“مقالات مختارة”
مرصد “جاينز”
ميتش بروتيرو وكايت كوكس
شبكات ابراهيم
يتربّع اللواء عبّاس ابراهيم المدير العام للامن العام في لبنان في دائرة هي عبارة عن حلقة وصل غير مألوفة تجعله على تماس سياسي مع المسؤولين السياسيين الأوروبيين والأميركيين، بالإضافة إلى خصوم الولايات المتحدة الإقليميين: إيران وسوريا و”حزب الله” في داخل لبنان.
عززت استقلالية اللواء إبراهيم السياسية وعقده الصفقات الإقليمية التي تحظى باحترام واسع مكانته كإحدى الشخصيات الرسمية الاكثر نفوذا في لبنان.
يشرف اللواء ابراهيم بصفته مديرا عاما للأمن العام على إدارة حدود لبنان ووثائق الهوية للأجانب واللبنانيين. منذ توليه منصبه في العام 2011، وسّع ابراهيم النفوذ الدبلوماسي والاستخباراتي والأمني لهذا المنصب وهو يشارك بشكل روتيني في الاستحقاقات الدولية الرفيعة المستوى. في تشرين الاول اكتوبر الماضي -على سبيل المثال- التقى إبراهيم بمستشار الأمن القومي الاميركي روبرت أوبراين وسواه من مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى في واشنطن.
يتقاطع تأثير إبراهيم مع نفوذ شخصيات قوية في لبنان بمن فيهم قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون. في بلد يتسم بالتقلبات السياسية والانهيار الاقتصادي، يعمل إبراهيم أيضا كواحد من صلات الوصل الفعالة الوحيدة للحكومة اللبنانية مع الحكومات الوطنية الأخرى.
“يحافظ عبّاس على وحدة الموقع، لذا ليس من أحد مستعجل لضربه بالعقوبات بسبب بعض الاتصالات مع “حزب الله”، إن تجنب العقوبات ليس ذي مغزى فحسب، بل إنه وبكل صراحة مفيد جدا للسياسة الخارجية الاميركية”، يقول مسؤول أمني أميركي عمل في ادارة باراك اوباما، وطلب عدم ذكر اسمه نظرا لدور عتيد سيلعبه في ادارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
وكان المسؤول السابق يشير إلى مشروع قانون في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين يعملون في حكومة يشارك فيها “حزب الله”.
إبراهيم، وهو مسلم شيعي من جنوب لبنان، يعتبر مقربا من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينظر اليه على انه قناة اتصال راسخة بين الغرب وقيادة “حزب الله”.
“هو اسهم بشكل اساسي في تشكيل الحكومة الحالية مع برّي. كانوا يتنقلون بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف حاليا سعد الحريري، و”حزب الله” وبقية الافرقاء” قال محلل سياسي لبناني طلب عدم ذكر اسمه.
” قدّم عّباس وعودا امنية لكل فريق” بحسب المحلل المذكور، (على غرار أن) “حزب الله” لن يستهدف رجال الحريري، والحكومة لن تقوم بإزاحة اشخاص لا يثق بهم “حزب الله” في المراكز الامنية. كان عليهم فعل ذلك في ظلّ كلّ حكومة”.
قال ستة خبراء ومسؤولين سابقين استشارتهم “جاينز” في هذا التحليل بأن فرض أية عقوبات على إبراهيم سيكون أمرا غير حكيم. إن امتداد شبكات عباس وتأثيره على الاستقرار يعنيان بأن الحكومات الغربية قد استفادت من مقاربة اكثر تعاونا مع ابراهيم.
” هل لديك مواطنا مفقودا في سوريا وتريد أن تسأل النظام عنه؟ تكلّم مع عبّاس” قال مسؤول استخباري اوروبي ربطته علاقات وثيقة مع ابراهيم لعقد من الزمن. ” هل تحتاج لنقل كيس من النقود الى سوريا لدفعها لأحد قام بخطف مواطنك؟ (هذا يتوقف على مكان وجوده في سوريا)… عليك الاتصال بعبّاس. هل لدى “حزب الله” مجموعة من عناصره مفقودين في خارج حلب ويريد من الاتراك العثور عليهم؟ إنهم يتصلون بعبّاس”. وأضاف المسؤول الرسمي:” إن الاشخاص الوحيدين الذين لا يتصلون بعباس هم الاسرائيليين وربما ينبغي عليهم القيام بذلك”.
الخلفيّة العسكرية
قبل توليه منصب مدير الأمن العام في العام 2011، تدرّج إبراهيم قدما في رتب الجيش اللبناني – حيث خدم في عمليات مكافحة الإرهاب والاستخبارات – ووسّع تأثيره الدولي مع مرور الوقت.
“كان عباس أحد رجال برّي، لكنّه ترعرع في الحرب الاهلية في صفوف الجيش وفي مكافحة الارهاب وبقي دوما وفيا للجيش”. يقول جنرال متقاعد وصديق مقرّب من ابراهيم. انخرط ابراهيم في صفوف الجيش اللبناني في العام 1980، وبحلول اواسط الثمانينينات تولى سلسلة من عمليات مكافحة الارهاب.
بعد ان تولى قيادة الاشراف على التفاصيل الأمنية التي كانت تحمي مندوبي جامعة الدول العربية خلال زيارة قاموا بها إلى بيروت في العام 1987، قاد إبراهيم التفاصيل الأمنية لعدد من المسؤولين اللبنانيين النافذين ومن ضمنهم الرئيس الياس الهراوي ورئيس الوزراء رفيق الحريري. بعد انتهاء الحرب الأهلية، تابع إبراهيم تدريبات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
“في نهاية الحرب الأهلية كان ابراهيم ضابطًا شابًا ونجمًا” قال الجنرال اللبناني المتقاعد.
