“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
مقالات مختارة
مجلة الامن العام
تهافتت الدول والمنظمات غير الحكومية بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الفائت لتقديم المساعدات المختلفة للبنان، مؤكدة على ابراز الجانب الانساني للدول في حالات الكوارث، مع اتساع خارطة الجهات المانحة وزيادة انشطتها يطرح السؤال عن دوافعها؟ ولماذا تستند الى المنظمات غير الحكومية؟ وما تأثير ذلك على سيادة الدول؟
بعد انفجار مرفأ بيروت حصلت الاستجابة الاولى وفي هذه الحالة تعود كل دولة الى بروتوكولاتها الخاصة، ويتم رصد الاجهزة المعنية والمبالغ المرصودة للاغاثة الفورية، ويتم ارسال مهندسين وفرق لازالة الركام ومتخصصين في تقييم الاضرار وهذا يكون اما عبر الساتيلايت او الخرائط ورصد من هي السلطات المحلية التي يمكن التنسيق معها واذا لم تكن هذه السلطات التابعة للدولة قادرة يتم ارسال تدخل انساني، كما فعل الفرنسيون على سبيل المثال من ارسال البارجة تونير وقرابة الـ700 جندي فرنسي للقيام بالمساعدة وتأمين حماية البيوت واستخدام لوجستيات غير موجودة.
هذه الاستجابة الاولى تكون بحسب بروتوكولات كل دولة وتجيب على اسئلتها الخاصة: كم سترسل من مساعدات وفرق وحدود مساعدتها ومصلحة الدولة من ذلك. كان يجب ان تكون في لبنان هيئة لتنسيق الكوارث المحلية لكنها ليست موجودة. اما اللجوء الى المجتمع المدني فله محظوراته، منها خطورة فقدان المسألة السيادية والحوكمة وكيفية استخدام المساعدات وماهية الداتا التي تجمعها هذه الجمعيات التي تردد في الصحف اللبنانية أن عددها بلغ فجأة 385 جمعية، والى أين تتجه بالاموال والمساعدات وهل الداتا التي تقدمها للجهات المانحة دقيقة وما هي التأثيرات الجانبية على الاقتصاد. تعتبر المستشفيات الميدانية من ضمن بروتوكولات الاستجابة وعادة ما تبقى لغاية 6 اشهر لغاية متابعة تضميد الجروح الطويلة واجراء العمليات اللازمة للمصابين وخصوصا ذوي الجروح البالغة الخطورة.
في كل الاحوال لا يمكن للدولة التخلي عن دورها وذلك بحسب الدستور اللبناني وقانون الجمعيات الذي تشرف عليه وزارة الداخلية حيث يترتب على هذه الجمعيات ابراز بياناتها ومصاريفها. ان نصف الجمعيات الموجودة ميدانيا منذ الرابع من آب تقوم بانشطة لها ابعاد سياسية وليست انسانية بحسب اكثر من مصدر تحدثنا اليه، وهذا ليس مستغربا اذ المساعدات الانسانية واحدة من ادوات العلاقات الدولية المتعارف عليها والتي اعتبرتها بعض الدول فرصة لتحقيق جملة من الاهداف الاستراتيجية للدول المانحة والمصالح الدبلوماسية ذات الصفة الامنية والعسكرية والمصالح الاقتصادية والتجارية والتي تنال اهمية إضافية في تحديد توجّهات المانحين والمصالح الثقافية والايديولوجية.
ظهر مفهوم المساعدات الخارجية بشكل صريح وواضح فى عهد الثنائية القطبية اي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي حيث كانت القوتان العظمتان الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي يتسابقان لتقديم المساعدات الخارجية وذلك لضمان انحياز الدول لاحدى المعسكرين.
بعد الكساد الكبير وانهيار بورصة نيويورك دعت الولايات المتحدة الاميركية الى انشاء مؤسسة “بريتون وودز” وتبعها في العام 1944 انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وذلك لاحكام السيطرة على الاوضاع الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية وبإنشاء تلك المؤسسات كانت البداية الاولى لنوع جديد من المساعدات الخارجية على اساس متعدد الاطراف.
