس.
تذكر صحيفة “الوول ستريت جورنال” في تحقيقها الاستقصائي الذي قاده مراسلوها بين بيروت ودمشق بأن الرئيس الأميركي (السابق) دونالد ترامب استخدم اثناء ولايته القوة العسكرية والضغوط الدبلوماسية لاعادة اكثر من 50 اميركيا محتجزين في عشرين بلدا. وفي الاشهر الاخيرة من رئاسته، عملت ادارة ترامب دون ان تنجح على اتمام صفقة مع الرئيس السوري بشار الاسد لتحرير الصحافي المستقل أوستن تايس الذي اختطف في العام 2012، وكذلك مجد كمالماز المعالج السوري الاميركي الذي شوهد للمرة الاخيرة في العام 2017 عند حاجز سوري.
لكن في نهاية المطاف، لم تتمكن الحكومة الاميركية إلا من لعب دور داعم لآل غودوين، ما جعل العائلة مرغمة على اجتراح خطة انقاذ، مستخدمة مواردها وعلاقاتها، وكلّ ما يمكن أن تحشده من شجاعة ودعم.
لم يجب المسؤولون الرسميون السوريون على طلبات العائلة للتعليق حول القضية. وبالعودة الى قرار غودوين بالسفر الى سوريا، تروي الصحيفة بأن “رحلة غودوين إلى سوريا انطلقت بعد لقاء في أيار مايو 2019 في مطار في فيجي حيث التقى بجوس ستون، الموسيقية الحائزة على جائزة غرامي التي اقتربت من نهاية رحلتها الخاصة للغناء في جميع دول العالم. كانت المغنية قدمت لتوها عروضها في شمال شرق سوريا وهي منطقة تسيطر عليها إلى حد كبير القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الاميركية، في حملة دامت أربع سنوات هدفها القضاء على دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية.
كانت سوريا الدولة الرقم 181 التي يخطط غودوين لزيارتها. كان حينها مسافرًا متمرسا، بعد أن مرّ باليمن والصومال وأفغانستان وكوريا الشمالية.
قالت السيدة ستون إنها وضعت غودوين على اتصال مع سانغار خليل، الصحفي العراقي الذي ساعدها والعديد من المراسلين في الحصول على إذن لدخول المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شمال شرقي سوريا. في أواخر أيار مايو، وقبل العبور إلى سوريا من شمال العراق أرسل غودوين وخليل فيديو قصير للسيدة ستون لالقاء التحية. وقد اطلعت صحيفة “الوول ستريت جورنال” على رسالة نصية يقول الصحافي خليل لستون “بأنه (أي غودوين) سيكون بخير في سوريا”.
غضب غودوين من دفع 500 دولار يوميا لدليل محلي وكان قد رتب للقاء شخص وحيد في القامشلي وهي مدينة سورية تقع على الحدود مع تركيا استضافت عمال إغاثة وصحفيين ومخبرين وغربيين يقاتلون مع الأكراد.
الى “مثلث برمودا”
كان نظام الأسد يسيطر على أجزاء من المدينة حيث يتطلّب التنقل بأمان خبرة محلية لمعرفة الناس والاماكن. بعد الوصول إلى فندق آسيا في 25 أيار مايو، انطلق غودوين سيرا على الاقدام لمقابلة الشخص الذي يتعامل معه في مطعم يبعد مسافة قصيرة عن فندقه، لم يكن يعلم أنه كان متجها نحو جزء من المدينة يطلق عليه السكان المحليون تسمية “مثلث برمودا”.
اتصل غودوين بوالدته عبر تطبيق الـ “فايس تايم” أثناء سيره باتجاه الدوار الذي يقع عند مفترق طرق للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وسواها من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
تروي الصحيفة بأن مدير فندق “آسيا” سليمان حسن قال لمراسليها :” نحن ننتمي الى هذه المنطقة ونخشى الذهاب الى هناك”. (…).
لم يتضح ما إذا كان غودوين قد سحب إلى منطقة الحكومة بواسطة جندي سوري. يقول مدير الفندق:” لم يكن الامر مهما، فعندما يختفي الاجانب لا يمكن العثور عليهم”.
