“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
ما هي المصالح التركية في لبنان ولماذا تنخرط انقرة في بلدنا وفقا لسياستها الخارجية القائمة مجددا على المواجهة في الجوار والمنطقة وعلى تجميع اوراق للتفاوض عليها ليس مع ايران وروسيا حول سوريا ولبنان فحسب ولكن ايضا مع اوروبا والولايات المتحدة الاميركية وحتى حلف شمالي الاطلسي وهي جزء منه.
يبدو لبنان عصبا استراتيجيا مهما لأنقرة ولرئيسها رجب طيب اردوغان الذي ينتهج سياسة قومية ذي وجه اسلاموي لتحقيق اعادة هيمنة تركيا على قضايا رئيسية في المنطقة، ولتثبيت دورها في مواجهة الدول الخليجية وخصوصا غريمتها الاولى المملكة العربية السعودية وهي لا تترك ورقة في المنطقة إلا وتحاول الامساك بها، من سوريا ولبنان وليبيا ومحاولتها الدخول الى الساحة المصرية، وتحالفها الاستراتيجي مع دولة قطر، وتلاعبها مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والناتو وعينها في كل ذلك على السيطرة السياسية وعلى غاز شرق المتوسط. ليست الطموحات التركية في لبنان “فانتازمات” او توهمات لبنانية، بل ترتكز الى حقائق ووقائع فندتها الدكتورة في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت جنى جبور في ندوة نظمها مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية حول السياسة الخارجية التركية أدارها رئيس المركز الدكتور جوزف باحوط.
وردا على سؤال وجهه باحوط حول اسباب محاولة تركيا ان يكون لها موطئ قدم في لبنان، وهل يرتبط ذلك بمحاولتها التحضير لمفاوضات مستقبلية مع ايران او دول الخليج عبر لبنان بالرغم من وجود صراع مصالح لديها مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة بسبب علاقتها الوثيقة مع قطر؟ وهل تهيئ لمفاوضات مع دول الخليج عبر المسرح اللبناني؟
وربما ايضا ثمة احتمال من تحضيرها لمفاوضات مع فرنسا واوروبا عبر لبنان؟ أقله اذا اردنا ان نتبع التوهم اللبناني بأنه يوجد صدام بين فرنسا وتركيا على الاراضي اللبنانية؟ وردّت جبور على سؤال باحوط قائلة بأن لدى تركيا “مصالح استراتيجية في لبنان يمكن تلخيصها بوجه عام كالآتي: اولا، احتواء ايران، احتواء الشيعة والتمدد الشيعي في لبنان عبر “حزب الله”، ثانيا، هو تأمين الحماية للمصالح في مجال الطاقة وتحديدا ما تم اكتشافه اخيرا من موارد غازية في شرق البحر المتوسط، ثالثا، توسيع التأثير التركي الاقتصادي والحضور السياسي لتركيا في لبنان وتحديدا عبر بناء علاقة متينة مع الطائفة السنية اللبنانية”.
وعادت جبور الى حقبة 2007 و2008 وما شهدناه من انخراط تركيا في سياسة خارجية متعددة الاطراف إزاء لبنان، وشرحت:” على الصعيد السياسي لم تكتف تركيا ببناء تحالف قوي مع الطائفة السنية عبر “تيار المستقبل”، أي جماعة الحريري (رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري) بل قامت بالتقارب المثير للاهتمام مع الطائفة التركمانية في لبنان”.
ولفتت جبور الى انه ” يوجد تركمان لبنانيون حوالي 20 ألف مواطن لبناني يتواجدون بشكل خاص في منطقة بعلبك ولكن ايضا في شمال لبنان في مناطق الكويشرة وعيدمون. وشهدت تركيا لأول مرة في تاريخها علاقات مع هؤلاء التركمان في لبنان بهدف محدد هو استمالتهم واستخدامهم كأدوات لتوسيع التأثير التركي في لبنان. قامت تركيا مثلا بهبات لمنح دراسية لطلاب تركمان، وبنت مجموعة من المستشفيات والمدارس في القرى والبلدات التي يقطنها التركمان. وصارت تركيا ذي شعبية واسعة ضمن المجموعة التركمانية، لدرجة انه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2018 في تركيا، قام 26 في المئة من تركمان لبنان بالاقتراع لصالح رجب طيب اردوغان، وكان ذلك العدد الاكبر من الاصوات الذي يناله من الانتخابات في الخارج. على المستوى الاقتصادي ايضا، فإن تركيا وظفت الكثير لجهة الاتفاقيات التجارية مع لبنان” (…).
