![رشدي: كورونا ادى الى انعدام الامن الغذائي وصعوبة توفر المياه وتأثر التعليم](https://i0.wp.com/masdardiplomacy.com/wp-content/uploads/2020/12/Najat-Rouchdi.jpg?fit=822%2C683&ssl=1)
رشدي: كورونا ادى الى انعدام الامن الغذائي وصعوبة توفر المياه وتأثر التعليم
مجلّة الأمن العام
مارلين خليفة
تصوير عبّاس سلمان
تضطلع الامم المتحدة بمسؤولية اساسية في عملية قيادة وتنسيق جهود المنظمات العاملة في المجال الانساني، وذلك لضمان ان تكون الجهود جماعية وذات استجابة فعالة كما حصل في لبنان اثر تفجير مرفأ بيروت وتفشي وباء كوفيد – 19، كما تشرح المسؤولة العليا عن قيادة هذه الجهود
بدأت قصة نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة للامم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الانسانية نجاة رشدي مع العمل الانساني في مرحلة طفولتها، حين كان والدها رئيسا للهلال الاحمر في المغرب يصطحبها معه الى مراكز عمليات الهلال الاحمر “وهذا ما نمى في داخلي روح التضامن والعطاء في سبيل خدمة الانسانية” تقول رشدي لـ”الامن العام”.
تضيف: “شغفي بالعمل الانساني يرتكز اساسا على مد يد العون لكل انسان بغض النظر عن اختلافاته متضررا كان ام ناجيا من ازمة او مصيبة معينة، وتقديم المساعدة الانسانية والفنية والمادية والمعنوية بما اتيح لي من موارد وامكانات، وبالتواصل معهم عن كثب لمنحهم الامل في مستقبل واعد وافضل”.
تتمتع رشدي بخبرة تمتد لاكثر من 20 عاما في مجال التنمية والمساعدة الانسانية والتنسيق الدولي في مناطق النزاع، بما في ذلك مهمتها الاخيرة – قبل تعيينها في بيروت في حزيران الفائت – كمستشارة اولى للمبعوث الخاص الى سوريا بالاضافة الى منصبها الاداري في مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في جنيف.
![بعد تفجير المرفأ اطلقت الامم المتحدة خطة بـ15 مليون دولار لدعم عمليات الطوارئ](https://i0.wp.com/bn4.386.myftpupload.com/wp-content/uploads/2020/12/Najat-Rouchdi-Marlene-Khalife-300x200.jpg?resize=300%2C200)
عملت قبل ذلك نائبة للممثل الخاص للامين العام والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الانسانية في بعثة الامم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية افريقيا الوسطى. كما عملت منسقة مقيمة ومنسقة للشؤون الانسانية في الكاميرون ونائبة مدير المكتب التمثيلي لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في جنيف.
* لديك خبرة واسعة في مجال المساعدة الانسانية والتنمية تمتد الى ما يزيد عن 20 عاما، وكذلك في التنسيق الدولي في مناطق النزاع، وعملت في بلدان افريقية عدة، كيف تصفين الاوضاع الانسانية والتنموية في لبنان في ضوء خبرتك؟
ـ على مدى السنوات العشر الماضية، ركز المجتمع الدولي في لبنان جهوده عن وجه حق على دعم لبنان في التعامل مع تأثير الازمة السورية ولاسيما استضافة اكبر عدد من اللاجئين لكل فرد في العالم، هذا وبالاضافة الى وجود اللاجئين الفلسطينيين. غير ان الوضع في لبنان تغير بشكل ملحوظ خلال هذا العام. فلبنان لا يعاني من اسوأ ازمة اقتصادية في تاريخه الحديث فحسب، بل يواجه ايضا مجموعة من المشاكل ذات الطابع السياسي والاداري والاقتصادي والتنموي. في 4 آب شكلت تفجيرات مرفأ بيروت – الذي تتم من خلاله 70 في المئة من النشاطات التجارية العابرة للبنان – ضربة اضافية للبلاد خلقت حاجات انسانية فورية وزادت الحاجة الى خدمات الحماية الملحة كما تسببت بنتائج سيكون اثرها وخيما على المدى الطويل. لقد كان للوضع المتدهور بشكل عام في البلاد تأثير واضح ومتزايد على وضعه الانساني، وتظهر المعطيات المتاحة تدهورا حادا على المستوى المعيشي للناس، سواء من حيث قدرتهم على تحمل اعباء تكاليف السلع والخدمات الاساسية، او من حيث توافر هذه الخدمات من الاساس، بما في ذلك خدمات الرعاية الصحية والكهرباء والمياه والنفايات الصلبة وادارة شبكات الصرف الصحي.