العلاقات العائلية
إزداد قلق اسرة غودوين التي عادت الى “سان لويس” بعد اتصال ابنها الذيكان بدأ جولاته حول العالم في العام 2012، بدءا من سنغافورة وفي العام 2018 كان قد زار 120 بلدا، وحتى انه اسهم في العام 2016 بتدريب فريق الهوكي في كوريا الشمالية، ودرّب على كرة الطائرة في افغانستان في العام 2018. (…).
اتّصلت عائلته بمكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” ووزارة الخارجية والدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط. سأل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أسرة غودوين عما إذا كان ابنها شخصا كان يزمع الانضمام إلى جماعة ما في سوريا حيث ذهبت أعداد قليلة من الأميركيين للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية أو القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
تواصل أصدقاء العائلة مع السيدة ستون التي قالت انها : “شعرت بالمسؤولية الشخصية بالرغم من ان المنطق يقول انه ليس خطئي لكن قلبي كان يقول بلى انه كذلك”.
بعد أسبوعين من اختفاء غودوين، سافر والداه إلى واشنطن لعقد اجتماع مع أعضاء “خلية استعادة الرهائن” في مكتب التحقيقات الفيدرالي والتي تضم موظفين من وزارة الخارجية والبنتاغون. وحذر المسؤولون من أن الأمور قد تسوء (…)
قالت السيدة غودوين لزوجها خارج مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي: “قد لا نرى ابننا مرة أخرى” (…).
تروي الصحيفة كيف أن الوالدان احتفظا بقضية ابنهما بعيدا من الاضواء الاعلامية بناء على نصيحة “الأف بي آي”، وشكلا فريقهم المساعد الخاص وأسمياه
SG23
مستخدمين الحرفين الاولين من اسم ولدهما الذي كان يستخدمه في فريق الهوكي في جامعة نياغارا. وبما ان عائلة غودوين هي كاثوليكية، بعثت برسالة الى البابا فرنسيس طالبة المساعدة من سفير الفاتيكان في سوريا. أحد اصدقاء العائلة وضعها على تواصل مع شخص كان يعمل في السابق في البحرية الاميركية الذي سأل إن كانت العائلة قادرة على دفع مليون ونصف المليون دولار اميركي كفدية، إذا تطلّب الامر ذلك.
استخدم الزوجان الروابط العائلية للوصول إلى مبعوث روسي نقل عنه انه يمكنه التواصل مع السفير الروسي في سوريا. لم يشجع مسؤولون رسميون اميركيون آل غودوين على العمل مع الروس، بينما قال آخرون بأن موسكو وهي أحد أهم حلفاء الأسد قد توفر أفضل فرصة لإعادة ابنهم إلى الوطن.
بصيص نور في النفق الطويل
طلبت عائلة غودوين النصيحة من روبرت فورد وهو آخر سفير للولايات المتحدة في سوريا قبل ان تقطع الولايات المتحدة الاميركية علاقاتها مع نظام الأسد في العام 2014.
قال فورد لآل غودوين:” أكره قول ذلك، لكن ولدكم سيبقى هنالك لفترة طويلة جدا جدا”.
اتصلت شقيقة غودوين الصغرى، ستيفاني ماكوي، بزميلتها السابقة التي كانت تشاركها السكن في جامعة بلمونت في ناشفيل في ولاية تينيسي، واسمها ستيفاني حجار. تستذكر السيدتان محادثتهما سويا. سألت حجّار شقيقة غودوين: “هل من طريقة يمكنني المساعدة من خلالها؟”.
سألت ماكوي ان كانت تعرف شخصا يكون صديقا للاسد، وإلا لن تنفع الا الصلاة. فاستمهلتها حجار لمعاودة الاتصال بها.
الوصول الى اللواء ابراهيم
لم تكن السيدة ماكوي تعلم بأن جوزيف عباس -خال السيدة حجار- هو عسكري لبناني متقاعد وهو صديق للواء عباس إبراهيم المسؤول الأمني الأرفع في لبنان ولم يكن أحد في المنطقة في وضعية افضل من اللواء إبراهيم لتقديم المساعدة. فاللواء ابراهيم هو من ضمن الحرية لمواطنين غربيين آخرين كان احتجزهم نظام الاسد.
