مقالات مختارة
مجلة الأمن العام
مارلين خليفة
تعمل اللجنة الدولية للصليب الاحمر في لبنان منذ عام 1976،وهي لم تغادره يوما على الرغم من كل الظروف.هذه اللجنة رافقت المطبات كلهاالتي اجتازهاهذا البلد، فكان حضورها مكثفا في الحرب الاهلية اللبنانية،وحرب عام 2006، وما بعدها من حوادث مختلفة وقعت في لبنان
حرص الصليب الاحمر الدولي على البقاء على تماس مع السلطات الرسمية ومع الناس على حد سواء، وهو يحظى بثقة شعبية واسعة في لبنان خصوصا وانه على علاقة وتعاون وطيدين مع الصليب الاحمر اللبناني. يقيم الصليب الاحمر الدولي حوارا دائما مع السلطات الرسمية اللبنانية على المستويات كلها، من رئيس الجمهورية الى مدراء الاجهزة الامنية الى كل الوزارات، حيث يوجد نقاش شفاف “وهي العلاقة الفضلى مع اية سلطات رسمية عملت معها”، بحسب ما يقول لـ”الامن العام” رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر كريستوف مارتان.
عمل مارتان، وهو سويسري، في الصليب الاحمر الدولي منذ يفاعته بدءا من جنوب اميركا وافريقيا ودول اسيوية عدة. تولى بعثة لبنان في حزيران من العام 2017 وهي المهمةالاولى له في الشرق الاوسط، وستكون سوريا محطتهالمقبلة في نيسان من العام الجديد.
شهد مارتان على اوقات عصيبة في لبنان، وهي كانت صعبة لكنها تدهورت بشكل دراماتيكي منذ 17 تشرين الاول 2019، حيث شهدت الازمة تسارعا حثيثا كمايقول، ويشير الىان “الثورة والازمة الاقتصادية والانهيار وكوفيد- 19 ثم انفجار المرفأ، كلها جعلت مهماتي تتشعب نحو معالجة تداعيات الثورة والانهيار والانفجار وكوفيد- 19”.
*ما هي الاختلافات التي رصدتها في الفترة الاولى من مهمتك قبل 17 تشرين الاول 2019 وبعد هذه الفترة التي شهدت انتفاضة لبنانية؟
-كانت اختلافات جمة، فقد شهدنا بعد 17 تشرين انهيار الليرة اللبنانية والتضخم بسبب ارتفاع الدولار. قبل تلك الفترة شهد لبنان صعوبات بسبب فترات من الازمات والعنف، وقبلها شهد حروبااخرها حرب 2006. ولا ننسى تدفق اللاجئين السوريين في العام 2011 الذين انضمواالى عدد مناللاجئين الفلسطينيين والعراقيين وكل المشاكل.نحن نوقن اليوم انه كان ضغطا حقيقيا وكبيرا على المجتمعات المحلية المضيفة، كذلك على انظمة البنى التحتية كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم.لكننا نشعر اليوم ان ما يحصل هو طبقة جديدة من المشكلات التي لا قدرة للبنان على تحملها، لانه يناضل اليوم من اجل ان يبقى حيا. وبالتالي،ان ما لحظناه منذ 17 تشرين الاول 2019، ان الشعب في لبنان قالكفى نحن نريد شيئا مختلفا في البلد، وكان هنالك نوع من التعبئة الجماهيرية التي لم نشهدها سابقا، لكن وياللاسف انااتساءل ما اذا كانت ستفضي الى نتيجة. شهدناالذكرى الاولى لانطلاق هذه الثورة، ولم يتغير شيء.