* ما هي سبل مساعدة لبنان خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت؟
– منذ انفجارات مرفأ بيروت ركزت الامم المتحدة وشركاؤها جهودها المشتركة على تقديم المساعدة والحماية لمن هم في امس الحاجة اليها، لكن لا تزال هناك حاجة كبيرة الى الحصول على التمويل المستدام لضمان استمرارية الدعم الانساني المنسق. فاستمرار هذه المبادرات وتقديم الدعم هو امر في غاية الاهمية لمنع تدهور الاوضاع المعيشية اكثر مما هي عليه، لاسيما مع اقتراب فصل الشتاء وبدء الامطار واستمرار حاجة العديد من الفئات الاكثر ضعفا الى المساعدة. الى جانب المساعدة الانسانية، سيحتاج لبنان الى مساعدة ملحوظة وطويلة الامد لدعم عملية الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار. لكن الجدير ذكره هنا ان الحل للوضع الراهن في لبنان، سواء في بيروت او خارجها، لا يرتكز فقط على البرامج الانسانية، اذ تقع على الحكومة اللبنانية مسؤولية حماية الناس وتلبية حاجاتهم الملحة وضمان حقوقهم المشروعة. بالتالي، ان الاصلاحات مطلوبة لا بل ضرورية وجوهرية لمعالجة الاسباب الجذرية لازمات لبنان وتمهيد الطريق لتحقيق تعافيه المستدام. لذلك، فان تطبيق اصلاحات هيكلية في مجموعة واسعة من القطاعات من بينها ضمان الحماية الاجتماعية وتعزيز الحوكمة الجيدة فاصلاح القطاع المالي والقطاع المصرفي وقطاع الكهرباء والطاقة، والمضي قدما في اصلاحات الجمارك والمشتريات العامة والشركات التي تملكها الدولة، انما هو ضروري لضمان سير الدولة بمختلف مؤسساتها في خدمة جميع اللبنانيين تحقيقا للاستقرار الشامل والامن والتنمية وتوفير مستقبل كريم لجميع ابنائه.
* ما هو الجديد الذي طرأ على مهماتكم كأمم متحدة بعد تفجير المرفأ، من برامج جديدة وكمشاريع في لبنان؟
– مباشرة بعد انفجارات مرفأ بيروت، اطلقت الامم المتحدة 15 ملیون دولار لدعم عملیات الطوارئ، حيث خصصت مبلغ 9 ملايين دولار اميركي من الصندوق الانساني للبنان و6 ملایین دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، وذلك بغية تلبية الحاجات الفورية والمنقذة للحياة وخصوصا تلك المعنية بالصحة والغذاء والحماية. في 14 آب من هذا العام، اطلقت الامم المتحدة استجابة منسقة من خلال نداء الدعم المالي الذي يسعى الى الحصول على 354.9 مليون دولار اميركي لتلبية الحاجات الفورية المنقذة للحياة لمدة ثلاثة اشهر. تتم حاليا مراجعة النداء والعمل جار على تمديده حتى نهاية العام. يدعم النداء تدخلات منسقة لتمويل نحو 119 مشروعا يستهدف 300 الف محتاج في مجالات خدمات الحماية والغذاء والتغذية والتعليم والمأوى والدعم الصحي. نحن الان في صدد الانتقال من مرحلة الطوارئ الى مرحلة التعافي والتنمية، هدفنا الاساسي يكمن في ان يتمكن الناس من المضي قدما والبدء في اعالة انفسهم من جديد. هذا هو محور تدخلات التعافي التي اقترحتها مجموعة البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ضمن اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار، استجابة لما خلفه انفجار بيروت من دمار وخسائر على مختلف الصعد.
