مقالات مختارة
صحيفة الاستقلال
في آب اغسطس 2020 حذر وليم بيرنز من أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب سيحدث في أيامه الأخيرة فوضى في أميركا. | |
في عام 1994، أدرجت مجلة “تايم” وليم بيرنز على لائحة أول 50 قائدا أميركيا واعدا دون سن الأربعين، وعلى لائحة القادة المئة في العالم من الشباب.
وفي 11 كانون الثاني يناير 2021، أعلن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن تعيين وليم بيرنز مديرا عاما لوكالة الاستخبارات الأميركية، (السي آي ايه) قائلا إن “الشعب الأمريكي سينام بهدوء معه بصفته المدير القادم للمخابرات المركزية”. وقال بايدن إن “بيرنز يشاركني إيماني العميق بأن الذكاء يجب أن يكون غير سياسي وأن خبراء المخابرات المتفانين الذين يخدمون أمتنا يستحقون امتناننا واحترامنا”. مفاوض صدامي ولد بيرنز في 11 نيسان ابريل العام 1956، في فورت براج بولاية كارولاينا الشمالية، ثم حصل على بكالوريوس آداب في التاريخ من جامعة لاسال، وماجستير ودكتوراه فلسفة في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد المرموقة. بيرنز الذي يجيد 3 لغات العربية والفرنسية والروسية، درس كباحث في منحة مارشال، وهي منحة للدراسات العليا للشباب الأميركيين المتميزين فكريا، وقادة المستقبل في بلادهم، للدراسة في أي جامعة. كما تعتبر من بين منح الدراسات العليا الأكثر اختيارا للطلاب، مع معدل قبول حوالي 4 في المئة فقط، وتعد واحدة من أعرق المنح الدراسية للمواطنين الأميركيين. ولمعرفة أهمية المنحة التي انتظم وليام بيرنز ضمن صفوفها فهناك أكثر من 1900 شخص، من خريجي منحة مارشال من العلماء والباحثين، ومن بينهم حاليا 2 من 9 قضاة يعملون في المحكمة العليا للولايات المتحدة. أما الخريجون الآخرون من هذه المنحة فعملوا في الكونغرس ومجلس الوزراء الرئاسي ومنهم من أصبحوا حكاما لبعض الولايات الأميركية. يتمتع قائد الاستخبارات الأميركية الجديد، بخبرة عميقة داخل إدارات الحكم المختلفة، ورغم أن شخصيته تتسم بالدأب في المفاوضات الصعبة، لكنها لا تخلو من لحظات صدامية، في مسيرته العملية التي تصل إلى أكثر من 3 عقود. وحسب تقرير لموقع “هاف بوست” الأميركي، بتاريخ 11 كانون الثاني يناير 2021، فإن الدبلوماسي المخضرم سيكون أول رئيس لوكالة المخابرات المركزية قضى جلّ حياته المهنية داخل أروقة وزارة الخارجية.
شغل بيرنز عددا من المناصب بوزارة الخارجية على مدار 33 عاما، حيث عمل سفيرا بالأردن في عهد الرئيس بيل كلينتون، وسفيرا بروسيا في عهد الرئيس جورج بوش (الابن)، ثم تولى خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما منصب وكيل وزارة الخارجية. عارض بيرنز، أوباما في بعض السياسات المتعلقة بسوريا، وقال في لقاء أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط العام 2019، بأن “الرئيس باراك أوباما ارتكب كثيرا من الأخطاء في سوريا”، وأضاف أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أكثر من استفاد من تلك الأخطاء”. كان بيرنز يرى بضرورة توجيه ضربة عسكرية للأسد، قائلا:” لقد قلنا إن على الأسد الرحيل، ثم وضع الرئيس أوباما الخط الأحمر، لكن الأسد لم يحترمه، كان على أوباما أن يعاقبه، لا يجوز أن تضع أميركا خطوطا حمراء ويتجاوزها الآخرون دون محاسبة أو عقاب”. كما تحدث بيرنز عن اصطدامه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أول مرة التقى معه عام 2005، عندما قدم أوراق اعتماده كسفير للولايات المتحدة في موسكو. وقال “لا أنسى أول مرة التقيته فيها، عندما ذهبت لأقدم أوراق اعتمادي مع رسالة من الرئيس جورج بوش”، وأضاف “مبنى الكرملين صُمم بطريقة ترهب الضيوف الأجانب، قاعات ضخمة وممرات طويلة، ثم تركوني لبضع دقائق منتظرا.. فجأة فُتح الباب وأطل بوتين”، وأردف “جسديا هو ليس من أكثر الرجال كاريزما في العالم”. واستطرد: “دخل وأخذ يدي ثم حدق في عيني، وقبل أن أحكي أي كلمة، قال: أنتم الأميركيون يجب أن تصغوا أكثر، لا تستطيعون القيام بالأمور على مزاجكم، يمكن أن نقوم بعلاقات مؤثرة وجيدة، لكن ليس وفق معاييركم”.