*كيف تصف حالة الناس في لبنان بعد الانهيار الحاصل وانت على تماس يومي معهم؟
– قدمتالى لبنان منذ 3 اعوام واحببت هذاالبلد كثيرا. في السابق كنت اعود من اجازتي في سويسرا حيث تعيش عائلتي، كنت اسمع الناس هنا تقول: الامر صعب، لكن لا بأس. لكنني حين عدت من اجازتي هذاالصيف في 24 آب الفائت بعد انفجار مرفأ بيروت، كانت المرة الاولىالتي الحظ فيهاان جميع من حولي، من زملاء وجيران واصدقاء ولبنانيين عاديين التقيتهم،كانوا في حالاحباط كلي. اكتشفت فعليا لبنانا مختلفا عن ذاك الذي عرفته قبل وقوع انفجار 4 آب الفائت.
*كما قلت كان لانفجارمرفأ بيروت تأثير مدمر، كيف واجه الصليب الاحمر في لبنان هذه الكارثة؟ هل كانت لديكم الفرق الكافية لعمليات الانقاذ؟ وماذا كانت الحاجات والصعوبات التي واجهتكم؟
-لدينا مركزناالرئيسي الموجود في بيروت، بالاضافة الى 3 بعثات فرعية: في زحلة وصور وطرابلس. وبالتالي، بعد ساعات قليلة من وقوع الانفجار، كنا نوزع الادوية ومعدات جراحية الى 12 مستشفى، هذا تم في الساعات الاولى.بعد يوم او يومين من عمليات التقييم،ارتفع عدد المستشفيات التي زودناهاالادوية والمعدات الجراحية الى 25 في كل لبنان، لأن العديد من الاشخاص تم نقلهم الى مستشفيات او مراكز علاج خارج جبل لبنان والعاصمة. كذلك قمنا بعملية تقييم مع الصليب الاحمر اللبناني الذي نعمل معه يدا بيد لتوفير حاجات الناس الفورية في الكرنتينا ومار مخايل والاشرفية والجميزة، حيث وزعناحصصا غذائية بشكل مباشر.
*ما هو عدد العاملين في الصليب الاحمر الدولي الذين تمت تعبئتهم للقيام بالاستجابة لانفجار بيروت؟
-لقد طاولت التعبئة جميع بعثاتنا، ويمكنني القول ان المجموع في لبنان هو 370 موظفا، وقد تم تجنيد قرابة 60 شخصا لهذه الكارثة. بعد استجابة الحاجات الفورية عبر الحصص الغذائية، ولوازم النظافة الصحية الاساسية لـ6500 عائلة اي ما يعادل 25 الف شخص،انتقلناالى تقديم الاموال النقدية اي “الكاش”،كان هؤلاء الناس يقولون لنااننا لا نحتاج الى الطعام بل الى النقود من اجل تصليح منازلنا وللطبابة ودفع الفواتير على انواعها.
*كيف تدفعون النقود؟
-عبر “كارد” يوجد فيه مبلغ من المال، بحسب المعايير التي يضعهاالمجتمع الدولي والدول المانحة ونحن ما زلنا لغاية اليوم في هذاالمسار. استفادت من هذه الخدمة النقدية لغاية اليوم 354 عائلة ونحو 10 الاف شخص.
*ما هو المبلغ الشهري؟
– المبلغ هو 300 دولار شهريا لغاية 6 اشهر.نحن نزور المنازل ونتعرف الى الناس وحاجاتها، وعلى هذاالاساس نقرر دفع النقود. اريد ان اروي حادثة، انه عندما كنا نعود لتوزيع المواد الغذائية او النقود (احيانا ندفعها نقدا)، كان الناس يخبروننا انهم تلقوا زيارات عدة من اشخاص وجمعيات قاموا بتقييم للاضرار، لكنهم يقولون انكم وحدكم كصليب احمر دولي ولبناني قمتم بأمر حقيقي. لااريد توجيه نقد الى احد، لكن يبدو انه اتخذت مبادرات عدة من دونان تتم متابعتها، وهذاامر رهيب لهذه العائلاتالتي كانت تجيب عنالاسئلة نفسها لعشرات ومئات المنظمات من دونان تحصل على شيء!
