“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
وضعت العقوبات الاميركية من قبل وزارة الخزانة الاميركية على رئيس تكتل “لبنان القوي” الوزير السابق والنائب الحالي جبران باسيل عبئا قويا عليه وعلى “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه باسيل، وبطبيعة الحال على رئاسة الجمهورية وحشرت الجميع في مكان صعب ومعهم حليفهم “حزب الله”، لكن هذه العقوبات ليست مفاجئة إذ كانت تتم هندستها على نار هادئة أقله منذ عامين وتدفع نحوها لوبيات لبنانية تعمل لصالح احزاب لبنانية، ولها علاقات واسعة في أوساط الادارة الاميركية وهي قويت في عهد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي شكل ساعدا استثنائيا للسياسات الخليجية ضد ايران وهو ما لم تكن تحلم به تلك الدول في عهد الرئيس السابق باراك اوباما، واستثمر اللبنانيون في الولايات المتحدة الاميركية في هذه الصداقة مع ادارة ترامب وارتباطاتهم ومصالحهم الخليجية لصالح الاطاحة بخصومهم السياسيين.
ونقل مراسل محطة “أم تي في” آلان ضرغام أمس الجمعة من واشنطن حيث يغطي الانتخابات الاميركية، نقلا عن اوساط اميركية مسؤولة ان ثمة لائحة من 23 اسما لشخصيات لبنانية هم عرضة للعقوبات منهم من يتبع للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أو من العاملين مع رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي.
لذا يبدو بأن سيف العقوبات سيبقى مسلطا فوق رقاب الشخصيات السياسية اللبنانية حتى آخر ساعة من ادارة دونالد ترامب وهو أمر لم يخفه مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر في احاديثه الاخيرة ولا السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا.
هذه الدبلوماسية الاميركية الخشنة تجاه لبنان، دفعت بها لوبيات لبنانية من رجال اعمال ومصرفيين واكاديميين وباحثين واعلاميين ودبلوماسيين، ويمكن اختصار هدفها بتعرية “حزب الله” من حلفائه وتجريده من الغطاء المسيحي تمهيدا لتجريده من كتلة نيابية وازنة واكثرية نيابية في البرلمان اللبناني وهو ما يعرفه “حزب الله” جيدا.
نذكّر هنا على سبيل المثال لا الحصر بما كتبته الباحثة اللبنانية حنين غدّار في معهد واشنطن في 13 آب 2019: “يقينا، أنه حتى لو كان التهديد بالعقوبات يردع عون وباسيل عن التمادي في نفوذهما داخل لبنان، فقد لا يكون ذلك كافياً لفسخ تحالفهما مع «حزب الله». ومع ذلك، قد تكون الرسالة نفسها أكثر فعالية مع شخصيات مسيحية أخرى، بمن فيها تلك التابعة لتكتل عون السياسي ومجتمع الأعمال التابع له، الذين قد يعيدون النظر في دعم باسيل لمنصب الرئاسة. ويمكن أن تساعد العقوبات أيضاً في الحدّ من رضوخ الحريري لـ «حزب الله» وتدفعه إلى الابتعاد عن باسيل. والأهم من ذلك، يمكنهم التأثير على رجال الأعمال التابعين لـ «حركة أمل» والأحزاب الشيعية الأخرى، الذين يفكرون بالفعل في الخيارات الكفيلة بإبعادهم عن مجتمع الأعمال التابع لـ «حزب الله»”. أضافت غدّار: “إذا طُبّقت العقوبات في إطار سياسة أمريكية شاملة تهدف إلى البحث عن سبل كفيلة بإعادة التوازن السياسي في لبنان، فقد تتزعزع عندئذٍ تحالفات «حزب الله» وقاعدة مساعداته المالية بالفعل. إن نقطة الانطلاق المثلى هي ممارسة المزيد من الضغط على الشراكة بين باسيل و«حزب الله»، وعدم التردد في فرض العقوبات عندما تفشل المحاولات الدبلوماسية””.
اللافت ان هذه العقوبات تأتي في التوقيت ذاته الذي وقعت فيه العقوبات ضد الوزيرين الاسبقين يوسف فنيانوس وعلي حسن الخليل أثناء تشكيل الحكومة اللبنانية في زمن تكليف السفير مصطفى أديب واليوم مع سعد الحريري وسط اجواء كانت تفاؤلية نسبيا، وكأنها رسالة تقول للبنانيين نحن لسنا راضين عن تشكيل هذه الحكومة، ولا عن سواها! لا أحد يعلم.
لكن هذه العقوبات ضربت في الوقت ذاته المبادرة الفرنسية ضربة ثانية بسيف أميركي، وسط تساؤلات عما اذا كان من تنسيق خفي بين الطرفين الفرنسي والاميركي في هذا المجال.
بالنسبة الى اللبنانيين المناوئين للوزير باسيل الذي لديه الكثير من الخصوم السياسيين في البلد ولا مجال الآن لتفنيد الأسباب، تعني لهم معاقبة الوزير باسي إزاحة عقبة من امامهم وقتل طموح الرجل بالرئاسة الاولى واتلاف آخر سنتين من عهد الرئيس عون. هذا على الصعيد الداخلي.
لكن التفكير الاميركي مختلف.