قام آل الحجار بربط والد سام غودوين بالسيد عباس لكنهم لم يخبروا العائلة بأن الشخص الذي يساعدهم في لبنان هو اللواء إبراهيم. كل ما عرفته والدة غودوين هو أن هناك “رجلًا يُدعى جو في ولاية كونيتيكت” لديه صديق في لبنان يمكنه المساعدة في العثور على ابنها المفقود.
حرص آل غودوين في البداية عل طمأنة عبّاس بأن ولدهم لا يعمل لصالح وكالة الاستخبارات الاميركية الـ”سي آي أيه”.
وبإلحاح من السيد عبّاس، أثار اللواء عباس ابراهيم قضية سام غودوين مع مسؤولين سوريين رسميين أخبروا الجنرال اللبناني بأنهم يحاولون معرفة إن كان “الاميركي” جاسوسا.
قال الجنرال إبراهيم للمسؤولين السوريين بأن غودوين “ليس سوى مسافر أضلّ الطريق”، وفقا لأشخاص مطلعين على المحادثات. ذات مرة، وصف اللواء ابراهيم غودوين بأنه “نكرة” أو “لا أحد” باللغة العامية.
لم يقتنع رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك، “لا يوجد سيّاح في سوريا” بحسب ما نقل اشخاص مطلعين على المحادثات. في 16 حزيران يونيو نقل السيد عبّاس رسالة من صديقه-اللواء ابراهيم- يقول فيها لأسرة غودوين أن إبنهم سالم وبصحة جيدة وهو محتجز من قبل النظام في دمشق. كانت السيدة غودوين –والدة سام- مرتابة، لكن زوجها استردّ الأمل بأن ولدهما على قيد الحياة.
بعد ذلك، تلقى آل غودوين رسالة مربكة من قناتهم الروسية بعد 12 يوماـ تفيد بأن السفير الروسي في سوريا يقول بأن سام ليس موقوفا من قبل دمشق بشكل محتّم.
رسائل الى المنزل
في 30 حزيران يونيو، وبعد خمسة أسابيع من اختفاء سام، تلقى والده مكالمة هاتفية من رقم لا يعرفه من فلوريدا، قال رجل يتحدث الإنجليزية الركيكة بأن لديه رسالة من ابنه (أي سام). شعر تاغ غودوين بالهلع متسائلا عما إذا كانت المكالمة خدعة قاسية. طلب نسخة عن الرسالة.
ورد في الرسالة القصيرة المكتوبة بخط اليد ما يلي:” سليم وحيّ”ـ في سجن عدرا-دمشق-السجن المركزي. السفارة الأميركية في بيروت-انا احتاج لمساعدة قانونية او قنصلية”.
قام معتقل سوري مع غودوين بتهريب رسالة كتبها السجين الاميركي وصلت الى عائلته في الولايات المتحدة الاميركية.
تضمنت الرسالة غير المؤرخة تفصيلا معبّرا:” أنا أوصي دوما على سمك السلمون عندما أتناول الغداء في نادي ميسوري الرياضي”، هذا ما ورد في سطر وحيد. كان ذاك الدليل الأول الواضح بأن غودوين لا يزال حيا. قامت العائلة والـ”أف بي آي” بفحص الخط المكتوب بتمعّن، واستخلص الطرفان على أنه يعود الى سام.
قامت “الـ”أف بي آي” بالضغط على آل غودوين للكشف عن المصادر التي يعملون معها في لبنان. رفضت العائلة ذلك. طلب السيد عبّاس من العائلة أن تبقى متكتمة. أطلق الزوجان على السيد عباس إسما رمزيا هو: “حارس البوّابة”
The GateKeeper
في نهاية شهر حزيران يونيو طلب السيد عباس من آل غودوين تجميد أية جهود خاصة أخرى كانوا يبذلونها لإعادة ابنهم إلى المنزل. وافقت الأسرة.