* ما هو تأثير وباء كوفيد – 19 على لبنان؟
– في لبنان تحديدا بدأ تفشي وباء كورونا في وقت كانت البلاد تمر بمجموعة من الازمات لتزيد من وطأة الازمة ومن اوجه الضعف والحاجات على نطاق البلد. احدثت جائحة كورونا اثارا خطيرة على الانظمة الصحية والتي يجب الان تعزيزها وتطويرها لمواجهة التحديات الحالية ومقاومة الصدمات المستقبلية بشكل افضل. ان النظام الصحي القوي يشكل الحجر الاساس للاستعداد للطوارئ والاستجابة لها. في لبنان، تتمثل الاولوية العاجلة حاليا في تأمين اسرّة اضافية في المستشفيات ومعالجة مشكلة القدرة الاستيعابية لجهة التوظيف والمعدات. تتمثل الاولويات الاخرى في الحفاظ على تأمين خدمات الرعاية الصحية الاخرى، والتقليل من عدد حالات انتقال فيروس كورونا الى العاملين في مجال الرعاية الصحية ومواصلة اشراك المجتمعات المحلية في ادراك خطورة الفيروس والاستجابة له كطريقة فعالة لبناء الثقة وانهاء تفشي المرض في البلاد. لم تؤد الزيادة المستمرة في انتقال فيروس كورونا وكذلك اجراءات الاحتواء، الى اجهاد النظام الصحي في لبنان فحسب، بل ادت ايضا الى تفاقم المشكلات الاخرى الموجودة مسبقا مثل انعدام الامن الغذائي وصعوبة توفر امدادات المياه وتأثر النظام التعليمي. ازدادت الحاجات الى خدمات المياه والصرف الصحي وسبل الحفاظ على النظافة، لاسيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتي تحتوي على مجموعات ضعيفة. كما بات العديد من الاطفال خارج المدرسة، نظرا الى عدم تمكن البعض منهم من الوصول الى وسائل التعلم من بعد. اثر تفشي المرض بشكل غير متناسب على مجموعات معينة ضمن الفئات الاكثر ضعفا، بما في ذلك اللاجئين والمهاجرين والنساء والاشخاص ذوي الحاجات الخاصة وكبار السن. تبين ان النساء اكثر عرضة لتناول كميات اقل من الطعام، كما هناك ادلة تشير الى مساهمة تفشي فيروس كورونا في زيادة العنف الاسري القائم على النوع الاجتماعي. من المهم ان لا يؤثر تفشي المرض والقيود المفروضة على السفر واجراءات الاحتواء على قدرة الجهات الانسانية الفاعلة على العمل وتقديم المساعدات الانسانية المنقذة للحياة.
* كيف تقيّمون الاضرار التي لحقت بلبنان جراء انفجار المرفأ وماذا عن الاطار الخاص الذي تعدونه في هذا الخصوص؟
– قلبت انفجارات بيروت حياة كل شخص تقريبا في لبنان رأسا على عقب. في لحظة دمرت احياء باكملها وهدمت مستشفيات ومدارس وفرق افراد الاسرة الواحدة التي خسرت احباءها. كانت نتائج الانفجارات وخيمة لا بل كارثية على مختلف الصعد، وكان اثرها مدمرا على الظروف المعيشية للناس وعلى سبل عيشهم مما زاد من استنفاد اليات التكيف لديهم. بعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على فاجعة بيروت، لا تزال الامم المتحدة والمنظمات الانسانية الشريكة تبذل كل الجهود لتقديم المساعدة الانسانية الملحة، بما فيها الخدمات الاساسية الى الفئات الاكثر حاجة وتضررا. فقد ادت مجموعة من العوامل كفقدان سبل العيش الذي تفاقم بسبب تفشي جائحة كورونا والازمات المالية والاقتصادية المتتالية الى خلق حاجة ملحة لمواصلة تقديم المساعدة في مجال تأمين الحماية الاجتماعية والغذاء والرعاية الصحية والمأوى والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. نعمل حاليا على تكييف هذه الاستجابة الانسانية الطارئة مع حاجات الناس المتغيرة، وهو ما يمهد الطريق لعملية التعافي واعادة الاعمار على المدى البعيد. ففي الوقت الراهن، تعد عملية اصلاح المنازل من اهم الاولويات، يتبعها تأمين الطعام للمتضررين والمشردين، فتوزيع المساعدات النقدية والادوية ضمن شبكات الامان الاجتماعي حفاظا على كرامة المستفيدين