“مصدر دبلوماسي”
بدأ مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال افريقيا والشرق الاوسط باتريك دوريل زيارته الى لبنان، بهدف رئيسي هو ازالة الالغام السياسية التي تعوق تشكيل الحكومة اللبنانية وهو البند الأساسي للمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون رسميا في الأول من أيلول \سبتمبر الفائت من قصر الصنوبر عشية الاحتفال بالمئوية الأولى للبنان الكبير.
وبعد أن أتت المناكفات السياسية والمحاصصات على حظوظ الرئيس المكلف سابقا السفير مصطفى أديب وأدّت به الى الاستقالة من مهمته بعد تكلفيه، أعيد تكليف سعد الحريري، لكن سرعان ما برزت العقبات الداخلية مجددا حول المداورة على الحقائب السيادية وإمكانية مشاركة حزب الله من عدمها وطبيعة الحكومة إن كانت ستكون من اختصاصيين أو سياسيين او مختلطة.
وكما وجهت الادارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب صفعة لأية اايجابية ممكنة لتشكيل الحكومة في المرة السابقة بادراج الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لوائح عقوبات “الأوفاك”، جاءت صفعة ثانية هذه المرة طاولت رئيس تكتل لبنان القوي النيابي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي وضع تحت عقوبات قانون “ماغنتسكي”،ما زاد العثرات وجعلها أشد تعقيدا لما لباسيل من دور رئيسي في تشكيل الحكومة.
وسرعان مع اتصل رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكورن بالرئيس عون موفدا دوريل لاستكشاف الاجواء اللبنانية بعد العقوبات التي يرجح مراقبون أنها أميركية تحظى برضى فرنسي (لم نتمكن من التأكد من هذه المعلومة من مصادر رسمية، لكنها تعيد الى الأذهان ما كتبه الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو في الفيغارو عن عقوبات فرنسية على شخصيات لبنانية ونال بسبب هذه المعلومة توبيخا علانيا من ماكرون).
في كل الأحوال، يبدو أن سياسة العصا الأميركية والجزرة الفرنسية مستمرة، بوتيرة أسرع وسط غياب أي مخرج داخلي، ولكنها تكتسب بعدا خطرا جدا مع الارباك الذي يسود الادارة الاميركية بعد ان رفض الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب التسليم بنتائج الانتخابات الرئاسية وفوز منافسه الديموقراطي جو بايدن، وما يقوم به من خطوات لعل أبرزها اقالة وزير الدفاع مارك اسبر وتعيين كريستوفر ميللر الذي كان مسؤولا عن شؤون مكافحة الارهاب والمعروف عنه بحسب الوكالات الاميركية بأنه مطواع لأوامر ترامب الغير معروفة المعالم لغاية اليوم، لكنها تثير مخاوف من سلوك متهور قد يطال لبنان أو سوريا أو العراق.
بكل الأحوال، الفرنسيون متشبثون بمبادرتهم وقالت أوساط فرنسية مطلعة لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن ” السيد دوريل يزور لبنان وسيبقى ليومين اثنين وستكون لقاءاته مع عدة مسؤولين لبنانيين اساسيين، وهدف زيارته هو متابعة المبادرة الفرنسية وممارسة ضغوط لتشكيل حكومة تتمكن من قيادة الاصلاحات الضرورية”.
واليوم التقى دوريل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا. وبحسب الخبر الرسمي الصادر عن المكتب الاعلامي للقصر الجمهوري، أبلغ عون مستشار الرئيس الفرنسي “ان لبنان متمسك بالمبادرة الفرنسية لما فيه مصلحة لبنان، وهذا الامر لن يتحقق الا من خلال حكومة موثوق بها وقادرة على انجاز الإصلاحات المطلوبة والتي وردت في الورقة التي تم الاتفاق عليها بين الرئيس ماكرون والقيادات السياسية اللبنانية، وعلى التنسيق بشكل فعال مع الشركاء الدوليين الذين تعهدوا بمساعدة لبنان لاخراجه من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها”.
واعتبر عون ان “عملية التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان والتي تعتبر من أسس هذه الإصلاحات، تواجه بعراقيل عديدة، نقابلها باصرار على تحقيقها وقد تم التمديد ثلاثة اشهر لشركة ” الفاريز ومارسال” تأمينا لهذه الغاية”.
ولفت” الى ان الهم الأساسي حاليا هو استمرار الاستقرار في البلاد وسط العواصف الإقليمية والأزمات غير المسبوقة التي يواجهها لبنان، فضلا عن تداعيات وجود النازحين السوريين والضائقة الاقتصادية وانتشار وباء ” كورونا ” إضافة الى الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، لافتا الى ان العقوبات الأميركية التي استهدفت سياسيين لبنانيين زادت الأمور تعقيدا”.
وذكر “ان كل هذه الأوضاع تتطلب توافقا وطنيا واسعا لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب لاقرار قوانين إصلاحية ضرورية، لافتا الى أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة”.
وحمّل عون المستشار دوريل “تحياته الى الرئيس الفرنسي مقدرا وقوفه الى جانب لبنان في هذه الظروف الصعبة وهذا غير مسبوق لان الرئيس ماكرون صديق كبير للبنان، مجددا التضامن مع الشعب الفرنسي الصديق في ادانة الاعتداءات الإرهابية والاجرامية التي حصلت مؤخرا ومنها الاعتداء في مدينة نيس”.
وكان المستشار دوريل نقل الى الرئيس عون بحسب خبر المكتب الاعلامي في القصر الرئاسي تحيات الرئيس ماكرون واهتمامه بالأوضاع في لبنان مؤكدا على متانة العلاقات بين البلدين، لافتاً الى دقة وخطورة الازمة الاقتصادية وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة كفوءة ومقبولة من جميع الأطراف كي تباشر بالإصلاحات المطلوبة واستعادة ثقة المجتمع الدولي.
وأشار دوريل الى ان فرنسا ستواصل تقديم مساعدات عاجلة في مجالات عدة لاسيما منها المجال التربوي، مذكرا بان وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان مرتبط بتحقيق الإصلاحات.
وحضر اللقاء عن الجانب الفرنسي السفيرة في لبنان ان غريو والمستشار السياسي جان هيلبرون، وعن الجانب اللبناني الوزير السابق سليم جريصاتي والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير والمستشار أسامة خشاب.