
“مصدر دبلوماسي”
تطرّق مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الى مواضيع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وزيارة مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم الى واشنطن، وتكليف سعد الحريري مجددا تأليف حكومة لبنانية، وسياسة العقوبات الاميركية وذلك في إيجاز صحافي عقده أمس مع صحافيين من الشرق الأوسط تحدث فيه عن الحوارات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعن زيارتيه الى المغرب ولبنان. وفي قراءة عامة لرحلاته الى هذه البلدان الأربعة قال ديفيد شينكر: (…).بينما كانت لدينا دائما علاقات قوية ومثمرة ومنذ فترة طويلة في منطقة الخليج، فإن هذه الحوارات الاستراتيجية جاءت كتعميق لعلاقاتنا والتزاماتنا بالأمن والازدهار. كان الحوار مع السعودية، على سبيل المثال، بمثابة مرحلة جديدة، وقد منحَنا الفرصة لتقييم ما كنا عليه وأين نحن الآن وإلى أين سنتّجه في علاقتنا”.
العلاقات الاميركية السعودية
بالنسبة الى العلاقة الاميركية السعودية قال ديفيد شينكر:” يصادف هذا العام ذكرى مرور 75 عامًا على الاجتماع المؤثر بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز على متن السفينة يو إس إس كوينسي، وهو اللقاء الذي أرسى أساس علاقتنا الثنائية الحديثة. واليوم لدينا ما يقرب من 40 مليار دولار في التجارة الثنائية سنويًا، وهو يدعم ما يقرب من 165000 وظيفة أميركية. ولا تقتصر علاقتنا فقط على التعاون المهم في مكافحة الإرهاب وهزيمة داعش ومواجهة نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، بل تمتدّ إلى وجود 37000 طالب سعودي مسجلين في الجامعات الأميركية، وهذه رابع أعلى نسبة من جميع أنحاء العالم.
إذا نظرنا إلى علاقاتنا المستقبلية في العقود القادمة، فإننا سنعمل من خلال هذا الحوار على تعزيز مجالات التعاون التقليدية مثل الدفاع والأمن والطاقة والتجارة، ولكننا سنساعد أيضًا المملكة العربية السعودية على تحقيق أهداف رؤية 2030 لتحويل مجتمعها وتنويع اقتصادها. وسنواصل إشراك المملكة العربية السعودية في دفع إصلاحات حقوق الإنسان، بما في ذلك دمج المرأة في أهدافها الاقتصادية وتمكين الشباب. كما أننا أثرنا على وجه التحديد قضايا المواطنين الأمريكيين في المملكة العربية السعودية.
وفي إطار بناء مستقبل العلاقة بين البلدين، أعلن الوزير بومبيو أن الاستعدادات جارية للحصول على موقع لسفارة جديدة في الرياض، ستمثّل إلى جانب القنصليتين الجديدتين في جدّة والظهران استثمارًا يزيد عن مليار دولار. وقد تم اختيار الموقع الذي تبلغ مساحته 26 فدانًا وموعد الانتهاء المستهدف للسفارة الجديدة سيكون 2026.
أما حوارنا الاستراتيجي مع الإمارات فكان في الواقع صيغة جديدة أطلقها وزير الخارجية بومبيو ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان هذا الأسبوع. يعتزم هذا الحوار تقديم إطار شامل لسلسلة متواصلة من المشاركات في ثمانية مجالات: صنع السياسات؛ الدفاع والأمن؛ تطبيق القانون؛ المخابرات ومكافحة الإرهاب؛ الاقتصاد والطاقة والتجارة؛ الثقافة والتعليم؛ برامج الفضاء؛ وحقوق الإنسان. لقد ذكرتُ للتوّ كيف تعمقت علاقاتنا الخليجية، وأعتقد أن هذا الإطار الذي نبنيه مع الإمارات العربية المتحدة يدلّ على تزايد هذا العمق.