ملفات حيوية أثناء عمله في الخارجية تميز بيرنز بفاعليته، في إدارة ملفات حيوية، ففي حزيران يونيو 2001، شارك في فرض اتفاق وقف إطلاق النار الإسرائيلي الفلسطيني وهي الهدنة الأولى التي أيدتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي. لعب بيرنز دورا رائدا في حل قضية نزع السلاح الليبي سلميا، وفي كانون الأول ديسمبر 2003، وافق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على التخلص من برنامج أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك برنامج الأسلحة النووية الذي بلغ عمره عقودا. كما ساهم بيرنز في الجهود المبذولة لإعادة العلاقات مع روسيا خلال الفترة الأولى من عهد إدارة أوباما، ولأول مرة كان ضمن فريق تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع الهند، لكبح جماح وتطلعات الصين. خبرة وليام بيرنز التفاوضية تجلت في العام 2013، عندما قاد المحادثات الثنائية السرية مع إيران والتي أدت إلى الاتفاق المؤقت بين إيران و(مجموعة 5 + 1)، وفي النهاية إلى الاتفاق النووي الإيراني. كان بيرنز حينها “في مقعد القيادة” لفريق التفاوض الأميركي، والتقى حينها سرا بالمسؤولين الإيرانيين في وقت مبكر من عام 2008، عندما أرسله الرئيس جورج دبليو بوش، لبدء الحديث حول حلحلة الملف النووي.
جنون ترامب في آب أغسطس 2020، وقبل أشهر من الأحداث الأخيرة حذر بيرنز من أن “ترامب سيحدث فوضى في السياسة الخارجية الأميركية في أيامه الأخيرة في منصبه”. وذكر في مقال نُشر بمجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية أن ” ترامب وفريقه سيضرون ضررا بالغا بالسياسة الخارجية للبلاد خلال الأشهر الخمسة المقبلة”. وعن ترشحه لمنصب مدير الاستخبارات المركزية، نشر ديفيد إغناتيوس كاتب الرأي في “واشنطن بوست” أن : “اختيار بيرنز سيخيب آمال أولئك الذين أرادوا أن يخلف ضابط مخابرات، جينا هاسبل، المديرة الحالية”. كما كتب إيغانتيوس: “بالنسبة إلى وكالة تعيش على الثقة الشخصية ، فإن بيرنز هو خيار مناسب، حيث أنه خدم في 5 إدارات رئاسية ديمقراطية وجمهورية في مجموعة متنوعة من المناصب”، وأضاف: أنه “من المحتمل أن تكون تجربته مع روسيا جذابة لبايدن في الاختيار”. عندما تقاعد بيرنز عام 2014 من وزارة الخارجية، وصفه وزير الخارجية آنذاك جون كيري بأنه “رجل دولة لا مثيل له مثل جورج كينان وتشيب بوهلين”، وهما دبلوماسيان أميركيان أسطوريان ظهرت اسماءهما خلال الحرب الباردة. وفي عام 2016، كان بيرنز من بين الأسماء المرشحة بقوة لشغل منصب وزير الخارجية، حال فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، لكنها خسرت أمام ترامب. “كارنيغي” ومصر بيرنز على دراية وثيقة بالسياسة المصرية، وهو مؤلف كتاب “المعونة الاقتصادية والسياسة الأميركية تجاه مصر”، وفي 4 شباط فبراير 2015، عيّن بيرنز رئيسا لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أقدم مركز أبحاث للشؤون الدولية في الولايات المتحدة. أثناء رئاسته لكارنيغي، كتب بيرنز العديد من المقالات والأبحاث الخاصة بالسياسة الخارجية الأميركية، وفي عام 2019 أصدر كتاب “القناة الخلفية” يدعو فيه إلى تجديد الدبلوماسية الأميركية بشكل عام. عندما تم ترشيحه إلى منصب قيادة الاستخبارات المركزية، قال عنه بايدن إن بيرنز دبلوماسي مثالي يتمتع بعقود من الخبرة في الحفاظ على أمن الولايات المتحدة وشعبها”. وأضاف في بيانه أن “السفير بيرنز سيوفر المعرفة ووجهة النظر التي نحتاجها في منع ومواجهة التهديدات قبل أن تصل إلى حدودنا”. |