توج عام 2020 ذاته لبنانيا بعام الانهيار بامتياز. في جردة العام الدبلوماسية يصح تلقيبه بعام البيانات الدولية. فيه اصدرت مجموعة الدعم الدولية والاتحاد الاوروبي وفرنسا وبريطانيا والمانيا ومسؤولون اميركيون عشرات البيانات، وعقدوا اجتماعات افتراضية لان العام طبع ايضا بوباء كوفيد-19، قدمت نصائح الى لبنان الذي اختار ان لا ياخذ بأي منها
لم يسجل عام 2020 اي حراك دبلوماسي عربي، باستثناء زيارات متفرقة لوزراء خارجية مصر وقطر والاردن بعد انفجار مرفأ بيروت، لذا تصح فيه ايضا تسمية عام الغياب العربي بامتياز.
بدأ العام بـ”عيدية” تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب اثر حراك 17 تشرين الاول (تحولت في آب الى حكومة تصريف اعمال)، وما استتبعته من فترة سماح دولية استمرت لغاية نيسان حيث بدأ الامتعاض يظهر تدريجا.
تألفت حكومة حسان دياب في 21 كانون الثاني 2020 وسط تجاذب سياسي واسع، بعد فشل الرئيس سعد الحريري في اعادة تشكيل حكومة اختصاصيين اثر استقالته عقب حراك تشرين الاول 2019. سرعان ما واجهت الحكومة توصيفا اميركيا من مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر بانها “حكومة شكلها ويدعمها حزب الله ومؤيدو النظام السوري في لبنان، وهذا يطرح اسئلة كثيرة بمعنى هل ستكون هذه الحكومة ملتزمة محاربة الفساد والقيام بالاصلاح لان حزب الله يعيش على الفساد؟ سننتظر ونرى”. ولمح شينكر منذ بداية هذه السنة الى عقوبات جديدة “سنرى ثمارها الفعلية في نهايتها”.
لم يوفر السفير الاميركي السابق والكاتب في معهد بروكينغز جيفري فيلتمان في تقريره السياسي الدوري حكومة دياب، واضعا عملية الاصلاح المنوطة بها طريقا لقبولها. منذ تشكيل الحكومة انهمرت البيانات من فرنسا، مجموعة الدعم الدولية، الاتحاد الاوروبي، مطالبة بضرورة اجراء “اصلاحات عميقة وطموحة، لاسيما في ما يتعلق بالشفافية الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء”. انتهت معظم البيانات بالقول:” حان الوقت امام جميع المسؤولين اللبنانيين للعمل بشكل جماعي بما يحقق مصلحة جميع اللبنانيين”، وان “اصلاحات ملموسة فقط يمكنها اعادة ترميم ثقة المستثمر وفتح باب المساعدة الدولية للبنان”.
في 9 اذار اختارت الحكومة التخلف عن دفع استحقاقات “الاوروبوند”، وهي بقيمة 1,2 مليار دولار، في اول جلسة لها غداة نيلها الثقة البرلمانية، وذلك بعد مشورة خبراء من صندوق النقد الدولي الذي بدأت الحكومة مفاوضات معه حول برنامج ما قد يصلح للبنان. وبدأ وزير الخارجية ناصيف حتي حركة ديبلوماسية الى باريس حيث سمع للمرة الاولى عبارة رددها وزير الخارجية الفرنسية جان-ايف لودريان لاحقا وعلانية “ساعدوا انفسكم لكي نساعدكم”. اعتبرت فرنسا بأن مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان التي اجتمعت في 9 كانون الثاني وضعت خارطة دعم للبنان اثر استقالة سعد الحريري، واصدرت توصيات واضحة وصريحة تحث على الاصلاح تمهيدا لتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر. اما رزمة الاصلاحات فستصبح لازمة دولية على مدار السنة (رددتها المجموعة في بيانها الاخير في 22 تشرين الثاني الفائت). ما ستردده المبادرة الفرنسية في ايلول الفائت هو: اصلاحات في المالية العامة والمؤسسات التي تمتلكها الدولة، واقرار قوانين لمكافحة الفساد، وانشاء هيئة ناظمة مستقلة في مؤسسة كهرباء لبنان واعتماد الحوكمة والشفافية.
هذا النصح الفرنسي، بدأ يتحول امتعاضا منذ شهر نيسان، ويظهر ايضا في اجتماع سفراء مجموعة الدعم الدولية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب، حيث تبين في هذا الاجتماع ان الدول بدأت تشكك في جدية قيام الحكومة بالاصلاحات. في ايار اصدرت مجموعة الدعم الدولية بيانا ذكرت فيه ببيانها في 11 كانون الاول 2019، شجعت فيه كلا من الحكومة والبرلمان على العمل سويا لتهيئة الظروف اللازمة لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة في الوقت المناسب، وضمان الشفافية والمساءلة الكاملتين استجابة لمطالب اللبنانيين.