وكما هو الحال في حوارنا الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية، فإننا لا نبني فقط على مجالات المشاركة التقليدية مثل الدفاع والأمن والتعاون في مكافحة الإرهاب والتبادلات التعليمية والثقافية، بل نتوسّع في مجالات جديدة من التعاون. خذوا على سبيل المثال تعاوننا في برامج الفضاء. في العامين الماضيين، عملنا مع الإمارات العربية المتحدة ووكالة ناسا لتوسيع التعاون في استكشاف الفضاء والبحوث المتعلقة بالفضاء. والآن ستكون شراكتنا في أنشطة الفضاء الخارجي سمة مشتركة لحوارنا الثنائي. في الحقيقة، فإن الإمارات انضمت الأسبوع الماضي إلى ست دول أخرى والولايات المتحدة للتوقيع على اتفاقيات أرتميس، وهي مبادرة للدول المتشابهة للعمل على استكشاف امتداد الأنشطة البشرية إلى القمر ومنه إلى المريخ. الفرص كثيرة للغاية، ولا يمكن احتواؤها في كوكب واحد فقط.
من المهم أيضًا ملاحظة أننا نعطي حقوق الإنسان مكانة بارزة في حوارنا وسنجري سلسلة من المبادرات من أجل مكافحة الاتجار بالبشر، ودعم الحرية الدينية، والتركيز على حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن، والعمال. وقد أظهرت اتفاقيات ابراهيم القدرة على إطلاق إمكانيات دبلوماسية وشراكات جديدة عبر المنطقة. وبالمثل، فإن هذه الحوارات الاستراتيجية مع حلفائنا الخليجيين تهدف إلى أن تفعل الشيء نفسه من خلال فتح إمكانيات جديدة على المستوى الثنائي”.
ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل
أضاف شينكر:” لقد عدت في الأسبوع الماضي مرّة أخرى إلى لبنان وزرت المغرب ولندن. في لبنان، قمت بتسهيل الجلسة الافتتاحية للمفاوضات بين حكومتي إسرائيل ولبنان حول ترسيم حدودهما البحرية. ولا شكّ أن إطلاق هذه المحادثات خطوة إيجابية، ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالوساطة وتسهيل المفاوضات بناءً على طلب كلا البلدين أثناء سعيهما للتوصل إلى اتفاق. وقد انضم إليَّ السفير جون ديروشر، الذي سيقوم بدور الوسيط الأميركي لهذه المفاوضات الجارية.
وفي لبنان أيضًا، التقيت بمجموعة من المسؤولين الحكوميين، ولأن زيارتي صادفت اقتراب الذكرى السنوية الأولى لتظاهرات 17 تشرين الأول/ أكتوبر، شدّدتُ على أهمية تنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تلبي مطالب الشعب اللبناني. فكما ذكرنا مرارًا، إن مواصلة العمل بالشكل المعتاد سابقا لم يعد مقبولا، وأي حكومة تأتي بعد ذلك يجب أن تلتزم بتنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وحوكمة أفضل ووضع حد للفساد المستشري وأن تكون قادرة على ذلك”.
وفي المغرب قال شينكر بأنه التقى” بوزير الخارجية بوريطة لمناقشة فرص زيادة التعاون الاقتصادي والأمني وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمغرب. ثمّ أنهيت رحلتي في لندن لإجراء مناقشة مع نظرائي في المملكة المتحدة حول التطورات الأخيرة في المنطقة، وأثناء وجودي هناك، أجريت محادثات مثمرة مع رئيس الوزراء العراقي الكاظمي، حيث نقلت إليه تقديرنا للجهود التي يبذلها من أجل زيادة أمن مجتمع الدبلوماسيين في العراق”.
ترسيم الحدود
وسئل شينكر إن كان متفائلا بتوصّل لبنان وإسرائيل الى إتفاق بشأن الحدود البحرية وما هي انطباعاته عن الجولة الاولى من المحادثات، فقال:” كنت سعيدًا بالطريقة التي سارت بها الجولة الأولى من المحادثات، التي بدأها، كما تعلم، ديفيد ساترفيلد، الذي عمل مدة عامين تقريبًا من أجل تأمين هذه الاتفاقية الإطارية. عملت بدوري لمدة عام تقريبًا لتحقيق هذا الأمر. لذلك يسعدنا أن نراه يمضي قدمًا بموافقة الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية، كما يسعدنا أن نحضر هذه الجلسة الأولى من هذه المناقشات حول ترسيم الحدود البحرية، وأن نفعل ذلك بحسن نية. أعتقد أنها كانت ضمن بيئة إيجابية، كما أعتقد أن كلا الطرفين أظهر جدية، ولكن بالطبع هذه كانت الجلسة الأولى فحسب، والعمل الشاقّ لا يزال أمامنا، ومع ذلك فإن كلا الجانبين عبّر لي عن استعدادهما ورغبتهما في التفاوض – مع التركيز على التوصّل إلى اتفاق. لقد أعربا عن جديتهما ورغبتهما في الانخراط بمرونة وحسن النية للمضي قدمًا.