في 6 حزيران يونيو تلقت السيدة ماكوي شقيقة سام، رسالة عبر تطبيق الإنستغرام من حساب مجهول لا يملك متابعين ولا “بوستات” جاء فيها:” إن شقيقك هو مع أخي في السجن، قولي لـ”سلان” و”بي” عيد ميلاد سعيد”. علمت السيدة ماكوي بأن الرسالة هي من شقيقها لأنه استخدم القاب تستخدم لوالدتها ولشقيقتها. لم تنتظر حتى أخبرت الـ”أف بي آي”، ثم أجابت:” أرجوك أن تخبر سام بأنني أحبّه، وأن يبقى قويا، وأنا بغاية الشوق لأتناول “بوريتو الشيبتول” معا”. كتبت. ووصل الجواب في اليوم التالي. قال سام بأنه يحبّها وهو لا يمكنه الانتظار لكي يأكل “بوريتو الشيبتول” معها، وسأل إن كان فريق “البلوز” قد ربح الكأس؟”.
قال عملاء الـ”اف بي آي” لآل غودوين بأن كلمة “شيبتول” قد تبدو رمزا مشفّرا للسلطات السورية، عوض فهمها على أنها إشارة الى سلسلة مطاعم مكسيكية. ساد القلق العائلة بأن تكون قد عرّضت غودوين للتهديد من غير قصد.
رسالة من اللواء ابراهيم
بعد بضعة اسابيع، وتحديدا في 23 تموز يوليو نقلت الـ”الوول ستيريت جورنال” بأن السيد عباس قال لأسرة غودوين بأنه تلقى رسالة من اللواء عباس ابراهيم يقول فيها:” يبدو بأن الرجل خاصتك سينجح”.
“Looks like your guy will make it.”
في غضون ذلك، كان غودوين قد مثل أربع مرات للمحاكمة في دمشق. اتهمته السلطات السورية بدخول اراضيها بشكل غير قانوني من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. في المحكمة لم يكن لدى غودوين مترجم ولا محام للدفاع عنه.
بعد مكالمته الأخيرة لوالدته (قبل احتجازه بثوان)، وضعه الجنود السوريون في شاحنة صغيرة واقتادوه إلى زنزانة في وسط أحد الحقول، كما قال غودوين للصحيفة في أول تقرير علني له عن أسره. كان يخشى أن يتم إعدامه.
تمّ عصب عينيه وتقييد يديه ونقل بطائرة شحن إلى دمشق حيث سجن في زنزانة انفرادية. قدّم له الحراس الخبز والبطاطا المسلوقة والماء. يوما بعد يوم قال غودوين انه كان يسمع صراخا بينما كان الحراس ينتقلون من زنزانة إلى أخرى ويضربون السجناء، وعندما يصلون إلى زنزانته، كانوا يقفون عند الباب وينادونه باسمه ثم يغادرون.
استخدم غودوين شريحة صخرية لنحت روزنامة على جدار زنزانته تتضمن تواريخ نهائيات كأس” ستانلي” الجارية. “يقضي أي سجين عادي وقته في العد التنازلي للأيام حتى نهاية عقوبته”. (…).
بعد أسابيع من السجن الانفرادي، تم استجواب غودوين لساعات وهو معصوب العينين ويداه مقيدتان خلف ظهره الى كرسي.
قام محقق تحدث الإنجليزية ذات اللكنة الاميركية بترجمة اقوال لمجموعة من الرجال الذين استجوبوا غودوين حول سفره حول العالم.
بعد 27 يوما في السجن الانفرادي نُقل إلى سجن عدرا وهو مركز اعتقال حيث يقول نشطاء الأمم المتحدة وحقوق الإنسان إن السجناء السياسيين يتعرضون فيه للتعذيب.
في سجن عدرا تقاسم غودوين زنزانة مع قرابة الـ 30 نزيلا آخرين وحاول معرفة كيفية الحصول على المساعدة. عرض أحد زملائه في الزنزانة تهريب مذكرة لوالده السيد غودوين بينما يقوم بنقل ملابسه المتسخة، وقد ذكر فيها طبق السلمون المفضل لديه في “نادي ميسوري الرياضي”. بعد اسبوع، وجد غودوين طريقة للاتصال عبر تطبيق “إنستغرام”، قال سجين سوري يدعى علاء لغودوين أنه يمكنه استخدام مكالماته اليومية مع شقيقته لإيصال رسالة الى عائلته.
