“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بادرت اسرائيل الى رفع منسوب التوتر في الشرق الاوسط إثر اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في كمين محكم لموكبه قرب طهران، في ما اعتبره أكثر من مسؤول ايراني أنه عملية اغتيال مبرمجة من قبل اسرائيل و”الموساد” ضمن مسلسل الضغوط القصوى على ايران، وتنيفذا لرغبة اسرائيلية باشعال المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الاميركية من جهة وايران من جهة أخرى. هذه الرغبة الاسرائيلية الدفينة والتي تلاقيها دول اقليمية وازنة في المنطقة، لا تلاقي حماسة اميركية وخصوصا من قبل البنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية: منذ اسبوعين اجتمع الرئيس الاميركي المنتهية ولايته دونالد رتامب بمجلسه الدفاعي والقومي وتقرر غض النظر عن توجيه ضربة لايران كانت ستكون على منشأة نطنز النووية بحسب ما نقلت صحيفة النيويوك تايمز في تقرير مفصّل.
وبالرغم من حال الغضب التي سادت ايران، فإنه معروف بأن طهران لا تقوم بردود فعل عشوائية وخصوصا في وقت مستقطع بين ادارتين الأولى راديكالية راحلة والثاني أقلّ جذرية لكنها ليست سهلة المراس لأن معظم مسؤوليها على علاقة وطيدة باسرائيل.
يحوز موضوع اعادة تفعيل ادارة جو بايدن للاتفاق النوي الايراني الذي نقضه دونالد ترامب في 2018 على رصد دقيق في العواصم المنضوية في صراع المحاور ومنها في لبنان، حيث ينتظر اللبنانيون بارقة سريعة في انتعاش العلاقات على خط طهران واشنطن علّ لبنان يستفيد فكا لعقده الحكومية وتخفيضا للضغوط الاقتصادية والمالية وربما الغاء لبعض العقوبات على بعض من طبقته السياسية. لكن الأمر لن يكون متيسّرا بهذه السرعة.
فبحسب خبراء ودبلوماسيين غربيين ضليعين في مسار الاتفاق النووي لن تكون طهران ليّنة في العودة الى مظلة الاتفاق وخصوصا بعد اغتيال العالم النووي الاول محسن فخري زاده واعلانها ووقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يبدو بحسب تقارير أنها سرّبت معلومات دقيقة عن الملف النووي الايراني لإسرائيل (في العام 2018 حصل الموساد الاسرائيلي على الأرشيف الكامل لهذا الملف الخطر)، وتصويت مجلس الشورى الايراني يوم الاحد الفائت على الزام الحكومة الايرانية برفع نسبة تخصيب اليورانيوم في البلاد الى نسبة 20 في المئة، ويشمل القانون اعادة التصميم القديم لمفاعل “أراك” للماء الثقيل. ولا ننسى الشرط الذي وضعته ايران بأنها لن تعود الى التفاوض الى طاولة النووي إلا من حيث انتهت، بالاضافة الى شرط آخر يقضي رفع العقوبات المفروضة عليها.
لكنّ وجهة النظر التي ستسود في اروقة القرار الاميركية المتأثرة بلوبي سعودي وإماراتي هائل وخصوصا بعد اتفاقيتي ابراهام مع الامارات والبحرين، والإجتماع الشهير في” نيوم” الاسبوع الفائت بين ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد، ستكون وجهة نظر حادّة. لن يفيد نفي من وزارة الخارجية السعودية عن حصول فعلي لهذا الاجتماع. وأمس نشرت صحيفة “الواشنطن بوست” تقريرا عن الزيارة قالت فيه بان بومبيو ونتنياهو خرجا خاليي الوفاض من اجتماعهما مع الأمير محمد بن سلمان، لأن ولي العهد يزمع أن “يبيع” هذا النصر الاستراتيجي لإدارة أميركية جديدة وصعبة المراس حيال بلده وخصوصا في ما يتعلق باستخدام الاسلحة الاميركية في اليمن وملف حقوق الانسان.
يبدو من خلال أكثر من رأي لدبلوماسيين غربيين بأن الوضع في مسار التفاوض مع ايران بات مختلفا عما كان عليه في العام 2015. فالجميع في دول المنطقة وفي الولايات المتحدة الاميركية يتحدث عن اتفاق نووي موسّع، يشمل السلوك الاقليمي لطهران، وعلاقاتها بجيرانها، وصواريخها الباليستية والدور المنوط بأذرعها في المنطقة من اليمن الى سوريا فالعراق ولبنان.
كذلك فإن الادارة الاميركية الجديدة التي لا تضع الشرق الأوسط في سلّم اولوياتها، ستبقي على رصد ايران بشكل وثيق نظرا لقدرة طهران على زعزعة “الستاتيكو” في ما يخص اسرائيل من جهة والدول الخليجية من جهة ثانية وتدمير الاقتصاد العالمي ايضا نظرا الى تحكمها بالمضائق المائية الحيوية. من جهة ثانية، فإن الصين ستشكل الى جانب أيران اولوية قصوى لفريق بايدن، ولا ننسى مكافحة كوفيد-19 والنظام الصحي الاميركي وهما سيكونان سلّما لعودة الديموقراطيين بعد 4 اعوام الى البيت الأبيض وإلا سيكون جو بايد شخصية انتقالية لمرحلة يقودها الجمهوريون مجددا وربما سيكون على رأسهم دونالد ترامب الذي نال ما يفوق الـ74 مليون صوت مواطن أميركي.
بأي حال، فإن الاشهر الاولى من الادراة الجديدة ستركز على هذه المواضيع الطارئة، وصولا الى آذار 2021 موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية حيث يظن أكثر من دبلوماسي غربي بأن ايران ستكون منشغلة بها ولا يبدو بأن الحرس الثوري الايراني سيعطي الرئيس الحالي الشيخ حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف فرصة تعزيز موقعهما عبر الموافقة على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة الاميركية.
لبنانيا، سيبقى لبنان ضمن محور الضغوط وربما لن تكون قصوى بل متوسطة، مع تركيز على دعم مؤسسة الجيش اللبناني والمجتمع المدني الذي لن ينفكّ الاميركيون التعويل عليه للإطاحة بالطبقة السياسية الحاكمة والتي تعتبرها كل الادارات الاميركية بأنها غطاء “لحزب الله”.