في حزيران دخل الفرنسيون مباشرة على الخط عبر زيارة الوزير جان-ايف لودريان، متحدثا مجددا عن “اصلاحات هيكلية للنظام على كل الصعد الاقتصادية والمالية والسياسية، وهي متداخلة ومترابطة ولا يمكن العمل على صعيد دون آخر”.
في هذا الوقت، بدأ خناق العقوبات يتجدد ضد “حزب الله”، حيث سجل السفير الاميركي (السابق) في المانيا ريتشارد غرينيل موقفا غير مسبوق حث فيه على حظر الجناح السياسي لحزب الله كما فعل البرلمان الالماني، في مقالة له في صحيفة بوليتيكو. في نيسان اعلنت وزارة الداخلية الالمانية حظر انشطة “حزب الله”، واضعة اياه في تصنيف المنظمات الارهابية، وتبعتها ليتوانيا واستونيا وغواتيمالا ولاتفيا وكوسوفو وسلوفينيا والباراغواي.
استمرت المراوحة وعدم القدرة على التوصل الى نتيجة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب انعدام الاجماع حول تبني برنامج له اولا الى ان توقفت المفاوضات في منتصف العام. وما ان برز بصيص نور بسيط في شباط عندما اطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعمال باخرة التنقيب عن النفط في البلوك رقم 4، حتى انطفأ هذا الامل في نيسان حيث اعلن وزير الطاقة والمياه (في حكومة تصريف الاعمال) ريمون غجر عن توقف اعمال الحفر وعن وجود الغاز على اعماق مختلفة في البلوك رقم 4 لكن لم يتم التحقق من وجود مكمن غاز.
وفيما كان يجدر بشركة توتال (بحسب العقد الموقع معها) اصدار تقريرها النهائي بعد شهرين من هذه النتيجة، فانها لم تصدره لغاية كتابة هذه السطور في تأجيل ترك المجال للكثير من التأويلات، ابرزها ان الشركة اوقفت اعمال الحفر رضوخا لضغوط دولية على لبنان بسبب عدم تنفيذه الاصلاحات الهيكلية المطلوبة منه.
في هذا العام، سجل لبنان شكاوى ضد الخروقات الاسرائيلية ومنها في نيسان الى مجلس الامن بعد ان قامت ثلاث طائرات اسرائيلية بقصف مواقع سورية انطلاقا من الاجواء اللبنانية.
منذ اذار، بدأ ما يمكن تسميته بـ”ديبلوماسية كورونا، حيث وقع البلد في اغلاق لمطاره ولاقفال شمل اراضيه كلها مكافحة للوباء الذي غزا العالم. لكن في نيسان وايار، اجلت الحكومة اللبنانية الاف المغتربين الذين عادوا الى ربوع الوطن، وتخطى عدد الراغبين في العودة الثلاثين الفا، فيما شكلت وزارة الخارجية والمغتربين خلية ازمة، مستنفرة بعثاتها الـ88 في انحاء العالم.
في حزيران، اخذت الحركة الفرنسية تنشط مع زيارة لودريان، لكنها تزامنت مع اشتداد وطأة ضغوط العقوبات الاميركية التي اطلت برأسها من سوريا عبر قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران بعدما اقر في مجلس النواب الاميركي في 22 كانون الثاني 2019. وقد هدد القانون بأن يطاول اي شخص او كيان يوفر دعما ماليا او تقنيا او ماديا ما، او ينخرط في صفقة كبيرة مع الحكومة السورية.
بطبيعة الحال، ونظرا الى الترابط بين اقتصادي لبنان وسوريا تعرقلت تبادلات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر تجديد عقد استجرار الكهرباء من سوريا وبالليرة اللبنانية، وبوشر التضييق في التصدير الى سوريا ومنها الى العراق ودول الجوار مما اسهم في تعميق الانهيار الاقتصادي. وسط هذه الفوضى، برز حدث ديبلوماسي محلي غير مسبوق مع السفيرة الاميركية التي عينت في لبنان في اذار الماضي دوروثي شيا، حيث اثار قرار للقاضي محمد المازح بمنعها من التصريح لوسائل الاعلام ومنع الاخيرة من طلب مقابلات معها تحت طائلة العقوبات ودفع الغرامات. سجالات قوية رصدت في السياسة والاعلام على حد سواء، وانتهى السجال باستقالة القاضي اعتراضا على خرق قراره من السفيرة ومن وسائل الاعلام اللبنانية.