منها، ناهيك بتوفير الادوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات واعادة تأهيل وترميم المستشفيات والمدارس المهدمة وتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي الى الاطفال الذين تأذوا من الانفجارات. لغاية 17 تشرين الثاني تم تمويل النداء العاجل بنسبة 36.4 في المئة (اي ما يوازي 129.1 مليون دولار)، بالاضافة الى ذلك، تم التبرع بنحو 53.2 مليون دولار من خارج النداء. سيستمر تنفيذ البرامج المدرجة في هذا الاطار لغاية نهاية العام، لكن تجدر الاشارة الى ان المجتمع الانساني يتجه بشكل ملحوظ نحو تقديم المزيد من المساعدات النقدية. لكن، الى جانب المساعدة الانسانية الفورية، يحتاج لبنان الى مساعدة جوهرية وطويلة الامد لدعم الاصلاح الاقتصادي والانعاش واعادة الاعمار. نحن نصوب جهودنا الان نحو اعداد خطة شاملة للتعافي والاصلاح واعادة الاعمار في اعقاب انفجار بيروت. وهي خطة نتولى اعدادها بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي، واستنادا الى مجموعة واسعة من التقييمات والاستشارات التي عقدت اخيرا مع مختلف الجهات المعنية من جهات حكومية، فمجتمع مدني، والقطاع الخاص والمجتمع الاكاديمي ومنظمات الامم المتحدة والجهات المانحة. يأتي هذا الاطار الذي ندأب على اطلاقه في الاسابيع المقبلة في ضوء التقييم السريع للاضرار والحاجات الذي صدر اخيرا عن البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.
* هل من تعاون بينكم وبين الامن العام اللبناني؟
– المديرية العامة للامن العام شريك اساسي للامم المتحدة في لبنان، لاسيما لجهة ضمان الامن والاستقرار في البلاد. نحن على تواصل مستمر ونلتقي في اجتماعات منتظمة مع كبار المسؤولين في الامن العام. تضم هذه الاجتماعات المشتركة تلك التي يعقدها المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش او تلك التي احضرها بنفسي بصفتي نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الانسانية في لبنان مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يضطلع بدور تيسيري مهم بين لبنان والمجتمع الدولي، بما في ذلك دعمه الملحوظ لنشاطات الامم المتحدة المتعلقة بالشأن الانساني وغيرها وببرامجنا وجهودنا المبذولة تعزيزا للامن والاستقرار ودعما لعملية التنمية في لبنان بشكل عام. التعاون مستمر ايضا بين الامن العام ووكالات الامم المتحدة المعنية بصورة خاصة بتقديم المساعدات الانسانية، بغية ايجاد حلول ناجعة لقضايا محددة تتعلق باللاجئين. فهناك تواصل مستمر وتفاعل منتظم بين الامن العام والجهات المعنية بالشؤون الانسانية وبحماية اللاجئين لا سيما وان الامن العام هو السلطة الرئيسية المعنية بتوفير الوثائق الثبوتية بما فيها الاقامة الخاصة باللاجئين. فهذه الوثائق مهمة جدا وضرورية للاعتراف بجنسية الفرد ولمنع اعتقال او احتجاز اللاجئين بسبب عدم قدرتهم على اثبات اقامتهم القانونية في البلاد، كما هي ضرورية لتسجيل زواجهم وتأمين شهادات الميلاد. كذلك لا بد من التنويه بدور الامن العام المهم لجهة ادارة عملية دخول وخروج اللاجئين وغيرهم من الاجانب من والى لبنان، بما في ذلك ضمن اطار المغادرة الى بلدان ثالثة ضمن عمليات اعادة التوطين او العودة الى البلد الام. لا بد من الاشارة ايضا الى ان مديرية الامن العام، جنبا الى جنب مع الاجهزة الامنية الاخرى (كقوى الامن الداخلي والجمارك والجيش اللبناني)، تضطلع بدور مهم في تنفيذ الاستراتيجيا المتكاملة لادارة الحدود التي تدعمها الامم المتحدة والتي تهدف الى تعزيز سيطرة لبنان على حدوده بالاضافة الى ضمان الامن والاستقرار على الاراضي اللبنانية والحفاظ على سيادته.