لذلك لا أريد أن أقول إنني “متفائل”، ولا أريد أن أقول “متشائم”، لكنني أعتقد أننا بدأنا بداية جيدة وأتطلع إلى الاستماع هذا الأسبوع إلى السفير ديروشر، الذي سيتولى الجلستين المقبلتين للمفاوضات مع الأطراف”.
الحريري ومدى قدرة استجابته لمطالب اللبنانيين
وسئل شينكر عن رأيه بـ”خبر ترشيح الرئيس سعد الحريري مرّة أخرى فقبل عام استقال لأنه اعتقد أنه لا يستطيع الاستجابة لمطالب اللبنانيين. اليوم ها هو يصعد مرة أخرى. فهل تتخلّون عن السياسة اللبنانية؟ هل ترى أن نفس الوجه يعود مرة أخرى، والمشاكل نفسها أسوأ مع ما يقرب من 50 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وقد تمّ تخفيض قيمة الليرة بنسبة تزيد عن 80 في المئة من قيمتها؟ ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة للتغيير – لدفع هذا التغيير الذي تريده والذي يتوافق مع مطالب الشعب في لبنان؟
أجاب شينكر:” نحن منخرطون في لبنان. لقد جئت للتو من زيارة إلى هناك استغرقت ثلاثة أيام، ولم نمضِ سوى يوم واحد نتحدّث عن المناقشات البحرية. وإذن ركّز يوم واحد على ترسيم الحدود البحرية ويومين آخرين مع سياسيين لبنانيين وفاعلين سياسيين ونشطاء المجتمع المدني. موقفنا لم يتغير. نحن نقف مع اللبنانيين وهم يحثون قادتهم السياسيين على إنهاء روتين العمل السابق.
ما زلنا مصرّين على ضرورة أن تتبنى أي حكومة جديدة في لبنان الإصلاحات وتنفذها، وتتبنى الشفافية، وتكافح الفساد، وتحاسب الفاسدين على جرائمهم أو آثامهم، وأن تلتزم النأي بالنفس. هذا ما قالته الولايات المتحدة أكثر من مرّة، وهي الشروط الأميركية المسبقة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ومساعدة لبنان. قال الفرنسيون الشيء نفسه فيما يتعلق بتمويل هيئة تنظيم الصناعة المالية (FINRA). لقد أوضحنا ذلك نحن ومجموعة الدعم الدولية، أليس كذلك؟ يجب تلبية التطلعات المشروعة للشعب اللبناني.
أما من الذي يجب أن يقود الحكومة ويخدم فيها فهذا أمر يقرره الشعب اللبناني بنفسه، لكننا نحتفظ بمعايير عالية من الآن فصاعداً. نعتقد أن لبنان في حاجة ماسة للإصلاح الاقتصادي والمؤسسي، من أجل حكم أفضل، ووضع حدّ للفساد المستشري الذي قوض بالفعل قدرة لبنان على تحقيق إمكاناته الهائلة.
هذا هو الحال باختصار”.