تعد “خطة مارشال” هي البداية الاولى للمساعدات الإقتصادية للدول النامية وقد تبنت الولايات المتحدة هذا المشروع ووصلت جملة المساعدات التى انفقتها الى 6 بليون دولار في العام 1949 وساهمت بـ 13.2 مليار دولار من اجل إعادة الاعمار والاستقرار السياسي والإقتصادي لدول غرب اوروبا، ثم بعدها تم انشاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتصبح المصدر الأساسي للمساعدات الدولية وحلقة الوصل بين بداية ظهور المساعدات الإقتصادية بشكلها الرسمي بخطة مارشال وبداية تطبيقها على نطاق واسع وتم إنشاء العديد من المنظمات و البرامج و المؤسسات التى تباشر تحقيق اهدافها مثل اتحاد المدفوعات الأوروبية وبنك الاستثمار الاوروبي، ثم تم انشاء مجموعة المساعدات الانمائية وانشاء لجنة المساعدات الانمائية التابعه لها وذلك بعد انحسار دور منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بعد تحقيق اهدافها، وتابع ظهور هذه المنظمة العديد من البرامج والمؤسسات التي أنشئت لتدعيم اغراض التنمية مثل قيام اليابان بتأسيس صندوق التعاون الاقتصادي الخارجي وأسست السويد وكالة للمساعدات الدولية وتأسيس بنك التنمية الآسيوية في الفيلبين وايضا صندوق التنمية الافريقية والصندوق الدولى للتنمية الزراعية وقامت تايوان فى العام 1988 بتأسيس الصندوق الدولي لتنمية التعاون الاقتصادي وسواه.
يقول الدكتور ماجد احمد الزاملي في دراسة نشرها موقع “المنبر الحر” في العام 2018، أنه “منذ بروز الدور العالمي للولايات المتحدة الأميركية كقوة كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك ترابط وثيق بين المساعدات الاقتصادية والمساعدات العسكرية، فنادراً ما كانت هناك مساعدات اقتصادية دون ان ترتبط بمساعدات عسكرية ويعكس هذا الارتباط طابع الاستراتيجية الاميركية في تعبئة وتقوية انظمة معيّنة معادية للسوفييت بشكل خاص، وخلال سنوات الخمسينيات يقدر بنحو ثلثي المساعدات الخارجية الاميركية كانت عبارة عن مساعدات عسكرية اما المساعدات الاقتصادية فقد كانت تتمثل في الثلث المتبقي، غير ان سنوات الستينيات شهدت تراجعا في نسبة المساعدات العسكرية ويعود ذلك الى الإخفاق المتزايد للسياسة الخارجية الاميركية في الخمسينيات ونتيجة لسياسة كيندي التي كانت تقول بضرورة الاحتفاظ بموطئ قدم عند الباب ما كان يفرض بالضرورة الاحتفاظ بارقام للمساعدات الاقتصادية ولو بشكل رمزي مع اكبر عدد من الدول ذات المواقع الهامة استراتيجيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا في العالم الثالث، وانتهت هذه السياسة بنهاية الستينيات حيث قفزت نسبة المساعدات العسكرية مرة أخرى إلى نحو ثلثي إجمالي المساعدات الخارجية الأميركية على الرغم من إعلان سياسة الانفراج بين القطبين”.
خرجت الولايات المتحدة إلى الوجود كقوة عالمية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، تعاظم دور المساعدات واضحى بالغ الحيوية كأداة لتحقيق هدف اساسي يتم تعريفه على المستوى الرسمي بأنه تعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية.
غالبا ما تقدم المساعدات من أجل تحقيق مصالح ذاتية للدول المتقدمة و يدلنا علي ذلك من خلال المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية الي العديد من البلدان النامية و تأتي مصر في مقدمتها بالإضافة الي الاستفادة القصوى من التنازلات التي تقدمها الدول النامية للدول المانحة علي الصعيد السياسي و الاجتماعي او الثقافي، وهذا ايضا رأي بيل غيتس رئيس مجلس ادارة “مؤسسة بيل و ميليندا غيتس”، وهو ان المساعدات ماهي إلا طريقة فعالة لإنتشال الفقراء من فقرهم، وكان قد صرّح بفكرة ان السوق الحر ليس وحده الطريق للقضاء علي الفقر فينطوي جزء من الأهداف على ايجابيات و الاخر علي سلبيات وربطت العديد من الدراسات نسبة الفساد بالمساعدات الإقتصادية وأكدت على انه كلما ازدادت المساعدات الخارجية في دولة معينة زادت نسبة الفساد في هذه البلدان ومن المسلم به الاعتراف تحقق كل منهم كنتيجة لمنح المساعدات كما تحقق المعونات المصالح الدبلوماسية والمصالح التجارية وذلك بحسب الدكتور الزاملي.