*من يدعم الصليب الاحمر الدولي ماليا؟
– المجتمع الدولي هو الذي يمولنا، وبالتالي لدينا ميزانية دولية اجمالية مقدارها 2,2 بليون دولار، والميزانية في لبنان هي 45 مليون دولار. 85 في المئة من تمويلنا يأتي من الحكومات ومن المجتمع الدولي.
*هل انتم ايضااحد المانحين في مؤتمرات بروكسل الخاصة بالنازحين السوريين وبعض الاجتماعات الخاصة بلبنان؟
-نعم، نحن كنا حاضرين في بروكسل بدوراته الثلاث، نحن نحضر ليس كمانحين بل لنخبر عن المواضيع الانسانية، ولنحضالمجتمع الدولي على الدعم.
*كتبت تغريدة على حسابك على “تويتر” تحدثت فيها عن اهمية الصحة النفسية ودعم الناس في هذاالمجال وخصوصا بعد انفجار المرفأ، بماذا يقوم الصليب الاحمر في هذاالشان؟
-نحن عملنا على موضوع الصحة النفسية قبل وقوع الانفجار، وذلك مع مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وكذلك في فرعنا الرئيسي وفروعنا في بيروت وزحلة وصور وطرابلس، حيث انطلقنا باطباء نفسيين متخصصين من بيروت الى مختلف المستشفيات حيث تابعناالتأهيل الجسدي، لكننا دعمناايضا الصحة النفسية للمصابين. كذلك نظمنا جلسات ميدانية للعديد من الاشخاص الذين اتصلوا بنا يطلبون الدعم على الخط الساخن الذي وضعناه في الخدمة.
*ما هي اكثر الصدمات النفسية شيوعا بعد الانفجار؟
– كان قلقا مستحكما حول المستقبل، حيث سمعنا مرارا هذه العبارة: لست ادري ما سيكون عليه مستقبلي. وكانت اجابات المتخصصين – كما سمعتهم مرارا يتحدثون- انه عليك التركيز على حياتك يوما بعد يوم، وان تقوم بتمرينات اساسية يومية، والتقليل من مشاهدة الاخبار على التلفاز، والتفكير بشكل ايجابي، والاستيقاظ صباحا مع هدف واحد فحسب، وعدم وضع خطط طويلة الامد في الوقت الراهن لأن الامر معقد جدا وخصوصا مع انتشار كوفيد- 19.ان الطلبات على الدعم النفسي كبيرة جدا، وكنا نقدم خدماتنا عبر الخط الساخن ولكن عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ايضا، ونحن مستمرون في هذاالعمل لغاية اليوم.
*ماذا عن دعم المستشفيات عشية الانفجار؟
– دعمنا 25 مستشفى ونستمر في عملنا بانتظام، عبر دعم المستشفيات وبعض المراكز الاستشفائية.نحن نعمل بشكل وثيق مع مستشفى رفيق الحريري الجامعة حيث لدينا شراكة معها.
*ما هي التحديات التي تواجههاالمستشفيات اللبنانية اليوم؟
-اعتقد ان كوفيد- 19 هو التحدي الاول، من حيث عدد الاسرة المتاح في مستشفيات بيروت وخصوصا في وحدات العناية الفائقة. قبل الانفجار لم يكن هناك مستشفى متخصص بكوفيد، لانه اذا تم تحويل المركز الاستشفائي لمعالجة كوفيد- 19 فحسب، فهذا يعني انك تمنع الناس من الوصول الى المرافق الطبية، وتخاطر بأن يموت عدد كبير من الناس من مشكلات صحية اخرى.