يهمنا المبادئ لا هوية رئيس الحكومة
سئل:” شغل السيد الحريري منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية. لماذا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنه ليس جزءًا من المشكلة وإنما هو جزء من الحل؟ لماذا تعتقد حكومة الولايات المتحدة أنه سيحقق أيًا من الأهداف التي قلت إنها ضرورية؟ وهل يمكنك التعليق بالتحديد على حقيقة أنه تم اختياره كرئيس للوزراء لتشكيل الحكومة المقبلة؟ هل هذا شيء جيد أم سيئ من وجهة نظر الولايات المتحدة؟
قال شينكر متوجها الى الصحافي:” أنا أقدر جهودك لجعلي أعلق على رئيس الوزراء المكلف الحريري أو في الواقع على أي سياسي لبناني آخر قد يتم الاستعانة به لهذا المنصب. لم تعلّق الولايات المتحدة أو تدرس شيئًا بشأن أفراد معينين في لبنان. لقد أكدنا منذ البداية أن ما يهمنا هو المبادئ، وسوف أكرّر ذلك الآن. إنه الإصلاح، والشفافية، ومكافحة الفساد، تلك هي المسألة، وأيضا النأي بالنفس. مهما تكن الحكومة في لبنان، إذا كانوا يريدون المساعدة في إخراج لبنان من هذه الأزمة، فسيكون هذا شرطًا لا غنى عنه. كلّ هذه المعايير يجب أن تتحقّق. ولا يتعلّق الأمر فقط بإطلاق العنان للمساعدة الدولية، بل يتعلّق أيضا بإعادة لبنان داخليًا إلى المسار الصحيح، حتى تحصل الحكومة على الثقة الدولية، وعلى ثقة الشعب اللبناني أيضاً.
لقد رأينا جميعًا الأرقام، وهي مثيرة للقلق بشكل لا يصدق – أكثر من 100 في المئة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ الناتج المحلي الإجمالي الذي انخفض من 50 مليار دولار في السنة إلى 30 مليار دولار في السنة؛ 50 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر. 22 في المئة من اللبنانيين معوزون. لقد رأينا تقارير حول مقتنيات البنك المركزي؛ هناك تحقيق جنائي يجري الآن. هناك الكثير من الأمور التي يجب إصلاحها، وبالتالي فإننا نتمسك بالمبادئ بدلاً من الأشخاص، ولذا فإننا سنحتفظ بحكمنا”.
زيارة اللواء ابراهيم
سئل شينكر عن “التقارير الأخيرة حول المفاوضات بين إدارة ترامب والنظام السوري حول مفاوضات الرهائن، حيث كان مدير الأمن اللبناني، عباس إبراهيم، في واشنطن لإجراء محادثات حول الوساطة المحتملة بين الولايات المتحدة وسوريا. هل الولايات المتحدة على استعداد لإعادة التعامل مع نظام الأسد؟
قال شينكر:” حسنًا، كما قال الوزير أخيرا على ما أعتقد، وقد كنت مسافرا في الفترة الأخيرة، فسامحني، ولكنني أعتقد أنني رأيت تعليقات من الوزير قبل أيام، مفادها أننا نتطلع دائمًا إلى الأمام – نبحث عن طرق لإعادة الأميركيين، كل الأميركيين. وقد رأيتم كيف أننا أعدنا للتو عدة أميركيين من اليمن. لطالما كان هذا أولوية قصوى للإدارة، وسننخرط بأي طريقة يجب أن ننخرط بها لمساعدة الأميركيين. ولكن كما قال الوزير، هذا لا يعني تغييرًا في السياسة تجاه سوريا.
العقوبات الأميركية المستقبلية على لبنان
سئل:” هل تدركون الدور الإيجابي الذي يلعبه الرئيس في محاربة الفساد؟ ثم فيما يتعلق بالعقوبات المستقبلية على لبنان، هل هي مجمدة بعد موافقة الرئيس بري على بدء المحادثات مع إسرائيل؟
أجاب شينكر:” فيما يتعلق بالعقوبات سأكون واضحًا. لا توجد صفقة هنا. لا يوجد شيء للقراءة ما بين السطور. ستواصل الولايات المتحدة فرض العقوبات وستواصل متابعة العقوبات ضد حزب الله وحلفائه اللبنانيين. ستستمرّ الولايات المتحدة في فرض عقوبات من خلال قانون ماغنيتسكي العالمي ضد أولئك المتورّطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد. وبالتالي لا يوجد اتفاق هنا وسوف تستمرّ هذه بغضّ النظر عن المحادثات حول الحدود البحرية، وبغض النظر عن تشكيل الحكومة. ولقد رأيتم ذلك قبل أسابيع قليلة عندما فرضنا عقوبات على فينيانوس وعلي حسن خليل”.