“مصدر دبلوماسي”- مارلين خلفية
فرضت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات اليوم على وزير الخارجية السابق جبران باسيل بموجب قانون ماغنتسكي، في تطوّر غير مسبوق في تعاطي الولايات المتحدة الاميركية مع الشخصيات السياسية اللبنانية، وخصوصا المسيحية منها والتي ليست بعيدة منها، وجبران باسيل هو احدها وهو مهندس خريج الجامعة الاميركية في بيروت.
لا يهدف هذا التقرير الغوص في الاسباب الجوهرية لسلوك الادارة الاميركية والتي يمكن اختصارها باستمرار الضغط على الطبقة السياسية اللبنانية لتحقيق مكتسبات بعضها متعلق بحزب الله وتقليص نفوذه، وأهمها نيل مكاسب في عملية ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وآخرها تحقيق مطالب الشعب اللبناني بمعاقبة شخصيات يشتمّ أنها شاركت بصفقات.
لا شك بأن هذه العقوبات، ستكون مفصلية في الحياة السياسية لهذه الشخصية التي يتفق مناصروها وخصومها على انها “مثيرة للجدل”، ولا شك أن التصاق باسيل بعهد الرئيس ميشال عون ليس من ناحية المصاهرة كما يحلو للبعض اختصار الموضوع، بل لناحية احاطته بكافة الملفات السياسية والاقتصادية والانمائية الحيوية في البلد بأمر من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الوقت ذاته هي عقوبات معنوية قاسية جدا لعهد عون في آخر سنتين من ولايته الرئاسية.
في ظاهرة جبران باسيل
منذ العام 2007، ونائب البترون ورئيس تكتل “لبنان القوي” الاكبر مسيحيا جبران باسيل، يسير تحت الاضواء التي ترافقه كشخصية محورية في السياسة اللبنانية، سواء بايجابية او بسلبية نظرا الى الدور الرئيسي الذي اناطه به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد انتخابه في العام 2016 وقبلها حين كان رئيسا للتيار الوطني الحر واختار باسيل وريثا شرعيا له، واضعا كل مناوئيه في خارج الحزب البرتقالي ومعظمهم رفاق نضال.
لعلّ الخطأ الأول في سلوك باسيل –الظاهرة- أنه حاول على مدى اعوام أن يثبّت نفسه كمرشح أساسي لرئاسة الجمهورية عبر فرض أمر واقع يقول فيه أنه الأقوى مسيحيا، ومن المعروف بأن اللجوء الى فائض القوة لدى أي فرد أو طائفة في لبنان هو بداية النهاية.
لم يسعفه حلفاؤه في تجنب هذا الخطأ، ولا مستشاريه ولا مناصريه فتشبث وسط صمتهم بمقولة أن الأقوى في طائفته هو الذي يمثلها، وهي معادلة ضد الديموقراطية، استهوت الطقم اللبناني الحاكم الذي استهتر بإرادة الناس فراح يتقن لعبة “تركيب الطرابيش” بلا وازع: الحريري رئيس حكومة لأنه الأقوى سنيا -وذلك بعد اتفاق الدوحة- وبري رئيس المجلس النيابي لأنه الاقوى في طائفته… ولمّا نجحت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في فرط عقد التسوية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري والتي كان باسيل ونادر الحريري عرّابيها، فرطت معها الشخصيتان “القويتان” الحريري وباسيل معا في حين “اختفى” نادر الحريري من المشهد السياسي بإيعاز سعودي مباشر.
حاول سعد الحريري يائسا العودة الى رئاسة الحكومة مع فك ارتباط مع باسيل، واستعان الاخير بشركة دولية لتلميع الصورة لكي يتمكن من مخاطبة مناصريه اولا ولكي يعود الى الحكومة العتيدة برئاسة الحريري متغافلا عن غضب الناس على ادائه السياسي –ليس لوحده- بل كجزء من هذا الطقم الحاكم.
للتذكير، بـأن مبدأ الرئيس القوي الذي كان متفقا عليه في اجتماعات بكركي اثناء اجتماع الأحزاب المسيحية الأربعة الكبرى بدعوة من البطريرك الراعي التي سبقت الإنتخابات الرئاسية اللبنانية في العام 2016 قضى بأن الرئيس العتيد يجب أن يكون “صاحب تمثيل في طائفته”، في حين حوّر الأمر الى “الأكثر تمثيلا”، حاول باسيل جاهدا التثبيت أنه الأقوى في طائفته: اقوى من سمير جعجع وأقوى من سليمان فرنجية وأن يقيّد الحلفاء قبل الخصوم بهذه المقولة، لذلك عمد الى ابعاد اية شخصية حتى داخل حزبه تكون مشروع رئيس جمهورية. رئيس الجمهورية بدوره العماد ميشال عون سلمه كل الملفات، هو ذكي ونشيط، وتمكّن من فرض سطوته في الحزب حيث أن معارضيه لا يتجرّأون على مواجهته لأنه صاحب القرار والرئيس يدعمه.