*ما هو مدى استجابتكم وباء كورونا في لبنان؟
-نحن نعمل يدا بيد مع الصليب الاحمر اللبناني وهذاامر في غاية الاهمية، لأن الصليب الاحمر اللبناني كان في خط المواجهة الاولى والمستجيب الاول. لذا دعمناهم بمزيد من المعدات، وبالتالي بات متطوعو الصليب بالاحمر اللبناني مجهزين بشكل كامل. هذا كان انجازنامن خلال رفع مستوى قدرات الصليب الاحمر اللبناني. كذلك، ومنذ بداية ازمة كورونا، دعمنا مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، وينبغي التذكير انه منذ اذار الفائت كان هذاالمستشفى الوحيد الذي يستقبل حالات مرضى كوفيد- 19، وقد حولنا طابقاالى مركز كامل لعلاج فيروس كورونا.
*ينتشر وباء كوفيد- 19 اليوم في السجون، ما هي اسهاماتكم في هذا المجال؟
-يزور الصليب الاحمر الدولي كل مراكز الاعتقال وهي تحت وصاية 3 اجهزة امنية: قوى الامن الداخلي والامن العام والجيش اللبناني. لدينااتفاق زيارة كما يطلق عليه، وبعد كل زيارة ندون مجموعة من التوصيات نرفعهاالى السلطات المختصة، وبالتالي لدينا نقاشات مستمر مع الاجهزة الانفة الذكر كلها وذلك بغية تحسين ظروف السجن، هذا هو عملناالمعتاد. بعد ازمة كوفيد- 19 استشعرنا بمدى الخطورة المحدقة بالسجون، ففي سجن رومية قرابة 6الاف سجين وهو مكتظ جدا، وادركنااننا نواجه موضوعا جديا. في البداية وضعنا وسائل وقاية في خدمة هذه السجون ونزلائها، ودربناالموظفين هناك على وسائل الحماية من البعد الاجتماعي، ثم قمنا في سجن روميه ببناء مركز عزل داخلي في السجن يتسع لـ200 سرير مخصص لعلاج حالات كوفيد- 19 من المساجين. نحن نعمل الان على مستشفى في جوار السجن، حيث نعيد تأهيل طابق كامل يمكن لنزلاء السجن ان ينتقلوااليه لمزيد من العلاج. كذلك زودنا سجن زحلة معدات وحاولناالمساعدة في تعميم التدابيرالتي يجب عليهم اتخاذها. الامر ليس كافيا، لكن يمكن القول ان الامر ليس بهذاالسوء الذي اعتقدناه بعد رصدالاصابات الاولى، من دون اغفال ان مئات الاشخاص قد اصيبوا فعليا.
*ماذا عن الاصابات في صفوف اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، كيف تساعدونهم؟
-استثمارنا في شؤون اللاجئين هو اقل لأن مسؤوليتهم تقع على عاتق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، لكننا نستقبل جميع الناس بشكل مجاني في كل العيادات التي تتلقى دعما منا(كما في شبعا) وخصوصا في البقاع والجنوب والشمال.
*ماذا عن تعاون الصليب الاحمر الدولي مع المديرية العامة للامن العام؟
– الامر الجوهري في علاقتنا مع الامن العام اللبناني ومع مديره العام اللواء عباس ابراهيم،يكمنفي ان جهاز الامن العام هو المؤسسة التي تسهل اليوم تأشيرات الدخول من اجل المرضى الذين يقصدون لبنان من المنطقة والذين يعالجون في مستشفى طرابلس. لذا لدينا نقاش دائم على المستويات العملية مع الامن العام، واستطيع القول ان الاشخاص العاملين في هذه المؤسسة كانوا داعمين لناالى اقصى الحدود، وانا حريص على التشديد على ذلك. العلاقة مع الامن العام اللبناني واضحة وشفافة. كذلك يلعب الصليب الاحمر الدولي احيانا دور الوسيط بين لبنان واسرائيل وخصوصا في حالات استعادة جثامين للبنانيين بضع مرات في السنة، وهذه عملية يتم تنسيقها مع الامن العام اللبناني.