وجاء آب، شهر الزعزعة القوية حيث وقع انفجار مرفأ بيروت المدمر بسبب وجود كميات كبيرة من نيترات الامونيوم في العنبر رقم 12 منذ العام 2013 مما دمر جزءا كبيرا من المرفأ ومن بيروت، واوقع 209 شهداء ومئات الجرحى والمعوقين وشرد الالاف، وكسر جزئيا ووقتيا الحصار الدولي على لبنان، فانهالت المساعدات من كل حدب وصوب برعاية الامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني. في 6 آب، غط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في لبنان في زيارته الاولى ليلتحم مع اللبنانيين في المناطق المنكوبة: الجميزة ومار مخايل ومنطقة المرفأ المنكوبة. في 9 آب دعا ماكرون الى عقد المؤتمر الاول لدعم الشعب اللبناني افتراضيا، حضره الرئيس الاميركي دونالد ترامب شخصيا وكانت نتيجته تعهد الدول بـ 280 مليون اورو ترسل كمساعدات عينية انسانية عبر الامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.
في 11 آب استقالت حكومة حسان دياب لتتحول الى تصريف الاعمال. في 16 منه جاء وكيل وزير الخارجية الاميركي ديفيد هيل الى لبنان. في 31 آب صدر بيان عن مجموعة الدعم الدولية مجددا طالبت فيه بـ “تشكيل حكومة باسرع وقت ممكن وباصلاحات”، مما جاء فيه ايضا: “على الحكومة الجديدة الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية”. في الاول من ايلول، احتفل الرئيس ماكرون في اثناء زيارته الثانية بمئوية لبنان الكبير في قصر الصنوبر، واجتمع باركان الكتل السياسية اللبنانية مطلقا المبادرة الفرنسية. تزامن ذلك مع زيارة لمساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر، لكنه لم يقابل فيها اي مسؤول رسمي باستثناء قائد الجيش العماد جوزف عون واعضاء من المجتمع المدني وعدد من النواب جلهم من المستقلين.
اطلق شينكر في تلك الزيارة سلسلة مواقف عبر وسائل الاعلام، ابرزها: ان الادارة الاميركية تعمل في شكل مستمر على رزمة عقوبات للضاعلين في اعمال ارهابية او ضمن عقوبات قانون ماغنتسكي وهي قيد التحضير. في هذا الوقت، كلف سفير لبنان في المانيا مصطفى اديب تشكيل الحكومة الجديدة، وفي اثناء عملية التشكيل وقع سيف العقوبات الاميركية على الوزيرين السابقين علي حسن الخليل ويوسف فنيانوس بحسب عقوبات الاوفاك. لم تكتمل الفرحة الحكومية، غضب الرئيس الفرنسي ماكرون وعقد مؤتمرا صحافيا افتراضيا في باريس في 27 ايلول الفائت، صب فيه جام غضبه على الطبقة السياسية اللبنانية واتهمها بانها “لم تحترم العهود التي اتخذتها امام فرنسا والمجتمع الدولي”. العصا الاميركية ضربت جزرة المبادرة الفرنسية للمرة الثانية في اثناء محاولة الرئيس المكلف سعد الحريري (اديب اعتذر) في تشرين الثاني تشكيل حكومة لتشمل عقوبات ماغنتسكي رئيس تكتل لبنان القوي النائب ووزير الخارجية السابق جبران باسيل، فتراكمت العقد وهي لا تزال لغاية اليوم.
في 2 كانون الاول دعا الرئيس ماكرون الى المؤتمر الدولي الثاني لدعم الشعب اللبناني، واعلن ان اكثر من 20 في المئة من الشعب اللبناني يعيشون تحت خط الفقر. كذلك اعلن عن تأسيس صندوق يديره البنك الدولي للمساهمة في تقديم مساعدات انسانية الى لبنان. كما اعتبر انه يجب العمل على تشكيل حكومة باسرع وقت ممكن واجراء الاصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي، والا لن يحصل لبنان على مساعدات دولية، وهو اعلن انه سيزور لبنان للمرة الثالثة في 21 كانون الاول الفائت.
في 7 كانون الاول الفائت تدخلت المانيا على الخط اللبناني عبر الاتحاد الاوروبي الذي اصدر في 7 كانون الاول بيانا مهما دعا فيه لبنان لأن يقيم محادثات فاعلة مع صندوق النقد الدولي، مشددا على انه يجب ان تستانف في اقرب وقت ممكن. وعدد وزراء الخارجية مجموعة من الاجراءات المفتاحية كما وصفوها: مثل اعتماد قانون الكابيتال كونترول، والانتقال السريع الى تحقيق جنائي لمصرف لبنان المركزي (توقف بعد انسحاب شركة الفاريز ومارسال)، واتخاذ تدابير توفر الاستقرار للقطاع المصرفي عبر التشريعات اللازمة بشكل ضروري. وسجل نهاية العام صدور تقرير للبنك الدولي اعرب فيه عن قلقه بازاء زيارة التضخم بنسبة 75 في المئة عام 2020، متوقعا زيادة تصل الى 40 في المئة في سنة 2021.