يقول علاء الذي أطلق سراحه وطلب عدم ذكر كنيته لحماية عائلته بأن غودوين “كان بمفرده ولم تكن لديه عائلة في سوريا ولا يمكن لأي شخص مساعدته”.
باب أمل يفتح
في 25 تموز يوليو 2019 اتصل السيد عباس بآل غودوين قائلا بأن “الأسد وافق على إطلاق سراح سام”، وسأل:” متى يمكنكم الوصول إلى بيروت؟”.
في دمشق، طلب الحراس السوريون من غودوين حزم أمتعته. في اليوم التالي، اقتاده الحراس الى مجمع أمني آخر حيث رأى جنديا يضع العلم اللبناني على زيّه العسكري. قال الجندي: “سآخذك إلى لبنان اليوم، هل تريد أن تأتي؟”
وانطلقت بغودوين قافلة من سيارات الدفع الرباعي السوداء يرافقها دوي صفارات الإنذار متجهة إلى خارج دمشق وعبرت إلى لبنان بعد حوالي ساعة.
بعد فترة وجيزة، وصل آل غودوين إلى بيروت مع السيد عباس، (…) توجهوا إلى بيروت في موكبهم الخاص من سيارات الدفع الرباعي السوداء. على الطريق، أعطى جندي هاتفا للسيدة غودوين حيث سمعت صوت نجلها يقول لها:” أهلا بكم في لبنان”.
علمت السيدة غودوين أن الصديق اللبناني الذي أطلق سراح ابنهما هو اللواء إبراهيم. أخبر اللواء المسؤولين الأميركيين في منتصف المفاوضات أنه يعمل على القضية.
طيلة العقد الماضي، ساعد اللواء إبراهيم في تحرير أكثر من 65 شخصا من حكومات المنطقة والجماعات المتطرفة. يقول:” لديّ نقطة ضعف تجاه الأمّهات”.
عندما اجتمع شمل الأسرة مجددا في مكتب اللواء إبراهيم، طوّقت والدة غودوين ولدها بذراعيها، وهمست في أذنه:”هل أنت بخير؟”.
كان غودوين واحدًا من أميركيين اثنين عرفا بأنه تم إطلاق سراحهما من قبل النظام السوري منذ حملته الوحشية في 2011 ضد المتظاهرين. يُعتقد أن أكثر من نصف مليون شخص قد لقوا حتفهم في الحرب الأهلية التي تلت ذلك.
قالت السيدة غودوين: “كنت أعلم دوما بأن المعجزات حقيقية، ولم أعتقد مطلقًا بأن الله سيفعل شيئًا من أجلي.”
من جهته، قال كيران رامزي الذي شغل حتى وقت قريب منصب مدير خلية دمج الرهائن المشتركة بين الوكالات بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن الولايات المتحدة “ملتزمة باستعادة جميع الرهائن الأميركيين في الخارج”.
قال آل غودوين إنهم لم يدفعوا فدية، وقال المسؤولون الأميركيون أنه لا يوجد ما يشير إلى أن النظام قبض المال مقابل إطلاق سراح السيد غودوين.
قال روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي لترامب، الذي شغل منصب كبير مبعوثي الرهائن عندما اختفى السيد غودوين: “ما فعلته عائلة غودوين كان خارقا”.
بعد عودته إلى الولايات المتحدة شاهد غودوين الإعادة لمباريات نهائيات كأس ستانلي والتي انتهت بفوز البلوز على البروينز. (…). أمضى غودوين ليلة رأس السنة في البرازيل، وهو البلد الرقم 193 في محطته النهائية لرحلاته. أشار الى ذلك بصورة التقطها تحت ذراعي السيد المسيح في ريو دي جانيرو.
*شارك في هذا التقرير: إيزابيل كولز من سوريا، ونزيه عسيران من بيروت، وكتبه ديون نيسينباوم.