في الواقع ثمة أمر أساسي: فالانقلاب على موازين القوى القائمة في لبنان والذي بدأ رسميا في احتجاجات17 تشرين الاول 2019 لا يزال مستمرا بأشكال مختلفة. هنالك رغبة عند قسم من ادارة ترامب بتدمير الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان كليا لاعادة بناء البلد. ومؤيدو هذا الخيار يسارعون الخطى لتحقيق نقاط في ما تبقى من حياة لإدارة الرئيس ترامب الذي يبدو بأنه خسر موقعه كسيد البيت الابيض للأربعة أعوام المقبلة لصالح ادارة ديموقراطية يقودها جو بايدن. كثر من الوجوه سوف تتبدل في الادارة الاميركية الديموقراطية الجديدة، وكذلك اساليب العمل، وستعود وزارة الخارجية الاميركية الى عملها المعتاد بعدما فقدته لصالح البنتاغون والبيت الابيض ووكالة الاستخبارات الاميركية، وستتبدل اسماء في الدوائر التي تتعاطى بالملف اللبناني. لذا كان لا بد من تسريع الخطى بهدف تغيير ما يمكن تغييره، اخذ تنازلاتت في ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وسط تشدد لبناني واضح في التفاوض، فصل التيار الوطني الحر عن حزب الله لتعريته وكشفه وقد يكون الأمر تمهيدا لضربه عبر اسرائيل ، فكان جبران باسيل هدفا رئيسيا وهو احد مهندسي تفاهم مار مخايل في العام 2006 مع حزب الله.
بالرغم من ترؤسه اكبر تكتل نيابي مسيحي إلا ان باسيل كان هدفا سهلا، فهو يعتبر جزءا من الطبقة السياسية الحاكمة المغضوب عليها لبنانيا، فأقل ما يمكن قوله أن هذه الطبقة فشلت في تأمين حياة كريمة للبنانيين على مستويات عدة: الكهرباء الاتصالات وكل نواحي الحياة، في حين تنغمس في المحاصصات في الحكومة وسواها غير آبهة لمعاناة اللبنانيين الذين لم يعد لديهم قدرة على شراء احتياجاتهم الاساسية من غذاء ودواء ومحروقات.
إذن تم تقليم أظافر باسيل، حليف الحزب القوي، ومن ورائه عهد الرئيس ميشال عون.
من جهته، لم يكن ممكنا أن يتخلى باسيل عن حلفه مع حزب الله، صحيح أن للولايات المتحدة الاميركية قدرات وقوة عقابية رادعة لكنها ليست اللاعب الاقوى في الداخل اللبناني بل هو حزب الله وهو من يدير اللعبة السياسية وكانت له اليد الطولى بفرض خيار عون للرئاسة في العام 2016، وإذا كان باسيل لعب لعبة البراغماتية مع الاميركيين إلا انه في قرارة نفسه يدرك أن فك ارتباطه مع حزب الله يقضي عليه سياسيا. أما العقوبات الاميركية فهي مزعجة له بالتأكيد، لكنها قابلة للتغيير مع اية ادارة اميركية جديدة. وامام باسيل فرصة ليرفع دعوى أمام المحاكم الأميركية ويربحها، وكما قال احد المقربين من حزب الله حين سألناه عما إذا كان المستقبل السياسي لباسيل قد انتهى فقال: لو كانت العقوبات الاميركية تنهي المستقبل السياسي لمن تطالهم لما بقي أحد في لبنان يشتغل بالسياسة!
وبالتالي فإن ديناميات السياسة الداخلية اللبنانية منفصلة عن ديناميات الخارج، هذا لا يعني ان باسيل ليس في وضع صعب، وهو وضع يضع مستقبله السياسي وحزبه لغاية الآن في المجهول وسيسعى بطبيعة الحال الى تبديل هذا الواقع ولا احد يمكنه الجزم بنجاحه او بفشله في انتظار تكوين ادارة جو بايدن، وربما تغير خريطة لبنان والمنطقة مع تقارب خليجي واضح مع سوريا سواء عبر فتح المعابر بين السعودية وسوريا او تغريدات وزير الدولة الاماراتي انور قرقاش عن مقاربات جديدة مع سوريا ، هل ستنفتح الدول الخليجية على سوريا في مواجهة الاتراك؟ وهل يمكن ان يستفيد لبنان من ذلك؟ أسئلة جديدة تحتاج الى اجابات.
بالنسبة الى مناخ “حزب الله” الذي اصدر بيانا قاسيا بحق الاميركيين مدافعا عن باسيل، تجزم اوساطه بأن “السبب الرئيسي للعقوبات ضد جبران باسيل هو أنه طلب منه علانية وجهارا وصراحة الغاء التفاهم مع حزب الله وهو رفض ذلك، وليس استحضار قانون ماغنتسكي سوى شكليا لإرضاء بعض اللبنانيين التواقين للانتقامات الداخلية”.
يرى الحزب ان العقوبات هي محاصرة لبيئته ولابعاد حليفه المسيحي عنه فإذا نجحوا في ابعاد التيار الوطني الحر ونشأت تيارات سياسية معارضة يكونوا افقدوا الحزب حليفا مسيحيا وازنا وكذلك الاغلبية النيابية، وسينتقلون بعدها الى البيئة الشيعية رغم صعوبة التحرك فيها وهذا يستكمل العقوبات على حزب الله ورجال اعمال شيعة يعملون في افريقيا وفي اميركا اللاتينية لتبقى المقاومة محصورة في بيئتها الطائفية.
حزب الله سيقارب الموضوع تبعا للمواقف التي سيتخذها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فهل سيكمل بتشكيل حكومة اختصاصيين او انه سيتشدد ويعود الى حكومة سياسية او تكنو-سياسية فتضيق فرص التشكيل؟ كل ذلك بما فيه تشكيل الحكومة مرتبط بتطور موقف العماد عون.