مساعدة الدول النامية على مواجهة الازمات والكوارث مثل انتشار الامراض والاوبئة، الزلازل والبراكين، المجاعات، الجفاف، السيول والفيضانات، ومساعدة الدول الفقيرة على تلبية الاحتياجات الاساسية لمواطنيها ، استجابة لاعتبارات أخلاقية، تتمثل فى وفاء القادرين بواجب التضامن إزاء غير القادرين فى المجتمع الدولى و استجابة لمبدأ التعويض، تعويض الدول التى تعرضت للاستعمار فترات طويلة، عما سببه لها هذا الإستعمار من مشاكل إقتصادية واجتماعية وثقافية.
ما هي اجراءات تقديم المساعدات والشروط المرفقة؟ لم تعد المساعدات تقدم بناء على تعهدات من الدولة المتلقية باستخدامها في مجال معين، وانما وفق اسس ومعايير متكاملة دوليا، مع ارفاقها بما يلائم من شروط تنصب لضمان تحقيق الهدف من المساعدة، وهي شروط واسعة ومتكاملة وتفصيلية تمتد إلى حد المطالبة بالرقابة على طريقة استخدام الاموال المقدمة للبلد وضرورة الاشراف عليها، وحتى فرض طريقة ارساء المناقصات والشروط التي يجب ان تتضمنها وهو ما يفقد البلد المتلقي سيادته وقراره المستقل باحلال سيادة محل سيادة اخرى وان كان ذلك يتم تحت مسميات اخرى.
دعمت اتفاقيات جنيف منذ العام 1949 عمل المنظمات الإنسانية ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الاحمر. وحافظت في كثير من الاحيان على الانسانية وسط فظائع في عدة بلاد مزقتها الحروب او الكوارث على انواعها. كذلك اعلان باريس لفاعلية المساعدات الانسانية الذي اعتمد في العام 2005 وشارك فيه اكثر من 100 بلد ووكالة والذي أرسى تعهدات واضحة للدول المانحة وشركائهم من اجل ضمان فاعلية عملهم بالاضافة الى مؤتمرات عدة تم تنظيمها في كوريا الجنوبية وفي اجتماعات سنوية لمجموعة الدول المانحة.
تطورت ادوات اخرى للمساعدات عبر الامم المتحدة وعبر ايلاء دور اكبر للمنظمات غير الحكومية وذلك في نهاية ثمانينيات القرن الفائت، وبدأ مفهوم المجتمع المدني لسدّ فراغ ما لا يمكن ان تقوم به الدول، وتوسعت فكرة المساعدات من باب ديني او من باب حقوق الانسان والحقوق المدنية. تطورت المسارات في العام 2001 حيث انعقد في مونتري في المكسيك اول مؤتمر جمع الدول المانحة والجمعيات وتطلب الامر لغاية العام 2005 حيث كان اعلان باريس لتنظيم المساعدات الدولية. جمع اعلان باريس كل الخبرات من خطة مارشال الى خبرات الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية فنظمها ووضع شروطا للمساعدات الدولية وابرزها أنه لا تسمى مساعدة دولية إلا اذا كانت نسبة المنحة تفوق الـ25 في المئة. نظّم اعلان باريس الشروط المعتمدة للمساعدات الدولية ومن ضمنها معايير التعامل وحددت الامم المتحدة معايير عدة تتعلق بالحوكمة واحتياجات الدولة الانسانية والقطاعية وحالات الكوارث. ليست المجموعات المانحة كبيرة بل هي انضوت في ما يسمى
DAC-Donors Action committee
تمّ تأسيسها عبر الـ
OECD
أي منظمة التعاون الاقتصادي ومن ضمنها لجنة تضم الدول المانحة الاساسية التي تلتقي سنويا وتنظّم توزيع المساعدات وتصنّف الدول.
في الولايات المتحدة الأميركية ترتكز المساعدات على المنظمات غير الحكومية، وهذه الممارسة تعممت دوليا. ترتكز المنظمات غير الحكومية على آليات عمل تتضمن المشروع والبرنامج والخطة والتعاون المباشر بين الدول. هذه هي عناوين ابرز البروتوكولات الدولية لكن لكل منظمة دليلها الخاص لكنها تنضزي ضمن هذه العناوين الدولية العامة. وقد دخلت الى البروتوكولات حديثا اهداف الالفية التي يجب ان يأخذها اي مشروع بالاعتبار.