يقول عارفون بأن الرئيس عون قال يوما في احاديث خاصة” جبران هو خليفتي”، لكنه بعد كل ذلك ربح السلطة كلها وخسر شعبيته الواسعة وكذلك شعبية التيار الوطني الحر، الذي بات عرضة لتساؤلات جدية من قبل المواطنين منها ما يستند الى وقائع ومنها ما روجته الدعاية السياسية الشرسة ضده والتي حملتها وسائل اعلام وشخصيات صحافية واعلامية مختلفة الاهواء والارتباطات.
حاول باسيل أن يفرض نفسه كقوة مسيحية أولى، فوضع الناس أمام خيار: إما معي أو ضدي، ولا مجال للوسطية. أما مناوئوه فيقولون بأن لعبة الأمم صحّت مع عون ولم يكن ممكنا أن تصح مع باسيل.
إقليميا، ليس لديه توجه استراتيجي حازم فهو سياسي يتقن فن المناورة، الايرانيون لا يبدون فيه رأيا ولا حتى برئيس الجمهورية، ينكفئون عن هذا الملف وكأنه ملف شائك أكثر من ملفهم النووي او خلافهم مع الولايات المتحدة الاميركية!!! كذلك المسؤولين في حزب الله، يتجنبون توجيه اي نقد عن “الرئيس وصهره” وكأن الموضوع أخطر من ملف ترسانة الصواريخ الدقيقة واشد حساسية من عداوتهم مع اسرائيل!!!
وحدهم السوريون وعبر مقربين منهم يظهرون بأنهم لا يثقون بباسيل لأنهم يعرفونه متقلبا في المواقف، وليست لديه ثوابت استراتيجية كالرئيس ميشال عون. فباسيل يفتح خطوطا مع الأميركيين ومع الدول العظمى، لكن الاميركيين معروفين أن المصالح تدير سياساتهم وليست العواطف، وهم يتخلون عن حلفائهم ببساطة كما حصل اليوم. وبعد العقوبات لم يعد يوجد لدى باسيل من حليف سوى حزب الله الذي سكت مرارا عن الكثير من الأخطاء الداخلية لأنه يريد “صفر مشاكل” في الداخل، وهو يبدي ايجابية في المواضيع كلّها، ربما لأنه يعتبر نفسه محاصرا ويعيش مرحلة دقيقة من تاريخه المعاصر، وليس من مصلحته فتح جبهة مع احد.يتبع “حزب الله سياسة الإنحناء أمام العاصفة وهو أمر لم يتقنه باسيل، ولو فعل لكان نجا من غضب الاميركيين. وبالرغم من فائض قوته وعدم مهادنته في التفاصيل الإستراتيجية إلا أن حزب الله لا يتوانى عن الانحناء والتواضع في التفاصيل المحلية لأنه يدرك خطورتها.
لكن حسابات الحزب بعد تفجير المرفأ ربما صارت أصعب، إلا أن الصورة الواضحة أنه لن يعمد على التخلي عن حلفائه…ولو آنيا.
باسيل، لا احد يتمنى التعاون معه في الحكومة الجديدة، نظرا لعناده ولرفضه لأي نقاش يخرج عن ثوابته، وتأتي هذه العقوبات كما هو واضح لابعاد طموحه عن وزارة الطاقة.
ينتقد باسيل سعد الحريري لكنه عمليا يقلد رفيق الحريري من حيث حصر كل صلاحيات مجلس الوزراء بشخصه، هذا ما أخاف تمام سلام فعزف عن القبول بترؤس الحكومة قبل ان تؤول الى السفير مصطفى اديب الذي ما لبث ان استسلم واعتذر. اختصر باسيل مجلس الوزراء بشخصه وهو غير مقتنع باتفاق الطائف كما يقول عارفوه، وعوض الذهاب للتصحيح لاستعادة الصلاحيات بتؤدة، حاول استعادتها بالقوة وهذا أمر صعب في لبنان، وقد يصل بمن يطمح اليه الى وضع حرج، هذا الاستخدام المبالغ فيه لفائض القوة التف حول عنق باسيل حتى كاد يخنقه.