في العام 2010 عشية الثورات العربية، كان رجب طيب اردوغان رئيس حكومة في ذلك الوقت، وقام بزيارة رسمية الى بيروت، وهو اعلن من العاصمة اللبنانية إنشاء فضاء شنغن، وهي شبكة للمرور الحر للبضائع والناس في منطقة المشرق في بلاد الشام… وأخيرا وليس آخرا، فقد قامت تركيا بالاستثمار بشكل كبير في مجال القوة الناعمة في لبنان عبر تصدير المسلسلات التركية التي تغزو الشاشات اللبنانية، عبر تقديم هبات ايضا ومنح دراسية لطلاب وعبر اعادة تأهيل التراث العثماني في لبنان بحسب جنى جبور.
وتضيف:” بطبيعة الحال إن هذه الاعمال والمبادرات، زادت من تأثير وجدوى واهمية تركيا في لبنان. لكنني سأقدّم تعليقين اثنين مهمين كملاحظات: إن تأثير تركيا وشعبيتها في لبنان لا يزال منحصرا في الطائفة السنية التي ترى في تركيا قوة سنية اكثرية ودولة قوية قادرة على مجابهة ايران والتمدد الشيعي في لبنان والمنطقة. لكن حين يأتي الأمر للطوائف الأخرى مثل المسيحيين والشيعة وأيضا السنة الليبيراليين، أو للطائفة الارمنية في لبنان فإن لديها رؤية سلبية لانخراط تركيا في بلدهم. الملاحظة الرئيسية الثانية التي أود ذكرها والتي تجيب على سؤالك بشكل مباشر هي انه بالرغم من وجود مصالح استراتيجية في لبنان، فشلت تركيا لغاية الآن بصوغ اجندة واضحة وخطة عمل واضحة، وبوضع استراتيجية طويلة الامد للبنان. وانا اعتقد بأن السياسة الخارجية التركية في لبنان هي أكثر استجابية على كونها فعالة
فهي تقوم بردة فعل حيال الحوادث عوض أن تقوم بصنع هذه الاحداث. وهذا يقودني الى القول أنه إذا تمت المقارنة بين دور تركيا وتأثيرها في لبنان اليوم بالتأثير الايراني فبالتأكيد ليس لتركيا اي حظ هنا”.
تضيف جبور:” صحيح انه توجد توهمات كثيرة فضلا عن مزاعم في وسائل الاعلام عن دور استخباري تركي في لبنان وتحديدا في ما يخص توفير الاسلحة الى بعض المجموعات الجهادية، في طرابلس وعكار وفي المنطقة الشمالية من لبنان. كل ذلك هو ادعاءات… لغاية الآن ليس لدينا قطعا أي دليل حول ذلك، على نقيض ذلك عندما تقرأ تقارير القوى الامنية حول التأثير التركي في لبنان فإنها تضيء فقط على انخراط تركيا على مستوى القوة الناعمة وليس على القوة العنيفة بمعنى تسليح الناس. أخيرا وليس آخرا ومن اجل الاجابة على سؤالك الثاني، هنالك احاديث كثيرة عن أن تركيا تريد استخدام لبنان كورقة تفاوض ليس حيال دول الخليج فحسب، ولكن ايضا وهذا هو الاهم حيال اوروبا. وما رأيناه اخيرا هو منافسة اميركية تركية على لبنان اليوم، وهو تمظهر في الزيارتين المتوازيتين للرئيس ايمانويل ماكرون الى لبنان بعد انفجار بيروت، والتي استتبعت بسرعة بزيارة لوفد رسمي تركي رفيع الى بيروت. إن قيام الاتراك بزيارة بيروت مباشرة بعد ماكرون هي لتثبيت وجهتهم وللقول بأن لبنان هو حلبة تأثيرنا الخاصة، لدينا روابط تاريخية وثقافية مشتركة وقد استثمرنا الكثير في الاعوام السابقة في لبنان، ونحن على استعداد لتبني سياسة خارجية عدوانيّة في لبنان من اجل حماية مصالحنا في الطاقة هنالك. وبالتالي هنالك رسالة واضحة أرسلت الى ماكرون بأن اهتمامك المستجد بلبنان ليس محل ترحيب، ونحن على استعداد للدفاع عما هو ملكنا ولا يهم ما سيكون الثمن الذي سندفعه”.