“كان شيعيا وبقي مواليا للدولة وللجيش ومنفتحا على الدبلوماسيين والسياسيين. لقد تعلم اللغة الإنجليزية بشكل ممتاز وخلال تلك الحقبة أراد الجميع مساعدة لبنان… وكان للضباط ذوي العلاقات النافذة فرصا جيدة للدراسة في الولايات المتحدة الاميركية واوروبا”.
في ظل الاحتلال السوري (1976-2005)، تمّت ترقية إبراهيم في صفوف وحدات مكافحة الإرهاب والاستخبارات التابعة للجيش اللبناني والتي غالبا ما كانت تنفّذ عمليات صغيرة لم تحظ باهتمام خارج لبنان.
طرابلس والبقاع وصيدا… طالما كانت هنالك عمليات دائمة ضد محازبين اسلاميين وعدد من الميليشيات التي لم تنزع سلاحها بعد الحرب الأهلية. أصيب ابراهيم مرتين في هذه العمليات. “هو رجل قوي الشكيمة وذي بأس” كما يقول الجنرال المتقاعد.
” هو ساعد ايضا في إجلاء معسكر حزب العمال الكردستاني (بارتييا كركرين كردستان) من البقاع مما منحه خبرة في التفاوض بين السوريين والأتراك.
بعد اغتيال الحريري في العام 2005، تولى إبراهيم أقوى دور قد يمنح لمسلم شيعي في الجيش اللبناني الذي يهيمن عليه المسيحيون: رئيس المخابرات العسكرية لجنوب لبنان. كان المكتب المختص يقع في قاعدة عسكرية على بعد بضع مئات من الأمتار من “عين الحلوة”
– وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان معروف بمستويات العنف المرتفعة – وكان مسؤولا عن توفير الحماية لمخيمات اللاجئين والسيطرة على الحدود مع إسرائيل والاضطلاع بالاتصال العسكري و بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) ومع “حزب الله”.
“يتحكم هذا المكتب في الوصول الى جنوب لبنان والى المخيمات الفلسطينية، ويترتب عليه التنسيق بين “اليونيفيل” و”حزب الله”. يقول الجنرال. تمّ تعيين ابراهيم في هذا المركز لأنه كان ذي موهبة ويحظى باحترام كبير، نعم، ولكن أيضا لأن “حزب الله” قرر أنه يمكنه الوثوق به”.
أدى تعزيز دور قوات “اليونيفيل” بعد حرب العام 2006 مع اسرائيل الى المزيد من ارتقاء ابراهيم، وفق مسؤول المخابرات الاوروبية، وهذا ما دفع به ايضا التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.
“التقيت به أولاً وهو يتصدى لعمليات انتشار “اليونيفيل”، وكان حادا للغاية وجديرا للغاية ودقيقا”، يقول المسؤول الاوروبي. “بدأ ضباط حلف شمالي الاطلسي وسفاراته يلاحظونه كشخص جاد يمكنهم التعامل معه، واستمر ذلك مع تقدّم التحقيق في قضية الحريري”.
“أنا أحبّه كثيرا”، يقول محقق في المحكمة الخاصة بلبنان، “إنه رجل عنيد لكنه حادّ الذكاء، ولقد كان يتعامل معنا دوما بصدق. ومن الواضح بأن المسؤول الامني في “حزب الله” وفيق صفا كان يمنحه الثقة للعب دور مستقيم في قضية الحريري”.
الآفاق المستقبلية
تستمر قيمة ابراهيم باكتساب اهمية بالنسبة الى المجتمع الدولي في ضوء التطورات الجيوسياسية المتواصلة. التزمت إدارة بايدن القادمة بالدبلوماسية المتعددة الأطراف وباستئناف الاتفاق النووي الإيراني. يواجه كل من لبنان وسوريا انهيارا اقتصاديا وشيكا، بينما تواصل إسرائيل مهاجمة “حزب الله” والمواقع والمسؤولين الايرانيين في أنحاء المنطقة كلها. كل ذلك يجعل من ابراهيم شخصية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة الى المجتمع الدولي.
في الوقت نفسه، هنالك احتمال قوي بأن يتسامح إبراهيم مع حملات القمع العنيفة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة في لبنان.
يمتلك إبراهيم خطا سلطويا، وقد أظهر استعدادا لترحيل المعارضين السوريين ويعرف بأن سلطته تعتمد جزئيا على قبول “حزب الله”.
“إنه يرى نفسه حاميا للدولة أو ما تبقًى منها” وفق مسؤول المخابرات الاوروبي.
“لا أعتقد بأنه سيعمد الى القيام بأي نوع من الانقلاب – فهو لا يستطيع إدارة البلد رسميا باعتباره شيعيًا على أي حال – ولكن لدي سبب مباشر للاعتقاد بأنه يعتقد بأن تدمير النظام الطائفي في هذا الوقت سينهي لبنان. سوف يدعم النظام القائم بالطبع”.
على الرغم من بعض الميول المتسلطة، يتمتع إبراهيم بما يكفي من المهارة كمؤثر فاعل لإبعاد نفسه من العنف السياسي وللحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع الغرب.
“إنه يعلم بأن سلطته هي محطّ ثقة وتتعالى عن النّزاعات، وهو ما يجب أن يكرهه عون لأن ذلك من المفترض أن يكون من مهمة الرئيس”، يقول المسؤول الاوروبي، “لن يضطر إلى إرسال رجاله لسحق أي متظاهرين…فالجميع يحتاجونه كلّ لغرض معيّن… لذا أشكّ بأن تقع عليه أية لائمة دولية في أي وقت”.